الجمعة ٢٨ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم هند فايز أبوالعينين

ماذا علـَّمنا أبناءنا بهذا الصمت؟

سيصعبُ علينا كمربي الجيلَ القادم أن نجد لأبنائنا حوافزَ لاتخاذ مواقفَ إيجابية من محيطهم. كيف لا ونحن أنفسنا نجد صعوبة ً في التحرك. ليس فقط لصعوبة التحرك ذاته، بل لأن العقدين الماضيين أثبتا فشلا ذريعا على مستويات عدة في قدرتنا على خلق تغيير ٍ يـُحسب لنا. استطعنا أن نحرك سطح الماء بكثير من القمم الشاجبة والمبادرات، لكننا فشلنا في خلق تيارٍ لصالحنا.

ما أتحدث عنه هنا هو مواقفـُنا وقدرتنا على التحرك كشارع ٍعربيٍّ يجب أن يتفاعل تجاه ما يجري حولنا. جيلُ الشباب القادم، وهم أبناءُ المدارس اليوم، يمرون بمرحلة تلقي المعرفة بالمجريات ومن ثم مراقبة ردودنا عليها. وأي قدوةٍ نمثلُّ نحن لهم؟ فليس ثمة الكثير لنريهم إياه من فعل ٍ أو رد فعل .

تعود إليّ ابنتي ذات ظهيرة وفي جعبتها أسئلة ٌ لا تنتهي. ولا أنكر لذاتي أنني أصبحت كباقي الأمهات مبدعة ٌ في خلق إجاباتٍ تلوي الحقيقة أو تضببها، حتى لا تكبر ابنتي بوعي ٍ سوداويّ. لكن كان أصعبَ الأسئلة هو ما لم أستطع ابتداعَ إجابةٍ له. وذلك حين سألتني : ماذا فعل الفلسطينيون ليستحقوا أن يـُقتل أطفالـُهم هكذا، ولماذا نتفرج عليهم كل مساء على الأخبار ولا نفعل لهم شيئا؟.

نظل نجيب أسئلة أبنائنا إلى أن تصل حد اضطرارنا للاعتراف بشيءٍ ما لا نرغب بتسميته: عجزٍ أو تخاذلٍ أو حتى جهلٍ بالأسباب. عندها نجدُ ملاذاتٍ أخرى نتملص بها من الموضوع برمّته. فليست أفعالنا فقط ما تم تدجينه بإدمان الألم والصمت، بل أن محض التفكير أصبح فعلا ً صعباً علينا. مرت حُقبٌ أتقنـّا فيها الشجبَ والاستنكار. وكان للشارع نبض وإيقاع نتداوله في أحاديث المساء، ونحن متسمرين أمام ذات الأخبار لكن بفارقٍ زمنيّ، وسط دعواتٍ جهورة يطلقها في العادة أكبرُنا عمرا ونؤمّن عليها جمعا. أما اليوم فقد سكنَ النبضُ وأسـِرَّتْ الدعوات.

ما يشهده الجيلُ المرتقب من صمتنا هذا لن يأتي إلا بنتيجة مماثلة. ولأن فاقد الشيء لا يعطيه فليس من المنطقي أن نعقد آمالنا بأنهم سيخلقون التيارات التي عجزنا نحن عنها. وإذا وضعنا هذا في بؤرة تطلعاتنا للغد فإننا بذلك نفتح خرائط غير معروفة الحدود أمام ما يمكن أن يحدث في مستقبلهم. إذا كان شجبنا واستنكارُنا وحروبنا الورقية قد سمحت بسقاية الأرض بالدم ووأد الطفولة واستصراخُ الحيوانِ لحقوق الإنسان، فإن صمتَ الجيل القادم سيكون موميائيا، وسيتخذ التدجين عندها أشكالا جديدة قد يعجز خيالنا اليوم عن حصرها. إن كنا اليوم ندعو بصمت، فإني أخشى يوما يقنـِط فيه أبناؤنا من الدعاء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى