الثلاثاء ٢١ تموز (يوليو) ٢٠٠٩
حوار مع الفنانة التشكيلية طاهرة فداء
بقلم بسام الطعان

العمل الذي يبهرني هو المبدع، البسيط، الراقي

فنانة تشكيلية وكاتبة من سلطنة عُمان، دبلوم عالي في الفن التشكيلي من الجامعة الأمريكية، شاركت في دورات مختلفة في جامعة فيينا للفنون التطبيقية (النمسا) درست الواقعية مع فنانين من عثمان وإيران، شاركت في العديد من المعارض داخل سلطنة عُمان وخارجها، وحصلت على العديد من الجوائز.

ـ الحياة هي لوحة فنية، فكيف تعرّف طاهرة نفسها كإنسانة وكفنانة في هذه اللوحة؟
 أرى نفسي أقف خارج لوحة بورتريه لذاتي أو لشخصي انظر إلى نفسي بعين ملؤها التحليل والدراسة والتفحيص، في بعض الأحيان ابتسم من السعادة لرؤية الألوان البراقة والأخرى اشعر بالملل لتكرار لالحان الكئيبة التي تجبرنا الحياه في خلفية اللوحة لسماعها وهكذا تمضي الاوقات في حالة ترقب وتأمل وتجربة.....

ـ ما هي العوامل التي ساهمت في رسم شخصيتك الفنية؟
 قد تكون عوامل نفسيه أو لا نفسيه، لا ارغب في الفلسفة لكنني في الواقع لا ادري أيهما أهم وأكثر فعالية. العوامل النفسية هي الشعور بالرغبة للخروج من عالم الوجود إلى اللاوجود أو الارتفاع والسموعن العالم الملموس إلى عالمي روحي غيرمرئي أما العوامل غير النفسية فهي القراءة والبحث والتجريب.

ـ إلى جانب عملك الإبداعي في الرسم، لك مشروعات في الفن المفاهيمي الحديث حبذا لو تحدثي القارئ عن هذه المشروعات وعن الفن المفاهيمي الحديث؟
 الفن المفاهيمي هو المساحه المتاحه للتعبيرعن فكرة أو مضمون له ابعاد فلسفية والتي اللوحة المأطرة ذات أبعاد محددة لا تسمح بذلك. في العمل المفاهيمي يمكننا توظيف جميع الإمكانات الفنية والتقنية مثل الصور ثابتة كانت أم متحركة، الموسيقى أو منحوتة أو حتى لوحة، المهم أن الادوات جمعيها تخدم الفكرة العامة المراد توصيلها للمتلقي، والجميل في العمل المفاهميمي أن ليس له حدود تقيد الفنان.

ـ الفن التشكيلي هو إشباع للرغبات الكامنة، تكثيف للبعد الرابع، ومناجاة للخالق بلغة الخط واللون والرمز، فالخط ينقل لنا رسالة، واللون يثيرنا، والرمز ينقلنا إلى المجهول واللانهائي، ما تعليقك؟
 أحسنت، واعتقد لهذا انا اعشق الفن التشكيلي.

ـ ما هي الألوان التي تعطي الإثارة والغموض والقوة والبعد اللانهائي؟
 عذرا، لا اعتقد أن الالوان هي التي تعطي الإثارة والغموض بل في طريقة توظيفها، يكمن السر في كيفية استخدام الألوان لإبراز الغموض أو القوة...الخ، أتذكر أنني مرة شاهدت لوحة بيضاء تماما أي بدون أي لون آخر ولقد كانت لأحد الفنانين الأوروبيين، بالرغم من انها كانت دون اي لون، كانت تمثل منتهى الغموض والقوة بالنسبة لي لدرجة انني مازالت أتذكر هذه اللوحة بعد مرور حوالي عقد من الزمن، القوة في هذه اللوحة كانت في لمسات فرشاه الفنان والغموض كان في تناغم وتداخل الخطوط في اللوحة، لهذا اعتقد أن الفنان المتمكن هو الذي يستطيع أن يبرز ما يريد بأي لون كان أو حتى بدون لون.

ـ كيف يتم اختيار الألوان للوحة، وهل الألوان بالنسبة لك مهمة كالفكرة تماما؟
 أنا لا اختار الواني بل هي التي تختارني وتأسرني. نعم أنا فعلاً آسيرة الازرق. قد اجد لنفسي اعذار بأنني ولدت في بيئة ساحلية تماماً وتحت سماء صافية وفي مدينة قديمة جميلة بيوتها بيضاء وشبابيكها زرقاء مقابل البحر لهذا انا متيَمة الازرق وقد يكون أن الأزرق قد قرر الاستحواذ علي لهذا أنا اعبده.

ـ ما هي أهم الموضوعات التي تتناولينها في لوحاتك أكثر من غيرها؟
 كل ما يخص الابداع الانساني أتناوله،بالأخص الشعر،القصص الروايات والحكايات القديمة واجد فيها الصور الخيالية التي ارغب في تجسيدها فنياً.

ـ إلى أي مدى يؤثر المكان في لوحاتك، وهل على الفنان أن يأخذ مواضيعه من بيئته أم عليه أن يستعير بيئة أخرى أن اقتضت الضرورة؟
 شخصياً لا استطيع أن اخرج بعيدا عن ذاكرة المدينة التي ولدت فيها وهي مطرح، واجد نفسي ارغب في رسم كل زاوية فيها، قد لا اكون ارسمها بشكلها الواقعي لكنني ارسم ذكرياتي فيها، فذاكرة الزمان والمكان محفورة تقريب في كل لوحة لي. أنا أحبذ فكرة الارتباط بالمكان لانه يعطي الانطباع بالهوية وأبعادها المجهولة وتعطي فرصة للمتذوق للتعرف على شخصية الفنان وما يميزة عن غيره. لكنني أيضا أرحب بالأفكار التي تؤيد العروبة والتماسك والوحدة العربية الاسلامية والتضامن العربي والشعور بالمعاناة والإحساس بالآخر.

ـ ما هي اللوحة التي يقف أمامها المشاهد مدة طويلة وانبهار، هل هي اللوحة التي تبدو له غامضة ولما فيها من إبداع وموضوع مثلا؟
 هذا يعتمد على تعريفنا للغموض فما هوالغموض، هل الغموض هو التلاشي في رموز العمل الفني أم الاعتماد على احد الرموز للادلال على الآخر ام ماذا...؟ كما ترى لكل شخص تعريف الخاص به للغموض، وهكذا اجد أن لكل لوحة جمهورها الخاص. شخصياً العمل الذي يبهرني هو المبدع،الحديث (أي غير منقول)، البسيط، الراقي، التماسك، المبهم إلى حد ما والجميل

ـ كامرأة مبدعة، كيف تعبرين عن نفسك من خلال الفرشاة؟
 أتحدث بلغة الجمال، فالمرأة جميلة تعب عن ما هو جميل، ورقيقة فتتحدث عن ماهو مرهف ومثير للإحساس، وغامضة فتقول ما لا يُسمع، وذكية فتختار الاساليب المبتكرة، ولبقة فتشير إلى ما هو راقي.

ـ الفنانة التشكيلية العُمانية،هل أخذت مكانها اللائق والذي تستحقه في الوسط الفني؟
 الفنانة التشكيلية العمانية استطاعت أن تبرز خلال وقت قصير والفضل يعود لجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ورعاه لتوجيهاته السامية بأنشاء الجمعية العمانية للفنون التشكيلية لإتاحة الفرصة للمرأة بجانب الرجل للتعبير عن ابداعها وثقافتها. ولا انكر دور الجمعية في مسانده الفنان والفنانة للظهور في الأوساط الفنية المحلية والعالمية.

ـ من هوالفنان التشكيلي العُماني الذي له الفضل الكبيرفي تطوير ملامح الحركة التشكيلية العُمانية؟
 هنالك مجموعة من فنانين الصف الأول أمثال: أنور سونيا، رابحة محمود، الأخوان الحنيني، حسين عبيد، مريم عد الكريم، رشيد عبد الرحمن، محمد الصائغ.. وجميعهم ببعض التفاوت لهم الدور الفعَال لما وصلت اليه الحركة التشكيلية في عمان حالياً وكلهم مجتهدون وفعالون وفي خدمة الفن.

ـ العلاقة بينك وبين أعمالك الفنية ما شكلها؟
 علاقة حوار وتآخي واخذ وعطاء، فأنا اناجي لوحاتي واتحدث مع الواني وقد اخرج سويا مع عملي المفاهميمي وهكذا نحن أصدقاء واجد نفسي مخلصة جدا لاصدقائي واضمن عدم خيانتهم.أليست علاقة جميلة ونادرة! ولقد حدثت معي طرفة، فلقد كنت في احد المرات اتحدث مع احد لوحاتي ودخل علي أبني ورآني أتكلم ولم يشاهد احد آخر في الغرفة فأخذ يضحك وقال "يقولون أن الفنانين مجانين" الغريب انني لم اره داخل الغرفة ولم اسمع ضحكه لكنه اخبرني بذلك في اليوم التالي وهو حالياً يحترم خصوصيتي.

ـ هل ترسمين ذاتك أحيانا، ولماذا؟
 أرى أن جميع لوحاتي هي ذاتي فأنا من اشعر وأعبر ولا ادري كيف لا تكون لوحتي هي ذاتي، اما اذا كنت تقصد أن ارسم نفسي كبورترية واقعي فنعم رسمت نفسي عدة مرات عندما كنت ادرس الفن فلقد كانت احد متطلبات الدراسة ولقد كان مدرسي يقوم بتقييم خطوطي ويوجهني إلى الابعاد الصحيحه.

ـ المدارس الفنية كثيرة، فما هي المدرسة التي تفضليها على غيرها؟
 في الوقت الذي اجد نفسي متأثرة بجميع المدارس لاطلاعي عليها لا ارى نفسي انتمي إلى احدهن. قد يكون السبب العصر التكنولوجي الذي نعيش فيه فهو يقصر المسافات ويضيق الحدود. كما أن هذه المدارس وجدت في وقت معين لظروف معينة ولارى كيف ينطبق علينا هذا في الوقت لحالي. أحب أن اسمي المدرسة التي انتمي اليها (اللا مذهبية) بسبب انني اجد أن المدارس جمعيها من واقعية إلى انطباعية.. الخ تؤثرفي عقلي الباطني بشكل غير مباشروتنصهر لتظهر بروح واطار جديد.

ـ هل يمكن القول أن الفن التشكيلي هو أكثر خلودا من الأدب؟
 يجب أن يخلد الاثنان، لانه هذا تراث البلد الذي سيخلف للاجيال القادمة، بصراحة نحن بحاجة إلى مؤسسات تساهم في تخليد هذا الإرث الثقافي من الضياع والنسيان والعبء يقع على المؤسسات الحكومية والخاصة معاً. الفنان مازال يسعى لاظهار عمله الابداعي بالمظهر الائق لكن لفترة المعرض القصيرة ومن ثم تكدس الأعمال في المنزل أو المخزن. نحن بحاجة إلى مؤسسات تكون كمعرض دائم لهذا الارث الاستاطيقي النادر.

ـ ما هي رسالتك التي تودين أن تقوليها من خلال الفن التشكيلي؟
 يتميز العمل الإبداعي بأننا قد نحتاج إلى وقت لتأمله واستيعاب جماله وكلما ننظر اليه نكتشف ما هو جديد، لهذا الفن يستحق التقدير.

ـ هل حققت من فنك التشكيلي على الصعيد الإبداعي ما كنت تطمحين إليه، أم انك تحسين أن أمامك الكثير لتحقيق ذلك؟
 عندما أحس أنني قد حققت احد الاهداف اجد نفسي أضع هدف آخر للتحقيق، لهذا الحمد لله حققت الكثير واطمح للكثير بعون الله وتوفيقه. لست مستعجله فأنا هادئة ومتأنية في خطواتي.

ـ ماذا تقولين للفنانة التشكيلية العُمانية الشابة؟
 الاطلاع والثقافة مهمة جدا، كما أن الفنان هو سفير للفن بأسلوبه اللبق والراق في التعامل مع الاخرين وهذه هي البداية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى