الخميس ١٩ حزيران (يونيو) ٢٠٠٨
بقلم مُحمَّد زَيْن الشَّفيع أحْمَد

يَـا أيـُّهــا الرَّجُـلُ الضَّمِـيرْ ...!

أُردِّدُهَــا كثيرًا في سِرِّي كلَّ حينٍ وعلى اسْتِحْيَاءْ:
عَـكَّـا .. يافَـا ..
حِيفـا ..
مساكينَ نَحنُ العربُ .. أحْـفـَـادُ هاجـَـرَ .. والخلـيـلْ ...
أصْحُـو الصَّـباحَ .. أمشي على أطرافِ أصابعي تكـبّـُـرًا
.. وفِـكْـريَ الخُواءْ ...
أُشـاهـِـدُ التلفازَ .. لا ..
لا .. بَلْ يُـشـاهدُني التِّلفازُ ..
فنحنُ رِجَـالُ القنواتِ .. لا فـلسطين .... !!!
السابعةُ مساءً هناك مُسلسلٌ في قناة الـ " ...!!.. "
يا لـَجمالِ هذه المُـمَـثلةِ ..
ويَا فُتُونَ هذه الفنانةِ .. ما أجملَ خصْرَها وساقيـْها...!
ويا لــطولِ شعرِها الكستنائيِّ المُـفَـضَّـضِ والمُذَهَّـبِ..
القصير ... ! .
في العاشرةِ هناك فيلمٌ أمريكيٌّ على قناةِ .. !!.. قلبي ..!! ..
وأيُّ فيلمٍ أمريكيٍّ أكبرُ
من إنتهاكِ عـُـروضـِـنــا واستلابِ أرضـِنــا .. ؟..
.. ولكنْ ..!! ..
دَعـْـني من هذا .. فالأمرُ لا يعنيني كثيرًا .. ففـلسطينُ ليستْ أرضي
وهي بعيدةٌ جـدًّا عنـِّي .. ولكنْ إنْ طالـَـني العدوُّ في بيـْـتيَ
أو استباحَ إحدى أخواتي .. فسيكونُ لي معـهُ شأنٌ آخـَـر ..
.. عـُذرًا .. أنا أُدخـِّـنُ المارلبورو الأبيضَ .. ..!!
عفوًا .. الأحمرَ .. !! .
لأنـَّـه أمريكيٌّ .. ممتازْ .. ! .
.. لا .. إني أُحـِـبُّ " البِـنـْـسون " فهو جميلٌ
وإنجليزيٌّ .. أو .. إسرائيليٌّ .. تقريبـًا ..
.. مَلَلْـتُ قراءة َ الجرائدِ .. فهيَ دائمــًا مكرَّرةٌ وتُعيدُ نفسَها ..!
فقد حَفِظْتُ مَعـالِمَها تمامًا :
العمودُ الأوَّلُ بالصفحةِ الأولى : سعادةُ الرئيسِ لديـْـهِ اجتماعٌ
في العاشرةِ من صباحِ الغـدْ وسيُرافِـقُهُ - كما تعلمونَ - الوفْـدُ ..!! .
العمودُ الثَّاني : نُدِينُ ونشْجُـبُ عملياتِ التفجيرِ والاغتصابِ
الحادثِ بالشَّقيقِ العراقِ ..
وإدانةٌ أُخــرى مُـمَـاثـِـلةٌ لعملياتِ تهويدِ
القدْسِ وتحطيمِ المسجدِ الأقصى ..!!! ..
والبيتُ الأبيضُ دائمًا يقولُ : ( ... ؟؟؟ ) ...
العمودُ الثَّالثُ : جانبٌ من الرِّياضةِ .. فالهلالُ السُّودانيُّ يَهزِمُ الزمَالكَ
والمرِّيخَ والنَّصرَ السُّعوديَّ بنتيجة ٍ صفر / صفر .. مساكينَ ..!!
إنَّهم مَهْزُومُونَ برغْمِ تَعادُلِ الزَّمانِ
والمكانِ والمَشْهَدْ ...!!!.
ثمَّ كاريكاتيرٌ عن السَّاسةِ والسِّياسةِ الدَّوليَّة ...
لكنـَّـه كاريكاتيرٌ مَمْجُوجٌ جدًّا ..
العمودُ الرَّابعُ : بهِ بعضٌ من القصائدِ الجميلةِ والهزيلةِ ...والرَّزيلة ..
الصفحةُ الأخيرةُ : صورٌ لنِسـَـاءَ جميلاتٍ جـدًّا يَجْعَـلْـنَكَ
تـُحـَـدِّقُ فيهـِنَّ بلا اخْتِشَاءْ ..!! ..
عارياتُ الشَّعْـرِ والنـَّحْـرِ والخــصْـرِ .. لا يـَلـْبـَسـْنَ
من القـُـمَاشِ سوى مِـتْـرْ ...!!
تـَـزَوَجـْنَ الجـرائدَ والقنواتِ بأجسادِهِنْ ..
فـبِـهنَّ ولأجْـلِـهِـنَّ تُبَاعُ الجريدةُ ....!!.
قال لي أحـَـدُهم يَوْمًا : " لا أحَدَ يشتري
جريدتَـنا من أجلِ الرِّياضةِ أوِ الـثَّـقـافةِ.. بَلْ مِنْ ...!! .. " ."
ففهـِـمْـتُ ما يرنُو إليْهِ
ويَصْبـُو ...
ومُرْفَقٌ بالصفحةِ الأخيرةِ أنَّ الفنانةَ " فـُـلانةً " تزوجتْ ثمَّ طلـَّـقتْ ،
ثُـمَّ كذلكَ عُـرْفـًـا عُـقِـدَ قـِـرانُها ...!! .
وحَـفْـلُـها الأخيرُ لم يُـدِرْ عَليْـها أرباحًا كثيرةً نسبةً لأنَّها
لم تتعرَّى فيهِ جيِّدًا !! فقد كان جزءٌ من صدرِها مغطـَّـىً بمقدارِ واحدِ
سنتمترْ عن المرَّةِ العاريةِ الماضية .. !! .
وفستانـُها المُزرْكشُ كانَ متـَّـسـِـعـًا قليلاً فالمفروضُ
أنْ يكونَ أكثرَ تـَـحـَـذُّقـًا ...
وها قد انتهتِ الجريدةُ ... !! .
فيا لَـكِ من جريدة ٍعـرْبيدة ..!!..
حيثُ لا يُوجدُ بها حديثٌ أو معلومةٌ عنْ فَنِّ طَبْخِ
المَديدةِ والعصيدة ..! .
فأنـَا رجلٌ أحمِـلُ جميعَ صفاتِ البلوغِ والذُّكورةِ التي درستُها في
كتابِ العلومِ لمرحلةِ الأساسِ أو الابتدائي - كما في عهْـدِنا كانَ يُسمَّى –
مثلَ حاجِبٍ غزيرٍ و شنبٍ كبيرٍ وصوتٍ
غليظ ٍ .. و ... .. لعلَّكم تَعْـرفُونَ البقيَّة ..!! ؟ .
وعلى ذاتِ السَّجيَّة ..
لكنْ يُراوِدُني إحساسٌ بأنَّهُ .. ليسَ كلُّ مـَـنْ يحمِـلُها يُسمَّـى رَجُلًا ؟؟
 
لعلَّهُمْ نَسُـوا أنْ يكتبُوا ويَدْرِجُوا هذا بِدَرْسِ العـُلـُومْ ...
ولقد تطابقَ مُثلثايْ نتيجةً لوجودِ ضِلْعَيْنِ وزاويةٍ بِداخلي ..
لكنـِّي في حقيقةِ الأمْـرِ
رجلٌ لمْ يـُطابِقـْـني حتَّى ظلـِّيَ ..!!
أو يـُـمكنـُـكَ القوْل : بأنـِّيَ رجلٌ بلا ظـِـلٍّ ..
فَـظِـلِّـيَ لا يَتْبعُـني كثيرًا ، وأخَـالُـهُ يـُـعَانِدُني أحيانًا
.. وينتَـهِـرُني ..!! .
فهُمْ يَضْرِبُونَني .. وأنا فقط أدِينُ ..
لا .. نَسِـيتُ .. أيضًـا .. أنا أشْجُـبُ ..!!.
يَقْتُلونَ أبي .. أُمي .. أخي .. ..
وأنا .. أشجـُـبُ ..
استعاروا أُختيَ ليوميْنِ كامِلَيْنِ ..
فقُـلتُ : لو كانَ أُسْـبُوعًـا .. لـَـرَأوْا مِنِّيَ شرًّا
مُستطيرًا .. وأنا .. بلا خـَـجـَـلٍ .. أشجـُـبُ .. ..
ولا .. أغضبُ ..!
ولا
.. أتْـعَـبُ .. ! .
فأنا سابعُ الكُـتــَّـاب ِ الصَّعاليكِ ، أتلو دائمًا على الوَرقِ
ما أحفظـُـهُ من طُقُـوسِ الشَّجْبِ والتَّحْزيبِ .. والتَّخريبِ ..
والإدانة ..

رجَعْتُ بذاكرتي للوراءِ قليلًا قبلِ ثمانيةِ أو تِسْعَةِ قـُرُون ٍ فتذكَّرتُ أنَّ
عَمْرو بنَ كُلْثـُـومَ قالها يَوْمًا .. ولـِـمُجرَّدِ أنْ طلبَتْ أمُّ ملكِ الحيرةِ
(عَمْرو بن هندٍ ) طلبتْ من أمِّه أنْ تناولـَـها طَبَقًـا ..فقالتْ لها ليْلى
أم ِّ " عمرو " بن كلثوم : لـِـتـَـقـُـمْ صاحبةُ الحاجةِ إلى حاجتِها ثمَّ
أردَفـَـتْ وصاحتْ : وا ذُلَّاه .. يا لـَـتـغْـلِب .. فأخذَ عَمْرو بن
كلثوم سيْفًا كانَ مُعلَّقًـا بالرَّواقِ بجانبِه فضربَ بهِ رأسَ عمرو بن هندٍ
فشَجَّهُ وقَتَلَه وأنشدَ مُعَلَّقةً من الشِّعـــرِ بها مائةٌ وثلاثةُ من الأبياتِ
(من بحرِ الوافـر) .. تضمَّـنتْ :

ونشربُ إنْ وَرَدْنــَـا الماءَ صفوًا
ويشربُ غيرُنا كَدِرًا وطينـًا .

إلى أنْ وصلَ إلى آخـِـرِ بيْتٍ فيها قائلًا :

إذا بلغَ الفِطَامَ لنا صبيٌّ
تخـِـرُ لهُ الجبابِـرُ ساجدينـا .
.. واليوم َ يُغْتَصَبُ حقـيَ ويُنْتَهَكُ عِرْضِيَ وأرضِيَ معـًا ..
وأنا .. لا زلتُ .. بِشِدَّةٍ أدِينُ .. وأشجـُبُ ..
بلْ في أغلبِ الأحيانِ أنِّـي .. عَـبَـثـًـا ..
كَطِفْـلٍ ألْعَبْ ... !!! ؟؟؟؟؟؟.
 
***
 
أُمْنِيَةٌ سَاذِجةٌ قليلًا :
ليتَ قَـلمي عَصَا موسى .. لأمْتَلِكَ أدواتِ التعبيرِ والتغييرْ
كِلَتَيْهِمَـا ..!!.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى