الأربعاء ١١ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم محمد عبد العزيز السقا

حكاية قتيل أسعده القتل

هذه حكاية قتيلٍ لازال حياً .. حكاية قتيل أسعده القتل .. وتلذذ به ... بل وتمنى أن يقتل أكثر وأكثر .. قتيل أحياه القتل ... لست أدري كيف يحيا حتى الآن !! وكيف يعيش وهو المقتول منذ زمان !!

أتعجب من كونه يتحرك على قدميّه، مع أنه صريعٌ وقتيلُ.. نعم .. قتيل أيما قتل وصريع أيما صرع.

والعجيب أنه يشعر بحياته الآن أكثر من ذي قبل، بل يشعر أن حياته قبل أن يقتل كانت أقل نبضاً بكثير... ويشعر أن حياته الآن - وهو القتيلٌ الصريعٌ - أصبحت مفعمةً بالحياة.

مسألة عجيبة أن تظل حياً في حين أنك قتلت للتو، والأعجب .. أن يصير جمال حياتك وسر حيويتها هو ذاك القتل، وعجب العجاب .. أن تتلذذ به وتتمنى أن لو تقتل مئات المرات.. قتلٌ ليس بحد السيوف ... أو نصل الرماح ... إنه قتل من نوع آخر ... قتلٌ يعفو فيه المقتول عن القاتل، ويرفع شكواه طالباً من قاتله أن يقتله آلاف المرات..

هو قتيلٌ يقتله لحظ عيناها ويصرعه جمال رموشها ويجهز عليه بَسمُ محياها، بمجرد أن ينظر في عينها أو يلمح طرف رموشها - وقد تقلدت ثوبا من كحلٍ فتانٍ ليس من صنع البشر - حتى تصيبه رعشة المقتول .. وينتفض .. وتتسارع دقات قلبه .. ويضطرب جسده كمن أصابه سهم في مقتل، ثم يعلن جهازه المناعي أنه لا يستطيع المقاومة أكثر من ذلك ويبدوا ذلك على ملامحه ويتجلى في رعشة أصابعه ...

ما أن تراه قاتلته هكذا حتى تجهز عليه بابتسامة تكون هي الفاصلة ... فيسكن سكون القتيل الذي سقط لتوه، إنه يسكن .. ويسقط..، لكن .. ليس على الأرض، وإنما يسقط في أكثر الأماكن دفئاً على وجه الأرض حيث يسقط في أحضانها ليبدأ في مرحلة جديدة لا تكتفي فيها قاتلته بما فعلته ولا تقبل إلا أن ينصهر ويذوب ويتلاشى بين ذراعيها لترحل روحه إلى هناك .. إلى روحها .. ليعانق المقتول قاتله .. في مشهد يقلب موازين القضاء والقانون، حيث يتوسل المقتول لقاتله، طالباً منه أن يعفو عنه لأنه لم يكن موجوداً في الفترة السابقة ليُقتل !! .. بل ويقبل يد قاتله في مشهد عجيب وكأنه يقول له سامحني أن كنت بعيداً عنك .. أعتذر إليك أنك لم تتمكن من قتلي في الفترة السابقة .. أرجوك سامحني .. لم يكن الأمر بيدي .. كان رغماً عني .. كان سفري وبعدي عنك قهراً عني ... أرجوك سامحني هذه المرة وسأبذل جهدي لأكون بين يديك في الموعد المحدد لقتلي فقد اشتقت كثيراً .. لأن أقتل...!!!

في حكايتنا أصبح المقتول مدمناً لأن يقتل بل إنه أصبح معتذراً ... لقد قلب الموازين، وأصبح المقتول هو من يطلب العفو من قاتله ويعتذر عن كونه لم يكن موجوداً ليقتل حيث إضطرته ظروف الحياة أن يسافر طلباً للرزق...

... ولكن لم ينتهي الأمر على هذا النحو فقد حدث تحول مفاجئ ... لقد عاد المقتول إلى طبيعة البشر، وبدأ في وضع الأمور في نصابها الصحيح، وللمرة الأولى بدأ المقتول يفيق من غفلته ويطالب بحقه فقد بدأ يقدم عريضة الدعوى ضد قاتله، لقد انتبه أخيراً وعاد إلى صوابه، أخيراً .. بدأ يتذكر أنه معتدىً عليه وأنه مجني عليه ... وأن له حقاً عند القاتل...

كم أنا سعيد بهذا التحول فأنا أحب العدالة وأحب أن يأخذ المظلوم حقه.. لذا فقد شققت ستائر الهدوء التي تحيط بالمشهد واختلست نظرة إلى عريضة الدعوى التي قدمها المقتول فوجدت مكتوباً فيها:

( أطالب بحقي في تعويضي عن الأيام التي لم أقتل فيها أثناء فترة موتي خارج البلاد - أقصد أثناء فترة سفري خارج البلاد – وأطالب بتشريع قانونٍ يعاقب القاتل في حالة توقف عن قتلي ولو ليوم واحد...) إمضاء:


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى