السبت ٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٧
بقلم إبراهيم سعد الدين

صفحات مهجريّة.. رافدٌ جديد في الثقافة العربية

أدب المهجر كان ـ وما يزالُ ـ رافداً مُهِمّاً من روافد الثقافة العربية، وهمزةَ وَصْلٍ بين الحضارة العربية وغيرها من الحضارات الإنسانيّة. ليس هذا فحسب، بل كان لأدباء المهجر ـ دوماً ـ دورٌ رائد في طليعة حركات التجديد الأدبي والتنوير الثقافي التي شهدها الوطن العربي. من ذا الذي يجهل أو يتجاهل تأثير جبران خليل جبران وإيليا أبي ماضي والياس أبي شبكة وغيرهم في ثورة التجديد والتحديث لأدبنا المعاصر..؟!
في هذا السياق تأتي دوريّة "صفحات مهجرية" ـ وهي كتاب أدبي ثقافي نصف سنوي يصدر عن رابطة القلم العربية ـ الأمريكية باللغتين العربية والإنجليزية، ويرأس تحريرها الشاعرة السّوريّة المعروفة إباء إسماعيل، وتضمّ هيئة التحرير كوكبة من الكتاب والأدباء العرب المُقيمين بالمهجر. وقد جاء العدد الخامس عشر حافلاً بالغنى والتنوّع في مادّته الأدبية والفكرية، شاملاً لأطيافٍ واسعة من آفاق الأدب وقضايا الثقافة المعاصرة، مازجاً بين إبداع أدباء المهجر وأدباء الوطن، جامعاً ـ في تبويبه ومحتواه ـ بين العُمقِ والبساطة، والرصانة والتّجريب، والأصالة والمعاصرة.

افتتاحية العدد للدكتور عدنان مكي الأمين العام لرابطة القلم العربية الأمريكية جاءت بعنوان "حلب عاصمة الحضارة والحوار". وفي استهلالية العدد نقرأ أيضاً "مشاهد من ذاكرة شاعر" للشاعرة إباء إسماعيل وفيها تجيب على بعض التساؤلات التي تؤرق الوجدان العربي المعاصر.

في زاوية (مقالات وآفاق ثقافية) نقرأ للدكتور تيسير الناشف مقالاً عن المرأة العربية يعرض فيه لعوامل القهر الاجتماعي والثقافي والنفسي التي تحدّ من إبداعها ويصل في تحليله إلى أن المرأة العربية مقهورة ولا يمكن تحقيق النهضة بدون تحقيق الإبداع (لا إبداع بدون تحقيق الحرية الفكرية والنفسية والعاطفية، ودون التحرر من القمع الفكري والنفسي والعاطفي، أو بدون الشعور بهذا التحرر، لأن هذا القمع أو الشعور به يشلُّ أو يخمد الطاقات الإبداعية الكامنة في الدماغ والعقل).

وفي نفس الزاوية نقرأ مقالاً عن "إرادة الوعي" لأيمن بارودي، وتعريفاً بأحد أعلام الثقافة العربية بعنوان "الدكتور داهش.. الأديب والفيلسوف" لمحمد المصري، ونقرأ لسعاد شقير "خاطرة قبل الرحيل" التي تصوّرُ فيها تجربةً إنسانيّةً بالغة العُمقِ والتأثير، حين يمرضُ الإنسانُ مرَضاً لا شفاءَ منه ويقف على حافّة الموت. وتُنهي مقالها بعبارة مُشرقَةٍ بنورِ الأمَلِ رغم كُلّ شيء: "سادَ الظلامُ غرفتي وسَيْطََرَ عليَّ التعب.. وما زلتُ أحلمُ بيومٍ يُشرقُ في وجهي قوسُ قُزَح من جديد".

في زاوية (في ذاكرة الوطن) نقرأ للشاعرة إباء إسماعيل مقالاً عن المخرج العربيّ الرّاحل مصطفى العَقّاد تستهلّه بقولها: "مَنْ يسعى لاغتيالِ الحضارة، يغتالُ مُبدعيها.. ومن يُريدُ اغتيالَ الوطن، يَغتالُ رموزه". ونقرأ مقالاً عن أديبنا الرّاحل نجيب محفوظ بعنوان "نجيب محفوظ يولَدُ مَرَّةً أخرى" لميلاد فايزة الذي يؤرّخُ في مقاله بإيجاز لرحلة هذا الروائي الكبير مع الإبداع، ويختتمه بقوله: "لقد ماتَ نجيب محفوظ دون أن تناله أيادي الأعداء، ماتَ تاركاً لقَُرَّائه في كل اللغاتِ العالمية أجملَ حكايات القاهرة التي أبْلَتْ شوارعها أحذيته، ومسَحَ بيده البيضاء على نيلها وأطفالها.. إنه الآن فقط يولَدُ في هذه اللحظة التي تُفتحُ فيها كتبه من جديد".

وفي نفس الزاوية نقرأ مقالاً ثالثاً عن شاعرنا الكبير الراحل نزار قباني بعنوان "نزار قباني.. والإبداع الأنيق" للكاتبة سُلَيْمَى محجوب حَمَّامي التي تعرضُ فيها لمسيرة الإبداع عند نزار قباني الذي تصفه في مستهلّ حديثها بأنه: "شاعرٌ مُبدع أتقن لغةَ الجمالِ والموسيقى والخيالِ، ومنَحَنا ذخيرةً واسعة من لغةٍ أنيقة تعاملَ معها بشكلٍ رائع، ممّا جعلَ لنزار مدرسةً إبداعية تُنسبُ إليه، ويطمحُ كثير من الشعراء أن ينضووا تحت لوائه". وتختتمُ حديثها عنه بالقول: "إنه إبداع نزار قبّاني شاعر القرن العشرين، إبداعٌ مُتَجَدِّدٌ وأنيق، تتوهّجُ فيه شاعريَّة ذات رسالة، لا تحملُ عبء الشِّعر فقط بل تحملُ عبق التاريخ بتعبيرات ومفرداتٍ جديدة مُستمدة من صميم التجربة ومن النفاذ إلى الحقائق الإنسانية، فكان كالصرخة التي تنبعثُ من العقل لتخاطبَ القلوب".

في زاوية (آفاق شعرية) نقرأ قصيدة "أوتارْ" للشاعرة إباء إسماعيل التي تقول فيها:

الصِّدقُ الجَارِحْ
كالوَطَنِ الجارِحْ
سَيْفٌ من فولاذْ..!!
والكَذِبُ هُلاَمٌ
لُغَةٌ خائنةٌ
وطنٌ ليس له
صوتٌ وملاذْْْ.

في نفس الزاوية نقرأ للشاعر عاطف علي الفراية قصيدة "السَّامري"، وللشاعر فرانسوا باسيلي قصيدة "المنزل المفتوح"، وللشاعر حسن رحيم الخرساني قصيدة "نوافذ التُّراب"، وللشاعر عبد النبي بزِّي قصيدة "أُمسية الشاعر"، وللشاعر ماجد أبو غوش قصيدة نَثْرٍ بعنوان "منديل لدموع غزة" يستهلّها بقوله:

أعْلَمُ أنّ بكاءكِ كان مريراً، وأنَّ المِلْحَ غطّى تُفّاحَ خَدَّيْكِ، وأنَّكِ نادَيْتِني، وأنّ عيْنَيْكِ بَلَّلَهما الحُزنُ، وأنَّ أصابعَ يَدَيْكِ كانت تحيكُ أغاني العُرْسِ على صفحة المَوْجِ والغَيْمِ، وأنَّكِ انتظرتِ طويلاً على مَدخلِ الحُلمِ، وأنَّ القيد ترك بصماته على خاصِرَةِ النخل..!!

لكنهم لم يتركوا لي

منديلاً نظيفاً حتى أقدّمه لكِ..!!

في زاوية (آفاق قصصية) نقرأ للقاصّ إبراهيم سعد الدين قصة "مَطَر صَيْفي"، ونقرأ فصْلاً من رواية "عًشْب الأرصفة" للكاتبة إيمان بصير، وقصة (العيد) للقاص حسين علي التوبي، وقصة (من فتاة جنوبية إلى أطفال تلّ أبيب) للقاصّة فاطمة خليفة.

وفي زاوية (واحة الأدب العالمي) تحدثنا د.فاطمة حليم عن الشاعرة الأمريكية المعاصرة (من الهنود الحمر السّكان الأصليين لأمريكا) ليندا هوجن، كما تحدثنا عن بدايات مشاركة المرأة العربية خارج الوطن وكذلك بدايات دراستها بالخارج.

وفي زاوية (إصدارات جديدة لأدباء المهجر) يقدم الشاعر عيسى حسن الياسري عرضاً لكتاب "الإسلام بعيونٍ مسيحية" للمفكر والباحث د.لطفي حداد الذي يقول عنه في سياقِ تقديمه: "إن الباحث والأديب لطفي حَدَّاد ومن خلال كتابه القيّم ـ الإسلام بعيون مسيحية ـ أراد أن يُقَدِّمَ كَشْفاً روحيّاً مهمّاً يشتركُ فيه العالم كله، هذا الكشْف مَبْنيٌّ على وحدة المُعتَقَد الرُّوحي وعدم تجزئته، وإظهار تلك الرؤية الشمولية التي تتصفُ بها الديانات الرئيسية سواء أكانت رؤيةً دنيوية أم تلك التي تتجاوزها إلى العالم الآخر".
وفي نفس الزاوية يقدم ياسر سعد عرضاً لأهم الإصدارات الحديثة لأدباء المهجر الأمريكي.

وفي زاوية (أصوات أدبية شابّة) نقرأ قصيدة "شرود في ازدحامٍ خريفيّ" لعمر سليمان، ونقرأ خاطرة بعنوان "شلالات نياجرا" لريم العلوي.

وفي زاوية (بصمات طفولية) نقرأ قصيدة "سفينة الغيوم" للشاعر محمد وحيد علي، وقصيدة "هيّا يا نوَّار" للشاعر محمد سعيد جعارة.

وفي زاوية (حوارات) نقرأ حواراً مع الفنانة التشكيلية الكويتية ميّ السّعيد حواراً أجراه معها حيدر الياسري.

ونطالع بالمجلة أيضاً باباً بعنوان (ندوات ثقافية) يلقي الضوء على أهم الأحداث والفعاليات الثقافية بالمهجر، وآخر بعنوان (مراسلات أدبية) يفتح نافذةً للحوار بين المجلة والقراء.

أمّا مُلحق المجلة الصّادر باللغة الإنجليزية فيضُمُّ قصيدة بعنوان "حضارة الجنس البشري" للشاعر يوسف القاموسي، ومقالاً بعنوان "عالم جديد بأكمله" للكاتبة لمى الغانم، وحواراً مع القاص الأمريكي من أصل عربي دان لوسيان أجرته الشاعرة إباء إسماعيل، ومقالاً بعنوان "ما هو الجديد في العِلْم..؟!" للباحث د.محمد عبّاس.

"صفحات مهجرية" نافذةٌ تُطلّ على مختلف الحضارات الإنسانية من موقع الانتماء الأصيل للعروبة والاعتزاز بحضارتنا وثقافتنا ومقومات هويتنا العربية، وتجمعٌ ثقافيٌّ رفيع المستوى يضمُّ كوكبةً من المبدعين العرب كتاباً وشعراء ومفكرين وباحثين بعضهم يقيم بالمهجر والبعض الآخر يقيم على أرض الوطن، ومن خلال هذا التفاعل المبدع الخلاق تتشكّلُ أفكارٌ ورؤى خصبةٌ وضَّاءة ويتدفقُ في عروق الثقافة العربية دَمٌ جديد يُثري عطاءها، ويُغني رسالتها، ويعزز مسيرة التقدم والارتقاء والاستنارة والإبداعْ.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى