الجمعة ١ نيسان (أبريل) ٢٠٠٥
بقلم مهند عدنان صلاحات

طفل

بعد أن دخل إلى البيت ووضع الكتب التى يحملها بيده على الطاولة التى تتوسط الصالة، رمى بنفسه على المقعد الطويل مقابل الطاولة وفرد ذراعيه على جانبى المقعد فى محاولة للاسترخاء التام بعد عناء يوم طويل فى المحاضرات وضجيج الطلبة وأسئلتهم، فالتعب النفسى والذهنى هو الذى يسبب له الإرهاق بعد عدد من المحاضرات فى علم النفس والأسئلة الغريبة التى تخطر ببال الطلبة حول ماهية علم النفس.

نادى زوجته وسألها: أين علاء.. إنى لا أراه فى البيت؟

أجابته: إنه فى غرفته.. كعادته قد جمع كل الأقلام فى البيت ويخربش بها على الورق .

استجمع قواه وسار باتجاه غرفة الطفل وفتح الباب ونظر في أنحاء الغرفة فوجد الطفل مستلقيا على صدره على أرض الغرفة قرب السرير ويحمل بيده قلما ويرسم على ورق أبيض ومن حوله تتناثر أقلام وأوراق.

تجول فى أنحاء الغرفة ومن ثم جلس على السرير بجانب طفله الغارق فى رسومه وخياله الذى يترجمه على الورق، وبدأ يسأل نفسه ماذا يرسم هذا الطفل، وماذا يدور فى مخيلته يا ترى!

ثم سأل الطفل: ماذا ترسم يا علاء اليوم.. أرنى ماذا لديك؟

تناول الورق الأبيض عن الأرض وبدأ بسؤاله: ما هذه الدائرة التى لها رأس يا علاء؟

أجابه: إنها جارتنا أُم أحمد.

قال: وما هذه الخطوط والدوائر وهذه الأشياء المرسومة بجانبها؟

فأجابه: إنها تحمل خاروفاً وكيساً كبيراً من الخبز وخضاراً كثيرةً.

فقال مندهشاً من جواب الطفل: خاروف يا علاء!!! ولكن لماذا تحمل خاروفا و كل هذه الأشياء.. وماذا ستفعل بها؟

وبكل براءة أجابه: ألم ترى كم هي كبيرة.. إنها أضخم من سيارة.. إنها تأكل خاروفاً وكل هذه الأشياء وحدها يا أبى .

رسم ابتسامة عريضة على شفتيه من جواب الطفل وطريقته في تفسير الظواهر المحيطة وكأنه يبحث فى الأسباب، فلفت انتباهه رسوم غريبة وخطوط متعرجة فعاد ليسأل الطفل: وهذه الرسمة يا علاء ماذا تعنى؟

فأجابه: إنها ليست رسم يا أبى.. إنها رسالة كتبتها وكنت سأرسلها معك لطلابك.

تفاجأ الأب مرة أخرى من أفكار الطفل وسأله بدهشة: طلابى أنا يا بنى!!! وما تود أن تقول لطلابى؟؟

فأجابه: هل تذكر حين أخذتنى معك فى المرة الماضية للجامعة وأجلستنى بينهم فى الدرس.. وعندما خرجنا منه قلت لى لا تكن شقياً مثلهم وتتعبنى.. فأنا كتبت لهم رسالة أقول لهم فيها: أرجوكم لا تزعجوا أبى فأنا أحبه.

وضع يده على رأس طفله وناوله أوراقه وتركه يكمل رسم خياله وتصوراته على الورق.

عاد مجددا للغرفة وفتح الباب بغضب وصاح في الطفل: علاء.. ألم أحذرك بأن لا تعبث فى أوراقى!!! لماذا عبثت فيها اليوم مرة أخرى!!!

وقف الطفل أمام الأب وفي وجهه وملامحه تختلط كل علامات الحيرة والخوف والإحساس بالذنب وقال: أردت أن اخذ بعض الأوراق لكى أكتب عليها لأن الأوراق التى أعطيتنى قد نفذت.

فأجابه: ولكنى حذرتك بأن لا تقترب من غرفتى ومن طاولتى وكتبى تحديدا.. لماذا تتجاهل كلامى أيها الشقى!!!

تحول غضب الأب لردة فعل مادية على جواب الطفل الذى لم يعجب الأب فضربه على وجهه وهو يقول له: يجب أن أعلمك كيف تطيع كلام أبيك أيها الولد الشقى.

وأغلق الباب خلفه وعاد للصالة مرة أخرى يتابع أخر مستجدات الأخبار على التلفاز.

عندما حان وقت الغداء قال لزوجته: أحضرى علاء ليتناول طعامه.

دخلت الأم إلى الغرفة من جديد فوجدت الطفل يبكى وهو مستلقى على صدره ويرسم، فنادته.. لم يجب الطفل نداء الأم وتجاهل حتى وجودها واستمر فى الرسم على الورق .

عادت الأم مرة أخرى وقالت للأب: إنه يتجاهلنى.. وهو يبكى ويرسم.. إذهب إليه علّه يسمع منك.

دخل الأب إلى الغرفة وجلس إلى جانب السرير وبدأ ينظر إلى ما يرسمه الطفل فى الورق.. تناول الورقة من أمامه ليرى ماذا يرسم.
أحس الأب برعشة تسرى فى جسده حين وجد دموع ابنه تبلل الورقة التي رسم عليها دوائر وصلها بخطوط من الأعلى والأسفل وملأها بأشكال غريبة.

فسأله: ما هذه الدائرة والخطوط المرسومة هنا يا علاء؟

أجابه: هذه نار كبيرة وفى داخلها أب لا يحب ابنه فضربه.. ولأن إبنه يحب أباه وبكى لأن أباه ضربه جاءت الملائكة وأخذت الأب ووضعته فى النار.

انهمرت من عين الأب دمعة وحضن الطفل وقال له: اليوم تعلمت منك أيها الصغير درساً لم أتعلمه حتى فى الدكتوراه فى علم النفس.. سامحني يا بنى فأنا أيضا أحبك.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى