الأحد ٢٩ تموز (يوليو) ٢٠٠٧
بقلم توفيق العيسى

مملكة الوهم

( مرة ربت ثور ما حرث) لعل هذا المثل الذي جاءنا عبر أعمال درامية سورية، - وهي في معظمها تاريخية تراثية- يمثل وجهة النظر الحقيقية للمجتمع العربي عبر فترات زمنية مختلفة عن دور المرأة.

وإذا افترضنا أن الأمثال الشعبية هي نظرة المجتمع لفكرة ما أو قضية ما، بمعنى أنها أيدولوجيا شعبية، نرى أن هذا المثل وغيره ينحصر في إدانة دور المرأة في تربية (أولادها)- ونضع كلمة أولادها بين قوسين عمدا- إذن هم أولادها هي، ويقع على عاتقها -كما يقول المحافظون والسلفيون- تربيتهم، وبنفس الوقت فإن ( ثور المرة لا يحرث) والمرأة المطلوب منها أن تربي أولادها غير قادرة على التربية أو غير مؤهلة لهذا العمل بسبب نقص فيها لا يعلمه إلا الرجل، وهي بذات الوقت لا تصلح للعمل خارج البيت أو أن وجودها خارج إطار البيت هو وجود مشبوه ، وداخل البيت فإنها مهما فعلت وأنجزت وأنجبت فإن (ثورها ) بالنهاية لن ( يحرث) (يعني لا برا ولا جوا زابطة معها)

من هنا نستنتج أننا بأمثالنا الشعبية وتفكيرنا وطريقة تحليلنا للأمور سبقنا ( كارل ماركس) إلى اكتشاف (الديالكتيك)، قاريء ما يضع رجل على رجل يسحب نفسا من سيجارته سيسأل "وشو يعني ديالكتيك" أجيبه " مش مهم وما تسأل مين ماركس هذا مش موضوعنا"

نعود إلى ( ثور المرة) وبعودتنا هذه نعود أيضا إلى أدبيات كثيرة تبدء منذ أسطورة الخلق الأولى وعقدة الخروج من الجنة مرورا بالتوراة وعقدة ( شمشون) معرجين على فاجعة (هاملت) بأمه وعقدة( أوديب) متصفحين كتاب ( قول ياطير) التراثي الفلسطيني، نجد أن تاريخا طويلا من التحريض حفر في الذاكرة الجماعية لدينا حول المرأة وطبيعتها وشرورها، هذا التراكم التحريضي سهل انسحاب المرأة من الحياة العامة إلى المطبخ، وفي محاولة للتعويض المعنوي اخترع البعض قصة ( بيت المرأة مملكتها) ليهيأ لنا أنها مملكة بحق وأن المرأة ملكة ولها رعية وبلاط وأنها الآمر الناهي فيها، ومثلما أغرت حواء آدم لأكل التفاحة فأخرجته من الجنة، يبدأ الرجل بإعادة تمثيل هذه القصة ولكن ليكون هو البطل هذه المرة وليس الضحية، فيبدأ الإغراء ، الخطوة الأولى تبدأ بمملكة والخطوة الثانية ملكة، بعدها الآمرة الناهية، كمان خطوة ، دور المرأة هو تربية جيل المستقبل، (ها قربنا وهاي خطوتين) الحب والحنان ودفء الأسرة،قربت عشر خطوات، حتى إذا ما دخلت مملكتها الموعودة، ، اكتشفت أنها لا تصلح لتربية ثور، وأن ( شاوروهن وخالفوهن) و( كيدهن عظيم) ( ووديناها توخذ ثار أبوها رجعتلنا حبلى) ( وناقصات عقل ودين)الخ ... الخ... الخ مع ملاحظة أن معظم هذه الممالك بالإيجار وأصحابها مهددون بالطرد منذ 15 شهرا.

باختصار تكتشف الملكة المخدوعة أن قصتها مع المملكة الموعودة كقصتنا مع أوسلو والدولة المؤقتة.

فإذا كنا ناقصات للعقل والدين فكيف يدعي النظام الإجتماعي أن التربية من واجبات التربية ومحصورة فيها فقط، وكيف يأمن الرجل على أبنائه ممن هي ناقصة للعقل والدين؟، وأي جيل ستربيه صاحبة الكيد العظيم؟ فنحن أمام تناقض في الفكر الاجتماعي والسلفي الذي يمنح المرأة سلطة التربية من جهة وينزع عنها الشرعية من جهة أخرى، أو أننا أمام حالة لا مبالاة بالجيل القادم من قبل الرجل ليتركه بين يدي (الضلع الأعوج) وهذا بالضرورة يقودنا إلى الاعتقاد أن قضية التربية هي مسألة تافهة، والا لكان تولى القضية بنفسه هو طالما انه هو الأقدر.

سأعود ألى ذلك القاريء الذي لم أجاوبه عن معنى الديالكتيك، أتريد أن أجاوبك؟؟ حسنا عدل جلستك، أشعل سيجارة أخرى، خذ نفسا عميقا
تتلخص المسألة كلها عبر مثل شعبي أيضا وهو ( مقسوم لاتوكلي وصحيح لا تقسمي وكلي تا تشبعي) هذا هو دياليكتيكنا الشعبي، مع الاعتذار لماركس


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى