الأربعاء ١ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٤
بقلم عبد الهادي شلا

الأســد الكـاســر

قبل دخول التلاميذ وانتهاء طابور الصباح.. كعادته تواجد الأستاذ"حسني" في الفصل ، ما شغله تحضير الدرس عن الاستماع إلى برنامج الإذاعة المدرسية و متابعة خطبة الصباح ..لاسيما..إرشادات السيد "أبو جميل " ناظر المدرسة ،التي سئمها التلاميذ لتكرارها بل ويتندرون في سرهم عليها..

أخرجه من تحضير الدرس السيد "ابو جميل" بإرشاداته .. أوامره.. ، بدءا بضرورة خلع القبعات داخل المدرسة مرورا بالفانيلات " تي شيرت" الملونة الفضفاضة ..التي تتبع الموضة ولم ينس يوما واحدا التذكير بقص الشعر على "الزيرو"..وأن بنطلون"الجينز"ممنوع ارتداؤه في المدرسة!!
في سره .. ضحك الأستاذ"حسني"

..هداك الله يا "ابا جميل"... أكثر من عشرين عاما أسمعتنا إرشاداتك.. حينها كنت أنا تلميذا، وأنت مدرسا وفي هذه المدرسة بعينها. ..
الزمن يتغير وأدواته تتجدد ..حتى مقاعد الدراسة تبدلت مرات ومرات.. و أبا جميل على حاله..!!
***
أذكر ذلك اليوم الذي أجبرني فيه على أن أترك المدرسة ..
يومها ..أمرني بعدم العودة قبل أن أحلق شعري على الصفر..
كان يوم"الاثنين" صالونات الحلاقة .. مغلقة كلها ، ولأنني ما تغيبت عن المدرسة يوما ما لأي سبب كان ، فقد حنقت عليه لإصراره ومعاقبتي بهذه الطريقة ب.. الطرد..

مرغما.. غادرت..

عند الباب الخلفي للمدرسة..

في طريقي إلى البيت

مررت بموقف عربات"الكارو"

لفت نظري.. فتح شنطة خشبية صغيرة .. رغوة صابون طفت من علبة صغيرة.. غمس فيها فرشاة بشعيرات بالية.. غطى رأس "عربجي " ..
إنه "حلاق الحمير"...هكذا كنا نسميه
ضحكت.. دون أن يلحظني أحد.. تصورتها"مدقة الهاون" لقلة شعيرات الفرشاة!!
وقفت.. تأملت المشهد الغريب.." العربجي " أسلم له رأسه .. سن الموسى على قطعة جلد معلقة تدلت من مسمار في حائط المقبرة التي يستظل تحتها" العربجية ".. حميرهم و.. بغالهم..
في سري..أخفيت ضحكتي ، و سرت في اتجاه البيت..

توقفت لحظة..
لا..
إنها فكرة جنونية..
ولكن لا بد..
ستجلدني أمي إن فعلتها..
سرت..
توقفت..
قررت!!.

***

أسلمت رأسي ل.. حلاق الحمير..
ماذا تريد.. يا ولد؟ سألني
زيرو..على الصفر!!
محراث حديدي أثلم حصد الشعيرات التي لم يرض عنها أبا جميل..
ذهابا..إيابا
تم الحرث..
نعيما..
أنقدته المليمات التي معي ، وكنت أنوي شراء حبات " فلافل" من مقصف العم"عفش".
لم يحدث أن دخلت حجرة المدرسين من قبل إلا في مهمة رسمية.. كإحضار _عصى أبا جميل أو أبريق الماء حين يعطش.
إلى حجرة المدرسين..على حياء..تقدمت خطوة.. بحرص وخجل تقدمت الثانية
لمحني..
تقدم..
تفحصني
تمت الموافقة..!!
الآن.. اذهب إلى الفصل.
ضحكة عالية أفلتت من الأستاذ حسني..
الله يجازيك خير يا أبا جميل.. وسامحك الله
ما أن دخلت البيت.. لمحتني أمي
خطوط الحرث التي خلفتها ماكينة الحلاقة واضحة للعيان..
ما أتقن الحرث..حلاق الحمير..!!
ما هذا؟مندهشة..ثائرة ..سألتني
طلب مني الأستاذ أن أقص شعري..واليوم الاثنين..!!
ماذا فعلت.. أردفت والشرر يتطاير من عينيها.. سألتني؟
حلقت شعري..
توقفت!!
أين؟
عند..عند..عند حلاق المقبرة..
حلاق الحمير؟؟ أضافت

الله يخرب بيتك يا أستاذ (....) وبيت اللي وظفك..بأعلى صوتها صرخت
أنقدتني قرشا..بسرعة البرق أحضر قطعة صابون"فونيك"من دكان الحاج " سالم "
أسلمت لها رأسي حتى أتت على قطعة الصابون وصفيحة الماء الساخن.. إن فعلتها ثانية سأدق عنقك!!..ولكن الحق على أستاذك المعتوه..أردفت

***

خرج الأستاذ حسني من عالمه..
..كتموا ضحكاتهم وتعليقاتهم على تعليمات السيد الناظر في طابور الصباح.. التلاميذ
الأستاذ..الأستاذ..

سكوت..

دلفوا واحدا تلو الآخر ..اتخذوا مقاعدهم
بطرف عينه.. لمح وجوههم المتفائلة .. تذكر نفسه..ضحك في سره!

***

تلاميذ الصف الرابع يحبون الأستاذ حسني..
أعربوا له عن ذلك في أكثر من مرة..
ودود .. حساس...يسألهم عن أحوالهم وظروف معيشتهم ..
أكثر من مرة تدخل لدى إدارة المدرسة لإعفاء بعضهم من الرسوم المدرسية بسبب ظروفهم المعيشية.. أبو جميل ما رفض له طلبا البتة مهما كان..
يحترمه ويقدر عطاءه ..
***
صفحة 56 التمرين الخامس..

مسألة رياضية تحتاج ذكاء وسرعة بديهة..

أرقام حسابية و..علامات الزائد والطرح كتبها..قبل أن يستدير.. باللون الأحمر وضع خطا تحت رقم 56 .
من يحل هذا التمرين؟
أستاذ..أستاذ..أستاذ

علت أصوات التلاميذ وارتفعت أصابعهم.. سيوفا في ساحة وغى.. تدافعوا ، كل يريد أن يقدم الحل

أشار إلى أحدهم..

أجاب على أحسن ما يكون.
أحسنت...
ترقب..وتحفز للسؤال الثاني..
الأستاذ حسني يقلب صفحات الكتاب باحثا عن تمرين مثير.. اختار تمرينا أصعب من الأول ..
علت أصواتهم ..ارتفعت أصابعهم .. تلاصقت أكتافهم ..تدافعوا ، وحماس أكبر..
أشار لأحدهم..
أجاب
أحسنت.. علّق

**

في الصفحة 56 .. خمسة تمرين .. حلوها..

بدأ التلاميذ قراءة التمارين..
اتجه ناحية النافذة المطلة على الحقول المجاورة للمدرسة..

مد بصره إلى البعيد.. في خاطره..شريط تشابكت صوره .. سنين عجاف وأخرى
سمان..و حروب وسفر واغتراب..

همسات التلاميذ .. تشكل إيقاعا من ذبذبات موسيقية لخلفية مسرحية بدأت
فصولها منذ سنوات..وشريط الذكريات يجتاحه .. قطار ما توقف... صغارا كنا.. تحت تلك الشجرة لعبنا..ألقينا الحجرة .. تساقط علينا ثمرها..آه ما أجمل تلك الأيام!!
عاد يمشى بين صفوف المقاعد..والصور تملأ مخيلته.. خطوة.. بخطوة
بعينيه.. يتابع حلول التمارين..

بدأت حركتهم .. تململهم ..اقتربوا من الحلول..
معا.. مجموعة المتميزين..اندفعوا نحوه
معا.. مدوا أيديهم الصغيرة بكراساتهم على طاولته ..ألقوها أمامه
تأمل الوجوه البريئة
صمت..
اجلسوا جميعا..أمرهم
تركوا كراساتهم على الطاولة ..
بأدب شديد إلى مقاعدهم..عادوا
أغِلقوا الكراسات والكتب..
لم ننته بعد يا أستاذ.. معا قال التلاميذ
أعرف..
ولكن!!
ما تحتاجونه ليس المنهاج المدرسي المقنن.. العلوم والرياضيات ..تاريخ الأولين والبارزين من الأعلام فقط..
.. أريدكم أن تعرفوا تاريخ الشارع والحارة، وأن تعرفوا شجاعة رجال بلدكم البسطاء أيضا

****

كنت في مثل سنكم حين وقعت مدينتا..الجميلة..العريقة..تحت ظل الاحتلال
رحل بنا أبي إلى الغابة في أطرافها.
جاءنا جنود الاحتلال.. بعد أيام
من هؤلاء ؟

بالعربية.. سأل الجندي المدجج بالسلاح.. والدي؟

أخوتي وأبناء عمومتي...بصوت منكسر

أكثر من خمسة عشر رجلا افترشوا رمل الأرض..

قفوا..وجوهكم إلى الحائط..أيديكم إلى أعلى..لا أحد يتحرك
..
أمرهم جندي بصوت جهوري.. مدجج بالسلاح

أخافني.

إلى حضنها ضمتني أمي..
سأطلق الرصاص على كل من يتحرك ..
طفل أنا..
حدقت في وجه أبي الذي أحبه

جدتي.. كتمت صرخة لو انطلقت لسوت جبل "المنطار" بالأرض..
أولادي ؟؟؟

قرَأَت المعوذات الثلاث وآية الكرسي ..وكل ما حفظت من القرآن.. فركت يديها..يا رب ألطف بنا..دموعها سالت على وجنتيها

تلعثمت كثيرا.. لاحظت أنها تعيد الآية الواحدة أكثر من مرة .

لماذا أنتم هنا؟ سأل الضابط الكبير بالانجليزية
تركنا بيوتنا في المدينة خوفا من الحرب
بحلق الضابط في وجه أبي.. تتكلم الانجليزية بطلاقة.. أين تعلمتها؟
كنت شرطيا أيام الانتداب البريطاني.
بالعبرية..الضابط تحدث إلى زميله..
ابتسم والدي..
أتعرف العبرية أيضا؟
برأسه أومأ
هل الجميع هنا.. من أسرتك؟
نعم..
تأملنا فردا فردا..تبعناه بعيوننا..
صغارا كنا ..أخوتي ..أبناء عمي..
نظرت إلى وجه أبي .. انكساره ..وضعفه
مرت اللحظات ثقيلة ..صمت وترقب
أمرٌ بالانصراف .. من الضابط الكبير إلى جنوده ..
عادوا من حيث أتوا.

***

عند مدخل المدينة..قالت عمتي لا تنظروا في هذا الاتجاه..
كأنها تأمرنا أن نحدق فيما نهينا عنه.

كلنا.. نظرنا إلى حيث أمرتنا.. ألا ننظر..

جثث..دماء..نساء .. أطفال

يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف ..أللهم ارحمنا وارحم أمواتنا..دعت
في كل اتجاه.. انتشر الناس

صور ..تلو الصور تتزاحم في مخيلة الأستاذ حسني وهو يروي لتلاميذه ما حدث عند الاجتياح في تلك السنة..كان العام 1956

صمت تام..
..تشوق للمزيد
تعابير وجوههم.. قالت

***

تصادف مرور العم "أحمد" الفراش بباب الفصل.. ما أن بدأ الأستاذ حسني حديثه للتلاميذ ..
أسند جسده الضعيف إلى الحائط بقرب النافذة ..
أنصت.. تابع
انتشى

في سره..

أعرفك جيدا..يا حسني!!

وأنا في مثل سنكم....أكمل الأستاذ حسني ..كان لنا جار .. شاب طيب ..هادئ ..مفتول العضلات قوي البنية..دوما يشمر عن ساعديه حتى في فصل الشتاء البارد..
كلما رأيته ..تأملته .. تمنيت أن أكون مثله..
أنت ولد شاطر في المدرسة..
قال لي..بصوت منخفض..خذ قطعة الفحم هذه..اكتب بخط كبير واضح..على الجدار الطويل لمخزن العلف " إننا لعائدون".." النصر لنا" ...لا يراك أحد!!
هل تعرف؟..سألني
خفت..ترددت..
لكني أبيت أن أبدو جبانا
نعم!!
بحذر ..على مخزن العلف
كتبت..
أكثر من مرة..سألني نفس الشيء .. أزداد إعجابا به.. اختارني دون أترابي
أشار لي بأصبعه أن ألحق به في الزقاق الضيق .. ذات مرة..
وسط انشغال الأولاد في اللعب ..
تبعته
هذه "صرة" فيها بعض الأدوات..أريدك أن تتدلى من فوق جدار بيت الحاج "عثمان" المهجور و تضعها في حفرة صغيرة بجوار شجرة المشمش ..بحرص
شديد ..
حملتها ..
ثقيلة..
سرت دون أن يراني أحد..
تسلقت الجدار..حفرت تحت شجرة المشمش..
وضعتها.

***

في الركن المشمس من حارتنا .. تجمع شيوخها .. ما انتهت حكاياتهم المشوقة...ذكريات الشباب..
ألعب بالقرب منهم.. سمعتهم..
أكثر من ابو زيد الهلالي..عنتر....إنه " الأسد الكاسر"
أحدهم حلف طلاق بالثلاثة ..رأيته بعد صلاة العشاء يمشي في الزقاق ..إنه مارد .. طويل... قدميه على الأرض ورأسه في السماء..ما تمكنت من رؤيته..
علت ضحكاتهم..
غطي رجليك لما تنام..عقّب ساخرا " الحاج مسعود"
خط على الأرض.. مربعا كبيرا.. ثلاث خطوط رأسية ..أخرى أفقية.. ستة عشر خانة.. تولدت
أخرجوا حجارتهم الصغيرة من جيوبهم.. لعبة " ام الستعش"
أتظنني أهذي يا حاج مسعود؟..
الأسد الكاسر رضعان من" بز" أمه حليب صافي..
كتب على مخزن العلف وعلى حيطة الجامع وعلى سور المدرسة الابتدائية شعارات ثوريه.. ألقى قنبلتين على معسكر الجيش الليلة الماضية..الله يقويه
" الأسد الكاسر"!!.
من يكون؟
..سألت نفسي

قاطعه التلاميذ..بسرعة يا أستاذ..قبل أن يدق الجرس!!

***

العم"أحمد" الفراش..اعتدل ..أنصت جيدا..الأسد الكاسر؟؟ أما زلت تذكر سيرته يا حسني؟!!
مد رأسه قليلا من طرف النافذة.. قرع الجرس.. انتهت الحصة..علت أصوات التلاميذ .. تدافعوا إلى الممرات ..
بقي العم"أحمد" مع هواجسه.

***

على صندوق خشبي صغير في زاوية الممر المطل على الساحة الخلفية للمدرسة.. ألقى بجسده المتعب
فتح علبة صغيرة صدئة.. أخرج دفتر الدخان ..بلل السبابة..سحب ورقة ..بحرص شديد مددها بين السبابة والإبهام..ملأها بدخان "الهيشه"..لفها..برم طرفها..مررها على لسانه برفق.
في زناره ..ولاعة مربوطة بسلسلة فضية من حلقة بمؤخرتها..لوح بها في الهواء ليحرك ما تبقى بها من "بنزين" أو كما يلفظها"بلزيم"..فرك القرص الناري..تولدت الشرارة.. اشتعل الفتيل.... بحنان.. لف كفه حول اللهب..سحب النفس الأول.. الثاني..
النفس الثالث بدا أكثر استمتاعا.. لحظات..خرج زفيرا حارا .. مغموسا بوجع جرح عميق.

مرحبا يا عم"أحمد"..
أستاذ حسني؟
تفضل سيجارة..
ما عدت أدخن يا عم أحمد.. توقفت منذ شهرين..
نظر إلى وجهه..
صمت..
هل كل شيء على ما يرام؟..سأله الأستاذ حسني
الحمد لله..اجاب

***

سحب صندوقا خشبيا صغيرا ..جلس بقربه
اليوم حدثت التلاميذ عن حكايات الحارة والشارع..لا يكفي أن يعرفوا ما بالكتب ..إنهم جيل مختلف..استمتعوا كثيرا.. الوقت ما أسعفني لأكمل لهم حكاية"الأسد الكاسر"..
رفع رأسه..حدّق في وجهه ..أتعرف الأسد الكاسر..سأله العم"أحمد"
كنت صغيرا حين تردد اسمه في حارتنا ..على لسان شيوخها بالذات..
أ تعرفه؟!
أنت أكبر مني بسنوات.. إنه من جيلك..أتعرفه؟
أغلق عينيه..أخفى سرا

أعاد..ألا تعرفه ؟

كثيرة أسود مدينتا يا أستاذ.. منهم من سمعنا عنه ومنهم ما سمعنا..
كان اسمه"الدرويش"..كنت صغيرا جدا..لا أعتقد أنك تذكره

بل أذكره..والدي التقط له صورة ..يوم عيد الفطر من تلك السنة .. حمل عصاه الغليظة ..حافي القدمين..غير حليق اللحية ..بين أوراقي..إنها باللون الأبيض والأسود..

ما كان "درويشا" بل بطلا يا أستاذ!! أضاف العم"أحمد"..
اقتحم الخندق على جنود الاحتلال..قتل منهم ستة ..اختفى في البيارة الشرقية..
بعد دقائق.. قنصه جندي لما شعر بحركة بين الأشجار.
سمعت هذا من والدي.. كان يعطف عليه ويحميه من حجارة الصبية .. ظنوا أنه مجنون..رشقوه بالحجارة كلما مر بساحة حارتنا..ذات مرة ، لوّح بعصاه في الهواء ..ألقاها نحوهم..فزعوا..تفرقوا..زمجر.. أمهاتكم ..أبوكم..
ما خفته أبدا .. أشفقت عليه

أنت ما تخاف يا أستاذ..حسني!!
ما أجبتني عن "الأسد الكاسر".. من يكون؟
نحو الحقول صوب نظره..
سحب نفسا عميقا من سيجارته الثانية..
هذا الشعب مرابط إلى يوم الدين...أضاف

أتعرف شيئا عن ذاك الشاب ؟ العم "أحمد" بادر بالسؤال
لا.. سنوات طويلة مرت..أكملت دراستي الثانوية في المدرسة الغربية حين انتقلنا إلى تلك المنطقة و.. بعدها سافرت للدراسة في الخارج ..عملت سنوات في البلاد العربية.. ما سمعت عنه شيئا ..ما رأيته أبدا...مازلت أذكره .. بحسرة قالها

تزوجت..أخذتني دوامة الحياة..الأولاد..العمل..
في ذراعه الأيمن علامة.. جرح عميق
كان دائما يشمر عن ساعديه..صيف شتاء
أخرج دفتر السجائر..بلل سبابته..لامس الورقة.. بحرص..مددها بين الإبهام والسبابة..ملأها بدخان "الهيشة"..نزع غطاء ولاعته النحاسية اللامع ..فرك القرص..اشتعل الفتيل..سحب نفسا عميقا.
تأمله خطوة.. خطوة..تابعه..ابتسم الأستاذ حسني.
ما تأملت وجهك مثل اليوم يا عم "أحمد"..
سحب نفسا أعمق..مال بجسده قليلا إلى الوراء..مد رجليه .. لامست الجدار في آخر الممر الطويل.. سرت في جسده برودة غريبة..
كان طفلا صغيرا..كتب على جدار مخزن العلف..وسور المدرسة وحيطة الجامع.."إننا لعائدون.."النصر لنا"".. تفوه..

أخفى القنابل في بيت الحاج عثمان تحت شجرة المشمش..قسوت عليه ..أحببته.. ما خاف أبدا.. كان شجاعا..
أنت ولد عظيم.. رعاك الله

يا..

حسني.
سيجارته.. سقطت..
وقع على الأرض
بين ذراعيه.. حمله
سار في شوارع المدينة
موكب جليل ..
التلاميذ ..
المدرسون .. يتقدمهم أبا جميل
رباه..
تكشف ساعده الأيمن..عن
علامة..
أثر.. من جرح قديم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى