الأربعاء ١٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
من أدوات اللغة العربية:
بقلم يوسف الصيداوي

الألف، أم، أما، أمّا، إمّا

الأَلِف

لها وجوه:

 الأول: ضمير الاثنين، وتتّصل بالفعل نحو: [قلتُ لزهيرٍ وسعيدٍ: سافِرا، فسافَرا وسيعودان].

 الثاني: علامة التثنية، نحو: [عندي كتابان].

 الثالث: علامة نصب الأسماء الخمسة، نحو: [زُرْنا أخاكَ].

 الرابع: الزائدة، المتّصلة بالظرف [بين]، نحو: [بينا كنت أقرأ إذ قُرِعَ الباب].

 الخامس: الزائدة لمدّ الصوت، في الندبة والاستغاثة والتعجّب، نحو:

[وا حسيناْ - يا زهيراْ - يا عجباْ].

 السادس: ألِف الإطلاق، وهي التي تلحق القوافي، نحو:

أَقِلّي اللومَ عاذل والعِتابا

 السابع: الفاصلة بين نون النسوة ونون التوكيد، نحو: [واللهِ لَتَذْهبْنانّ = لَتَذْهَبْنَ + الألف الفاصلة + نِّ].

 الثامن: المبدلَة من نون التوكيد، نحو:« لَنَسْفَعَنْ» = «لَنَسْفَعَا»، أو مِن تنوين النصب عند الوقف، نحو: [زرت زهيرنْ = زُرت زهيراْ].

أَمْ

تأتي على وجهين:

 الوجه الأول: أن تكون حرف عطف، ويسمّونها اصطلاحاً: [المتّصلة، أو المعادِلة، ولا بدّ في هذه الحال مِن أن تسبقها إحدى همزتين:

  1. همزة استفهام، نحو: [أزهيرٌ أم سعيدٌ عندك؟]، ويكون الجواب بالتعيين: [زهير] أو [سعيد].
  2. أو همزة تسوية، وتقع [أم] في هذه الحال بين جملتين نحو: [سواءٌ عليّ أغضبتَ أم رضيت] تؤوَّلان بمفردَين، أي: [غضبُك ورضاك سواء].

 والوجه الثاني: أن تكون حرف استئناف بمعنى: [بل]، فلا يفارقها معنى الإضراب، ويسمّونها اصطلاحاً: [المنقطعة، أو المنفصلة]، وتقع بين جملتين مستقلّتين، نحو: «تنْزيلُ الكتابِ لا ريبَ فيه مِن ربِّ العالمين. أم يقولون افتراه» [1]

مسألة ذات خطر:

جرى الاستعمال، على أن يكون العطف بـ [أم] بعد [سواء]. ومن هنا تخطئةُ مَن يقول: [سواء كان كذا أو كذا]. وقد وقف النحاة عند هذا مرةً بعد مرّة، فصحّح العطفَ بـ [أو] فريقٌ، وخطّأه فريق. ثمّ جاء العصر الحديث، فنظر مجمعُ اللغةِ العربية بالقاهرة في المسألة، ومال فيها إلى التيسير، فأصدر قراراً شموليّاً، نصّ فيه على صحة استعمال [أم] و[أو] بعد [سواء] بغير قيد، مع وجود همزة التسوية وبغير وجودها.

ونورد نص القرار مقبوساً من كتاب في أصول اللغة الدورات 29-34 /227 وهو:

يجوز استعمال (أم) مع الهمزة، وبغيرها، وفاقاً لما قرّره جمهرة النحاة. واستعمال (أو) مع الهمزة وبغيرها كذلك، على نحو التعبيرات الآتية: (سواء عَليَّ أحضرتَ أم غبت)، (سواء عليّ حضرت أم غبت)، (سواء عَليَّ أحضرتَ أو غبت)، (سواء عليّ حضرت أو غبت). والأكثر في الفصيح استعمالُ الهمزة و(أم) في أسلوبِ (سواء).

أمَا

تأتي [أمَا] على وجهين:

 الأول: حرف استفتاح، تُكسَر بعدها همزة [إِنَّ]، نحو: [أمَا إنه ليجتهد] وتكثر قبل القسم [أمَا - والله - إنه لصادق].

 الثاني: حرف عَرْض، فلا يكون بعدها إلاّ الفعل، نحو: [أمَا تقوم - أمَا تقعد]، وذلك إذا عرضت عليه فعل القيام والقعود لترى أيفعلهما، أوْ لا.

أمّا

حرف شرطٍ وتوكيد، نحو: [أمّا سعيدٌ فمجتهدٌ]. وقد تفيد التفصيل نحو: [الطلاّب صنوف، فأمّا المجتهد فناجح، وأمّا اللاهي فمخفق، وأمّا...]، وتلزم الفاءُ جوابَها أبداً.

حُكْم:

لا يفصِل بين [أمّا] وفائها، إلا اسمٌ، نحو: [أمّا سعيدٌ فمنطلق]، أو شرط نحو: [أمّا إنْ كنت مسافراً فعناية الله تَحُوطُك].

* * *

نماذج فصيحة من استعمال [أمّا]

 «سأُنبِّئُك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً. أمّا السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر... وأمّا الغلام فكان أبواه مؤمنَيْن... وأمّا الجِدارُ فكان لغُلامَيْن.» [2]

الآيات نموذجٌ جليٌّ للتفصيل والتكرار.

 «فأمّا الذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيُدخِلهمْ في رحمةٍ منه وفضل» [3]

الآية نموذج لترك التفصيل والتكرار، استغناءً بذكر أحد القسمين. ولولا هذا الاستغناء لَتُوبِع الكلام فقيل مثلاً: [وأما الذين كفروا فسيُفعَل بهم كذا وكذا...]

 «فأمّا إنْ كان من المقرَّبين فَرَوْحٌ وريحانٌ وجنَّةُ نعيم. وأمّا إنْ كان من أصحاب اليمين فسلامٌ لكَ من أصحاب اليمين. وأمّا إنْ كان من المكذّبين الضّالِّين فنُزُلٌ من حميم» [4]

في هذه الآيات مسائل:

  1. ما فيها من التفصيل والتكرار: [أمّا... وأمّا... وأمّا...].
  2. أنّنا ذكرنا في أثناء البحث أنّ الأسماء هي التي تفصل بين أمّا وفائها، وأمّا الأفعال فلا تفصل بينهما، إلاّ أن يكون ذلك فعلَ شرط، كما ترى في الآيات الثلاث، إذْ جاء في كلٍّ منها أداة الشرط [إنْ] وبعدها فعل شرط هو [كان].
  3. أنّ في كلّ من الآيات الثلاث، أداتين شرطيّتين هما: [أمّا] و[إنْ] وجوابَ شرط واحداً. وتختلف كتب الصناعة هاهنا، ففريق يجعل الجواب لـ [أمّا]، وجواب [إن] محذوف. وآخر يجعله لـ [إنْ]، وجواب [أمّا] محذوف. وفريق ثالث يقول: الجواب لهما معاً. والأكثرون على أنه جواب [أمّا]، وأنّ جواب [إنْ] محذوف.

 «فأمّا الذين اسودّتْ وجوهُهُمْ أَكَفَرتُمْ بعدَ إيمانكم» [5]

الإجماع منعقدٌ على أنّ [أمّا] تحتاج إلى جواب، وأن الفاء تلزمه أبداً. وليس في الآية جواب ولا فيها فاء، كما يبدو في الظاهر. وسبب ذلك أنّ في الآية حذفاً، إذ الأصل: [فأما الذين... فيقال لهم: أَكفرتم بعدَ إيمانكم؟]. وحذفُ فعل القول في التنْزيل العزيز كثير، منه أيضاً:

 «وأمّا الذين كفروا أَفَلَم تكن آياتي تُتلى عليكم؟» [6]

فهاهنا حذفٌ، إذ الأصل: وأمّا الذين... فيقال لهم: أَفَلَم تكن آياتي تُتلى عليكم؟

 «فأمّا اليتيمَ فلا تقهر» [7]

من المقرر أنّ الأسماء هي التي تفصل بين [أمّا] وفائها. وأمّا الأفعال فلا تفصل بينهما، إلاّ أن يكون ذلك فعلَ شرط. وقد ذكرنا في الحاشية من البحث أنّ إعراب هذه الأسماء يكون على حسب موقعها من العبارة، وأن إعرابها يسهل إذا تغافلتَ عن [أمّا والفاء]. وبناءً على ذلك تُعرَب كلمة [اليتيم] مفعولاً به مقدّماً على فعلِه: [تقهر]، فكأنما قيل: [لا تقهر اليتيمَ].

 «أمّا السفينة فكانت لمساكين» [8]

[السفينة]: مبتدأ خبره جملة [كانت لمساكين]. ويتبيّن لك الوجه في هذا الإعراب، إذا تغافلتَ عن [أمّا] وفائها، مسترشداً بقولنا: تغافلْ عن [أمّا وفائها] وأَعربْ تصب إن شاء الله.

إِمّا

حرفٌ لتعليق الحُكم بأحد الشيئين نحو: [زُرْ إمّا دمشقَ وإمّا بيروتَ] أو الأشياء نحو: [زُرْ إمّا دمشقَ وإمّا بيروتَ وإمّا القاهرة]. وتُلازِم التكرار، كما جاء في المثالين، ولكنْ قد يُستغنى عن تكرارها بـ [أو] نحو: [زُرْ إمّا دمشقَ أو بيروتَ أو القاهرة]، أو بـ [إلاّ]، نحو: [إمّا أن تقول الصدقَ، وإلاّ فاسكُتْ].

حُكْم: يُعرَب ما بعدها على حسب موقعه من العبارة: فاعلاً أو مفعولاً أو حالاً أو....

معانيها: لها خمسة معان:

 الأول: التخيير، نحو: [كُلْ إمّا سمكاً وإمّا تمراً]، أي: اِختَرْ أحدَهما، ولا تجمَعْهما.

 الثاني: الإباحة، نحو: [يا بُنَيَّ، اِقرأ إمّا كتاباً وإمّا ديوان شِعر]، أي: قد أبحتُ لك قراءتَهما.

 الثالث: الشكّ، نحو: [غاب خالدٌ عن المدرسة إمّا مرّةً وإمّا مرّتين]، إذا لم يُعلَم: أمرّةً غاب أم مرّتين.

 الرابع: الإبهام، نحو: «وآخرون مُرْجَوْنَ لأمر الله إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم» [9]

 الخامس: التفصيل، نحو: «إنّا هديناه السبيل إمّا شاكراً وإمّا كفوراً» [10]

نماذج فصيحة من استعمال [إمّا]

 «قلنا ياذا القرنين إمّا أنْ تعذِّبَ وإمّا أن تتَّخذَ فيهم حُسناً» [11]

هي في الآية للتخيير.

 «وإمّا تخافنّ من قوم خيانة فانبذْ إليهم» [12]

[إمّا]: في الآية مركبة من حرفين هما: [إنْ الشرطية + ما الزائدة] وليست هي [إمّا] التي للتفصيل والتخيير. يدلّك على ذلك: هذه النون المؤكّدة في [تخافنّ]، فإنها تلحق فعل الشرط إذا كانت [ما] زائدة داخلة على [إنْ] الشرطية. ولا تأتي بعد [إمّا] التي للتفصيل والتخيير. ثمّ هذه الفاء الرابطة لجواب الشرط في [فانبذْ]، فإنّها لا تصحب [إمّا] التفصيلية. كلّ هذا فضلاً على أنها في الآية غير مكررة.

 قال عليّ كرّم الله وجهه يوصي ابنه الحسن: «واعلمْ أنّ أمامك عقبةً كَؤُوداً، ... وأنّ مَهبِطَكَ بها لا محالةَ إمّا على جنّةٍ أو على نار» [13]

 كنّا ذكرنا في أثناء البحث، أنّ [إمّا] تتكرّر فيقال: [إمّا ... وإمّا...]، وأنه قد يُستغنى عن تكرارها بـ [أو] فيقال مثلاً: [زُرْ إمّا دمشقَ أو بيروتَ]؛ وقول عليّ: [إمّا على جنّةٍ أو على نار] شاهد على ذلك.

 قال الجاحظ: «وتكلّم رجلٌ عند الحسن (أي: الحسن البصري/110هـ)... فقال الحسن: إمّا أن يكون بنا شَرٌّ أو يكون بك» [14]

وقد استغنى هاهنا بـ [أو] عن تكرار [إمّا].

 قال المثقِّب العَبْديّ [15]:

«فإمّا أنْ تكون أخي بحقٍّ
فأَعرفَ منك غَثِّي مِن سَمِيني
وإلاّ فاطَّرِحني واتّخِذْني
عدوّاً أتَّقِيكَ وتتَّقِيني»

 [إمّا] في نحو قوله تعالى «فإمّا ترَيِنَّ مِن البشر أحداً فقولي» [16] مرَكَّبة من حرفين هما [إنْ] الشرطية الجازمة، و [ما] الزائدة، وليست هي [إمّا] التفصيلية التي نحن بصددها هنا.

 ينجلي للمعرب إعراب ما بعدها، إذا تغافل عنها. ففي نحو: [سيسافر إمّا زهيرٌ وإمّا سعيدٌ]، زهيرٌ: فاعل. وفي نحو: [نودّع إمّا زهيراً وإمّا سعيداً]، زهيراً: مفعول به. وفي نحو: [يذهب خالدٌ إلى العمل إمّا راكباً وإمّا ماشياً]، راكباً: حال. وهكذا...


[1السجدة 32 / 2-3

[2الكهف 18/78-82

[3النساء 4/175

[4الواقعة 56/89-93

[5آل عمران 3/106

[6الجاثية 45/31

[7الضحى 93/9

[8الكهف 18/79

[9التوبة 9/106

[10الإنسان 76/3

[11الكهف18/86

[12الأنفال 8/58

[13نهج البلاغة /398

[14البيان والتبيين 4/29

[15الديوان /211، 212

[16مريم 19/26


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى