الأربعاء ٢٠ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم نجمة خليل حبيب

حثوة تراب

قالت لي إنها ذاهبة إلى "البلاد" ووعدتني أن تجلب لي حثوة من تراب قريتي. طلبت مني أن أعيد ثانية اسم القرية التي جئت منها. ابتسمت للكنتها العربية المشوبة بالاسترالية وطلبت منها ان تعيد اللفظ عدة مرات حتى استوى لفظها. تنفست الصعداء وقالت:
يا إلهي لقد ضايقتني يا نجمة : [1]

 Oh God, You gave me hard time nejmeh

روان المولودة في استراليا تذهب غداً الى البلاد، وانا المولودة تحت سفح جبل الكرمل أرحل الى بوسطن

ألحت عليّ الدمعة وأبت الا نحبا كتوماً وهي تمد يدها النحيلة وتقول لي: "من تراب كفربرعم". كادت تتحول الدمعة الى مناحة لولا بروز غسان كنفاني لينهرني بواسطة سعيد س. قائلاً: الوطن ليس بريشات الطاووس ولا بمسكة الباب النحاسية

في المساء عندما خلوت إلى ترابي رأيتني أقول: لا يا "أبو فايز" ما معك حق. الوطن هو هذه الريشات وتلك المسكة. هو ذرة التراب المتواضعة هذه!...في كل حثوة منها ملامح أجدادي الاقدمين والمحدثين. وجه جدتي التي ماتت لاجئة في قريبة قريبة من كفربرعم وكذلك عميّ وابنته

في ذرة التراب هذه أتشمم عرق جدي الذي تساقط فوقها وهو يسوي من مشاعها جلولاً وبيارات وبساتين تعويضاً عما حرمه ظلماً من ميراث.

تراءت لي ذرة التراب هذه قامة نحاسية مديدة بسروال بلدي عتيق وزند قوية ظلت حتى التسعين تضرب الصخر وتفتته وتصنع من المشاع إرثا لأطفال قادمين. شممت فيها رائحة العرق الابدي الذي تساقط من فوق جبهة تلك القامة. استطعمت فيها مذاق العنب والتين الذي اقتلعوه دون ان يستطيعوا اقتلاع خصائصه المكتنزة في ذراتها . استطعمت ذاك الزيت الذي حدثني أبي عنه "أللي ما في متلو بكل بلدان العالم"، فعزيت عمتي ام ميلاد التي حرموها من قطاف زيتونات أبيها. لا تحزني يا عمة!.. هم لم يقضوا إلا على القشرة الخارجية . القشرة الخارجية فقط...فالتربة لا تزال حبلى بزيتونها


[1يا إلهي!....لقد اتعبتيني جداً يا نجمه!.... (يسقط الاستراليون الالقاب في مخاطباتهم، لذلك نادت روان استاذتها في الجامعة باسمها الاول فقط)


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى