السبت ١٩ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم وهيب نديم وهبة

خطوات فوق جسد الصحراء

العتبة :

بينَ يديكَ الآنَ .. حريقٌ منْ حطبِ الكلماتِ، في مَوْقدةِ الشمسِ الحارقةِ الساقطةِ، فوقَ أرضِ الجزيرةِ العربية.
أنتَ الواقفُ أمام عتبةِ النصِّ، عليكَ الآن، أن تملكَ حرارةَ الصحراءِ في القلبِ، وكثيرًا منْ عشقِ المجدِ ..
كي يستريحَ النصُ .. بينَ يديكَ مثلَ السيفِ العائدِ من النصر .
ولكي تَجْتازَ العتبةَ، وتدخلَ معي في سَفَري، عليكَ أنْ تَتركَ هُنا كلَّ مَتَاعِ الدنيا .. وتكونُ معي في سَفَرِ التاريخِ إلى الوراء.
نقطةُ الانطلاق، زمنُ الجاهلية
نهايةُ المطافِ ، حجَّةُ الوَداع
تلكَ محاولةٌ للدخولِ في تاريخِ الحضارةِ العربية الإسلامية.

الباب :

تَفتحُ البابَ الآن .. على مهدِ الجزيرةِ العربيّة. تدخلُ مدينةَ الشعرِ ، ومدائنَ النّثر ، وصَرْحَ التاريخِ، وجسدَ الأرضِ الجغرافيا.

لا تَبْحثْ عني بينَ سطورِ الكتابِ .. هُوَ أنتَ هذا العربيُّ القادمُ إلى الجزيرةِ العربيّة.
قلتُ .. وأقولُ الآن : في تجربتي الثانية ( عن مسرحةِ القصيدة العربية)
هنا مزيجٌ لجميعِ عناصرِ الأدبِ معاً. يتوافَقُ مع النصِّ ..

هُنا تَجِدُ القمرَ والبحرَ والرَّمْلَ والصحراءَ والتاريخَ وقَدْ دَخَلَ الواحِدُ في الآخرِ حتَّى ضاعتِ الفروقُ بينَ الشعرِ والنثرِ بينَ التاريخِ والجغرافيا، بينَ المسرحِ والقصةِ وبينَ الواقعِ والخيال.

ربّما يَرْفَعُ من قيمةِ النصِّ ..
أنّني أصلُ الآن، بين حاضري وجذوري. هذا الخليطُ المتراكمُ أُسمّيهِ على طريقتي .. مسرحة القصيدة، وهنا تكون التسميةُ،
مَسْرَحةُ القصيدةِ فوقَ جسدِ الصّحراءِ

قمرٌ
فوقَ ليلِ الجزيرةْ
ويداكَ من فضّهْ
وجسمُكَ مِنْ ترابٍ
وسماؤكَ مِنْ نحاسٍ
وَعِشْقكَ من سَرابٍ.
ماذا سَتُجنِي من سرابِ القلبِ ؟
ماذا سَيأتي من غابرِ الزّمانِ ؟
 
قمرٌ
يرسمُ ظلَّ اللونِ
يلعبُ في فرشاةِ الضَوْءِ
يرسمُ بحرًا وجزيرة
يرسمُ قصرًا في صنعاءَ .. تسْكُنه أميره ..
وخيالاتٌ بعيده .. تَطلُّ من قصرِ غَمَدان ..
 
كانَ القمرُ يتنزّه في بستانِ الأرضِ
يَصْغي إلى أصواتِ أغنياتِ الماءِ
تموجُ تندفعُ تتدفقُ في أبراجِ فلكِ الرغبةِ
ويُدَحْرِجُ نصفَ الضوْءِ
فوقَ غابات الشّجرِ العالي
نِصفَ دوائرِ أشكالِ ألوانٍ لقوسِ قَزَح
تدورُ في نفسِ المكانِ
ترسمُ شكلَ الوطنِ القائمِ بينَ البحرِ وبينَ الرملِ ..
ترسمُ خارطةً على شكلِ سكينٍ
صَنَعَتْ ذاتَ زمنٍ مسكونٍ بالمجدِ
إمبراطورية عربية
حَمَلتِ الأرضَ على كفِّ السَماءِ
ويَهْمِسُ القمر .. ..
حين يندسُّ الضوءُ في الماءِ
ويَعْلو الموجُ إلى القمةِ
ويختلطُ الشعاعُ بالياسمينِ
والنورُ بالعتمةِ لتحيا الحياةُ.
 
قمر
يَرْسِمُ وخيالاتٌ بعيدهْ ..
دَخَلتْ مدائِنَ الرّخام والحريرِ
وأجواء الخيام وبراري الهيامِ ..
وبساتينِ العطورِ وغاباتِ النخيلِ
واغتَسَلتْ في ماءِ البحرِ
وانتَظرَتِ الفارسَ القادمَ من صحراءِ الجزيرة
يَغْرُزُ سهمًا في هوى القلبِ
وسيفًا في الرمالِ ..
 
نادَتْ عَليه ِ مِنْ علياءِ طاقةِ القصرِ
يقالُ : زرعَ النورَ عندَ أسوارِ المدائنِ
يقال : حينَ اكتملَ البدرُ
كان قمرُ الزمانِ
وكانَتْ بدرُ البدورِ
وكنتُ في وادٍ .. وكنتِ في وادٍ
وما بيننا كانت صحراءُ
 
صحراء
امرأةٌ كالريحِ مكشوفةُ الوجهِ
صعدتْ إلى معابدِ الشمسِ
حتى احترقتْ في مواقدِ الشعرِ والحنينِ
وانخفضتْ حتى لامَسَتْ جدائلَ الليلِ
ومغيبَ الأفقِ ..
وجسَدَ الأرضِ .. وخَرَجتِ امرأةٌ
سمراءُ
 
تساهرُ النجمَ حتى ينامَ في ليلِ الباديةِ
لمَعَتْ .. برَقَتْ .. سطعَتْ ..
مثلَ لؤلؤةٍ معلقةٍ فوق ليلِ اليمن ..
وغرِقَتْ ..
غرِقَتْ بالضّياء ونجرانُ
تغتَسِلُ بالضَوْءِ
وتسطَعُ في بهاءِ السماءِ
وتنامُ في بحيرةِ الفلكِ
 
قمرٌ
يا بدرَ البدورِ يُغطّى السماءَ
يَفتَحُ سِفْرَ التكوينِ وَرَسْمَ التلوينِ
وخرائطَ أقاليمِ الهجرةِ من مكانٍ ما
من نقطةٍ ما ..
من زمنٍ يرسُمُ في كُتُبِ الخلقِ كلامَ اللهِ
 
يَجْلِسُ سيدُ المكانِ والزمانِ
ويقرأُ في سفرِ الصحراء
ثلاثةٌ من الملائكةِ
الأوّلُ : فرَشَ الصحراءَ
الثاني : نصَبَ الخيمةَ
الثالث : عربيٌ
فرَشَ عباءَةَ السماءِ خيمهْ
وَيَخْطُو مُرتحلاً من البحرِ الأحمرِ
إلى المحيطِ الهادئ حتى خليج العرب
وشرقًا من رأسِ خليجِ العقبةِ حتى الفراتِ
 
قمرٌ
فوقَ البحرِ
مبللٌ قليلاً بالنعاسِ والمطرِ
وينتشرُ الضبابُ
غزالةٌ
تنزلُ من سُحُبِ السوادِ
تَلفُّ البحرَ في منديلِ الدمعِ
وينسكبُ نهرُ الشوقِ في وادٍ سحيقٍ
لا زرعَ فيه .. لا غرسَ لا نباتَ
 
حَنيني ليسَ على حجرٍ
على رسمٍ على القفارِ
حنيني لمن سكنَ الديارَ ..
 
خُذْني مَعك خُطْوتي في الهواءِ
أضَاعني قَدَري ..
والأفقُ في مِعْصَمِي
كان يشيرُ لي إلى الطريقِ ..
تخاصمَ في ليلِ الأعاصيرِ مع بَصَري
كانَ هواءً صار ريحًا صار إعصارًا
أين مَوْطِنُ قدمي أين الطريقُ ؟
 
خُذْني ..
أُجاوِرُ خطواتِكَ في ليلِ الغربةِ والترحالِ
 
خُذْني معكَ
أدْخُلُ خيمةَ التاريخِ
عباءَتي الشمسُ والصحراءُ يدي ..
وأصابعي أوديةٌ دائمةُ الجريانِ بالحبرِ والكتابهْ
 
خُذْني معكَ
خُطْوتي في الهواءِ
أضاعَني قَدَري وبيني وبينَ مملكتي يقِفُ الغريبُ
وقاطعُ الطريقِِ
والسيفُ والجلادُ والمقصلة
والطريقُ إلى رحابِ مكةَ طويلة
وليلٌ من الضبابِ كثيفٌ ..
زمنٌ يَرْفَعُ على رؤوسِ الرماحِ
قلعةَ الانتظارِ
وصمتَ المكانِ وعطشَ القلوبِ
 
كم انتظر َ الماءُ أنْ ينفجِرَ ) غزالٌ راكضٌ )
من بئرِ زمزمَ
في براري جفافِ الغيمِ في قرآنِ السماء ..
 
سيّدُ المكانِ والزمانِ
اتكأ على عصا من نخيلِ العراقِ ..
قلتُ : يا صحراءَ كُوني عَطشي جُوعي رُجوعي عِشقي سَفري وتِرحالي في جنونِ الريحِ في سفرِ البدويِ مرتحلاً .. ما بينَ النجم ِ وبينَ الماءِ وعطشِ الأرضِ في مواسمِ الشمسِ إلى السماءِ ..
مرتجلاً قصيدةً ما بينَ النهدِ وبينَ الأطلالِ
عطفًا على تجريحِ الريحِ من قسوةِ المكانِ
رجوعًا على ( ما الحبُّ إلا للحبيبِ الأولِ )
يا مَهْدَ الجزيرةِ العربية
 
الآن أدخلُ
من نافذةِ البحرِ إلى خليجِ عدن
زجاجةً من الخمرِ المعتّقِ
في عنقِ مضيقِ باب المندبِ ..
لن تحتاجَ أن تسكرَ حتى توحّدَ
ما بينَ الرونقِ والجمالِ
وعدن تتجسدُ ما بين اليابسةِ والبحرِ ..
 
ما بينَ البكاءِ من فرحٍ وبينَ البكاءِ ..
أبْعِدُ ذاكرتي قليلاً
عن ( أمروءِ القيس ) وهو ينتحبُ
سقطَ فرحُ الدمعِ فوقَ عدن
فوقَ إيقاعِ النشيدِ
فوق محطةٍ على طريقِ الهندِ
تستقْبلُ العائدينَ بالحريرِ
قلعةٌ من نسيج وأنسجةٌ من لونِ الفرحِ
رَسمَةٌ للوحه نُقشتْ بالدمِ حتى الحرية
قمرٌ
يا ( امروءَ القيسِ) يلمعُ مثل السيفِ
من غربِ الحجازِ وشرقًا في المدى
يمانيُ السيفِ
عدنيُ الرمحِ والقامة
وصنعاءُ تنزلُ مثل أميرة
تغسِلُ قدميها في ماءِ البحرِ
وتصعدُ حيثُ يرقدُ مجدُ الشمسِ ساجدًا
في صلاةِ حُرية يتلوها الفجرُ
 
لن أنزلَ هذا المساء
على ديارِ نجدٍ
حتى لا أبصِرُكَ يا امروءَ القيسِ
وأنتَ تبكي على طللٍ
التيهُ لعبتُك والخمرُ والهوى
عرشًا أضعْتَ
ملكًا بالطيبِ والبخورِ كان يحتفلُ
 
كأسي ليسَ خمراً ووجعي ليس ملكًا
عتبي على زمنٍ ضاع أضاعني
وضاعتْ من يدي بدرُ البدورِ ..
 
يعرفُ سيدُ المكانِ
الوقتَ والزمانَ
هنا كانوا
هنا عاشوا وتسقطُ قرنفلةٌ في كُتُب التاريخِ ..
تأخُذُني تحمِلُني على أجنحةِ الوحي
عشرةُ ملائكةٍ في خمسِ عرباتٍ
وعشرونَ جاريةً تسبَحُ بالأبيضِ
وما بين الأبيضِ والريحِ
تَرْسُمُ الجواري في فراغِ الفضاءِ
منطقةَ البحرِ الأحمرِ
 
تمرُ
منطقةُ البحر الأحمر فوق يدي
تصير طيوراً تطيرُ
تحمِلُني على أجنحةِ الشوقِ
أذوبُ في نعومةِ
الحرير….. .. ..
 
اسمعُ موسيقى اسمعُ وقعَ
خطواتِ نبيٍّ
تعبُرُ في وَهَجِ الجنّة
 
قمر
يدخُلُ وهَجَ النارِ ليلاً
يسْتلُّ من قُدرَةِ السماءِ جبروتَ الإنسانِ
ويكسِرُ حاجزاً ما بينَ البحرِ وبين البحرِ ..
ويرفَعُ مرافئَ ويُغلِقُ خلجانَ
يجمعُ فوقَ جسدِ الصحراءِ
بَحْريْنِ معًا
وتُولَدُ مدينةٌ من اللؤلؤِ
 
قمر
فوق البحرين .. كَان دَليلي
" وطرفةُ بن العبدِ " أمامي
يرفعُ فلسفةَ الدنيا من أدنى الشوقِ
المفْضُوحِ إلى القمةِ إلى الحكمةِ
 
يركضُ الزمانُ وأنتَ تركضُ على جمرٍ من لهيبٍ
منفيًا داخلَ المكانِ وخارجَ المكانِ
 
حتى بلغتَ أطرافَ " جزيرةِ العربِ "
تجْرَحُكَ الصحراءُ وأنتَ جارحُ الكفِّ واللسانِ
وصلتَ في تِجوالِكَ بلاطَ الحيرةِ
تقرّبتَ من موتِك كثيرًا
ما سكتَ اللسانُ عن الهجاءِ
وتموتُ وأنتَ تهزُّ غصنَ الشمسِ
 
لستَ وَحْدَكَ .. كَم مشرّدٍ ..
هنا هائمٌ هذا الزمان
هل يَرجِعُ التاريخُ حَفْنةً من ترابٍ في يدي
وَيُسكِنُ الأهل َ ذاتَ الترابِ ؟
 
قمر
فوق البحرين .. يغازلُ غزالةً ..
ركضَتْ من صحراءِ العشقِ إلى العرشِ
تاجًا أعادَهُ البحرُ مرصَّعًا باللؤلؤِ
كنتُ مذهولاً روعةً وسحرًا
وحدُهُ اللهُ يفصلُ ..
بين البحرِ وبحرِ السماءِ فوق البحرينِ ..
 
جئتُ مُتوَّجًا من الغيبِ
بِرَمْلِ البحرِ ورملِ الصحراءِ نبوءةً
والقمرُ الطفلُ يَحْبُو يَخطو يمدُّ يدَه فوقَ كَتِفي
ويَدنو معي فوق بلدٍ أو مدينةٍ
وينْحَني حينَ أسكُبُ فرَحي في حضنِ عاشقةٍ
نامتْ في قصرٍ منحوتٍ في الصخرِ
 
ويركضُ بفَرَحِ الغيبِ الآتي ويخْتفِي
حينَ يسقُطُ من السحابِ
ماءٌ يلعبُ على أرجوحَةِ الخيالِ
يَجْمعُ ماءَ الصحراءِ في " عيونِ العاشقاتِ "
 
جئتُ مُتوّجًا من الغيبِ
منفيًا خارجَ الوقتِ وخارجًا داخلَ الزمانِ
 
أعلنُ أن الأرضَ .. لا تستقرُّ في مكانٍ
وان بابَكَ مغلقٌ .. وطريقُك إلى السماءِ
 
عاصفةٌ تجرُفُ بحرًا
ما اغربَ البحرَ في مرآةِ الإعصارِ
يتدحرجُ مثلَ الريحِ
ويصعدُ في قَبْضَةَ الفضاءِ
ويسقطُ كأنَّ الأرضَ تُغيِّرُ جلدَها
ويحدُثُ الزلزالُ
ها هو انفجارُ " سدِّ مأرِبٍ "
يعلنُ أن الأرضَ واحدةٌ
وان النبوءةَ توقيتٌ لزمنٍ آتٍ
 
وحدُهُ الماءُ يسمِّي الأشياءَ بأسمائِها
يخلُطُ الرملَ بالأسماءِ
بالعُرْفِ بالعرقِ بالجذرِ بالانتماءِ
الماءُ يجمَعُ بينَ الأيمانِ وبين الكُفرِ
وبين العربِ البائدةِ العربِ الباقية
العربِ العاربةِ والمستعربةِ
 
قمرٌ
يسقُطُ من يدِ " البحرينِ " إلى " الربع الخالي "
تحت بصري ..
تحت بصري تسيرُ " اليمامةُ "
هي اليمامةُ لا أُهذِي
حين أمدُّ يدي أبْعدُ مني تسقطُ في كفي ..
ويسقُطُ رمل الخليجِ عن جسدي
 
تحتَ بصَري تسيرُ اليمامةُ
وتستَوطِنُ برجَ الحمامِ
تخلعُ قميصَ نومِها وتفرشُ ريشَها
وتنامُ بسلامٍ ..
 
ترتدي " الدهناءُ "
ثوبَها الفضفاضَ الطويلَ وعَصبةَ الجبينِ
وتنزِلُ في أبهى زينتِها إلى أسواقِ التجارِ
تَشترى " لبدرِ البدورِ " عباءَة العرسِ
وسيفَ " عنترةَ "
وميدانَ فرحٍ وخيولاً من نجدٍ ترْقُصُ
وطبولاً ومزاميرَ
وتَرجعُ إلى قصر السلطانِ
تنتظِرُ " قمرَ الزمانِ " أن يطلعَ في ليلِ الغربةِ
وأنا في الربعِ الخالي مكاني
 
قمرٌ
فوقَ ربوعِ " الربع الخالي "
فوقَ البراري والقفارِ
لا يُشبِهُ شكلَ الأرضِ في التشبهِ
 
قطعةٌ من نارٍ سَقَطَتْ ذات زمنٍ مِنْ آلهةِ الشمسِ .. جَعَلَتْ الأخضرَ جسدًا مقتولاً
والمكان .. أمسى رمادًا
نقشَتْ بلغةٍ حمراءَ لونَ الرِّمال ..
 
لا يسهرُ في ليل ِ " الربع خالي "
إلا مَنْ هَجرَ في موسمِ المطرِ إلى خصْبِ المكانِ
* ارضٌ لا يمْلُكُها أحدٌ في الجزيرة العربية
 
أُسْنِدُ رأسي على فراغِ الفضاءِ ..
اعرفُ أسماءَ الرملِ والحَصى وأصدافَ البحرِ
والكهفَ ومغارةَ الجن
وتأبّط شراً " والغولَ ”
اعرفُ أن إقدَامك فوق الأرض هباءٌ
وما ملكَتْ يداك
وان كلَّ الأرضِ وما عليها هي الربعُ الخالي
 
وأنا وسيّدُ المكانِ في نفسِ المكانِ
مكاني
أخاطبُ خمسةً من ملائكة الرحمةِ
وسبعةً من ملوكِ الجان ..
تيجانٌ تسقطُ أعمدةٌ تَصعَدُ أصواتٌ تَنزِلُ
تجلسُ كمثل الملوكِ فوقَ مقاعدِ الرياحِ
 
صوتي فوهةُ بركانٍ تجرَحُ تُخْرِجُ صيحاتِي .. وتركُضُ أمامي أوجاعي وعذاباتُ الرحيلِ
 
يأخذُ الربعُ الخالي من صلصالِ الطينِ
طينةً أخرى يتشكّل منها جسدي ..
 
الجن الأول : ينحتُ صنمًا من حجرٍ يعبدُ
اللات أو العزى أو مناة
الجن " الثالث" " والرابع " يناجيانِ جنيةً على عتبةِ بابِ معبدٍ تعرّت كمثل السيفِ على الرقبة
وحارسانِ أمامَ البابِ
كجسدِ الصحراءِ قامةٌ
 
والجن " السادس" " والسابع "
الأول : يشعلُ نارًا
والثاني : يسرقُ النارَ ويبعثرُ الدخانَ في أرجاءِ المكانِ
والملائكةُ على أجمَلِ غصن بان
تهمِسُ للهوى .. للهدى
نبيًا سيأتي افرشوا الصحراءَ بالوردِ
بالمسكِ والزعفران
 
وتطيرُ الملائكةُ الخمسةُ بين اللغةِ والمعنى
تحطّ على سُعفِ النخيلِ ..
تشدو ..
لهذا النغمِ ترانيمُ صدى موسيقى السماء
شئٌ يأتي في فَرَحٍ
يعزِفُ على وترِ الريحِ
صحراء
 
يسيرُ الربعُ الخالي على إيقاعِ خطواتي
يقودُني يأخذُني من ذراعي ويَعْلو
يَعلو في الفضاءِ
يَسْبحُ بين البصرِ والبصيرةِ
من شواطئِ " المحيط الأطلسي " إلى تخومِ الصين
 
أتشبّه بما يُشبِهُني من جنانِ دنانِ النفسِ
أتشبّه بماءٍ يَمزِجُ روحي
ويشكّلُ تكويني وتكوينَ المكان *
من " سقراط " الينابيعِ
من " أر سطو " المنطقِ والحكمةِ
 
يجلسُ " أفلاطون " بقميصِه الجسماني
فوق عرشِ " الجمهورية " يهندِسُ الكونَ
يفتحُ أزرارَ قميصِ الأرضِ
يتأملُ ما صنَعَتْ يداه
تدفقتِ الينابيعُ حضارةً
ونطقَتْ بالحكمةِ حتى جفافِ الواحاتِ
صحراء
 
صحراء
وسيدُ الزمانِ على كرسي العرْشِ
يعرفُ أسرارَ جوهرةِ الذاتِ النفسِ
 
* حضارةٌ ساميةٌ ازدهرَتْ على ضفافِ الرافدين وفي وادي النيلِ .. وعلى شواطئِ البحرِ المتوسطِ الشرقيةِ
 
لو اجتمعَتْ كلّ عناصرِ الكيمياءِ
في تركيبةِ الزئبقِ والماءِ
تولدُ لغةٌ واحدةٌ رَفَعت الدنيا
من الحضيضِ إلى القمةِ وغربُ " صنعاءَ "
جبلٌ يعلنُ حضورَ " النبي شعيب " إلى مدين
 
الآن امزُج بين طباعِ الخيرِ وفعلِ الشرِّ
بين نوايا ربيعٍ يأتي
وجفافٍ يَغمُرُ نصفَ كوكبِ الأرضِ ..
 
يمزُجُ ما بين الأرضِ العتبةِ إلى السماءِ
وما بينَ الأرضِ الحكمةِ
قناديلُ كلامٍ في زمنِ النبوءاتِ
 
تعلو في الفضاءِ خَطَواتي
وسيدُ المكانِ أمامي
أصعَدُ قليلا --- أو كثيرًا
كي تراني فوقَ مدين
حاملاً العمودَ الفقري للجسدِ الأرضِ
تلكَ صَحْرائي .. ..
تلك صَحْرائي
 
* وسلسلةٌ من جبالٍ امتدّتْ
تحتَ قدمي محاذيةً للساحلِ تسيرُ إلى الغربِ في شرايينِ " الصحراء "
 
قمرٌ
فوقَ السرابِ
هو السرابُ رسمٌ على نحاسٍ
رَسْمٌ على اسمٍ على وَشْمٍ
يشدّني إلى بزوغِ الفجرِ الآتي من سراديبِ الظلامِ
 
لوحُ وصايا للنبي نَقَشَ الكتابةَ
فوقَ كثبانِ رمالِ الصحراءِ
وكلما أشرقَتْ شمسٌ
تراءى للقادمِ أن نبيًا يسيرُ هُناك
 
إهبِط من عُلاكَ
كي تراني كي أراكَ
كي تُدرِكْ مدى عمقِ السكّين في قربِ المسافةِ
مساحةُ الجرحِ
أن التاريخَ يتقمصُ ثانيةً
في رحمِ الأرض
 
الأرضُ الجنة
دخلَتْ ذاتَ زمنٍ جهنمٍ
وخرجَتْ جحيمًا لا يُطاق
اهبِط كالوحي قليلاً أو كثيرًا من علاكَ
ذاكرتي قميصُ دمٍ
يَجرى تحتَ حوافرِ خيلِ
" داحسَ والغَبْراء "
 
لكَ يا عدي بن ربيعة التغلبي
" حربُ البسوس "
ويدخلُ في سيفِ " الشنفرى "
مزاجُ الرملِ في غضبِ الشمسِ
ونقمةُ الإعصارِ في أوجِ الدمارِ
لكَ زجاجُ القلبِ مرآةُ البدويِ
الصبرُ والكرامةُ وعزّةُ النفسِ والمروءةُ
لكنّ التاريخَ يتقمّصُ ثانيةً
في رحمِ الأرضِ تلك هي المأساةُ
 
تلكَ هي المأساةُ .. كتلةٌ من الخطايا ..
تجمَّعَت كزانيةٍ في غريزةِ الجسدِ
وصعدَت إلى شرايينِ اليدينِ
قتلتْ دمَّرَت حطَّمَت
مدائنَ الحريرِ المعلقةِ في خيالِ السماءِ
 
كلُّ شئٍ ها هُنا
يأخذُ منّي خُطوتي إلى الأمام
اهْبِطُ من سماءِ الكلام
" الصحراءُ الغربيةُ "
جنوبًا على الأطلسي " المغرب العربي "
جنونًا على عشقِ " العيون "
تأتي صبيةٌ من جزرِ الكناريا في اتجاهِ النظرِ
تأخُذُني في دفءِ عاشقةٍ إلى " الساقيةِ الحمراءِ "
بصماتُ عَبَقِ التاريخِ يفوحُ هناكَ في الشمالِ
يَدي ما عانقتِ الريحَ
كانَتْ تَنْزِلُ عندَ خَصْرِها إلى
" وادي الذهبِ "
وترتفعُ يدي وأنا في الجنوبِ
وهي تَدخلُ إلى منطقةِ " الداخلةِ "
أنتِ لي ..
مدينتي القادمةُ من إسبانيا
 
أدخلُ شفافيةَ اللغةِ العاشقةِ
" الصحراءُ الغربيةُ "
قطعةٌ منَ السماءِ
لا تعرفُ المغيبَ
تكونُ عندَ المساءِ
شمسًا قمريةً تفرُشُ جدائِلها
جديلةً جديلةً فوقَ البحرِ
هي المغربُ ..
 
هي المغربُ ..
لا تنامُ حينَ تَغْلِقُ بابَ الفجرِ
تفتحُ للفجرِ الآتي بابًا
لا تدخل منة
بل تخرجُ جراحُ الأمس
 
أدخلُ في بوتقةِ الزمنِ الحاضرِ
وأنا الهاربُ من زمنِي
الداخلُ في جلدي
أبحَثُ عن موطنِ قَدَمي
من أوّلِ إسفارِ العشقِ في التكوينِ
من أوّلِ أخبارِ التكوينِ في صورةِ تكويني
كان عالمي أوسعَ
من مدى بصَري
أبْعَدَ من مَرمى يدي واكبرَ من جسدي
يضيقُ هذا الليلُ قَميصي كثيرًا على بدني
 
ربّمَا كانتِ الصحراءُ قميصي .. لا ..
هي الصحراءُ
لا .. لا يكذبُ نجمي
كنتُ أوّلَ الداخلينَ
وآخرَ الخارجين
لا يكذِبُ نجمي .. لا يكذبُ نجمي
أوْدَعَني النجمُ السرَّ
في مُكاشَفَةِ الصحراءِ
في غيَاهِبِ فلكي
قطعةٌ من السماءِ سقَطَتْ وكانت ..
" المغربُ العربي "
 
قمرٌ
يسبَحُ في فلكٍ مسحورٍ ..
احرُسِيني
يا جَوهرةَ الضَوْءِ الساطِعِ بين مساراتِ النجومِ
تؤسّسُ مملكةً للنورِ القادمِ في حضاراتِ الشعوبِ
 
للضوءِ الطالعِ
في شَرْنَقةِ النجمِ في كتبِ التنجيمِ
للعبادِ التي ترنو إلى هالاتِ النورِ
 
ظلّليني ..
يا خيمةَ البدوي الراحلِ
بين قفارِ الجفافِ وقحطِ المكانِ
بظلِّ الماءِ وعِشبِ المراعي
 
نبتَتْ لتوِّها نبتةٌ وسطعَتْ نجمةٌ
برقَتْ مثل الرمزِ في خيالي
أين نباتُ الأرضِ من نباتي
 
أيّها القمرُ
السابحُ في الفضاءِ
يسبَحُ فيكَ " بحرُ الأمطارِ " أنتَ الغامضُ
الساكنُ في المجهولِ
لا شئَ يولدُ إلا في باطنِ الأشياءِ
أدخلُ في مداراتِ " أفلاطون " ذات القاعِ المظْلمِ
بين " بحرِ الأمطارِ " " وبحر الصفا "
واسقطُ من عواصفِ البحار إلى " بحرِ السكونِ "
 
يا أيُّها القمرُ المعلقُ سؤالاً وعلامةَ استفهام ؟
وأنا الحاملُ عبءَ الطريقِ وهمَّ السؤالِ
 
أخرُجُ من مساراتِ السماءِ
احملُ نجومي من سمائي حروفًا
غامضةَ الشكلِ والألوانِ
تفتحُ " سيدةُ الرمالِ " يدَيها
دائمًا أخرجُ من تحتِ يديكِ
جاهلاً تراكيبَ الرملِ في خيالاتِ الفصولِ
أخرجُ من أقاليمِ الفصولِ
أغصاني أوراقي اكبرُ من مملكةٍ على عرشِ السؤالِ
 
يَجلسُ سيّدُ الزمانِ
على حجرٍ متروكٍ لمعبدٍ وثني
يكتبُ فوقَ الرملِ
يُعْلِنُ : سيدُ الأرضِ
سيأتي يهتفُ باسمِ الواحدِ الأحدِ
سيأتي الصوتُ من الغارِ
من أعالي " جبلِ حراء "
وتكونُ ليلةُ القدرِ
 
صَلصَلةُ أجراسٍ تتدلّى
موسيقى من ذهبٍ
وحي الله
في ليلةِ السابعِ والعشرينِ من رمضانَ
برسالةِ التنويرِ وعصرِ الإنسانِ
 
سيأتي من عبادِي
يَسكبُ في النفوسِ
ماءَ الحكمةِ كالدمِ في الشرايين يسرى
وتجرى في عتماتِ النفس وظلماتِ الوجودِ
نورًا يُشرِقُ فوقَ الكونِ في صلاةٍ أبديّة
 
سيأتي حاملاً نهجَ البلاغةِ
كلامٌ يشبه السحرَ وما هو بالسحرِ
داخلاً عوالمَ العالمِ وأقاليمَ البلدانِ
مهاجرًا في شريعةِ التوحيدِ
وتحطيمِ الأصنامِ الأوثانِ
 
أنظُرُ ..
حجرٌ متروكٌ لمعبدٍ وثني بدايةُ الزوالِ
كلُّ مَتاعٍ على وجهِ الأرضِ زائلٌ
وعرشُكَ باقٍ عرشُ الله
 
أين أنتَ الآنَ من خطواتي
من سَفَري وهِجرتي وتِرحالي
أين أنتَ الآن من عُرْسِ الأنجمِ في سمائي
مملكتِي ليسَتْ في معبد وثني
وصلاتي وحياتي ليسَتْ من نسيجِ خيالي
خطوتي ليستْ في الريحِ
ليست في فراغِ الفضاءِ
 
سمعُ نشيدَ النخيلِ في إنشادي
اسمعُ ملائكةً تهتفُ باسمكَ
وعبادٌ تشهَدُ أو تستشهدُ باسمِكَ
في لحظةِ خلقٍ ألوهية
 
فتحتِ السماءُ أبوابَ الجنّةِ
وخرجَت للعالمين رسولا
من أبواب سماءٍ عُلوية
هتفَ صوتُ جبريلٍ في الغارِ " زملوني "
هو صوتُ الحقِ يهدُرُ كالعاصفةِ
هو أنتَ سيدُ الأرضِ
خرجتَ رسولا
وأُنزلَ عليك الكتابُ
* اقرأ باسمِ ربّك الذي خَلَقْ
 
قمرٌ
في ملكوتِ سماءِ الكلماتِ
في البدءِ دخلَ في حالاتِ الماءِ سحابةً
تَجمَّعَ السحابُ
حزمةً من نورٍ ونورًا من نارِ
واستوطنَ اللؤلؤُ في كتابٍ
نزلَ الضوءُ فوقَ كوكبِ الأرضِ
مطرًا من كلامِ الله
من أوّل بستانِ الدنيا حتى جحيمِ النارِ
ملكوتُ الأرضِ خالدةٌ في كلماتٍ
 
تجمَّعَ السحابُ فوق سمائي
مسائي قميصٌ شفّافٌ ازرقُ
يُغطّى جسدًا مبتلاً ابيضَ
يَعْرِفُ أن الغيمَ سيمطرُ
بالأحمرِ يهزُّ بستانَ الأرضِ
 
كانَ الكونُ في خيالِ اللهِ فكرةً
وكانَ الخلقُ أعجوبة مباركٌ ما صنَعَت
 
ليكن مباركًا ما صَنَعْتَ
وخلقتَ لي يدين من فضةٍ
وجسمًا من ترابٍ
كي أعودَ إليكَ
كما خلقتني من ترابٍ
 
سبحانَ من رفعَ السماءَ بلا أعمدةٍ
وبسطَ الأرضَ
وفرَشَ ونقشَ ورسمَ الصحراءَ
بلونِ النورِ
سبحانَ مَنْ صَوَّرَ وَكَوَّنَ
وقالَ للشيءِ كنْ فيكون
يكونُ .. بحرًا
ويكونُ .. رملاً
وتكونُ هي صحراءُ
أخرجَتْ للعالمين نبيًا
وتكونُ هي الصحراءُ
ممتدةٌ كعروقِ يدي
من عدن إلى فارس إلى العراقِ إلى باديةِ الشامِ إلى بحرِ الروم إلى البحرِ الأحمرِ إلى قلبي
 
تتوقفُ الجيادُ فوقَ ارضِ نجدٍ
جسدًا بِلا حِرَاك ..
والإبلُ وبقرُ الوحشِ والسمرُ الوحشيةُ
والذئابُ والنعامُ والقطا ..
تصمتُ في جلالِ
صمتِ الحركةِ
 
الصمتُ تابوتٌ
من الذهبِ الخالصِ لامرأةٍ ما خُلِقَتْ
والصمتُ عقدٌ مرصّعٌ من الياقوتِ
سرقَهُ البحرُ سرًا وأدْخَلهُ داخلَ التابوتِ
 
قمرٌ
لا يَحلَمُ فوقَ مكة
يهجرُ المكانَ في سكونِ صمتِ الحركةِ
ويدخلُ بلادَ الحبشةِ
 
تغلِقُ " قريشُ " طوقَ الاختناقِ حولَ أعناقِ المسلمين ويخرجُ سيّدُ الأرضِ
كما تخرجُ البذرةُ من التربةِ
وينبعثُ الصوتُ من مئذنةٍ
كما ينبثقُ الضوءُ من العتمةِ
 
هذا الزنجيُّ من الأحباشِ
يرفعُ الآن الأذانَ فوقَ مئذنةٍ حبشيّةٍ
مَرحى بلالُ مَرحى بلالُ
يشربُ القمرُ الحالمُ هذا المساء
ماءَ الصوتِ
في آيات اللهِ مرحى بلالُ
لكَ المجدُ
لكَ ما بسطَ اللهُ من الوحي
ما انزلَ من الحكمةِ
ما أبدعَ في التنزيلِ
 
قمرٌ
لا يَحلمُ فوقَ الحبشةِ هي ليلةُ الإسراءِ
سيّدُ الزمانِ يفتحُ سماءَ العرشِ
يدخلُ سيّدُ الأرضِ في غياهبِ الغيبِ
 
( لقد صليت معكم العشاء الآخِرَة ثم جئت بيت المقدس وصليتُ فيه )
ثم يسجدُ فوقَ عرشِ اللهِ
و .. ويدخلُ السماءَ السابعةَ
 
* ثم حمَلتْهُ دابةٌ عجيبةٌ هي البراقُ لها وجهُ المرأةِ وأجنحةُ النسرِ وذنبُ الطاووسِ إلى السماءِ السابعةِ
 
قمرٌ
يصعدُ في ..
صعودِ المعراجِ ويحطُّ فوقَ محطةٍ
هي رحلةٌ فوقَ صخرةٍ تنطقُ الصخرةُ كما الصحراءُ
باسمِ اللهِ في بيتِ المقدسِ
 
تجمَعُ القدسُ شراشِفَ الحريرِ
وتنامُ عندَ الفجرِ مسلمةَ
الروحِ والجسدِ فوقَ زنودِ مكة
 
صخرةٌ هنا قبةٌ وهناك كعبةٌ مشرفةٌ
يعودُ القمرُ من البعيدِ البعيدِ
 
تغفو عيناي قليلاً
يأخذُني القمرُ يطوفُ بي يَعْلو
كما تعلُو إلى السماءِ المعجزةُ
يعتصرُ رملَ الصحراءِ
مطرًا
وينسكِبُ في كوؤسِ الريحِ غبارًا
 
يدخلُ سيّدُ الأرضِ في صلاةِ الغيبِ
ويرفعُ بلالُ الأذانَ فوقَ مئذنةٍ
تطلُّ على الدارِ البيضاءِ
 
أصحُو على صهيلِ القمرِ يناديني
أن ادخلَ في سَفَري
أن اجعلَ مكةَ
قِبلتي وطريقِي
 
قمرٌ
كان دليلي
وليلي على سفرٍ وقوافلُ الراحلينَ
" إلى يثربَ " تشنُقُ حبالَ الخيامِ في أوتادِ النخيلِ
وتفوحُ رائحةُ الطيوبِ على طريقِ
القوافلِ القادمةِ من " اليمنِ " إلى " الشامِ "
 
أقول : ثريا في خيالِ غسقِ الصحراءِ
يقولُ : سيدُ الزمانِ والمكانِ ( ى ث ر ب ) في نقوش سَبَأ
يقول : بطليموس " يثريا "
أقول : ثريا في خيالِ عشقِ الصحراءِ
 
قمرٌ
فوقَ " الثريا " يُصبِحُ بدرًا في عامِ الهجرةِ
يرفعُ من موقِعِه بدرَ مقامِ المعجزةِ
ويشقُّ عتمَ الليلِ يفتحُ عهدَ منارةِ
النصرِ
تخطو قَدماكَ هَا هُنا
تَنزَلُ الثريا من السماءِ
وتصبِحُ " المدينةُ المنورةُ "
 
وقفتُ ساجدًا على أعتابِ نرجسِ الزمانِ
اعرفُ ميلادَ الزهرِ والعشقِ والأقحوانِ
اعرفُ الطريقَ إلى " المدينةِ المنورةِ " والعودةَ ..
من هجرةِ غربةٍ ليسَتْ مستحيلةً.
قدومُ قدميكَ ها هنا ليسَ مستحيلاً ..
هي لحظةٌ .. ما بين صلاةٍ وصلاة
أن يدخلَ القلبُ نورَ الأنوارِ
وتشرقُ مكةُ ..
 
الشمسُ هناك موقدةٌ " للخبزِ العربي "
رغيفٌ للعشقِ
رغيفٌ للجارِ
رغيفٌ للعابرِ ..
" فأما اليتيم فلا تَقهر أما السائلُ فلا تنْهر "
قمرٌ
يدخلُ كالريحِ بينَ أصابعي
يرفعُ أصابعي الخمسَ في الهواءِ
ويُشيرُ " سلمان الفارسي" بحفرِ خندقٍ حول المدينة
 
خرَجتِ الوثنيةُ لحربِ الله
وخرجتَ أنتَ من عندِ الله رسولاً منصورًا
لكَ يومُ الجمعةِ للصلاةِ
وشهرُ الصومِ في رمضان
والحجُ إلى الكعبةِ ولثمُ الحجرَ الأسودِ
وتشرقُ مكة ..
سيّدةُ الأرضِ الحبيبة
طَوْعَ يديك مؤمنةٌ
اسرجْ خيلَكَ ترجّل
ما زالَ أمامَ الليلِ سَفَرٌ
ما زالتِ الطريقُ طويلةً والليلُ قمراً
وعرباتُ النعاسِ تحمِلُ النجومَ عرائس من نورٍ
وتصعدُ من وادي " منى "
وتنامُ فوقَ قِمَمِ جبلِ " عرفات "
 
نمْ قريرَ العينِ إلا من هواكْ
طالَ السهادُ بمقلتي والنومُ جفاكْ
جفناك على بهاءِ سناك
وعشقكَ ليسَ عشقَ قيسٍ
على وردِ " ليلي " على جمرِ نهدٍ
وقيسُ على بحرِ حبٍ
يحاكي الجنونَ
 
جُنوني في سَفري طفل شُرّد مني ذاتَ زمانٍ
تحرّرَ من قبضةِ الزمنِ لعبَ بالوقتِ إلى الوراءِ
جمعَ عقاربَ الساعةِ ودورانَ الزمنِ في حقيبةٍ
هي خيمةٌ منصوبةٌ في تلالِ " الوادي الخصيب "
وسافرَ في التوقيتِ الآتي . .
تركني معلقًا
لا ارضَ تجمعُني
لا سماءَ تأويني لا وطنَ يأخذُني
ويَمضي في سَفَري
سواك سواك يا قمري
ردّ لي من ليالي شهرزاد
قمرَ الزمانِ وبدرَ البدورِ يا قمري
 
أضعُ يدي فوقَ غيمةٍ
هي خيمة ٌ راحلة ٌ
ابحثُ عن موطنٍ لقدمي
تغتالُ في جنونِ الوهمِ تاريخي وجنوني كان في سَفَري نمْ قريرَ العينِ أدركني الصباحُ
 
تتوقفُ الجيادُ ظهرًا عندَ النبعِ
جيادُهم هي المهرُ الأصيلةُ
يا وقعَ الريحِ على جراحِ القصيدةِ
 
تتوقفُ جيادُهم عندَ النبعِ
سلامًا : على " بئرِ زمزمٍ " وعلى " الرسولِ "
سلامًا : على لغةِ الماءِ في التفسيرِ ولغة الظمَأ
وجوعِ الأرضِ إلى ينابيعِ السماءِ
 
ينحدرُ ماءُ النبعِ بين يديكَ
في صلاةٍ باسمِ اللهِ
باسمِ الرحمنِ الرحيمِ
 
حمدًا لجنوني يتركُني هذا النهارُ
كي تقرأ يداي لغةَ الماءِ في آياتِ البحرِ والعواصفِ
حمدًا للباري
الذي أبقاني
كي اكتبَ وصيةَ الصحراءِ
 
العبادةُ مصابيحُكَ المضاءة
نجومٌ من شعاعٍ
حمَلَتْ جوهرَ الأسماءِ
ومكنونَ الدنيا والآخرة
 
كنتُ على أعتابِ مكة
أهزُّ قرصَ الشمسِ ..
وكانت " مكةُ "
تَنزِلُ مثلَ عروسٍ في ليلةِ فرحٍ
في هودجِ ذهبٍ
في ليلةِ عرسٍ
من عنانِ السماءِ
 
هي لحظةُ الوجدِ في التوحيدِ
ما بينَ الخلقِ والخالقِ
ما بين كتابِ اللهِ
وكتابِ الماءِ والحرمِ الشريفِ والكعبةِ
هي لغةٌ لا تعرفُ إلا الرمزَ
ما بينَ الناسخِ والمنسوخِ والظاهرِ والباطنِ
 
هي لحظةُ خلقٍ في التكوينِ
فتَحَتْ فيها " هاجرُ وإسماعيلُ " كتابَ الماءِ
فكانت بينَ يدي المصلين زُلالاً
 
هي لحظة خلقٍ في التكوينِ
أن تعودَ إلى مكة
وان تكونَ «حجةُ الوداعِ»
لا اله إلا الله

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى