الأحد ٢٧ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
في حوار مع الفنانة نجوى أحمد
بقلم بسام الطعان

الحداثة أعطت الفنان مطلق الحرية

فنانة تشكيلية سورية من مواليد مدينة القدموس 1969، ماجستير في الفنون الجميلة 1995، عضو اتحاد الفنانين التشكيليين السوريين، عضو اتحاد الفنانين العرب، تعمل مدّرسة في كلية الهندسة المعمارية بجامعة تشرين /اللاذقية، لها أبحاث في مجال الفن التشكيلي، شاركت في معارض وملتقيات عديدة داخل سورية وخارجها.

 الحداثة أعطت الفنان مطلق الحرية، لكن البعض يسيء فهم الحداثة، كما يسيء فهم الحرية..

 ـليتك تشرحين للقارئ لوحة بداياتك مع الفن التشكيلي ,وهل أنت اخترت الفن ,أو هو أختارك,وماذا يسحرك في هذا الفن الجميل؟
 أحببت الفن منذ كنت طفلة في الخامسة أو السادسة من عمري حينها كان والدي يشجعني لما رآه من موهبة لدي ومما لعب دورا في هذا رغبته العارمة في الرسم إذا كان مغرما برسم الطيور وكنت استفيد من ذلك : يحب الدقة في تقارب الكاميرا في إظهار أدق التفاصيل في هذه المرحلة شجعتني أيضا منظمة الطلائع وإتاحة لي إقامة معارض بمساعدة أساتذتي أما عندما انتسبت إلى منظمة اتحاد شبيبة الثورة بدأت تجربتي تتطور بمساعدة أساتذة الفن في منطقة القدموس بعرض أعمالي : ولن أنسى الأستاذ القدير محمد عباس الذي كان له دورا أساسيا في رعاية موهبتي عبر منحي فرصة المشاركة في المعسكرات الإنتاجية لطلاب كلية الفنون الجميلة في محافظة طرطوس فكانت إفادتي كبيرة من طلاب الفن وأساتذتهم آنذاك فهم الفنانين ميلاد الشايب وجريس السعد رحمهم الله والعديد من الطلاب المشاركين قد اصبحوا دكاترة مدرسين في جامعة دمشق منهم د0صفوان داحول ود0يوسف البوشي ود0 باسم دحدوح 00وغيرهم شجعني الأستاذ ميلاد الشايب على دخول كلية الفنون الجميلة إلا أنني كنت أحب دراسة الهندسة المعمارية وإبقاء الفن كجانب آخر استمر فيه بشكل ذاتي إلا أن صدور نتائج امتحانات الشهادة الثانوية لعبت دورها 00إذ احتجت علامتين لدراسة العمارة 00واحترت في أمري فلم يكن لي رغبت بدراسة أي فرع آخر لا يمت إلى الفن بصلة وثيقة حتى كان قراري بدخول كلية الفنون الجميلة..وتم ذلك .. إلا أني وبعد حصولي على الإجازة ب15يوما كان من محاسن الصدف أن جاء تعييني مدرسة في كلية الهندسة المعمارية بجامعة تشرين وفرحت كثيرا ولا أزال حتى الآن مدرسة فيها .. خلال هذه الفترة عملت على تطوير تجربتي الفنية ودراستي فحصلت على دبلوم الدراسات 1994ومن ثم الماجستير 2008 من كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق أتمنى من الله التوفيق في إتمام دراسة الدرجة العلمية الأعلى (الدكتوراه)مما سلف ذكره أعتقد أنني أعطيت فكرة بسيطة وسريعة عن بدايات تجربتي كما اعتقد أن هذا الفن بقي يسحرني وكلما انتهيت من إنجاز لوحة فنية رغبت في إنجاز أخرى

  في كل عام تقيمين مع مجموعة من الفنانين السوريين معرضا جوالا في المحافظات السورية ,الى ماذا تطمحون وما أهمية مثل هذه المعارض الجوالة في مشواركم؟
 فكرة المجموعة الفنية المتضامنة والمتكافلة فكرة جميلة أعجبتني كثيرا نطمح من خلالها بالدرجة الأولى تعريف الآخرين بتجاربنا على تنوعها واختلافها .واما أن تقام في كل عام في فهذا يمكن المشاهد من ملاحظة تطور تجربة الفنانين وتنوع معارضهم وتضعهم أمام مسؤولية ذلك .. والهدف الأساسي من هذه المعارض لا يختلف عن هدف الفن ذاته في إمتاع المشاهد وإيصاله رسالة الفن عبر مشاهد مثيرة ومحرضة للفكر أحيانا ومباشرة أحيانا أخرى فيها المتعة والفائدة ولاشك في أن التجول في المحافظات يتيح التواصل مع المتلقي مباشرة ومن مختلف شرائح المجتمع ومن مختلف البيئات.

  كيف تنظرين إلى دوراتحاد الفنانين التشكيليين السوريين؟ما هي طبيعة علاقته بالساحة الفنية السورية وهل يقوم بواجبه على اكمل وجه تجاه المشتغلين بالفن التشكيلي أم انه يعاني من الخلل بحيث لا يهمه –في النهاية – غير أعضائه؟
 إن لاتحاد الفنانين التشكيليين السوريين دورا هاما في احتضان الفنان ورعايته والاهتمام بإنتاجه الفني وإتاحة عرض هذا الإنتاج وقد لاحظت ذلك من خلال معارضنا الجوالة إذ قام الاتحاد بتأمين كل احتياجاتها في مختلف الفروع التي تم العرض فيها حتى الآن .أما عن علاقتي بالساحة السورية فهي علاقة تواصل دائم ومتابعة مستورة لأغلب التجارب الفنية التي تعرض في الصالات العامة والخاصة ومما رسخ اهتمامي بنتاجات الفنانين كان بحث علمي في الفن السوري بعنوان (أثر البيئة المحلية على فن التصوير السوري في القرن العشرين) درست عبره تطور التجربة السورية منذ ولادتها مع بدايات القرن الماضي مع تسليط الضوء على ما تطور منها باتجاه التعبير عن المجتمع المحلي والبيئة المحلية.

  لكل مبدع أو فنان أسلوبه وادواته ونظامه في التعبير, حدثينا عن أسلوبك في الرسم.؟
 في بداية تجربتي التشكيلية كنت قد تأثرت بالدراسة الأكاديمية فجاء أسلوبي تقليديا ..ثم بدأت أشق طريقي باحثة عن أسلوب خاص ولمسة متفردة وعبر تجارب طويلة توصلت إلى بحث علمي خاص.. هو أسلوب فيه ذاتية وخصوصية إنما الموضوعات كانت ولا تزال تعبر عن شغفي بالتراث والبيئة المحلية واستطيع القول أن أسلوبي مستوحى أيضا من البيئة المحلية.....إذ هو عبارة عن توليفة ابتكرتها ...تدمج بين عدة مؤثرات منها: الصناعات الشعبية المتعلقة بطبق القش والحصيرة وكان الخط العربي ومطواعيته التشكيلية مدلولا هاما في أسلوب اللمسة اللونية... ولا أخفيكم أن عملي كمدرسة لمواد الهندسة المعمارية قد كان له أثرا أيضا وهذا فيما يتعلق بالتحوير والتبسيط والاختزال...أما عن الخامات فهي متنوعة تشكلت عبر تقنيات المائي أو الاكرليك أو الزيت أو الأحبار ذلك بحسب الموضوع والتشكيل المراد تجسيده.

 عملية خلق اللوحة الفنية كيف تتم لديك,هل تعملين اسكتيشا,أو دراسة للوحة أم تشتغلين بدون تخطيط مسبق؟
 المساحة البيضاء قد تبدو مربكة بداية لكل فنان ... قد يكون سببه انقطاع التواصل لظروف معينة أو قلق الفنان تجاه النتيجة التي تأتي غالبا مختلفة عما بدأبها لأن عملية الخلق يتخللها جملة من المشاعر التي تأتي تباعا لتحدث توليفة جديدة ..لكن الجرأة المترافقة مع مقدار الحرية التي يعيشها الفنان تحسم الأمر ..ينطبق هذا على الفنان الذي يحضر اسكيتشا مسبقا ولكن الأمر هنا نسبيا.. بالنسبة لي يتعلق وضع الاسكيتش بالموضوع الذي أريد تجسيده لأنني كثيرا ما ألتقط مشاهدي بشكل مباشر من الطبيعة وأحيانا يحتاج الموضوع دراسة للتكوين وللعناصر أما عندما تسيطر العفوية والتلقائية فستكون هي سيدة الموقف.

  اللوحة الفنية هي نص مكتوب او لحن مسموع,وهي خلقت كي لا تصنع سوى مرة واحدة، ما رأيك؟
 تتكاثر عناصر اللوحة أحيانا وتتفاعل مع المتلقي بما تحمله من لغة مقروءة بالإضافة إلى اللغة الجمالية لتقدم الفائدة والإمتاع للمشاهد...أو تكون اللوحة موسيقا لونية بحتة تدغدغ المشاعر والأحاسيس وفي كلتا الحالتين نجد من الصعوبة البالغة صياغة عمل ما مرتين بذات المشاعر وذات الروح وبالتأكيد ستون المحاولة فاشلة وهذا ما يؤكد ما تفضلتم به إذ أن الحالة الإبداعية متحولة ومتغيرة ويجب إلا يشوبها التصنع والافتعال.

ـ برأيك هل كل من يمسك الريشة يمكن أن يكون فنانا تشكيليا؟
 إن علماء النقد يعتبرون كل إنجاز أو محاولة انجار عمل فني هو فن ولكن صنفوا ذلك وفق أساليب ودراسات خاصة ولكن بالتأكيد أن للفنان التشكيلي مقومات عديدة عليه أن يمتلكها لكي يستمر في الحياة التشكيلية وإلا فسوف تفشل محاولاته ولن ترى النور. النور.

  لماذا يطلق الفنان اسم ما على لوحته ,أهي دلالة أم محاولة لاستكمال النقص في وعي المشاهد ,أم أنها إضافة عنصر على الفن ليس هو اللون أو الخط أو الضوء, وهل التسمية جزء من عملية الإبداع؟
 لم تكن التسمية جزء من الإبداع يوما .. ولا هي إضافة للوحة ناقصة ولا فيها انتقاصا من وعي المشاهد وقدرته على قراءة العمل التشكيلي .. هي حسب رأيي صيغة لتصنيف الأعمال التشكيلية لتوحي بالمضمون وليسهل التكلم عنها بالنسبة للناقد وليتضح للآخرين ماهية اللوحة بذاتها إذ أن ترقيم أعمال الفنان طريقة جافة وغير مجدية .. ومن خلال عملية تسمية الأعمال الفنية بدأ بعض الفنانين بابتكار أسماء وعناوين للوحاتهم أضافت إثارة على مضمون الأعمال.

ـ بمقدار ما يتعلق الفنان في البيئة التي يعيش فيها , يصبح الحدث المأخوذ منها حدثا قابلا لأن يشتعل عليه النجاح ..ما دور مدينتك القدموس في مدك بالمواضيع؟
 كانت القدموس ولازالت منبعا لمواضيع حياتي..هي ذات طبيعة ساحرة مليئة بكل ما يثير دهشتي وإعجابي من موضوعات الطبيعة والتراث: ينابيع ... انهار... مشاهد الحصاد..تحضير القمح والرحى..خبز التنور..أزياء..قلعتها المتميزة..جبالها ووديانها ...الخ اعتقد أن للقدموس الفضل الكبير في مدي بالمشاهد والمواضيع ولها الكلمة الأولى التي وضعت قدمي على أول طريق الفن.

ـ ماذا عن الأسطورة ,هل لعبت الأسطورة دورا هاما في مرحلة من مراحل تجربتك؟
 فنانون كثيرون تطرقوا إلى الأسطورة وكانت أساس نتاج بعضهما اعتمدوا على رموزها وصاغوا توليفات جديدة حملت تعبيرات ومدلولات كثيرة... إلا أن غرامي بموضوعاتي التي سلف ذكرتها لم يشبع بعد ولا اعرف إن كان سحر الأسطورة سيطغى على أعمالي مستقبلا.

ـ ما المدارس الفنية التي أثرت فيك أكثر من غيرها ولماذا؟
 لكل مدرسة من مدارس التصوير سحرها الخاص بها وأنا أميل إلى العمل التشكيلي بذاته وليس إلى المدرسة التي يصنف عبرها .أما بالنسبة إلى إنتاجي فهو يصنف ضمن اللوحة تكامل فيها الشكل مع الموضوع لانتاج المشهد البصري إذ أنني بطبيعتي ميالة نحو اللوحة التي لا تغفل عن الموضوع وتكتفي بان تكون مشهدا بصريا مثيرا .. أما عن المدارس التي تأثرت بها فأستطيع القول بأن أسلوبي مزيجا من عدة مدارس واترك التسمية لنقاد الفن التشكيلي .

  ماذا قدمت الحداثة للفن التشكيلي , هل أعطت الفنان حرية الإبداع وجعلته لا يقف عند مدرسة معينة مثلا؟
 نعم الحداثة أعطت الفنان الحرية بل مطلق الحرية إلا أن البعض يسئ فهم الحداثة كما يسئ فهم الحرية.. فضمن هذا وذاك نسي الفنان أحيانا انتماؤه وواجبه تجاه مجتمعه وبيئته ودخل العبث في اللوحة حتى بدأت المراحل الفنية المتعارف عليها تسقط أمام جموح الفنان في الوصول السريع.

ـ ما الفرق بين الألوان الزيتية والألوان المائية سواء كانت على القماش أو على الخشب؟
 لكل خامة سماتها وميزاتها الخاصة بها ويكون دور الفنان في تطويع تلك الخامات موضوعاته ومشاهده البصرية ويبقى المهم في ذلك مدى نجاح المشهد ومدى ديمومته فمقياس الديمومة له أهمية كبيرة ..وقد اتجه الفنانون مؤخرا باتجاه المائيات والاكرليك لخصائصه المتميزة بسرعة الجفاف.
 هل اللون له أهميه مثل الموضوع,أم يأتي بالمرتبة الثانية.؟
 يتكامل اللون مع الموضوع والشكل والتكوين والأسلوب في بنائية اللوحة وهذا مقياس أي عمل فني ناجح ويمكن لأحدهم أن يحظى بمكانة أكثر من غيره تبعا لتوليفات الفنان وموضوعاته التي يريد تجسيدها فإما أن يكون اللون سيد التعبير أو أن يكون الرسم أو الأسلوب...الخ....

 عندما تقف نجوى أحمد أمام المسطح الأبيض بماذا تفكر,هل تفكر بأعمال الآخرين أم بشيء آخر؟
 قد عدت من خلال هذا السؤال إلى يوم كنت فيه طفلة تطمح لتكون مثل فلان أو آخر من الفنانين ... يومها لم أكن أعي أسس الفن ومقومات النجاح فأقف أمام لوحتي متمنية وراجية أن أخرجها بطريقة تنال إعجاب الآخرين ...أما الآن فأجد أن من العبث أن أفكر بأعمال الآخرين إذ أنني أمتلك المقدرات والإمكانيات كما أمتلك الوعي الكافي لأعبر عن ذاتي الفنية ولدي المخزون الثقافي والبصري لإنتاج العديد من المشاهد المتنوعة والجديدة والمدهشة وعلى الرغم من أنني أقتنص وأتصيد الزمن والوقت بصعوبة لكثرة المسؤوليات إلا أنني لا أتوانى عن ابتكار الجديد دائما.

ـ ليتك تحدثينا عن علاقتك بالفنانات السوريات ,هل بينك وبينهن تبادل أفكار وتجارب فنية مشتركة ,ومن هي الفنانة التي تودين أن ترسمي مثلها؟
 علاقتي بالفنانات السوريات بشكل عام علاقة ود ومحبة وعلاقتي ببعضهن علاقة طيبة فيها الكثير من التضامن والتكافل والأمل بأن تجد الفنانة السورية مكانة مرموقة في الحياة التشكيلية العربية والعالمية إلا أن ظروف العمل في الإنتاج الفني لها خصوصيتها لأسباب كثيرة ومتعددة ومهمة إذ أنني أعي ضرورة ألا أتمثل وأن لا أشبه أحد لأن في هذا إساءة لعملية الإبداع الفني ..ومن الصدق أن أقول أنني أرغب في التوصل إلى مكانة فنان أو فنانة ما ولكن من العبث أن أقول أنني أرغب بأن أرسم مثل أحد.

 ـكيف هي علاقتك مع النقد الفني , وهل تضعين الناقد في مخيلتك حين تبدئين بالرسم؟
 تفتقر الحياة التشكيلية والسورية والعربية للنقد الفني الجاد والبناء إنما لا تخلو الساحة من البعض الذين يحاولون أن يتركوا بصمة في هذا المجال ...وقد سبق لي أن اقترحت توصية في بحثي العلمي السابق الذكر بأن يؤخذ موضوع النقد الفني بعين الاعتبار ليدرس في كليات الفنون الجميلة كأحد الاختصاصات النظرية المهمة.

 هل من سؤال في ذهنك وأردت أن أسألك إياه؟
 أسعى إلى إرضاء نفسي وذاتي من خلال أعمالي لأكون على قناعة بإنتاجي الفني بالدرجة الأولى ففي الرسم تسيطر عوالم الفنان والنقد يأتي دوره في صالات العرض .حينها تتم تبادل الأفكار والطروحات النقدية ولا ننكر أن للنقد أهمية في تطور التجربة الإبداعية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى