الأربعاء ١٤ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم نعمان إسماعيل عبد القادر

الْفَأْرَةُ الْغَدّارَةُ

في مَزْرَعَةِ عادِلٍ، سَبْعُ دَجاجاتٍ وَديكانِ. ديكٌ أَبْيَضُ وَديكٌ بُنِيٌّ. وَعَصافيرُ، وَحَمامٌ، وَيَماماتٌ.

في صَباحِ أَحَدِ الأَيّامِ وَجَدَتْ إِحْدى الدَّجاجاتُ حَبَّةَ قَمْحٍ. أَخَذَتْ تُكَرْكِرُ قائِلَةً:

  (كِرْ كِرْ لَقَدْ وَجَدْتُ حَبَّةَ قَمْحٍ... هُنا حَبَّةُ قَمْحٍ كِي كِي).

هَبَّ الدّيكانِ مُسْرِعَيْنِ وَقالَ كُلٌّ مِنْهُما:

  (كو كو هذِهِ الْحَبَّةُ هِيَ حَبَّتي.. لَقَدْ ضاعَتْ مِنّي قَبْلَ يَوْمَيْنِ دونَ أَنْ أَدْري).

انْقَضَّ الدّيكانِ عَلى بَعْضِهِما، وَتَصارَعا طَويلاً وَمَلأَ صُراخُهُما أَنْحاءَ الْمَزْرَعَةِ فَأَزْعَجَ الطُّيورَ جَميعَها.

أَرادَتِ الدَّجاجاتُ أَنْ تُنْهِيَ النِّزاعَ بَيْنَهُما فَتَقَدَّمَتْ مِنْهُما وَقالَتْ بِصَوْتٍ واحِدٍ:

  (أَيُّها الدّيكانِ الْعَزيزانِ! نَحْنُ نَقْتَرِحٌ عَلَيْكُما أَنْ تَقْتَسِما هذِهِ الْحَبَّةَ فَيَحْصُلَ كُلُّ واحِدٍ مِنْكُما عَلى نِصْفِها).

رَفَضَ الدّيكانِ هذا الاقْتِراحَ واسْتَمَرّا في صِراعِهِما حَتّى أَدْمى كُلٌّ مِنْهُما وَجْهَ الآخَرِ. انْزَعَجَتِ الْحَماماتُ مِنْ هذا الصِّراعِ فَتَقَدَّمَتْ مِنْهُما صائِحَةً:

  (كَفى كَفى أَيُّها الدّيكانِ الشّريرانِ لَقَدْ أَزْعَجْتُمْ سُكّانَ مَزْرَعَةِ الطُّيورِ كُلَّها. عَيْبٌ عَلَيْكُما! تَتَخاصَمانِ مِنْ أَجْلِ حَبَّةِ قَمْحٍ. نَحْنُ نَقْتَرِحُ أَنْ تُجْرى قُرْعَةٌ بَيْنَكُما وَيَنْتَهي الْخِلافُ بِسُرْعَةٍ دونَ أَنْ يَسيلَ دَمُكُما).

رَفَضَ الدّيكانِ أَيْضًا هذا الاقْتِراحَ وَاسْتَمَرّا في الْقِتالِ. فَزِعَتِ الْعَصافيرُ مِنْ صَوْتِهِما وَتَقَدَّمَتْ مِنْهُما وَقالَتْ:

  (زِقْ زِقْ زِقْ زِقْ.. أَيْنَ الْعَقْلُ يا طُيورٌ! يا لِلأَسَفِ مِنْ أَجْلِ حَبَّةِ قَمْحٍ يَتَخاصَمُ ديكانِ كَبيرانِ مِثْلُكُما. يا لِلأَسَفِ.. يا لِلأَسَفِ.. نَحْنُ نَقْتَرِحُ أَنْ تَزْرَعا هذِهِ الْحَبَّةَ عِنْدَ خُروجِكُما لِلْحَقْلِ، ثُمَّ تَنْتَظِرا حَتّى تُثْمِرَ فَتَحْصُلا عَلى الْمَحْصولِ مُناصَفَةً بِالتَّساوي).

رَفَضَ الدّيكانِ هذا الاقْتِراحَ أَيْضًا وَلَمْ يَتَوَقَّفِ الْقِتالُ بَيْنَهُما وَحاوَلَتِ الْيَماماتُ أَنْ تُصْلِحَ بَيْنَهُما فَتَقَدَّمَتْ مِنْهُما وَقالَتْ:

  (مِنَ الْخِزْيِ وَالْعارِ أَنْ يَتَقاتَلَ ديكانِ كَبيرانِ مِثْلُكُما مِنْ أَجْلِ حَبَّةٍ صَغيرَةٍ. نَحْنُ نَقْتَرِحُ أَنْ تَبيعا هذِهِ الْحَبَّةَ وَتَتَقاسَما ثَمَنها مُناصَفَةً).

رَفَضَ الدّيكانِ أَيْضًا هذا الاقْتِراحَ وَتَقاتَلا حَتّى تَعِبا كَثيرًا. سالَ الدَّمُ مِنْ وَجْهَيْهِما وَسَقَطَ ريشٌ كَثيرٌ عَنْهُما وَتَناثَرَ في زَوايا الْمَزْرَعَةِ.

كانَتِ الْفَأْرَةُ تُراقِبُ الدّيكَيْنِ الْمُتَحارِبَيْنِ مِنْ بابِ جُحْرِها الْقَريبِ وَخَرَجَتْ إِلَيْهِما مِنْ فَوْرِها وَقالَتْ بِصَوْتٍ رَقيقٍ:

  (أَنْتُما ديكانِ كَبيرانِ وَواعِيانِ. لَقَدْ رَفَضْتُما جَميعَ الاقْتِراحاتِ. ثُمَّ تَقاتَلْتُما حَتّى أَضَرَّ الْواحِدُ مِنْكُما بِالآخَرِ. كُلُّ هذا بِسَبَبِ حَبَّةِ قَمْحٍ. يا لِلْخَسارَةِ! إِذا قَبِلْتُما أَنْ أَحْكُمَ، حَكَمْتُ بَيْنَكُما بِالْعَدْلِ. وَإلا سَوْفَ تَتَقاتَلانِ طَويلا وَسَيَقْضي الْواحِدُ مِنْكُما عَلى الآخَرِ. ماذا تَقولانِ؟).
سَمِعَ الدّيكانِ الْمُتْعَبانِ ما قالَتْهُ الْفَأْرَةُ وَقالا لَها:
  (الْحَقُّ مَعَكِ أَيَّتُها الْفَأْرَةُ الْجارَةُ نَحْنُ نُوافِقُ أَنْ تَحْكُمي بَيْنَنا وَلكِنْ ماذا تُريدينَ مِنّا أَنْ نَفْعَلَ).

أَجابَتِ الْفَأْرَةُ بحماسٍ:

  (سَنُجْري بَيْنَكُما سِباقَ الْجَرْيِ وَتَكونَ الْحَبَّةُ لِلْفائِزِ أَمّا الْخاسِرُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَنْهَضَ كُلَّ يَوْمٍ مُبَكِّرًا في الصَّباحِ لِيُؤَذِّنَ لِلنّاسِ. وَلْيَقِفْ الآنَ كُلٌّ مِنْكُما جانِبًا، وَعِنْدَما أُعْطي الإِشارَةَ يَبْدَأُ السِّباقُ).

وَقَفَ الدّيكانِ الْجَريحانِ جانِبًا وَانْتَظَرا إِشارَةَ الْفَأْرَةِ، بَيْنَما اصْطَّفَتِ الدَّجاجاتُ وَالطُّيورُ عَلى الْجانِبَيْنِ، وَأَخَذَتْ تُشَجِّعُ الْمُتَسابِقينَ بِحَرارَةٍ. أَعْطَتِ الْفَأْرَةُ إِشارَةَ السِّباقِ ثُمَّ انْطَلَقَ الدّيكانِ يَجْرِيانِ بِسُرْعَةٍ. وَفَجْأَةً خَطَفَتِ الْفَأْرَةُ الْحَبَّةَ وَفَرَّتْ هارِبَةً إِلى جُحْرِها. وَلَمّا عادَ الدّيكانِ الْمُتَسابِقانِ لَمْ يَجِدا الْفَأْرَةَ وَلا حَبَّةَ الْقَمْحِ، وَجَلَسا يَمْسَحانِ عَرَقَهُما وَدَمَهُما عَنْ وَجْهَيْهِما وَيَنْفُضانِ الْغُبارَ عَنْ ريشِهِما. وَهكَذا انْتَهى الصِّراعُ بَيْنَ الدّيكَيْنِ وَعادَ الْهُدوءُ إِلى مَزْرَعَةِ عادِلٍ وَفَرِحَتِ الطُّيورُ بِذلِكَ.

القيم التربوية في القصّة:

1- السَّعيُ من أجلِ بين الناس واجبٌ وطنيٌّ.
2- الصراعُ والنزاع مرفوضٌ وخاصة إذا كان من أجل شيء تافهٍ.
3- قبولُ باقتراح الصديق ورفضُ اقتراح العدو.
4- لا تأمنْ مكر الأعداء.
5- التعرفُ على الحيواناتِ البيتية وطيور المزرعة.
6- التعرف على فوائد هذه الحيوانات.
7- التعرف على الحيوانات الضارة وطرق مكافحتها.

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى