الخميس ١٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم هشام عوكل

الاسلاموفوبيا ودور الجاليات المسلمة في الغرب

وان العيش في ظل حكم غير مسلم ليس تجربة جديدة على المسلمين. فقبل الحرب العالمية الاولى مباشرة كانت كل بلاد المسلمين، عدا تركيا وايران وجيوب من اراضي شبه الجزيرة العربية، تعيش تحت ظل حكم غربي، وكان نحو 85 في المائة من المسلمين رعايا لهذه او تلك من الامبراطوريات الغربية. وكان الاختلاف هو ان المسلمين ما زالوا يعيشون في اوطانهم حيث كونوا اغلبيات ضخمة من السكان. والمكان الوحيد الذي عاش فيه المسلمون كأقلية بين غير المسلمين هو شبه القارة الهندية في ظل الحكم البريطاني، ولكن حتى في ذلك الحين كان المسلمون يعزّون انفسهم بذكريات الممالك الاسلامية التي حكمت الهند لعدة قرون. كما ان هناك مناطق عديدة من شبه القارة الهندية يوجد فيها المسلمون كأغلبية. وهناك سبب آخر جعل المسلمين الذين يعيشون في شبه القارة الهندية لا يشعرون شعور الاقليات مهضومة الحقوق، وهو ان اغلبيتهم ينتمون اثنيا الى المجتمعات المحلية الهندية التي اهتدت الى الاسلام، فهم لم يأتوا من الخارج وبالتالي فليس هناك ما يجعلهم لا يشعرون بأنهم في وطنهم تماما

فإن العيش بين الهندوس والبوذيين كان يعتبر اكثر استساغة من العيش وسط المسيحيين. وهذا لأن الهندوسية والبوذيّة ليست ديانات منظمة وليس لها طموحات في جذب الآخرين اليها. والمنافس الوحيد للاسلام هو المسيحية لأنها مثل الاسلام نفسه تأمل في هداية البشرية جمعاء الى الايمان بها. وتقليديا كان المسلمون محظورين من السفر الى بلدان لا تقع تحت الحكم الاسلامي دع عنك العيش في مثل هذه البلدان. ولقد حدثت بعض استثناءات للمسافرين لقضاء اعمال وللمبشرين الذين ينشرون رسالة الاسلام خارج حدود العالم الاسلامي
اما على الجهة الشمالية من القارة اروربا تحاول حكومات دول الاتحاد الاوروبي ان تخترع منظمات اسلامية يستطيعون معها ان يتعاملوا على مستوى رسمي. وهذا قد تحقق بالفعل في بريطانيا حيث لوزارة الداخلية جهات محددة تتعامل معها وسط الجاليات الاسلامية. وتحاول فرنسا ان تنشئ «الاسلام الرسمي» الخاص بها، وذلك عند إجرائها انتخابات وسط المسلمين يوم 23 يونيو (حزيران2009) تتلخص الفكرة في الوصول الى نسخة اسلامية مشابهة للكنائس الكاثوليكية والبروتستانتية والتي تتعامل معها الدولة الفرنسية العلمانية في الامور التي تتعلق بالعقائد الدينية. وتتضمن الخطة الاستبدال السريع للوعاظ المسلمين وأئمة المساجد وغيرهم من الذين قاموا في الغالب بتعيين انفسهم بأنفسهم كمسؤولين عن تسيير شؤون العقيدة، ومعظمهم من مواطني دول أجنبيّة، ووضع أفراد من حاملي الجنسية الفرنسية من الذين تلقوا تدريبهم محليا وحصلوا على ترخيص رسمي، بدلا منهم

ولكن ما هي جذور الصعود الحالي للاسلاموفوبيا.

احدى المشاكل هي انه بسبب الاشخاص القائمين على تطبيق الاسلام لا يقيم تمييزا واضحا بين الممارسات السياسية والدينية فإن عددا من المجموعات السياسية قد شكلت نفسها بوصفها منظمات دينية. وفي هذه الحالات يدعو القائد نفسه «شيخا» ويطلق لحيته ويرتدي ثوبا تقليديا مثل الجلابيّة ويروّج برنامجه السياسي تحت غطاء الدين. وهكذا فإن الموضوعات التي يجب مناقشتها في الساحة السياسيّة دفعت الى النطاق الديني واستخدمت كوسيلة لتصوير الاسلام بوصفه «ثوريا» حسب راي أمير طاهري

من تابع الفلم السينمائي الذي عكف على انتاجه سياسي ونائب في البرلمان الهولندي يُدعى غريت فيلدرز يشعر ان الفلم بالرغم مما اثير حوله من ضجة اعلامية كبيرة يبدو من الناحية العملية مجرد صورة جديدة من سلسلة اساءات تُشن من قبل شريحة في العالم الغربي المتمدن ضد دين بعينه, وهو بهذا التصنيف يمثل خروجا عن النسق القديم الذي قضى بالتحسس من المسلمين بوصفهم يمثلون مجتمعا بدائيا او حضارة متخلفة الى التوجس بل الطعن في الاسلام بوصفه دينا من الاديان ليس الا..., او بحسب تعبير فيلدرز نفسه - نقلا عن صحيفة الاوبزرفر البريطانية-: " انا اكره الاسلام ولا اكره المسلمين...".

وبهذا السياق التاريخي الذي تكّون بعد حقبة من الشجار الحضاري بين الشعوب والقوميات نكون قد وصلنا الى مرحلة جديدة من الصراع الديني الخطير على مستوى الاديان الرئيسة الكبرى في العالم او على الاقل بين المسيحية والاسلام, فيما اصبح معروفا الاسلاموفوبيا التي تطورت عن ذلك المفهوم الذي ظهر في ثمانينات القرن العشرين وكان يُعنى بالتمييز ضد العرب المسلمين او العرب بشكل عام حتى المسيحيين منهم احيانا..., وتعهدته بالرعاية والاهتمام اراء مسؤول قسم التحليل والاستشراق في المجلس القومي الامريكي سابقا صموئيل هانتنجتون عام 1993 والتي تاسست على فكرة ان " الصراع القادم سوف لن يكون آيدلوجيا مثلما كان ابان الحرب الباردة بقدر ما سيكون صراعا بين الحضارات لاسيما الحضارة الاسلامية والغربية", ثم شاع هذا المفهوم الى درجات قياسية في أعقاب هجمات الحادي عشر من أيلول عام 2001، عندما اُستهدفت رموز السياسة والمال في الولايات المتحدة الأمريكية.

ومعلوم ان مصطلح الفوبيا مستمد اصلا من مواضيع علم النفس، ويعبر عن نوع من انواع العصاب القهري، حيث لا يملك المريض معه القدرة على التحكم في ردود افعاله عند تعرضه لما يخاف منه..، فيعيش في حالة من الهلع وتبدو عليه اعراض من قبيل جفاف الحلق وازدياد ضربات القلب وسرعة التنفس وشحوب الوجه وارتعاش الاصابع الخ.., ومخاوف المريض لا تستند عادة الى تهديد جدي بقدر ما تتكئ على نوع من الاستذكار لمواقف مؤذية حدثت سابقا.

ولكن ما الذي يدعو شعوبا يُفترض انها وصلت قمما حضارية سامقة وادركت مدى خطورة العداوات الدينية بحكم ما وقع فيما بينها من صراعات دينية تاريخية الى تبني او احتضان نظرية الصراع الديني من جديد!
المعنيون بالخوض في جواب هذا السؤال يعددون مسوغات تصلح لتعليل ايراد هذا السؤال من حيث الاصل ولكنها لا تفلح كثيرا في تشخيص الاسس الموضوعية التي تنبني عليها فكرة السؤال الرئيسة.., وبمعنى اكثر دقة فان تفسيرات من قبيل: ان صراع الاديان هو نتيجة حتمية لاطروحة صراع الثقافات او الحضارات, او انه جزء من معادلة سياسية تقضي بوجود عدو فان لم يوجد مثل هذا العدو على ارض الواقع فلابد من ايجاده او اختراعه او حتى تخيله، ما هي الا تفسيرات تتجنب الخوض في ماهية الاسس والقواعد المنطقية التي تجعل من دين ما يقف بوجه دين اخر في ساحة القتال.

ذلك ان كل ماذكر انفا يحيل مشكلة التنازع والصراع الى عوامل خارجية بحتة ويتحاشى النظر الى العوامل والاسباب الداخلية والكامنة في كل دين من اديان النزاع..., ولو تاملنا في جوهر القضية حقا لامكننا التعرف على اول تلك الاسباب واكثرها تعقيدا والمتمثل باحتكار الحقيقة المطلقة من قبل اتباع كل دين ونفي الآخر، وفي فرض الاعتراف بالدين الاخر فانه يجيء في احسن الاحوال بصيغة الاعتراف بالامر الواقع لا بصيغة الاعتراف به مبدئيا.. , واعتراف بمثل هذه الهشاشة.. لايندرج في خانة المسلمات ولايوفر بيئة قانونية واجتماعية سليمة سيجر عاجلا او اجلا الى حالة من الاصطراع مع اول بادرة تتغير فيها الموازين على الارض, ليصبح ما كان واقعيا في مكان او وزمان معين شيئا غير واقعي في مكان او زمان اخر. وشواهد التاريخ قديمة وحديثة تعطي شواهد لاحصر لها على انجرار اتباع الديانات الى حروب طاحنة على خلفية عدم ايمان طرف بما يتبناه الطرف الاخر من رؤى وقناعات وطقوس.

وعليه فان القبول بالاخر مبدئيا على ما هو عليه يمهد الطريق امام الاخاء الانساني ويوفر ضمانة اكيدة لاشاعة ثقافة التعايش السلمي بين اتباع الاديان المتباينة على المدى البعيد, اما اطروحات من قبيل السياسات الدينية المتطرفة ضد الاجانب بشكل عام فانها مدعاة الى اغفال الانسان بوصفه انسانا وبالتالي النظر اليه من خلال عناوين هامشية يمكن ان تزيد من حدة الاحتقان وتتحول الى بؤر للتوتر وفقدان السلم الاهلي في أي لحظة زمنية مناسبة او أي لحظة يعمد الى خلقها المغرضون مع سبق التخطيط والترصد.
كما ان غض النظر عن بعض الافكار التي يلتزم بها اتباع دين ما من اجل تحقيق غاية عظيمة من طراز نبذ العنف والتزام عقيدة التعايش السلمي لا يمكن ادراجها في خانة التنازل عن المسلمات مثلما يحاول ان يشيع ذلك بعض المتزمتين دينيا في اوساط تابعيهم او المغرر بهم.

وغاية نبذ العنف والتعايش السلمي هذه ينبغي تحقيقها في المقام الاول من قبل الجاليات المسلمة المقيمة في الغرب, هذه الجاليات التي تمثل خط الدفاع الاول المعرض الى هجمات المتعصبين ضد الاسلام والمسلمين, ويمكن اجمال السبل والوسائل المساعدة على تحقيق هذه الغاية بما ياتي:
* ايجاد وشائج قوية تجمع بين الجاليات المسلمة من جهة ومواطني الدول التي يتواجدون على اراضيها بوصفهم مواطنين او مقيمين, وتأسيس مجالس وتجمعات طوعية تتكفل بادامة العلاقات الطيبة بين المسلمين انفسهم... والمسلمين وغيرهم.

* توطيد عرى التعاون مع الجمعيات الحقوقية الاجنبية التي تُعنى بمكافحة العنصرية ومحاربة التعصب والدفاع عن حقوق الاقليات.

* العمل على ادخال مواد دراسية تدعو الى نبذ العنف والارهاب وتحث على التعايش السلمي بين الجماعات المختلفة في مناهج التعليم بالنسبة للمدارس الاسلامية الخاصة الموجودة في العالم الغربي.
* اقامة المؤتمرات والندوات والمناظرات عن طريق وسائل الاعلام المؤثرة والقادرة على تنميط الصورة ايجابيا واخراجها عن النمط السلبي الدارج في بعض وسائل الاعلام الغربية المتحاملة.

* التعريف بالوجه الحقيقي للاسلام والمسلمين والتبري من اصحاب المناهج التكفيرية, والضغط على مراكز الفُتيا في العالم الاسلامي من اجل استصدار فتاوى واضحة تدين الارهاب واتباعه, وعدم الاكتفاء بتصريحات مبهمة او قابلة للتأويل.

* محاولة فك الارتباط بين مفهومي الاسلام والاصوليات المتطرفة والاسلام والعرب, من خلال التعريف بالمدارس الاسلامية ذات التوجه المعتدل من جهة والتعريف بالقوميات غير العربية المنتمية الى الاسلام كالقوميات الكبيرة القاطنة في القارة الاوربية مثل البانيا, والبوسنة والهرسك.. الخ, والعمل في ذات الوقت على فضح الحكومات الاسلامية التي تحكم شعوبها بالحديد والنار وتساهم بشكل او باخر في خلق الجماعات المتطرفة والترويج ايجابيا لمن تقف منها موقفا جيدا من مسائل الحريات العامة وحقوق الانسان.

* التفاعل مع النسيج الاجتماعي الغربي ودمج الشباب المسلم بنشاطات وفعاليات الحياة العامة ولكن مع الاحتفاظ بالهوية الدينية الجوهرية وبيان مدى اهمية البناء الاسري مثلا في تعضيد روابط المجتمع.., والاستفادة من تجارب الاقليات الدينية الاخرى التي احرزت نجاحات واضحة على هذا الصعيد.

* تشكيل جماعات ضغط اسلامية للوقوف ضد الجماعات اليمينية المتطرفة سياسيا في بلدان مثل هولندا وسويسرا والدانمارك وغيرها, ومقاومة عوامل اليأس والاحباط التي تحاول تصوير وجود جماعات اسلامية فاعلة في الغرب على انه ضرب من ضروب المستحيل.

* اعطاء صورة ايجابية عن الاسلام واتباع الاساليب التربوية المفضية الى تجسيد تلقائي للفضائل الاخلاقية في سلوك الانسان المسلم ورفض المجموعات المسلحة العنيفة التي تشيع الخوف بين الشعوب المسلمة، وغير المسلمة.

* الترويج لثقافة التدين وحرية الاعتقاد من خلال الاستناد الى منطلقات الفكر الاسلامي الحديث والميثاق العالمي لحقوق الانسان والنظريات الاجتماعية الغربية التي تُعلي من شأن الانسان بوصفه انسانا.

* ضرورة الاتفاق اسلاميا على تجديد الخطاب الديني بشكل عام واصدار فقه خاص بالمغتربين يُراعي فيه التباين الثقافي بين الشرق والغرب ويتجاوز الخلافات الثانوية فيما بين المذاهب المختلفة ويستند في اقراره والمصادقة عليه الى مرجعية دينية او مجمع اسلامي رصين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى