الثلاثاء ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٢
بعد عام على احداث سبتمبر
بقلم علاء بيومي

المسلمون في أمريكا يواجهون واقعا مليئا بالأزمات

إذا كان 19 مسلما وعربيا قد اختطفوا أربعة طائرات صباح يوم الثلاثاء 11 سبتمبر 2001 ليفجروها في عدة مباني أمريكية ويفجروا معها واحدة من أكبر أزمات العلاقات الإسلامية الأمريكية على الإطلاق فإن جماعات ضغط ومصالح متطرفة في مواقفها تجاه المسلمين والعرب قد عملت داخل الولايات المتحدة لعقود طويلة على اختطاف رؤية وموقف الساسة والمجتمع الأمريكيين تجاه قضايا المسلمين والعرب وزرع بذور الشقاق في العلاقات الإسلامية الأمريكية.
ولما كان المسلمون في أمريكا قد ورثوا تركة العلاقات الإسلامية الأمريكية المتأزمة منذ لحظة وجودهم في الولايات المتحدة فقد أخذت طليعة - بعيدة النظر حكيمة الرؤية - منهم على عاتقها مهمة تحسين العلاقات الإسلامية الأمريكية من داخل الولايات المتحدة وتحرير السياسة والمجتمع الأمريكيين من قيد جماعات المصالح المتطرفة، وتتـناول هذه المقالة رؤية هذه الطليعة للعلاقات الإسلامية الأمريكية ومساعيها لإصلاح تلك العلاقات من داخل الولايات المتحدة ذاتها، وما واجهته من ضغوط وتحديات على مدار العام الماضي.

(1) معرفة المواطن الأمريكي بالعالم الإسلامي وقضاياه تشكلت من خلال سلسلة من الأزمات
لا يرصد الباحثون في تاريخ العلاقات الإسلامية الأمريكية أية جهد إسلامي مستمر وواسع التأثير والنطاق استطاع الإسهام في تشكيل معرفة قطاعات عريضة من الشعب الأمريكي بالعالم الإسلامي وقضاياه، وعلى النقيض يشير كثير من الباحثين إلى أن وعي غالبية الجمهور الأمريكي العادي بالإسلام والمسلمين وقضاياهم تشكل من خلال مجموعة من الأزمات الدولية التي وقف في أغلبها بعض المسلمين والعرب موقف الغرماء للولايات المتحدة.
ومن أهم هذه المحطات التاريخية الثورة الإيرانية وأزمة الرهائن الأمريكيين والتي يشير إليها كثير من المحللين على أنها مثلت بداية معرفة المواطن الأمريكي ببلدان العالم الإسلامي وعلاقتها بالولايات المتحدة في العقود الأخيرة.
بعد ذلك يتوقف كثير من الباحثين عند حرب الخليج الثانية وإرسال الولايات المتحدة لحوالي نصف مليون جندي أمريكي للخليج لمواجهة زحف قوات صدام حسين على أبار البترول الخليجية، ولتحرير الكويت، وقد مثلت حرب الخليج الثانية أحد أكبر العمليات العسكرية الأمريكية خارج أرض الولايات المتحدة بعد حرب فيتنام، ولذا حازت على اهتمام قطاعات واسعة من الشعب الأمريكي الذي يخشى تقليديا من إرسال أبناءه للحرب خارج أراضيه.
وبالطبع كانت المعرفة التي حصل عليها المواطن الأمريكي عن المسلمين والعرب خلال هذه الأزمات معرفة سلبية في غالبيـتها، ولم يمنع هذا بالطبع أقلية صغيرة جدا في المجتمع الأمريكي من الإطلاع على الإسلام وقضايا المسلمين بموضوعية وعن قرب خلال هذه الأزمات، ولكنة تبقى هذه الأقلية من باب الاستثناء وليس من باب القاعدة التي يجب أن يعول عليها المسلمون والعرب في علاقتهم بالولايات المتحدة.
وفي عام 1993 دخل وعي المواطن الأمريكي ببلدان العالم الإسلامي وبالعلاقات الإسلامية الأمريكية منعطفا جديدا شديد السلبية عندما أدينت مجموعة من المسلمين والعرب في تفجير مبنى التجارة العالمي الأول، وقد مثل التفجير تصعيدا سلبيا خطيرا في علاقة المواطن الأمريكي العادي بالمسلمين والعرب لأنه نقل ساحة الخلاف في العلاقات الإسلامية الأمريكية إلى أرض الولايات المتحدة في صورة عنيفة قاتلة تهدد المواطن الأمريكي العادي نفسه، في الوقت الذي تركت فيه ساحة توعية المواطن الأمريكي بحقيقة الإسلام والمسلمين شبه خالية.
كما فتحت أزمة عام 1993 الباب أمام انتشار استخدام مصطلح خطير – في الأوساط الإعلامية والسياسية الأمريكية - ألا وهو مصطلح الإرهاب مرتبطا بالإسلام بعد أن حاول الأمريكيون تفسير سلوك الجماعات التي هاجمت مبنى التجارة الدولي، وبالطبع وجدت بعض الجماعات المتطرفة في مواقفها تجاه المسلمين والعرب داخل الولايات المتحدة في تلك الحوادث الشاذة والمنحرفة فرصة لربط صورة الإسلام وجماعاته المختلفة بالإرهاب لدى المواطن الأمريكي العادي.
وفي عام 1995 وقعت تفجيرات أوكلاهوما سيتي وأتهم فيها المسلمين والعرب ظلما فور وقوعها، وسرعان ما ظهرت الحقيقة وبرئوا منها، ومنحت الأزمة المسلمين والعرب فرصة لتحسين سمعتهم وتبرئة ساحتهم، خاصة بعد أن تلقوا العديد من الاعتذارات الرسمية والشعبية على خطأ اتهامهم ظلما.
ومنذ عام 1995 وحتى عام 2001 وقعت أكثر من أزمة في العلاقات الإسلامية الأمريكية من أخطرها الاعتداء على القواعد الأمريكية في الخبر وعلى السفينة الحربية الأمريكية كول الراسية قرب الشواطئ اليمنية وسقوط الطائرة TWA والتي شكك البعض في أن مسلمين وعرب قد أسقطوها.
ومما خفف من أثار هذه الأزمات وقوعها خارج أرض الولايات المتحدة، وأن المنظمات المسلمة والعربية الأمريكية نشطت خلال تلك الفترة في نفي تهمة الإرهاب عن المسلمين والعرب، كما تريث المسئولون الأمريكيون في توجيه أصابع الاتهام إلى المسلمين والعرب خوفا من تكرار خطأ أزمة أوكلاهوما سيتي.
ولما وقعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 تريثت دوائر الإعلام والسياسة الأمريكية إلى حد ما قبل توجيه أصابع الاتهام إلى أية طرف، بل نقلت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية في يومي 11 و 12 سبتمبر مخاوف المسلمين والعرب الأمريكيين من التسرع في اتهامهم بالمسئولية عن الانفجارات وإدانتهم لها وتبرؤهم منها.
ولكن بعد إدانة مسلمين وعرب في الهجمات بدأت فصول واحدة من أخطر الأزمات في علاقة المسلمين والعرب بالولايات المتحدة، تلك الأزمة التي مازلنا نعيش آثارها حتى يومنا هذا.

(2) آثار أزمة سبتمبر 2001 على العلاقات الإسلامية الأمريكية
يمكن النظر إلى نوعين من الآثار تركتهما أزمة سبتمبر على علاقة المسلمين والعرب بالأمريكيين، أولهما هو نوع مباشر وثانيهما هو الآثار بعيدة المدى.
أولا: الآثار المباشرة
شعر المسلمون في أمريكا بآثار الأزمة المباشرة على عدة مستويات من أوضحها موجة الاعتداءات على حقوق وحريات المسلمين والعرب في أمريكا والتي تلت الهجمات وامتدت بعدها لحوالي ثلاثة أشهر أو أكثر وأضرت بصورة مباشرة بحقوق وحريات أكثر من 2000 أسرة مسلمة.
ولم ينتهي التضييق على حقوق وحريات المسلمين والعرب عند ذلك بل ظهرت سلسلة من التشريعات والقوانين والسياسات والملاحقات الأمنية التي ألحقت ضررا واسعا بحقوق وحريات المسلمين والعرب، ومن أمثلة ذلك اعتقال أكثر من 1000 مسلم على ذمة التحقيقات، وإغلاق أو تفتيش عدد كبير من المؤسسات المسلمة والعربية، وظهور قوانين تسمح بوضع عدد كبير من مؤسسات العرب والمسلمين العامة تحت الرقابة.
وفي وسائل الإعلام الأمريكية تعرض المسلمون والعرب منذ 11 سبتمبر لحملات تشويه يومية ربطت بين الإرهاب والدين الإسلامي ومفاهيمه وقيمه ونظرة المسلم المتدين للعالم، وعلت على السطح سلسلة من الأبواق الإعلامية المتشددة في نظرتها نحو الإسلام والمسلمين والتي باتت أكثر حرية وشراسة في تشويه صور المسلمين والعرب، وعلى رأس الوكالات التي أشتكى منها المسلمون والعرب خلال العام الماضي قناة فوكس نيوز الأمريكية ومجلة ناشيونال ريفيو المحافظة وموقع ورلد نت دايلي وكتاب مثل آن كولتر والمذيع بيل أورالي وبعض رجال الدين المتشددين مثل باب روبرتسون، وبيل جراهام.
على الصعيد السياسي تعرض البيت الأبيض لضغوط شديدة بسبب لقائه مرتين مع قيادات بعض المنظمات المسلمة والعربية في الأسابيع القليلة التالية لهجمات سبتمبر ودفعت هذه الضغوط البيت الأبيض إلى عدم اللقاء مع تلك المنظمات مرة أخرى حتى الآن، كما أسهمت سياسات وزارة العدل الأمريكية بقيادة وزير العدل الحالي جون أشكروفت إسهاما كبيرا في تدهور علاقة المسلمين والعرب في أمريكا بالإدارة الحالية إذ اتهموها أكثر من مرة بالتمييز ضد المسلمين والعرب دون غيرهم.
كما واجه أعضاء الكونجرس المساندين للمسلمين والعرب ضغوط بالغة الشدة والخطورة في حملة الانتخابات التشريعية الحالية (نوفمبر 2002) التي أدت حتى الآن إلى هزيمة مجموعة من أكثر أعضاء الكونجرس مساندة لهم وعلى رأسهم النائبة سنثيا ماكيني (من ولاية جورجيا)، والنائب إريل هيلليارد (من ولاية ألباما).
وعلى الصعيد الدولي أضرت الأزمة بمجموعة من أهم قضايا المسلمين والعرب الدولية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، إذ وجدت أبواق الدعاية الإسرائيلية المتشددة في الأزمة فرصة لتشويه صورة مختلف أنواع المقاومة الفلسطينية وإقرانها بالإرهاب، ولنفس السبب تضررت قضايا الشعوب الإسلامية المستضعفة في مناطق أخرى عديدة وهامة من العالم كالشيشان وكشمير.
ثانيا: الآثار بعيدة المدى عميقة التأثير
بعض تبعات الأزمة كانت بعيدة المدى عميقة التأثير لأنها تتعلق بالإضرار بالعلاقات الإسلامية الأمريكية إضرار بالغا يرسخ الجوانب المتأزمة والخلافية في العلاقة ويحول دون سبل الحوار وتحسين العلاقات الإسلامية الأمريكية بما فيه خير المسلمين والأمريكيين معا. ويمكن رصد هذا النوع من الآثار على مستويات ثلاثة أساسية.
أولا: إضعاف وجود المسلمين والعرب داخل الولايات المتحدة والحيلولة دون تنامي قوتهم. فقد ظهرت خلال العام الماضي دعوات عديدة تشكك في نوايا المسلمين والعرب المقيمين في أمريكا وتتهمهم بأنهم طابور خامس يعيش داخل أمريكا كجزء من مؤامرة ضدها، وتطالب بعدم اعتبارهم أو الاعتراف بهم سياسيا أو اجتماعيا، وتخوف المواطن الأمريكي العادي ومؤسسات المجتمع الأمريكي المدنية من المسلمين ومن التعامل معهم، كما ظهرت محاولات لإقصاء المسلمين والعرب عن المشاركة في فعاليات المجتمع المدني الأمريكي، فعلى سبيل المثال كشفت منظمات مثل مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير) في الفترة التالية للحادي عشر من سبتمبر 2001 أكثر من محاولة قامت بها منظمات موالية لإسرائيل للحيلولة دون مشاركة المجلس ومندوبيه في بعض المنتديات والمؤتمرات المتعلقة بالحقوق والحريات المدنية.
وفي 14 أغسطس 2002 أصدر معهد أبحاث أمريكي خاص معروف بمواقفه المتشددة من المهاجرين الجدد للولايات المتحدة يدعى "مركز أبحاث الهجرة" دراسة عن الهجرة الشرق أوسطية إلى الولايات المتحدة، وقد مثلت الدراسة محاولة لتجميع عدد كبير من الاتهامات والمفاهيم النمطية السلبية الرائجة عن المهاجرين المسلمين والعرب إلى الولايات المتحدة وترويجها كأفكار علمية موضوعية، وذلك بهدف تخويف الأمريكيين من الهجرة المسلمة والعربية ومن ثم إقناعهم بالحد منها ووقفها.
وكشفت الدراسة ما تخطط له بعض الجماعات المتشددة والمتطرفة لمواجهة تنامي أعداد ونفوذ المهاجرين المسلمين والعرب إلى الولايات المتحدة واعتبارهم خطرا يهدد نفوذها على صانع القرار الأمريكي، واستعدادها لمواجهة والحد من قوى المهاجرين المسلمين والعرب المتزايدة من خلال شتى السبل بما في ذلك الحد من إعدادهم وقدرتهم على الاستقرار في الولايات المتحدة.
ثانيا: تشويه صورة المسلمين والعرب في دوائر الإعلام والرأي العام الأمريكيين والحيلولة دون نجاحهم في تحسين صورتهم، فقد أوضحت بعض التقارير الصحفية أن جهود بعض الدول العربية والإسلامية مثل المملكة العربية السعودية لتحسين صورتها وصورة المسلمين والعرب لاقت صعوبات وعدم تعاون شركات الدعاية والإعلام الأمريكية، هذا في الوقت الذي انتقلت فيه حملة تشويه صورة المسلمين والعرب في وسائل الإعلام الأمريكي إلى مستوى كبير من الوضوح والشراسة والجراءة في كيل الاتهامات للإسلام والمسلمين.
ثالثا: الدفع في اتجاه المواجهة بين البلدان العربية والإسلامية والولايات المتحدة على مستوى السياسة الخارجية. وذلك لأن ظهور ما يسمى بالمحافظين الجدد وتنامي قوتهم السياسية وتحالفهم مع الجماعات المتشددة في ولائها لإسرائيل ألقى بظلال سلبية على سياسة أمريكا الخارجية تجاه قضايا المسلمين والعرب وعلى رأسها قضيتا فلسطين والعراق، كما أنه أضعف أمال المسلمين والعرب الذين يحاولون العمل على إصلاح العلاقات الإسلامية الأمريكية داخل وخارج أمريكا.
فقد رفض تحالف المحافظين الجدد واللوبي الموالي لإسرائيل التطرق لأية حلول حقيقية لمشكلة الشرق الأوسط من خلال إيجاد حل عادل ودائم للقضية الفلسطينية، وفي المقابل فضلوا غض الطرف بشكل يكاد أن يكون كليا عن سياسات الاحتلال الإسرائيلي، وراحوا ينشرون رؤية مخالفة للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط تقوم على أساس زرع أنظمة بديلة في المنطقة العربية - بدءا من العراق - تدين بولائها للسياسة التي يرونها بغض النظر عن عدالتها، كما فضلوا أيضا مبدأ المواجهة والصراع على حساب مبدأ المصارحة والحوار في التعامل مع الجماعات والنظم المسلمة والعربية المعارضة للسياسة الأمريكية تجاه قضايا العالمين العربي والإسلامي.
وتـنبع خطورة مخطط المحافظين الجدد – وغيره من الآثار بعيدة المدى لأحداث سبتمبر – من أنها ليس فقط تضر بالعلاقات الإسلامية الأمريكية في الوقت الحاضر وإنما تزرع بذور الشقاق والخلاف في العلاقات الإسلامية الأمريكية على المدى البعيد وتغلق أبواب الحوار الحقيقة ومن ثم تقلل فرص إصلاح العلاقات الإسلامية الأمريكية، وتتماشى مع جهود جماعات المصالح والضغط المتشددة التي سعت إلى الإضرار بالعلاقات الإسلامية الأمريكية على مدى عقود طويلة من الزمان.

(3) رؤى ومواقف أمريكا تجاه المسلمين والعرب وقضاياهم اختطفت منذ عقود
أثار أزمة سبتمبر المباشرة وبعيدة المدى منها لم تكن وليدة الأزمة فقط وإنما كانت تراكما لجهود جماعات ضغط ومصالح عديدة متشددة تجاه المسلمين والعرب سعت للإضرار بعلاقتهم بالولايات المتحدة على مدى عقود طويلة، وقبل أن نتناول هذه الجهود بالتفصيل نحب أن نتوقف سريعا عند تعريف هذه الجماعات المتشددة.
(1) مختطفو السياسة الأمريكية تجاه قضايا المسلمين والعرب
من الخطأ التركيز فقط على جماعات الضغط والمصالح المتشددة في ولائها لإسرائيل عند تعريفـنا للجماعات التي سعت قصدا للإضرار بالعلاقات الإسلامية الأمريكية، فقد وجدت هذه الجماعات حليفا سهلا في الجماعات اليمينية المتطرفة والتي تظهر بقوة على الساحة في الوقت الحالي، كما تجد أيضا حلفاء في بعض جماعات المصالح الموتورة والمختلفة مع بعض البلدان العربية والمسلمة حول قضايا معينة، فعلى سبيل المثال ذكرت جماعات ضغط هندية أمريكية إنها شاركت في حملة إسقاط النائبة سنثيا ماكيني ممثلة (بولاية جورجيا) خلال شهر أغسطس 2002 (في الانتخابات الأولية على مقعد الحزب الديموقراطي عن دائرة النائبة الأمريكية) - وهي الحملة التي قادها اللوبي الموالي لإسرائيل - بسبب انتقاد سنثيا ماكيني لمواقف الهند تجاه الأقلية المسلمة بها.
ولا عجب أن تلاقي مختلف الجماعات المعارضة لسياسات الدول العربية والإسلامية حول قضية أو قضيتين دعما من اللوبي الموالي لإسرائيل واليمين المتشدد في مواقف عديدة.
ويجب هنا التمييز بين الجماعات المتطرفة في ولائها لإسرائيل أو الجماعات اليمينية المتشددة وبين الجماهير المرتبطة مع هذه الجماعات في العرق أو اللون أو أية روابط طبيعية أخرى. فالقول بأن الجماعات المتشددة في مساندتها لإسرائيل تتعمد الضرر بالعلاقات الإسلامية الأمريكية لا يعنى أن جميع اليهود الأمريكيين مثلا يساندون أهداف أو نشاطات تلك الجماعات، فالواقع يثبت أن هناك جماعات يهودية عديدة وكبيرة تساند مساعي المسلمين والعرب للمطالبة بسياسة أمريكية عادلة تجاه الشرق الأوسط.
ونفس المنطق ينطبق على آلاف الجماعات المسيحية المتسامحة والتي تلفظ أفكار اليمين المتشدد وتفتح أبوابها أمام المهاجرين المسلمين والعرب ليشرحوا أهدافهم وقيمهم ويحسنوا صورتهم لدى أعضاء تلك الجماعات.
وهنا يجب الإشارة إلى أن جهود الجماعات المتشددة في مواقفها من الإسلام والمسلمين والتي سوف نفصلها في النقطة التالية ما كانت لتنجح أو تجد طريقها إلى وسائل الإعلام والسياسة الأمريكية لو كان هناك جهد عربي ومسلم واعي لمواجهتها والانتصار عليها.
(2) كيف اختطفت السياسة الأمريكية؟
المثير عند تحليل منهج عمل الجماعات المتشددة نحو المسلمين والعرب والتي عرفناها في النقطة السابقة هو وضوح وعلانية هذا المنهج وسهولة التنبؤ به، بل أن وسائل الإعلام العربية والمسلمة مليئة بصفة يومية بأخبار وتحاليل عن أساليب عمل جماعات الضغط الموالية لإسرائيل واليمين المتشدد، ومع ذلك لم يوجد هناك جهد عربي أو مسلم حقيقي لمواجهتها.
وقد لا يسعفنا هذا المقام بالمساحة الكافية للحديث المفصل عن أساليب عمل هذه الجماعات، ولذا سنحاول التركيز على الخطوط العريضة لهذا العمل، وأول هذه الخطوط هو طبيعة عمل هذه الجماعات كعمل داخلي يقوم على التوغل في واستخدام مؤسسات السياسة والإعلام الأمريكية الداخلية الكبرى لتحقيق أهداف وعمل هذه الجماعات المتطرفة.
وقد تنبهت هذه الجماعات لأهمية هذه النقطة منذ بداية عملها ضد قضايا المسلمين والعرب مستغلة قوة وجودها داخل المؤسسات الأمريكية بحكم قدمها على الأراضي الأمريكية وضعف وجود العرب والمسلمين داخل هذه المؤسسات.
وتتحدث العديد من كتب السياسة والتاريخ إلى الضغوط التي مارسها اللوبي الموالي لإسرائيل على الإدارات الأمريكية المتعاقبة مستغلا وجوده القوي داخل الولايات المتحدة وتوغله في مؤسسات الحكم بها، إذ يعود تاريخ هذه الضغوط إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل نفسها.
ثانيا: تعول هذه الجماعات في عملها على سلسلة من قواعد العمل السياسي الأمريكي الداخلي المعروفة للجميع وعلى رأسها أساليب اللوبي (الضغط السياسي) وأساليب حركات الحقوق المدنية غير العنيفة، وأساليب الضغط الإعلامي.
ومعظم هذه الأساليب معروفة وقانونية ومتاحة لأية جماعة منظمة وفعالة تعيش على أرض الولايات المتحدة.
ثالثا: تاريخ عمل بعض الجماعات المتشددة في مواقفها من المسلمين والعرب يعود إلى فترة النصف الأول من القرن العشرين، وخاصة مع إعلان قيام دولة إسرائيل، ولكننا لا نحتاج العودة كثيرا إلى الوراء حتى نتـتبع جهود هذه الجماعات الواضحة في الإضرار بالعلاقات الإسلامية الأمريكية، فإذا عدنا على الأقل إلى بدية التسعينات لوجدنا أن كثير من تبعات أزمة الحادي عشر من سبتمبر السلبية على العلاقات الإسلامية الأمريكية قد بدأت تتشكل خلال تلك الفترة، على مرأى ومسمع من الجميع بما في ذلك المسلمين والعرب أنفسهم، ومع ذلك لم يتم مواجهتها، فاستمرت في تراكمها حتى انفجرت بشدة بعد أحداث سبتمبر 2001، وسوف نتناول فيما يلي مسار بعض هذه التراكمات.
 بعد نهاية الحرب الباردة ظهرت بعض التوجهات السياسية والفكرية التي حاولت النظر إلى الإسلام كعدو أمريكا الجديد بعد سقوط الاتحاد السوفيتي.
 واجهت عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية (أوسلو) عقبات وفترات تعثر عديدة منذ انطلاقها، وفي كل فترة من فترات التعثر هذه صعد اللوبي الموالي لإسرائيل من انتقاده للمسلمين والعرب وتشويهه لصورة الإسلام والمسلمين.
فعلى سبيل المثال روج بعض الكتاب المتطرفين لكذبة أن المفاوضين الفلسطينيين لا يحافظون على وعودهم لأن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لم يحافظ على صلح الحذيبية، وذلك في محاولة منهم لتفسير تصرفات المفاوضين الفلسطينيين تفسيرا ليس فقط يشوه صورتهم وإنما أيضا يشوه صورة الدين الإسلامي والثقافة العربية بشكل عام ويزعزع ثقة المواطن الأمريكي فيها.
بمعنى أخر أن اللوبي الموالي لإسرائيل تعمد في تشويهه لصورة المفاوض الفلسطيني تشويه صورة المسلمين والعرب بشكل عام حتى يهدم الإطار العام الذي يمكن أن يبني عليه الفلسطينيون وجماعاتهم المختلفة صورتهم، ولكي يضر أيضا بصورة أية جماعات مسلمة أو عربية تحاول مساعدة الشعب الفلسطيني.
- ظهور الجماعات الإسلامية المسلحة في العديد من الدول العربية والإسلامية وانخراط بعض هذه الجماعات في أعمال عنف ضد النظم الحاكمة والشعوب في بلدناها خلال التسعينات، فتح الباب على مصراعيه لإقران الإسلام بالعنف والإرهاب، إذ حاولت جماعات الضغط المتطرفة في مواقفها من قضايا المسلمين والعرب الربط بين سلوك الجماعات الإسلامية العنيفة وسلوك مختلف الحركات والجماعات المسلمة والعربية بما في ذلك حركات المقاومة الشرعية والسلمية منها أمام الرأي العام الأمريكي.
 بعد الهجوم على مبنى التجارة العالمية العالمي الأول في عام 1993 دخلت تصورات ومواقف الحكومة الأمريكية من الجماعات الإسلامية العنيفة مرحلة جديدة توجت بإدراج عدد كبير منها على قوائم الإرهاب في منتصف التسعينات، وبإصدار قوانين مكافحة الإرهاب لعام 1996، والتي مثلت محاولة للحد من نشاطات هذه الجماعات على الأراضي الأمريكية.
 جانب كبير من اهتمام اللوبي الموالي لإسرائيل بأبواقه الإعلامية والسياسية وجه لملاحقة أنشطة الجماعات الفلسطينية المسلحة على الأراضي الأمريكية في الوقت الذي استمرت فيها تلك الجماعات في تمويل الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ومساندته بشتى الطرق، وظهرت دعوات سياسية وإعلامية عديدة تحاول الربط بين أنشطة أكبر عدد ممكن من المنظمات المسلمة والعربية الأمريكية وأنشطة هذه الجماعات المسلحة.
وقد تضمنت بعض هذه الدعوات إشارات واضحة تعبر عن قلق اللوبي الموالي لإسرائيل من تنامي قوة الجماعات المسلمة والعربية داخل أمريكا وسعيها لتوعية الشعب والمسئولين الأمريكيين بقضايا المسلمين والعرب.
 أحد الآثار السلبية لقوانين مكافحة الإرهاب لعام 1996 كان الحد من حقوق وحريات المسلمين والعرب في أمريكا وخاصة بعد أن أقرت هذه القوانين استخدام ما عرف باسم "الأدلة السرية" لاعتقال المسلمين والعرب المشتبه فيهم بناء على دليل سري لا يطلع علية المتهمون أو حتى محاميهم.
 تسببت القاعدة وغيرها من الجماعات المسلمة أو العربية التي انخرطت في عمليات عنف ضد الولايات المتحدة في تزويد حملات الإضرار بمصالح المسلمين والعرب في الدوائر الأمريكية بالوقود اللازم لاستمرارها خلال أواخر التسعينات والسنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين.
وذلك في الوقت الذي انحسرت فيه حملات توعية المجتمع الأمريكي بحقيقة الإسلام والمسلمين والتأثير الإيجابي على صانع القرار الأمريكي في نطاق محدود جدا.
وبذلك عندما وقعت أحداث سبتمبر 2001 وجدت بيئة خصبة مليئة بالتراكمات السلبية الموجهة نحو الإضرار بصورة المسلمين والعرب ومصالحهم لدى الولايات المتحدة ونحو الحد من نمو المجتمعات المسلمة والعربية داخل الولايات المتحدة.

(4) مهمة تحسين العلاقات الإسلامية الأمريكية الصعبة
التراكم الإيجابي الذي حدث خلال العقد الأخير على صعيد تحسين العلاقات الإسلامية الأمريكية كان تنامي قوة مجموعة من جماعات ومنظمات مسلمة وعربية داخل الولايات المتحدة وضعت على عاتقها مهمة العمل على إصلاح العلاقات الإسلامية الأمريكية من خلال التكاتف مع الجماعات المسلمة والعربية الدولية وأصدقاء المسلمين والعرب في أمريكا، وسوف نحاول فيما تبقى من مقالتنا هذه تلخيص أهم معالم رؤية هذه الجماعات للعلاقات الإسلامية الأمريكية وسبل علمها لتحسين هذه العلاقات.
أولا: تدرك هذه الجماعات أكثر من غيرها ما تتعرض له صورة ومصالح المسلمين والعرب في أمريكا من ضغوط، وذلك بحكم انخراطها في عملية الدفاع عن هذه الصورة وتلك المصالح وتشجيع مشاركة المسلمين في دوائر صنع القرار بالولايات المتحدة، ومعايشتها اليومية لما يتعرض له المسلمون والعرب من ضغوط وتمييز عند محاولة التأثير والتوغل في هذه الدوائر.
ثانيا: تشعر هذه الجماعات أن جزء كبير من مسئولية تدهور العلاقات الإسلامية الأمريكية يعود على المسلمين والعرب أنفسهم بحكم عدم تنظيمهم لقوتهم للتأثير على أمريكا من الداخل، كما تشعر أيضا بأن هاك فرصة كبيرة أمام المسلمين والعرب في حماية حقوقهم ومصالح داخل الولايات المتحدة إذا استطاعوا تنظيم أنفسهم.
ثالثا: تؤمن هذه الجماعات بوجود حيز كبير من القيم والمفاهيم المشتركة بين الحضارتين المسلمة والعربية والحضارة الأمريكية، كما يؤمنون أيضا بوجود مساحة كبيرة للحوار والتفاهم، وأن المسلمين والعرب لم يشغلوا أو حتى يطرقوا هذه الساحة بالشكل الكافي، ومن ثم لا داعي للجوء إلى الصراع دون اللجوء إلى الحوار أولا.
ناهيك عن أن هذه الجماعات تشعر بوجود حيز كبير من الحرية والأمن والفرص التي يوفرها المجتمع الأمريكي لنشاط هذه الجماعات ولحياة المسلمين والعرب في أمريكا، وأكبر دليل على ذلك سرعة انتشار الإسلام في الولايات المتحدة.
رابعا: انخراط المسلمين والعرب في المجتمع الأمريكي وحياتهم فيه لفترة طويلة جعلهم أكثر قدرة على التواصل مع المواطن الأمريكي وفهمه، والشعور بإمكانية الحوار معه وكسبه في صالحها، والشعور أيضا بأن أسباب الخلاف الحالية الموجودة في العلاقات الإسلامية الأمريكية نتجت بسبب تدخل أطراف ثالثة في هذه العلاقة، وليس لوجود نوع من العداء الأصيل أو المستحكم بين العالمين الإسلامي والعربي والولايات المتحدة.
خامسا: للأسباب السابقة تنخرط هذه الجماعات في جهد عام لتقوية أنفسها والجماهير التي تمثلها وتنـقية أهدافها وتطويرها بشكل يسمح لها بأن تكون أهداف عالمية قادرة على تحسين العلاقات الإسلامية الأمريكية وتحقيق الخير للمسلمين والأمريكيين معا.
سادسا: تواجه هذه الجماعات ضغوطا مستمرة من جماعات الضغط والمصالح المتطرفة في مواقفها تجاه المسلمين والعرب والعاملة على الإضرار بصورة ومصالح المسلمين والعرب داخل أمريكا وبالعلاقات الإسلامية الأمريكية، والواضح أن المنظمات المسلمة والعربية الأمريكية مصرة على مواجهة تحديات هذه الجماعات المتطرفة بكشفها أمام الرأي العام الأمريكي أولا، ثم الاستمرار في عملها، وعدم الرد عليها إلى بكل حكمة وتعقل، والترفع عن أساليب عمل هذه الجماعات المتطرفة الملتوية.
وبالنسبة للذكرى السنوية لأحداث سبتمبر، فالواضح أن المسلمين والعرب الأمريكيين سوف ينفقوها في تحسين صورتهم وصورة الدين الإسلامي، وتأكيد رسالة الإسلام الحضارية العادلة وأهدافه النبيلة للمجتمع الأمريكي وللعالم، كما سوف ينفقوها أيضا في عملية مراجعة للذات ولذكريات العام الماضي الطويل جدا والشاق، الوقوف على أهم دروس العام الماضي ليستفيدوا من الإيجابي منها ويتلافوا السلبي منها عملا بالمبدأ القائل بأن "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى