الجمعة ١١ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم بيانكا ماضية

لحظة حدس

كشجرة باسقة لا تهمها الأعاصير، وكنجمة ترنو إلى خيال امرئ على أرض صحراوية، وقفت أمامه تسبر أغواره، وقفت كمرآة تمتص وجهه .. داخله .. قلبه ... كانت ترى في أعماق عينيه ظل امرأة، وفي وجهه طيف قبلتها ... تسمع اضطراب دقات قلبه، تلمس عالماً داخلياً في نفسه، لم يكن ذاك العالم الذي جابت فيه سماواته وأراضيه.

وقفت قبالته ولم يجرؤ أن يقول كلمة من كلام رتب حروفه جيداً؛ لينطق بها في هذه اللحظة .

كانت حين يخاطبها الحنين، تودع اللحظات هاربة إلى صوته، إلى داخله، يصاحبها ألق الحكايات والأمنيات ... تقبض على وهج حبها لئلا يسقط في مستنقعات الألم، وتطير كفراشة لم تجتذبها النار حين تخاطبها تلك الطفلة في داخلها .

كان الكون حين تزهو الطرقات بوجهها وهي ذاهبة للقائه، ينتظر رائحتها لينثرها ظلالاً على الملأ، كانت الحياة حين يأتيها الحنين أكثر اشتعالاً من هذه اللحظة .

في دوائر الحلم كانت تعيش ... تغادر واحدة فتدخل مزهوة في الأخرى، وتمضي ناثرة ألق الصباحات في كل الطرق والأزقة ... هو سائر بقربها، والكفان متعانقتان، والنسائم التي تمر بقربهما تذر وهج الألق في عيونهما، فيخالان أن الكون قد خلق لهما فقط، وأن الطيور التي تهمس بتراتيل الهوى تسبح في سمائهما، وأن بوّابة الحب انفتحت على رحبها ليدخلا مدناً وبوابات ... شوارع وساحات باتت تشعر اليوم بوحشة المكان .

كانت الأحلام تتوالى في زمن الحنين، وكانت ظلال الحب تذيب ضوء النهار، وهما ماضيان إلى حيث اجتمعت أزاهير الأرض تختال في كل الجهات، الياسمين والفل والزعفران تشم عطورها الأرضُ من وقع أقدامهما ... كل هذه الأكوان تجتمع حين يكونان على تماس مع شمس الحب والهوى والجنون ...

تأهب ليقول كلمة، لتنبس شفتاه بحرف، فسبقته لتضع يدها على شفتيه ... نظرت إلى عينيه وهو يدرك أنها تقرأ وترى ما بداخلهما، ماذا يقول لها وهو يعلم أن كل كلمة سيقولها، قد قرأتها في صفحة عينيه، في كتاب قلبه المغمس برسائلها وحروفها .

وقفت أمامه وخلعت عن جسدها رجلاً كان يتلبسها ... ألقته بدون خوف أو انكسار .. مشت وفي داخلها ريح تعصف بمدن خوائه، تلتهمها نظراته، كأن اليأس الذي أبت أن تبدي لونه على وجهها قد اصطبغت به صفحة وجهه ... لكنها كانت منتصبة في تلك اللحظة كما لم تنتصب شجرة حور .

مشى وراءها متعقباً خطواتها، خاشياً من أن تسقطها الخديعة ... ناداها .. لم تسمع ... ظلت تسير كأن صوته لم يغوِها ذات حب، كأن كلماته لم تسبح في شرايينها ... ومضت تقلّب صفحات الذكريات في طريقها ... لحظة البوح الأولى ... جنون اللحظات ... ليالي الأرق ... فناجين القهوة التي خبأت في حناياها صوره ... أيام الغيرة المجنونة ... تذكرت حين قال لها : بيتك هنا !! ... وأشار إلى قلبه ... فراحت تهمس في أذنه كلاماً أشعل نيران الهوى في داخله ...

 أية نيران كنت أتلمسها بكياني ؟! ... أهكذا تخبو بسرعة في قلبك بعد أن أطل عليكَ وجه امرأة أخرى؟؟!!

اقترب منها وحاول أن يلمس يدها بأصابعه المرتعشة الباردة ، لكنه تراجع لئلا تصبح على يقين من خيانته .

كانت وهي تسير تتحرر من سكناه، من روحه التي قبضت على مفاتيح روحها، منه ... بعد أن وقف نبضه في خلاياها، وكالشمس حين تهفو إلى بيتها عند المغيب، كانت تسترجع من أعماقها شعوراً كان يراودها ويرسم بريشته السوداء تفاصيل هذا المساء الأخير...


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى