الجمعة ١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٥
"شمس في منتصف الليل" لحافظ عبية:
بقلم عبد الباسط محمد خلف

هكذا أطاحت الذاكرة المأسورة بقهر الجلاد…

مثلما يأسر القراء عنوان كتاب " الشمس في منتصف النهار" الخارج إلى الحياة نهاية العام الفارق، يُنمي الإهداء فيهم الفضول و التلهف للدخول في التفاصيل والإبحار وبخاصة عندما تقع عيونهم على عبارة " .. إلى أولئك الذين يمثلون قطعة من جسدي، تركتها خلف القضبان، يؤلمني اقتطاعها، كما يؤلمني بقاءها منفية عن مكانها في جسدي".

تضيف لهذه اللهفة مقدمة الشاعر المتوكل طه والأسير السابق أيضاً، التي يُبرقها لعشاق الحرية وأسراها الذين انعتقوا أو لا زالوا وراء قضبان حديدية قذرة إلى وقحة" لعل المعتقلين شهداء يموتون كل لحظة ألف مرة ومرة، إذن إن وجود أكثر من ثلاثمائة وخمسين معتقلاً محكومين بالمؤبد في سجن واحد مثل عسقلان، و مضى على اعتقال بعضهم أكثر من ربع قرن بالتمام والكمال، كاف لأن يكمل مشهد الجنون والهلع، ويجب أن يكون كافياً لأن تكون قضية الأسرى على رأس الأجندة الفلسطينية والأولويات، لأنها قضية مقدسة تخص قطاعاً يمثل الشرف والعزة…"

تاريخ سجين

في بدايات الأسير حافظ عبية" أبو حنان" بذاكرته الموجوعة، مطاردة ساخنة للحظات الألم بفعل القيد القاسي الذي استقطع من شبابه ثمانية عشر عاماً بالتمام والكمال .

شرع عبية في استرداد تفاصيل صغيرة عن لحظة التآمر على الحرية التي صنعها الجلاد في السابع عشر من كانون الأول العام 1967. يورد في يوميات تصلح للتاريخ الشفوي المضطهد لحظة افتراقه الإجبارية عن حريته الحمراء، ولم ينس من اليوم الأول أن يسترجع حكايات جانبية تدلل من جهة سطحية الجلاد ومن أخرى قوة الضحية، عبر روي حادثة الجندي السجان الذي طلب من أسيره استشارة تتصل بجمال فتاة ليبطل بها مفعول وجهة نظر رفاقه حول قبحها.

ينتقل الراوي الذي خرج إلى الحياة في الأول من تشرين الأول العام 1945 في قرية ياسوف القريبة من سلفيت، لفصل آخر من الألم، فالقرار بالنفي أو السجن أو الإطلاق أو الإبعاد يتم وفق آلية وضع المحتجزين في غرفة، ولما كان الحظ متواطئاً مع الجلاد، جاء نصيب عبية في غرفة المنوي ترحيلهم إلى الأردن يقول:".. لكن قبل ترحيلنا، أخرجونا واحداً واحداً إلى مكتب مدير السجن، حيث فوجئنا بأن الباب مغلق ببطانية مثقوبة ثقبين وعلى مستوى عيني رجُل واقف، يوقِفونَ الواحدَ منا أمامها والذي يَقف خلفها يقرر بكلمة نعم أو لا بالعبرية مصير الواقف أمامه، فإما إلى الحرية وإما إلى الأغلال".

أخفق التمويه الذي صنعه الكاتب في تحريره من القضبان ليبدأ في رحلة طالت لثمانية عشر عاماً ولولا الله وعملية تبادل أسرى بين الاحتلال والجبهة الشعبية القيادة العامة لطالت رحلة الوجع و القيود لاثنتي عشرة سنة أخرى، وطالت معها أوراق كتاب" الشمس في منتصف الليل" من 123 لـ"شيك مفتوح" وهو اللفظ ذاته الذي تستخدمه سلطات الاحتلال في تمديد توقيف أسرى الحرية قبل إجراء محاكماتهم الصورية إلى أجل غير معلوم .

"عملاء الأكياس"

يغرقنا الكاتب الذي التحق بصفوف جيش التحرير الفلسطيني في العراق في العام 1965، وانضم للمقاومة المسلحة في أعقاب نكسة حزيران، بالحديث عن الحرب النفسية التي كانت تشنها إدارة السجون، للنيل من تماسك الحركة الأسيرة قبل اشتداد عودها وفي الأيام الأول للاحتلال العسكري.

تسترد ذاكرة أبو حنان المضطهدة تفاصيل ممارسات الاحتلال التي سعت للإيقاع بمن يقع في قبضتها في مستنقع العمالة، ويوثق لظاهرة " متعاوني الأكياس"، فيروي:" كان أحدهم يرافق المخابرات إلى إحدى القرى، بعد عملية تطويقها وفرض منع التجول عليها، ويجمع البالغون من رجال القرية في إحدى الساحات، ويكون هذا المتعاون قد لبس على رأسه كياً من الخيش ويثقب الكيس على مستوى عينيه، ويبدأ المواطنون الذين ترتجف أوصالهم هلعاً بالمرور أمامه، ويجلس بجانبه أحد رجال المخابرات، أو يقف، لا فرق وعليه أن يدلهم على كل من يشتبه به أو يعرفه بأنه منظم وقدم مساعدة، بأي شكل من الأشكال للفدائيين، وذلك إما بالضغط على اليد حال المرور أمامه، أو باستخدامه الكلمة العبرية" كين" أي نعم."

ومما يشير إليه الكاتب ما حدث ذات نهار في نابلس يوم جمع الاحتلال سبعه من" مرتدي الأكياس"، وحصدوا 128 حالة اعتقال دفعة واحدة.
و توثق"شمس في منتصف الليل" أيضاً لممارسات الاحتلال خارج المعتقلات، عبر روي ما كان يرد من أخبار بطيئة لقضايا ساخنة فيوثق:" بعد بضعة أيام وصلت، وصلت إلى معتقل نابلس إحدى المجموعات القتالية التي اشتبكت مع الجنود الإسرائيليين في منطقة بيت فوريك، وكان اشتباكها قد أثخنهم بالجراح، حيث عبروا عن ذلك بانتقامهم من جثتي الشهيدين فارس صلاح ومحمود صلاح، وعلقت الجثتان في طائرة هيلوكبتر، وطافوا بهما فوق المنطقة الشرقية من نابلس".
يظهر الكتاب مساحة التحدي التي رسمها الأسرى، عبر رفضهم المشاركة في احتفالات قيام إسرائيل، وهي المحطة ذاتها التي تسببت بصناعة نكبتهم وتشردهم.

ينتقل عبية لوصف رحلته الحقيقية في السجون، وهي رحلة ألم تندرج على رفاقه الذي سرقت قضبان الحديد والجدران الرطبة ذروة شبابهم يعد سنة واحدة على نكسة حزيران العام 1967.
يروي الكاتب لحظة إصدار الحكم القاسي بحقه وحق رفاقه، إذ تراوحت بين 30 سنة و 40 سنة والسجن إلى ما لا نهاية.
وبانتقال الأسير لسجن الرملة، يستفزه موضوع العمل إذ إن الأسرى ومنذ لحظة دخولهم يوزعون للعمل على المرافق الأربعة المتوفرة: المطبخ وغرفة الطعام والمغسلة وكي الملابس وصناعة شيك التمويه العسكري، وفصل الطوابع عن الرسائل، وكل ذلك لقاء أجر زهيد وموحد يتمثل بأربع سجائر لكل معتقل عامل.

سلاح الأمعاء

يتنقل عبيه ومعه الذكريات لحرب الأمعاء الخاوية، وهو سلاح الإضراب عن الطعام الذي يستخدمه الأسرى لتحسين شروط اعتقالهم والحفاظ على كرامتهم الإنسانية.

" المهم أننا أقدمنا على خوض أول تجربة نستخدم فيها سلاح الأمعاء، حيث أستمر هذا الإضراب لمدة تسعة أيام، وتشاء الصدفة المحضة أن يتزامن إضرابنا مع إضراب زملائنا في سجن الرملة مما أعطى لإدارة السجن انطباعا بأن هنالك تنسيقاً مسبقاً حول الإضراب" على هذا النحو يشير الكاتب لحكاية الإضراب الأول ويتطرق لادعاءات الاحتلال بأن هذا الإضراب سياسي جاء من الرئيس جمال عبد الناصر دعما لحرب الاستنزاف التي كان يخوضها الجيش المصري على قناة السويس.
يسترجع المؤلف مجريات الحادي شر من شباط العام 1969، حيث نقل ورفاقه لسجن عسقلان، وفيه تعرضوا لإذلال كبير:" لحظة وصول" البوسطة" (وهي سيارة نقل الأسرى) إلى مدخل السجن الداخلي نزلنا منها، وحشرنا في غرفة ضيقة طولها ثلاثة أمتار ونصف وعرضها كذلك، أطلق عليها اسم" النظارة" حيث حشرنا فيها، وكنا 36 مناضلاً، تمهيداً للمعركة التي أعدوا أنفسهم لها فبعد دقائق من دخول النظارة أخذوا يخرجونا واحداً واحداً إلى ساحة عيادة السجن المحاذية للنظارة .."
كان في انتظاره ورفاقه حلق شعر الرأس والشوارب والحواجب، فالخروج لساحة العيادة، والدخول إلى مخزن الملابس، حيث "يرقد" أكثر من 18 جلاداً في اتجاهين متقابلين، وعلى الأسير اجتياز ممر ضيق بينهما، وتلقي ضربات من عصيهم وكرابيجهم، وذا ما قط أحدهم على الأرض يجبروه على النهوض بركلات أرجلهم، لينتهي بهم المطاف إلى جلاد يدعى أبو يوسف الدلال بجسم ثور هائج وقبضات ملاكم، ويشرع في طريقته الخاصة بالتعذيب تفقد الوعي، ولا يستفيق من وقع فيها إلا على شلالات ماء بارد قادم من دلاء قذرة.

أوجاع "نقية"

في يوميات الأسير وصف للقمع المنظم الذي راح يلاحقه، فعليهم الهدوء، والاستيقاظ قبل الشمس التي لا يرونها، وترتيب أغطيتهم العفنة التي يمنع استخدامها أو الجلوس عليها إلا بعد رحيل الشمس، ويحرم عليهم الحديث أو المشي ولا يباح لهم سوى الجلوس على الأرض أو التوجه لدورة المياه، إضافة لنصف ساعة للسير في الساحة باللباس كامل وغطاء للرأس وأيد مقيدة، ناهيك عن العد المذل وسياسة توزيع السجائر.
يقفز الكاتب إلى بدايات التحول ورياح التغيير الداخلي التي شرع المعتقلون باستحداثها، في نهاية العام 1969حينما التقى أبو علي شاهين وعمر القاسم وبدأ سوية ففي ترتيب أوراق الحركة الأسيرة، واستحدثوا لجنة لكل غرفة تمهيداً لجولة جديدة من حرب الأمعاء الخاوية.
لم يغفل عبية الإشارة لأول الشموع التي احترقت في أقبية السجون، إذ شهد الثاني عشر من تموز العام 1970 رحيل الأسير عبد القادر أبو الفحم الذي رفض التنازل عن الإضراب وسقط بفعل جراحه.

توثق الصفحات اللاحقة لمحاولات "غسل أدمغة" المعتقلين، ومحاولات زرع بذور الفتنة بين صفوفهم مستندة للفوارق السياسية بينهم عبر "دس السم في العسل"، و إيصال معلومات موجهة كانت تقدمها شخصيات إعلامية وسياسية إسرائيلية.

ولم تفلح هذه السموم في شق طريقها لعقول المعتقلين باستثناء محاولة يتيمة استطاع خلالها نائب رئيس تحرير "هآرتس" العبرية، خلق إشكال بفعل محاضرة حول الوجود السوفياتي في الشرق الأوسط، وبعدها رضخت إدارة المعتقل من خلال مضامين أدبية قبل أن تسدل الستار على هذه السياسة.

ولا يغفل الكاتب عن الإشارة إلى أحداث عاصفة مرت بهم، تلت احتقانا داخلياً أعقبه ضرب ضابط السجن " طوليدانو"، يقول:".. بدأت سيارات حرس الحدود والجيش والشرطة تفرغ حمولتها داخل أسوار سجن عسقلان في حملة عسكرية حقيقية، استمرت نصف ساعة فقط، لنجد أن أكثر من ضعف عدد السجناء من قوات الأمن…" لتبدأ بعدها ليلة ليلاء.

ثقافة في زنزانة

يتطرق عبية في أحشاء كتابه لبدايات إرساء قواعد التنظيم الداخلي للمعتقل عشية حرب أكتوير العام 1973،ويوثق لما اسماه فترة الحكم الذاتي للأسرى، إذ ازدهرت الحياة الثقافية والتعليمية والقانونية والتنظيمية، التي سرعان ما تعرضت لهزة في العام التالي بسبب مقتل أثنين من المعتقلين في ليلة واحدة و"بنيران ذاتية"، أدت لحدوث شرخ في وحدة "الجبهة الداخلية" للأسرى ألقت بظلالها لثلاث سنوات، إلى أن تحققت مصالحة وطنية .

يستعرض المؤلف جوانب التنظيم الداخلي التي تألق المعتقلون في وضع ملامحها، كشأن الصندوق الاعتقالي وآليات عمله.
بنقلة ثانية لجزء آخر من الكتاب، يستشرف القارئ المشهد الثقافي السجين، وكيف أبدع هؤلاء المحرمون من الحرية في صناعة حالة ثقافية، ابتكرت من أوراق علب اللبن الكرتونية الورق بعد غسله وتجفيفه، وكذا أوراق الأسمنت التي "كان سهيل اليرغوثي يتقن تحويلها إلى ورقة جريدة من أربع صفحات متوسطة الحجم بعد قصها وتربيعها".
خرجت من ظلمة المعتقلات أول الصحف باسم"الطريق" و" الشرارة"، وتولت ملامح الحركة الثقافية بالتصاعد.

يعود عبية للحديث ثانية عن إضراب عسقلان التاريخي الذي أنطلق في الحادي عشر من كانون الأول العام 1976، وأستمر حتى الخامس والعشرين من كانون الثاني 1977.
ليسجل عشاق الحرية رقماً قياسياً، لم يبقه غير إضراب الأسرى الايرلنديون حتى الموت و امتد لـ68 يوماً.
لاتخلو هذه الأوراق من إشارة لآلام الجوع وممارسات الجلادين القمعية في كسر الإضراب عبر تزويد المعتقلين بالتغذية الصناعية بأنبوب يخترق جوف المعتقل وصولاً لمعدته ليمده بالحليب، في وقت تحولت فيه أداه إطالة الحياة للون من أدوات التعذيب، وضرب المعدة.
بالتوغل في أعماق الكتاب، يوثق أبو حنان مرحلة العام 1976، وكيف صاغ الأسرى دستورهم الخاص. مثلما يتعرف لسياسات القمع ونقل الأسرى من سجن لآخر لتشتيتهم وإضعاف جوانبهم النفسية.ولا يغفل عن الإشارة لتضامن الحركة الأسيرة مع شركة كهرباء القدس في معركة الدفاع عن عروبتها، في سياق متصل مع محاولات تهويد المدينة المقدسة.
تعالج الأوراق اللاحقة مخطط العام 1980 الذي استهدف القضاء على الحركة الأسيرة عبر عزل قياداتها في سجن منفصل.

حنان

يتفاعل الأسير السابق مع لحظة مركبة، فحينما اقتيد ورفيقه بلال الشخشير للمحكمة الصورية للبت في طلبهما التزود بكتب، تمكن وللمرة الأولى منذ أربعة عشر عاماً من معانقة ابنته حنان التي باعدته عنها القضبان وهي ابنة عشرة أشهر" لم تتح لي فرصة معانقتها وضمها إلى صدري كما فعلت في ذلك اليوم"، وهذا الحدث دفع صديقه بلال للتعبير عنه بأدب خالص في قصة" الوجه الكرستالي".
تؤرخ سطور أخرى من " الشمس في منتصف الليل"، لحكاية الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، وتتحدث أخرى عن عملية تبادل الأسرى، حيث أطلق سراح 4500 معتقل من سجن أنصار مقابل ستة إسرائيليين، في عملية لم تخل من خديعة وبخاصة اختطاف الأسير زياد أبو عين بعد الإفراج عنه بلحظات.

يتحدث عبية عن سياسات فصل أسرى الضفة عن غزة، والعودة لسلاح الأمعاء الخاوية في سجن جنيد ثانية نهاية العام 1984.
في ركن آخر من الكتاب الواقع في 124 صفحة من القطع المتوسط، تستلقي حكاية رحلة الحرية للراوي و لـ1149 من رفاقه، يتحدث فيها عن رحلة الحرية من سجن جنيد إلى جنيف فطرابلس الليبية.

13 مشهداً

يستعرض الكاتب في الفصل الأخير في سطور مستقلة ثلاث عشرة محطة، أستذكر فيها الشهيد عمر القاسم، ورفيقه موسى طلالقة، وأحلامه المزعجة التي "أوحت" له ما حدث لشقيقته حليمة من اعتقال تكرر مع شقيقه صبحي.

ويسهب في أخرى مجريات أحداث عملية" معلوت" التي وقعت العام 1974 بقراءة أخرى، مثلما يورد قصة الشيخ صلاح عباس أو " فاكهة الغرفة رقم 14"، الذي كان يدعي بأنه صاحب قدرات عاليه باللغة الإنجليزية، إذ كان يحمل كتاباً ضخماً يقلب صفحاته ولا يشعر بأن رفاقه بدلوا له الصفحة التي يُكره على التوقف عن قراءاتها لشأن ما، لكنه عندما يعود يستأنف قراءاته وكأن أيدي رفاقه المقيدة لم تعبث بمؤشر الأوراق!

ويشير عبيه في محطات لاحقة لا زالت تطرق" جدران ذاكرته" لحكايتي فرار صنعها اثنان من رفاقه شغفاً بالحرية والانعتاق، إذ عاد الأول لفترة وجيزة لنابلس ليمارس فيها عشقه لها، فيما عاد الثاني لغزة التي احتضنت في أحشائها جسده، حينما أسرع إليه الرصاص الإسرائيلي الأعمى.

وتتوقف ذاكرته للحديث عن الديمقراطية التي صاغها رفاق القيد ومارسوها في قلب سجون دولة لا تكف عن تعريف نفسها بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط.

ولم ينس الفتى عامر دخل الله، الذي انتحل شخصية شقيقه الأكبر عمر، وأنضم للمقاومة، فقد ساعده جسده الضخم على ذلك، ويروى حكاية اللبس التي أعقبت أسره خلال عملية فدائية، لكن رفاقه ظنوا أنه استشهد، ولما كان عامر هو الذي انتحل شخصية شقيقة عمر، فإن "الشهيد" سمع نبأ رحيله وتوجه بنفسه لاستجلاء اللبس، وبقي عامر شهيداً باعتقاد أهله و رفاقه، رغم أنه في سجن ما.

يخصص عبية المحطة الأخيرة من الكتاب الصادر عن " العودة للدراسات والنشر" للحديث عن كفاح والدة الأسيرين جمال و بسام بدران، فيصفه بالطويل والمعقد والمتشعب، إذ ترك الاثنان لأمهم خمسة أطفال، أكبرهم لم يكمل العاشرة وأب مصاب بشلل نصفي، وبعد أن حكم على جمال بالسجن أربعين علماً صادقت الأم ماكينة خياطة وشقت طريقها الصعبة، وبعد خروج نجلها بسام من السجن أكمل معها كفاحها، ليؤسسا مصنعاً للنسيج، وليصبح بسام رئيس اتحاد صناعة الملابس والنسيج في الضفة الغربية، و لا زالت الأم تعمل على مكانتها الخاصة...

على الغلاف الأخير، وفق أرضية خضراء مُصّفًرة تقول المؤسسة الناشرة:" .. التجربة الاعتقالية الفلسطينية غنية و طويلة ومريرة جداً، وما كتب أو سيكتب عنها لن يوفي التجربة حقها" معتبرة أن كلماته ستشكل إثراءً للأدب الاعتقالي، وتصفه بالجدير بالقراءة والاهتمام على حد سواء.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى