السبت ١ آذار (مارس) ٢٠٠٨
السناتور الفرنسى بيير لافييت أبو القرى الذكية فى العالم
بقلم أشرف شهاب

القرية الذكية المصرية مؤهلة لتصبح مركزا أورومتوسطيا

أكد السناتور الفرنسى بيير لافييت، رئيس مؤسسة صوفيا أنتوبوليس بارك الفرنسية (وادي التكنولوجيا) أن مشروع القرية الذكية فى مصر يعتبر خطوة فى الاتجاه الصحيح، ويجب أن تتلوها خطوات أخرى. وأشار العالم الفرنسى عضو الأكاديمية الملكية السويدية للعلوم، الملقب ب "أبو القرى الذكية فى العالم" بالقرية الذكية بمناسبة زيارته للقاهرة بناء على دعوة من د. طارق كامل وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات إلى أن مصر تمتلك طاقات بشرية مؤهلة، وعناصر جذب تاريخية وجغرافية تؤهلها لاحتلال مكانة ريادية فى القرن الحادى والعشرين، بشرط استغلال طاقاتها بشكل إيجابى، والعمل على جذب الاستثمارات العربية والأوروبية. وفيما يلى نص الحوار:

قمتم بجولة تفقدية للقرية الذكية فى مصر.. فما تقييمكم لهذا المشروع؟

أعتقد أن مصر استطاعت من خلال هذا المشروع القيام بخطوة مهمة، ووضعت قدمها على الطريق الصحيح لتنمية قطاع تكنولوجيا المعلومات. وأعتقد أن هناك فرصة قوية أمام مصر، لتفعيل هذه الخطوة، واستكمالها بخطوات أخرى لا تقل عنها أهمية. فعلى سبيل المثال هناك ضرورة ملحة لإنشاء أقسام بحثية تابعة للجامعات المصرية داخل القرية الذكية للقيام بأبحاث فى مجالات فنية مختلفة. وهناك ضرورة لتحقيق تعاون بين الشركات الكبيرة والصغيرة للقيام بعمليات بحث وتطوير لا تقتصر على قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فقط، بل تمتد لتشمل الأبحاث العلمية فى مجالات مختلفة كالفيزياء الأساسية والتطبيقية، والرياضيات التطبيقية، وهو ما سيساعد على تحقيق نجاح كبير لعمليات الإبداع والابتكار. ولدى مصر قاعدة كبيرة من المهارات المطلوبة فى السوق العالمية حاليا، سواء تلك المهارات القادمة من الشركات الكبيرة، أو من الجامعات. ويجب توجيه هذه المهارات للشركات الصغيرة والمتوسطة. ومن بين الأشياء التى أعجبتنى فى القرية الذكية "الحى المالى"، وهو ما يعنى أنكم بدأتم التوجه نحو الربط بين التكنولوجيا والقطاعات الاقتصادية المختلفة. ومن خلال ربط تلك القطاعات بعمليات البحث والتطوير فى القرية يمكنكم تحقيق تنمية كبيرة على المستوى الاقتصادى. وهذا هو الهدف الأساسى من عملية التنمية. وأعتقد أنكم تسيرون على الطريق الصحيح، وأن مصر تنمو بسرعة كبيرة، وبقوة.

هل تعتقد أن القرية الذكية يمكنها أن تلعب دورا فى تنمية العلاقات الاقتصادية المصرية الأوروبية؟

نعم. المؤشرات التى شاهدتها إيجابية. ولدى اهتمام خاص بالتعاون بين فرنسا خصوصا وأوروبا بشكل عام مع مصر، التى يمكنها أن تلعب دورا عربيا وأوروبيا مهما كونها تنتمى لمنطقة جغرافية تاريخية، وهى ترتبط بأوروبا، وبقية دول البحر البحر المتوسط، وآسيا. إلا أن هذا الدور مرهون بقيام مصر بتطوير نظم هندسية وتكنولوجية، وإدخال التكنولوجيا فى صلب النظام التعليمى المصرى. وعلى سبيل المثال الهند تقوم بتخريج نحو 350 ألف مهندس سنويا، وهو أكبر رقم لخريجى كليات الهندسة فى العالم. ومصر لديها الإمكانيات إذا أرادت أن تقود العالم فى مجال التكنولوجيا، خصوصا إذا تم ذلك بدعم من الحكومة المصرية، وبمساعدة للمبادرات المصرية من جانب الحكومات الفرنسية، والايطالية، والألمانية، والأسبانية، وبقية الدول الأوروبية. أى أن القرية الذكية المصرية مؤهلة لتصبح مركزا لتعاون فنى أورومتوسطى، وأن تصبح من أكبر الحدائق العلمية فى العالم. ويمكن أن يتم ذلك عبر الاتحاد مع الاتحاد الأوروبى. وما أقصده هنا بالطبع ليس الاتحاد السياسى، ولكن الاتحاد الثقافى. فالبحر المتوسط هو مهد العالم القديم، ومصر أقدم دولة فى العالم فى العالم، وهى مهد حضارة المتوسط. ولدى مصر إمكانية ربط الشمال المتوسط بجنوبه، وشرقه بغربه. وأعتقد أن هذه بداية مناسبة لحلم مصرى جديد للقرن الحادى والعشرين. إلا أن هذا الدور مرهون بثلاثة عوامل مهمة أولها الربط بين القرية الذكية وعمليات البحث والتطوير فى الجامعات والمؤسسات التعليمية العليا، وجذبها للعمل من داخل القرية الذكية. وثانيها جذب الشركات الأوروبية إلى مصر وتمصير عملياتها. ومساعدة الشركات الصغيرة والمتوسطة على النمو، وهذا أمر ممكن ومفيد ليس فقط للشركات الكبيرة، بل أيضا للشركات الصغيرة التى تطمح للنمو. وثالث تلك العوامل الاستفادة من الموقع الجغرافى والسياسى، فمصر تقع فى قلب ملتقى التقاطعات الحضارية، والثقافية، ويمكنها أن تشاهد جيدا ما يحدث فى أوروبا عن قرب، وأن تتفاعل مع الأحداث بشكل أحسن، وأسرع، خصوصا وأن بينها وبين أوروبا تفاعلا حضاريا وتفاهما مشتركا عبر التاريخ.

وما أقصده بالتعاون هنا لا يعنى هجرة العقول المصرية إلى أوروبا، بل تعاون العقول، وتعادلها وتكاملها. وفى رأيى أن هذه العوامل كلها تحتاج إلى توافر الإرادة السياسية، والمشاركة فى صنع القرار من جانب جميع العناصر المشاركة فى عملية التنمية. وفى رأيى أن هذه الخطوات ستنتج فى النهاية اقتصادا مصريا رائدا ليس فقط فى قطاع تكنولوجيا المعلومات، بل فى مختلف القطاعات المرتبطة بها، فالتكنولوجيا تتواجد بقوة فى قطاعات مختلفة كالسياحة، والرعاية الصحية، والتعليم، والبيئة، والطاقة الشمسية، وحتى فى المجال الثقافى.

هناك توجهات مختلفة لإنشاء القرى الذكية أو الحدائق العلمية.. وطبيعة دور الحكومات، والقطاع الخاص، والآليات الواجب إتباعها..

نحن فى مؤسسة صوفيا أنتوبوليس لا نتلقى دعما حكوميا. ولهذا سارت التجربة بشكل بطىء. وقد استفدتم من ذلك. وقد لاحظت وجود علاقات قوية فى مصر مع القطاع الخاص. وبالتالى يجب جذب كافة أنواع الاستثمارات ورؤوس الأموال، العربية والأوروبية. وهذا ليس أمرا يصعب تحقيقه، بل يمكنكم إقامة مشروعات مشتركة مع أوروبا أو أمريكا أو أى مكان فى العالم. وعندما يأتى رأس المال إلى هنا فستتغير الأمور نحو الأفضل.

هل يقتصر دور القرى الذكية على توفير الدعم الفنى فقط للشركات الموجودة بها؟ أم أن الأمر يحتاج للعمل بشكل مختلف؟

نتحدث هنا عن تكامل المنظومة المجتمعية، والربط بين التكنولوجيا ومختلف القطاعات الاقتصادية، وتكامل الأدوار فى عمليات التخطيط. ولهذا أعتقد أن مشروع القرية الذكية فى مصر يحتاج وبشكل عاجل إلى حل مشكلة المرور والتواصل مع القاهرة. يجب فى رأيى الإسراع فى إنشاء خط مترو يربط القرية بالقاهرة، ويمكن إنشاء خط للقطارات السريع مع الإسكندرية، وإقامة شبكة من الطرق السريعة لتسهيل عملية التواصل والانتقال. وتوفير حلول لهذه المشاكل يمكن أن يساعد على جذب المزيد من الاستثمارات. بالأمس كنت فى القرية الذكية، واستغرق الأمر ساعتين للانتقال للقاهرة، وربما كان الأمر أسهل لو أننى سافرت من هنا للإسكندرية مباشرة. هناك مستثمرون فى عدة دول خليجية يمتلكون الكثير من الأموال، ويضطرون لضخ تلك الاموال لاستثمارها فى أمريكا. ويمكنكم إذا عالجتم تلك المشاكل اجتذابهم إلى هنا فهم مهتمون جدا بالعمل فى مصر. لدى اتصالات مع خبراء من السعودية والكويت، وأبلغونى استعدادهم للعمل فى مصر. وبالتالى يصبح توفير التمويل مسألة سهلة. ويبقى الأمر متعلقا بالإرادة السياسية فى المقام الأول.

كيف يمكن تطور القرية الذكية فى مصر لتصبح على مستوى حديقة صوفيا أنتوبوليس العلمية؟

الأمر سهل جدا، بل يمكن للقرية المصرية التفوق على القرية الفرنسية. فلدى القرية الذكية فلا مصر إمكانيات للتوسع فى الأراضى الصحراوية المجاورة. وهو أمر يستحق الدراسة. ونحن نعلم أن لدى القرية الذكية فى مصر القدرة على تقديم الخدمات لأماكن عديدة فى العالم. ولذا وقعنا فى شهر ديسمبر من العام الماضي، مذكرة تفاهم بين كل من هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، وشركة القرى الذكية من جانب، ومؤسسة صوفيا أنتو بوليس بارك الفرنسية من جانب أخر بحضور د. طارق كامل خلال زيارته لفرنسا. ولدى القرية الذكية فى مصر عناصر جذب مهمة، ويمكنها أن تصبح على مستوى لا يقل عن معهد ماساشوستس للتكنولوجيا، أو جامعات كامبريدج، أو ستانفورد، أو غيرها من كبريات الجامعات العالمية. نحن نعرف أن مستوى التعليم فى مصر مرتفع، ولكن ينقصكم توفير أعداد أكبر من الخريجين. الهند على سبيل المثال، تقوم بتخريج نحو 350 ألف مهندس سنويا. ويجب أن تقوم مصر بتخريج ما بين 20 إلى 40 ألف مهندس سنويا. وهذا أمر ممكن، وليس مستحيلا. فلديكم التعداد السكانى الكبير، ولديكم عناصر الجذب، ولذا يجب أن يكون لديكم هدف واضح للتطوير. والعالم بحاجة لهذه الأعداد الضخمة من الخريجين المؤهلين. فعلى سبيل المثال لو نظرنا إلى قطاع الطاقة النووية، سنجد أن العالم ستكون به حوالى 215 منشأة نووية جديدة، وهو ما يعنى توفير فرص عمل لحوالى 250 ألف شخص مؤهل ما بين مهندسين، وعمال، وفنيين مؤهلين، وسياسيين يعرفون طبيعة احتياجات هذا النوع من الطاقة، ومتطلباته والعمل على تلبيتها. ولذا سيكون هناك احتياج فورى للطاقات البشرية المصرية، خصوصا للمنشآت التى ستقام فى مصر أو ليبيا أو فى أى مكان من العالم العربى. كما يمكن الاستفادة من تلك الطاقات المصرية فى أماكن مختلفة، كفرنسا أو ألمانيا أو أى مكان من العالم. ونفس المثال ينطبق على قطاع الطاقة الشمسية، حيث يحتاج العالم إلى أعداد كبيرة من المهندسين القادرين على استخدام التقنيات الجديدة فى مجالات الفيزياء أو تكنولوجيا المعلومات. والسؤال الذى يطرح نفسه هو: من أين سنأتى بتلك الطاقات الماهرة؟ وكيف سيتوفر هذا العدد من العمالة الماهرة؟. ويجب أن نتذكر جيدا أن كل فرصة عمل لذوى المهارات العليا، تخلق حسب التقديرات المعروفة نحو 10 فرص عمل أخرى غير مباشرة. وعلى سبيل المثال نحن فى صوفيا أنتوبوليس لدينا فقط 31 ألف فرصة عمل، تحقق دخلا يقدر بنحو 6 مليار يورو سنويا، و 150 ألف فرصة عمل مباشرة.

كيف يمكن للحدائق العلمية والقرى الذكية أن تساهم فى تنمية الحوار الحضارى والتفاهم بين الشعوب، وخاصة الأورومتوسطية؟

لدى قناعة أكيدة بالدور الذى يمكن أن تلعبه القرى الذكية على المستوى السياسى، والجيو سياسى. وهناك قناعة بضرورة أن يكون لدينا ذلك التواصل بين العاملين فى الحدائق المختلفة فى أوروبا والمتوسط لأن الناس سيتعرفون أكثر على بعضهم البعض. ومع التواصل ستتزايد الاستثمارات، وتظهر التنمية الاقتصادية، ويتم القضاء على الفقر، ويحل السلام فى العالم. ولدينا مبادرة للقاء فى العاصمة الفرنسية يوم 13 يوليه القادم، حيث سيجتمع العاملون بالقرى الذكية من أوروبا والمتوسط من أجل تطوير مبادرة للاتحاد اليورومتوسطى، على المستوى البيئى، والاقتصادى، والاجتماعى، والحضارى بين ضفتى المتوسط. والهدف هو تطوير الإبداع والأفكار من أجل التفاعل الحضارى، الذى يعتبر من أهم أهدافى الأساسية. وهذا التوجه يعتبر واحدا من أهم أسباب تقدم مؤسسة صوفيا أنتوبوليس التى أصبحت معروفة جدا على مستوى العالم، وهذا هو نفس ما أتمنى أن يحدث للقرية الذكية المصرية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى