الاثنين ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم سامر مسعود

ضمير أخرق

تنهض من فراشك متثاقلا، تفكر بملامح وجهك المكبوتة، تلملم أشلاء ليلة مذبوحة بسكين خفية، تحاول أن تنفض آثار ضرب يقْتَات على جذور كيانك، تحرك كفك ستارة النافذة، تنظر إلى البعيد، يفاجئك المشهد، صفحة المحيط لازالت كما هي، خيوط الشمس تمارس طقوسها المعتادة، تسمع هدير السيارات دون أن تراها، تصرخ من أعماق أعماقك: لازالت المدينة، كالمعتاد، تمارس خياناتها بياقاتها البيضاء... تحس بالشعور ذاته عندما تنتفخ رئتاك، معلنا يوما جديدا في حياتك على أنقاض مقبرة جديدة تؤثث بعدا آخر لعالم قبيح.

صوت واحد يحاول أن يكسر رتابة الأشياء، قط ذو فروة بيضاء كثة، هو بقايا تركتك من وطن بعيد، كلما تنظر إليه يفجعك الحنين، يقترب منك بعيون الغضب، تختلس عيناك جملة العصيان في تحركاته، ترجع بك الذاكرة إلى منتصف الليلة الماضية حيث إيقاع خيانة الحياة بقرارات الموت، تتجسد الحقيقة أمام عينيك شمسا ساطعة، مسرحية مقلوبة؛ البغي يحمل لواء القديسين، واللص يتقمص تمثال الحرية بمشعله الذي يغزو قبة السماء.

يستمر شجر الخابور بايناعه، لايزال يمارس اللعبة ذاتها، لم يجزع على ما تم ليلة أمس، يواصل الشجر ذاته امتصاص غذاء الموت ليبني شرنقته. أما أنت فتغتال الحياة بالمراقبة، تشعر بتقلص حجمك أمام مواء القط المتصاعد، تلعن قطك لتظفر بحياة بذارها الموت.

يتعلق القط بأذيال بنطالك المكويِّ جيدا، يحمل حذاءك الملمع ويلقي به في بالوعة الشقة، يزعجك هذا التصرف الغريب، تلعنه على هذا السلوك الأرعن، وتواصل ترتيب أشيائك لابتلاع يوم آخر في حياتك العارية.

زوجتك منهمكة في خيانة نفسها بإعداد الطعام، تنكأ جرحك، تكسر عظمك، تشرْنِق عقلك بمصطلحات علم النفس، تغذي معدتك بأشهى الطعام، لتبعد عن عقلك شبهة التفكير، قطك لايزال يموء وينوء، يصر على إيقاظ شيء يتململ في أعماقك، ولكن ضميرك مغلف بطبقة سميكة، يحلو لك أن تسميها صدأ الحياة.

تجلس على مائدة الطعام، وما أن تهم بالأكل حتى يقفز قطك على الطاولة، يبول في طعامك، ينظر إلى عينيك بحنق واستهجان، يقفز إلى باب الشقة ويقفل رتاجه. تندهش زوجتك لهذا التصرف الغريب إذ لم يعتد هذا القط القادم من بعيد أن يتصرف بمثل هذه العدائية القبيحة، تحاول أن تظفر به ولكنّها لا تفلح.
ينجح قطك في اختراق الطبقة السميكة، تنتابك قشعريرة حادة، زوجتك تنعته بالمخرب القبيح، مشاهد منتصف الليلة الماضية تمثل بين الطرفين، وعليك أن تقرر شيئا، والحياة في الخارج تحثك على الخيانة، يفجعك تساؤل الحيرة: أين ستضع خبطة قدميك التالية: في مشهد الليلة الماضية حيث تحولت العظام إلى مشاعل، أم في حياة الخارج حيث تتحول الأرواح قبل العظام إلى وقود؟، تدرك بحكم النشأة، أن الشتات ميزة الغريب، فتقرر قهر الحيرة بالتشتت من جديد؛ بحركة آلية تجفف حذاءك، ترتدي ثيابك، تحمل لوازم عملك من أفكار مبعثرة فارغة، تضع قناعا شمعيا على محيّاك، تلقي روحك بين مشاهد الليلة الماضية، تودعك دموع قطك المخذول، وتمارس شتاتا آخر بنكهة جديدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى