الثلاثاء ٤ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم ريتا مرهج

أولادنا من الولادة حتى المراهقة

هل طريقة إدراك الأولاد الصغار للعالم حولهم مشابهة لطريقة الإنسان الراشد أم إنها تختلف بشكل جذري عنها؟ لماذا البعض منا يحتفظ بنفس نمط السلوك الذي تميز به كطفل. والبعض الآخر يتحول الى "شخص آخر" يختلف كلياً عما كان عليه في طفولته؟ الى أي مدى تشبه خبرات أولاد اليوم في البيت والمدرسة والشارع خبرات أولاد الأجيال السابقة، والى أي مدى تختلف عنها؟ ما هو تأثير التغيرات عبر الأجيال. مثل عمل الأم، تكاثر الحضانات، الطلاق، العائلة المصغرة والتكنولوجيا – على شخصية الأولاد ونمو قدراتهم؟

هذه هي باختصار بعض الأسئلة التي تتوجه إليها دراسة تطور الأطفال بتناولها كل مجالات النمو عند الإنسان منذ الولادة حتى سن المراهقة.

إن دراسة تطور الأولاد حديثة نوعاً ما إذ إنها لم تأخذ منحاها العلمي إلا في بدء القرن العشرين. فأخذت النظريات تنتشر حول مفهوم التطور. وكلمة نظرية تعني هنا مجموعة أفكار هدفهاه وصف وتحليل ووضع توقعات أو تنبؤ للسلوك.

فمثلاً، نظرية حول تعلق الطفل بأمه تعطي وصفاً لسلوك الرضيع الذي يؤدي الى بحثه عن حنان أمه في الشهر السابع، كذلك تحلل النظرية سبب هذا البحث عند الولد، وأخيراً تحاول النظرية التنبؤ حول ماذا قد ينتج عن فقدان هذا الحنان وتأثيره على علاقة الولد بأمه.

فالنظرية مهمة لسببين: السبب الأول هو أنها توفر إطاراً منتظماً لمراقبتنا للولد في تصرفاته وانفعالاته، أي إنها تحلل ماذا نرى. والسبب الثاني هو أن النظرية تعطينا ركيزة متينة للعمل التطبيقي، فإذا فهمنا عملية التطور، نكون في موقع أفضل لكي نقوم بمجهود عملي لتحسين الظروف المحيطة بأولادنا وتأمين العلاج المناسب لمشاكلهم.

لكننا نرى أنه في مجال تطور الأولاد هناك نظريات عديدة مع أفكار تختلف كثيراً من نظرية الى أخرى. فليس هناك حقيقة واحدة في علم تطور الأولاد، وأصحاب النظريات لا يتفقون دائماً مع بعضهم البعض، ولا يوجد نظرية واحدة حتى الآن استطاعت أن تفسر كل نواحي التطور عند الإنسان (الجسدي، الفكري، العاطفي والاجتماعي).

إنما تواجد كل هذه النظريات بالرغم من أوجه الاختلاف العديدة بينها يساعدنا على زيادة معرفتنا في الحقل التطوري.

وبما أن كتابنا هذا موجه بالدرجة الأولى للأمهات والآباء الذين يتوقعون الإرشاد العملي من خلال قراءتهم، فلن نتعمق بعرض كل المحطات البارزة في تاريخ دراسة تطور الأولاد، إنما سوف نكتفي بتلخيص أهم هذه المحطات بالنسبة لتأثيرها علىتفهم نمو الطفل.

تقليدياً كانت معظم نظريات تطور الأولاد تتمحور حول ثلاث مسائل أساسية نلخصها فيما يلي:

يعرض المحور الأول وجهات النظر بالنسبة لدور الإنسان في عملية النمو، فهناك العديد من النظريات التي ترى أن النمو عند الإنسان عملية طبيعية تنبثق من داخله، بمعنى أن هناك أنظمة نفسية داخلية تقود وتضبط عملية التطور، مما يجعلها ديناميكية ذات هدف ومتفاعلة مع المحيط وما يقدمه من مثيرات للولد، إنما يبقى دور الولد هو الدور الأساسي والأهم. بالمقابل هناك مجموعة أخرى من النظريات تقع تحت عنوان النظرة "الميكانيكية" التي تعتبر أن التغير عند الإنسان هو مسألة تفاعل مستمر مع المحيط، وأن المحيط هو الذي يوجه ويرسم السلوك عند الولد، والتطور ليس هو إلا نتيجة للخبرات والأحداث التي يتعرض إليها الطفل في حياته.

ويتناول المحور الثاني وصفاً لعملية التطور، فترى بعض النظريات أن الإنسان يأتي الى العالم مع مجموعة قدرات ومهارات جوهرية تزداد تعقيداً كلما كبر، وهكذا يكون النمو عملية متراكمة ومتدرجة من حالة عدم النضوج الى حالة النضوج الكلي لهذه القدرات بالمقابل، هناك مجموعة أخرى من النظريات التي تعتبر أن لكل مرحلة من مراحل النمو خصائص مميزة وخاصة بها، وتختلف عن خصائص المراحل الأخرى. مما يناقض مفهوم تراكم الخبرات وتدرجها الى حالة نضوج كما المراحل الأخرى. فالنمو هنا يبدو كعملية متقطعة مجزأة تتميز بسلوكيات خاصة لكل جزء من أجزاء هذه العملية.

أما المحور الثالث لنظريات النمو عند الإنسان فيتناول الجدل التقليدي القائم بين دور الوراثة ودور المحيط في تكوين وتطوير شخصية الإنسان وسلوكه. فبينما ترى النظرة الأولى أن المعطيات التي يرثها الإنسان من والديه هي التي تقود تطوره وتؤثر على كل خصائصه ومهاراته، تعتبر النظرة الثانية بالمقابل، أن المحيط الذي يعيش فيه الإنسان في البيت والمدرسة فمكان عمله وصولاً الى المجتمع ككل وما يوفره من خبرات وظروف ومثيرات هو المسؤول الأكبر في عملية النمو والشكل والمنحى الذي تتخذه شخصية الإنسان.

أما اليوم، فإننا نرى أن هذه المحاور الثلاثة قد اضمحلت بعض الشيء، وقد خفت التناقضات الحادة التي سردناها أعلاه لتحل محلها النظرة الحديثة لتطور الإنسان، وهي نظرة قائمة على الدمج بين الفريقين، وهذه هي وجهة نظرنا الخاصة بالنسبة لتفهم النمو عند الأولاد، إذ إننا نرى أنه في بعض المجالات يتميز النمو بالميكانيكية في طريقة تفاعله مع مثيرات المحيط، بينما نلمس فاعلية الإنسان القاطعة في مجالات أخرى. كذلك نرى أهمية المحطات التطورية في حياة الإنسان. إنما لا نؤمن بتجزئة التطور الى أجزاء متقطعة عن بعضها البعض، بل نتطلع الى التطور كعملية مستمرة متجانسة بكل مراحلها. وأخيراً، إذا عدنا الى الجدل السائد بين الوراثة والمحيط، نعتقد أنه من الأفضل عدم الخوض في مناقشة ما هو الأهم (الدور الوراثي أو دور البيئة) والتركيز على كيفية تفاعل الطبيعة والمحيط في التأثير على خصائص الطفل وقدراته.

مرفق أدناه ملفات الكتاب، في فلاش - جزء أول وجزء ثاني


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى