الخميس ٢٥ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
بقلم محمد رحال

التعليم الإلكتروني والتعليم الفضائي

منذ أكثر من مائة عام دفن الغرب عصر الأمية التعليمية والثقافية، لتلج الشعوب الأوروبية العصر الحديث بعد أن ودع عصر النهضة وذلك بعد ثورات تحررية ضد ظلم الحكومات والإقطاع، وأصبح هدف الحكومات في هذه الدول الأوروبية هو في تطوير التعليم وأساليبه وإدخال آخر التقنيات العلمية من اجل تسخيرها لتبسيط وسائل التعليم ووصلها لكافة صفوف المراحل الدراسية وعلى التساوي في تلك الدول الغربية.

وأمام هذا التطور العلمي الكبير في الدول الأوروبية وتطوير المناهج التربوية فما زالت نسب الأمية في البلدان العربية بارتفاع، ومعها بدأ الفساد في التعليم ينتشر انتشار السرطان في الجسد المريض، لينشر معه أمية تعليمية، أي إننا نجد أن هناك من وصل إلى الصف السابع والثامن ومع ذلك فانه يجهل القراءة والكتابة، والى جانب الأمية الكتابية فهناك أمية ثقافية ونادرا ما نجد طالبا قد قرأ قصة أدبية أو كتابا عاديا خارج إطار كتب وزارات التربية والتعليم، وانصراف جزء من هذا الجيل المنتظم دراسيا وراء ثقافة فنية راقصة أو وراء أدبيات، هابطة إلى جانب ما ينشر من ثقافة مرئية أو مسموعة عبر إذاعات التجهيل الهادفة وفضائياتها.

ومع كل التطور العلمي في الغرب ومع التنافخ العلمي العربي المنقطع النظير والتغني بغنى لغتنا العظيمة، وغنى تاريخنا الثقافي، فما زال هناك في بلداننا تعليما ذو مستويات مختلفة حادة جدا وغير متقاربة، فالى جانب المدارس الحديثة فإننا نرى أن المدارس الريفية والتي تحتل نسبة كبيرة من التعليم مازال المعلم يذهب إليها حاملا حقيبته على كتفه وكأنه ذاهب إلى احد المنافي السيبيرية، ليجد بانتظاره مديرا تقليدا جدا، ومدرسة متهرئة بجدرانها وأسقفها ومقاعدها، ولا تجدد هذه المدارس أو المقاعد مع طلاء المدرسة إلا من خلال مرور مسئول كبير بجانب تلك المدرسة، وكم سمعنا عن قصص إغلاق عدد من المدارس بسبب البرد الشديد شتاء، وخلو المدرسة من أي نظام للتكييف، وقد تسرق إدارات هذه المدارس مصاريف التدفئة أو تسرق المواد نفسها، وتترك الأطفال حبيسي الغرف التعليمية ضمن ظروف في منتهى القسوة والوحشية ليتناول الحر والقر جلود أطفالنا لا لذنب اقترفوه وإنما بسبب خلو المنطقة من مسئول منها وبهذا يتسرب الأطفال هربا من هذه الأجواء، وإذا أضيف إلى تلك العوامل القاسية نظام تعليم قاس مازال يعتمد على الضرب والعقاب، وخاصة الفلقة والضرب بالعصا على اليدين أو الأظافر في أنواع مبتكرة من العقوبات يقوم بها معلمون خلت قلوبهم من الرحمة وعملوا كجلادين بدلا من كونهم معلمين، وفوق هذا يطلب المعلم من التلميذ احترامه عملا بقول الشاعر:

قم للمعلم وفه التبجيلا

كاد المعلم أن يكون رسولا

وكأن المعلم يمتهن التعليم من اجل أن يحظى بالاحترام, لا من اجل أن يغرس في أذهان النشء حروف الكتابة وقواعد العلوم.

وفي عصر ما بعد عصر التحديث والذي بدأت تسمياته بالظهور وهو عصر النانو, فإننا في الدول العربية مازلنا نعتمد على مناهج وأدوات في التعليم مازالت تستخدم منذ عام الفيل رحمه الله، وكأننا نريد إثبات قاعدة أننا متخلفون مهما تطور العلم والتعليم، ومنذ مئات السنين، وأمتنا التي تتنادى بالوحدة والقوة لم تستطع حتى اليوم أن تضع على طاولة الحوار قضية توحيد المناهج التربوية بين البلدان العربية، وذلك للأنانية المفرطة، ولتفاوت الكذب في تاريخ كل دولة وفقا لهوى زعمائها، ومع تطور الأساليب العلمية والتعليمية، فانه من السهولة بمكان أن تتوحد تلك المناهج وان تكون هناك شبكة فضائية تعليمية أو الكترونية تصل إلى كل صف دراسي في البلدان العربية، واضرب على ذلك مثالا، وهو أن يبدأ التعليم في التاسعة صباحا في منطقة المشرق العربي، وفي الثامنة في المنطقة الوسطى، وفي السابعة في المنطقة الغربية من أقصى مغربنا العزيز، وبالتالي فان الطلاب يبدءون بدخول الحصص في وقت واحد مع اختلاف التوقيت الجغرافي، وان يكون في كل فصل مدرسي وقاعة شاشة كبيرة للعرض التلفزيوني أو الالكتروني، ومن خلال تسجيلات أو من خلال بث مباشر فان كافة الطلاب في الدول العربية يحظون بنفس المستوى من التعليم الراقي، على أن يكون في كل فصل معلم أو معلمين من أجل ضبط النظام، حيث ثبت علميا أن الطلاب يهتمون باللهو مهما كان الطالب شغوفا بالتعلم، وبهذا فان المناهج التعليمة من الممكن أن تتوحد خاصة وان المواد المختلف عليها قليلة ومن الممكن تجاوزها أو إعطائها في حصص إضافية بعد انتهاء البث الرقمي أو الفضائي، وفائدة هذا النوع من التعليم أنه يوحد الأمة والمناهج والمستويات التعليمية، ويخفف كثيرا من أعباء التعليم الملقاة على كاهل معلم الصف.

وهذا النوع من التعليم الالكتروني جربته العديد من الدول الفقيرة ونجحت به نجاحا عظيما، حيث أن نفس الفكرة من الممكن تطبيقها على مجموعة مدن أو دولة أو قارة، وباستطاعتي المساعدة في تطوير العلوم في هذا المنحى، والذي من شانه ضم دول أخرى غير ناطقة بالعربية ولكن ثقافتها الإسلامية تجعلها اقرب إلى العروبة وبالتالي تستفيد من هذا النظام التعليمي الجديد والمتطور والأقل كلفة، والذي لا يحرم الطالب أبدا من تضييع أي حصة تعليمية فيما لو مرض باعتبار أن هذه الحصص مسجلة ومن الممكن أن يعيدها مرارا، كما أنها لا تحرم الطالب من أية دروس أو حصص في حال غياب مدرس المادة أو مرضه.

وكان من المفروض أن تبادر جامعة الدول العربية لاعتماد هذه الأفكار منذ زمن طويل ولكن ومن المؤسف أن جامعة الدول العربية لاهية في تضييع الأمة وجعلها تدور في فلك الجهل والتخلف.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى