الاثنين ١٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٧
بقلم مهند عدنان صلاحات

بنات الرياض... وتعرية المسكوت عنه في المجتمعات المخملية الشرقية تجاه المرأة

ثمة رؤية في رواية "بنات الرياض"، للروائية السعودية الشابة رجاء الصانع، قد تبدو بأنها جاءت من حيث الاسم والمضمون، والحكاية، رواية "سعودية" تحمل خصوصية المكان، إلا أن الرواية تحمل أبعاداً مهمة بالنسبة للمجتمع الشرقي ككل. فعلى الرغم من مرور بضع سنوات على صدورها، فهي أنها بحاجة لإعادة قراءة دائمة، حيث أن المنحى الأدبي لها لا يمكن أن تقارن بروايات أخرى من الناحية الشكلية أو الفنية أو حتى لغوياً. وخاصة أن الرواية كانت فاتحة لروائيين سعوديين اخرين ليفتحو باب المسكوت عنه في المجتمع بكل تفاصيله من الشذوذ الجنسي، إلى المجتمع المخملي، وغيره الكثير.

إلا أن أهميتها تكمن في عناصر مهمة، فمن الناحية الاجتماعية خرجت بها كاتبتها من رحم مجتمع "ثيوقراطي"، يسلب المرأة حقوقها بسلطة الدين، يمنعها من قيادة السيارة، أو الخروج وحدها للسوق، وكما يقول السعوديون أنفسهم؛ مجتمع يخجل باسم المرأة، لذلك فهي دائماً تسمى "العائلة" والتي يقصد بها الزوجة، في حال وجد الرجل السعودي نفسه مضطراً لأن يذكرها في سياق الحديث. أما من الناحية الشكلية، فقد خرجت عن الشكل النمطي أو التقليدي للرواية العربية، والتي يجب أن تتقيد بقواعد وأسس الكتابة، واضعة رجاء روايتها بشكل عفوي في إطار الأدب الروائي ما بعد الحداثي، حيث يعتبر البعض أن الرواية ليس إلا مجموعة رسائل بريدية إلكترونية تتحدث فيها الكاتبة عن قصص صديقاتها، ولذلك كانت تُسهب رجاء بين كل مقطع، أو رسالة إلكترونية، بشرح ردة الفعل على الرسالة السابقة، إلا أن هذا أيضاً يمكن أن يدخل ضمن التحديث في فن الكتابة الروائية، بل يمكن اعتبار الرواية ككل، ثورة اجتماعية أدبية، على المجتمع بقيمه الطبقية، والاجتماعية، والدينية، وكذلك فن كتابة الرواية العربية.

فرجاء الصانع على الرغم من الخلاف حول ماهية الجنس الأدبي الذي أنتجته، وركاكة اللغة لديها في مواضع كثيرة، إلا أن روايتها كانت عبارة عن دراسة أدبية اجتماعية مبسطة في طبيعة المجتمع السعودي، انتقدت بوضوح وجرأة، القيم الاجتماعية والدينية المبتذلة في مجتمعها، آخذة أربع فتيات كشخوص رئيسية في روايتها -ولا أعتقد أنهن حقيقة- بل استطاعت عبرهن أن تعبر عن شريحة شملت تقريباً مع الشخوص الثانويين الذين ارتبطوا بالشخصيات الرئيسية، سواء الأهل، أو الأفراد، عن كل المجتمع السعودي المخملي.

الفتاة المتدينة وطريقة تفكيرها، ونظرة المجتمع لها بالرضاء لهذا السبب، والفتاة التي يدخل في تركيبتها الجينية عرق أجنبي، وكيف يرفضها المجتمع لمجرد أن أمها أجنبية، بالإضافة لنقدها وبشكل جريء جداً الخطأ في النظرة للمرأة ككيان إنساني، والتطرق لأهم أسبابها، وطريقة تفكير الرجل الشرقي، الذي جسدته "بخطيب" صديقتها –المفترضة- والذي طلقها لمجرد أنها جلست معه وحدها ومنحته ما يمكن أن يكون بين أي خاطبين وفقاً للشريعة الإسلامية، منطلقاً من قاعدة من تهبه شيئاً من جسدها، يمكن أن تهبه لغيره.

الأهم من ذلك، طرقِها لباب الصراع الطائفي المسكوت عنه في داخل المجتمع (السني -الشيعي) بأسلوب جميل دون أن تعلن انحيازها لأي طرف، مظهرة بذات الوقت الاضطهاد الذي تعانيه الأقلية الشيعية في المجتمع السعودي من خلال المجتمع السني، ونظرته، وطريقة تعاطيه معهم، وليس من خلال التعاطي الحكومي الرسمي.

النقطة الأهم أن رجاء دون أن تعلن الانحياز لأي من شخوص روايتها، تجعل القارئ رغماً عنه ينحاز لشخوصها دون أن تعلن صراحة رغبتها بذلك، وهذا النمط من القدرة على الإمساك بدفة القيادة العاطفية بالرواية ليس بالأسلوب السهل لدى روائية مبتدئة، خاصة أن فن الرواية كما هو متعارف عليه –عرفاً- فنٌ يكتبه الأديب بعد سن النضوج الأدبي، حتى أن غالبية الروائيين كتب الرواية بعد سن الأربعين، مثل الروائي السوري حنا مينا، والذي نظّر كثيراً لذلك، مما يعني أن رجاء الصانع لم تخرق فقط الشكل الروائي، ولا طبيعة المجتمع، بل أنها كسرت قاعدة عمر الأديب الروائي.

مرة أخرى، بنات الرياض هي رواية تمهد لدستور الثورة الاجتماعية، بالإضافة لاحتوائها -على الرغم من بساطة رجاء- على بعض التقنيات الفلسفية البدائية، فمثلاً تقول: أعلم أنني لن أجد اليوم من يقف مؤيداً لما أقوله، ولكنني على يقين بأنني لن أجد من يعارضه بعد عقد من الزمن.

مثل هذه العبارة، تفيد بأن الكاتبة على الرغم من صغر سنها، استطاعت احتواء التناقضات، وإنها مدركة لحجم الرسالة التي قررت أن تحملها، ومدى تأثيرها مستقبلاً.

كل ذلك يحمله مضمون الرواية، أو الدراسة الاجتماعية، التي أراد النقاد محاكمتها عليها كرواية ضعيفة "لروائية"، فهي ليست بالروائية، لأن شكل الرواية مقارنة بالنمط التقليدي يبدو ضعيفاً، والآلية التي كُتبت فيها، لم يكن شكل كتابة رواية، لذلك قلت إنها ربما تكون أحد أشكال الرواية الحداثية، ولغتها الركيكة التي استخدمتها ربما أضعفت منها أكثر، وجعلتها ضمن إطار الرواية الوطنية التي لا يفهمها إلا مواطني دولة الروائية، أو من يعرفهم جيداً، فقد استخدمت رجاء الكثير من المفردات السعودية العامية، وبعض المفردات الخليجية، رغم محاولتها تفسير هذه المفردات لأنها قد تبدو غير مفهومة بالنسبة للبعض ممن لم يعش ولم يخالط مجتمع الخليج، إلا أنها قد تحمل نوع من التوظيف للمفردة العامية ضمن النص، مما يبسطه أكثر، ويقربه لذهن القارئ، ونوع من تبادل الثقافة العامية، على الرغم من أن هذا الاستخدام للعامية جاء لأسباب تتعلق في أن روايتها كانت مجموعة من الرسائل الإلكترونية الموجهة عبر مجموعة بريدية إلى السعوديين فقط، وكذلك كونها ليست في الأصل كاتبة أو أديبة لديها القدرة على استخدام تقنيات اللغة العربية الفصحى بمجازاتها، ومرادفاتها.

وربما يُطرح السؤال، لماذا وبعد مضي سنوات على صدور الطبعة العاشرة من الرواية يعاد البحث فيها ؟

ببساطة لأن ما طرحته رجاء الصانع لم يكن أزمة اجتماعية مؤقتة، ولم يكن استعراض طارئ لحالة، بل كان نقد مباشر لحالة المجتمع الشرقي المستمرة، رغم التقدم التقني، والعلمي في المجتمع، وتغيراته وتحولاته المستمرة، إلا أن عاداته وتقاليده لم تزل تنتقص من إنسانية المرأة العربية، بكل قيمه الدينية، والاجتماعية، ومن ناحية أخرى، قبل أيام صدر تقرير التنمية عن الأمم المتحدة، وخرج بنتيجة هامة، أن الحد من إشراك المرأة في الحياة العملية يعيق عملية التنمية في المجتمعات النامية، لذلك يمكن اعتبار هذه الرواية، حملت رسالة تبشيرية بالتحول الاجتماعي في أكثر المجتمعات العربية تشدداً نحو المجتمع المدني، الذي يبدأ بتشخيص الحالة قبل البدء في تحديد العلاج.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى