الأربعاء ٢٧ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم جميل السلحوت

ومضات عن التراث الشعبي المقدسي

من الصعب الحديث عن التراث الشعبي المقدسي دون الحديث عن التراث الفلسطيني بشكل عام، وحتى التراث العربي، فالقدس ليست عروس المدن الفلسطينية فحسب، بل هي عروس مدن بلاد الشام قاطبة، فهي مركز استقطاب حضاري تعددي، تعاقبت عليها حضارات عدة، وإن طغى عليها التراث العربي منذ أن بناها اليبوسيون العرب قبل الميلاد بثلاثة آلاف عام، وترسخت الحضارة العربية في المدينة المقدسة منذ الفتح الاسلامي وحتى أيامنا هذه، ومع كثرة الاحتلالات والغزوات التي تعرضت لها المدينة، إلاّ أن التواجد الفلسطيني العربي لم ينقطع عنها يوماً واحداً رغم كثرة المذابح التي تعرض لها المقدسيون الفلسطينيون، وأشهرها المذبحة التي ارتكبها الفرنجة عند احتلالهم للمدينة في العام 1099م.

وأبرز المعالم التراثية في القدس هي دور العبادة فيها، التي تمثل روائع هندسية جمالية إضافة إلى مكانتها الروحية، وأبرز دور العبادة هذه هو المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة ومسجد عمر، وعشرات المساجد والزوايا والتكايا التاريخية الأخرى، وكذلك كنيسة القيامة، وكنيسة العذراء، وكنيسة الجثمانية، وعشرات الكنائس والأديرة الأخرى.

ويجب أن لا يغيب عن البال أن المدينة القديمة الرابضة داخل سور المدينة التاريخي تشكل إرثاً حضارياً للانسانية جمعاء ، فهذه المدينة بشكلها الحالي بناها المماليك في القرن الثالث عشر الميلادي ، وسورها التاريخي بناه الخليفة العثماني سليمان القانوني في بدايات القرن السادس عشر الميلادي، وطبيعة «الحوش» المقدسي وما يحويه من غرف ومساطب وباحات وساحات بحدّ ذاته تحفة معمارية نادرة ، كما أن أسواق القدس وأزقتها وأقواسها وقبابها ومآذنها تأسر القلوب وعقول السائحين ، ومع أن القدس القديمة من المدن المحمية من منظمة الأمم المتحدة للعلوم والثقافة " اليونسكو " إلاّ أن ذلك لم يحمها من المحتلين الاسرائيليين الذين هدموا حارة المغاربة المحاذية للحائط الغربي للمسجد الأقصى وحارة الشرف وحارة النمامرة ، فور احتلالهم للمدينة في حرب حزيران 1967 وشردوا مواطنيها ، وبنوا مكانها أبنية حديثة للمستوطنين اليهود ، شوهت المنظر التاريخي والحضاري للمدينة ، عدا عن جرفها لمئات الأبنية والمساجد والمدارس التاريخية ، ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بحفريات أثرية تحت المدينة مزقت أحشاءها في محاولات بائسة للبحث عن آثار يهودية وعن بقايا للهيكل المزعوم .
والقدس التي اشتهرت في صناعة الصدف والأخشاب والبلاط والمزايكو ، اندثرت فيها هذه الصناعات ، وما الذي نراه في محلات التحف والهدايا والمعروض للسائحين إلاّ من صناعات بيت لحم وبيت ساحور.

متحف دار الطفل العربي:

وفي محاولة من مؤسسة دار الطفل العربي لانقاذ ما يمكن انقاذه من تراث القدس ، فإن المؤسسة لجأت الى تأسيس متحف متواضع يحوي بعض الموجودات التراثية من صناعات وأدوات صناعية وزراعية ، وأثواب مطرزة .

مركز التراث:

وهذا المركز يتبع جامعة القدس ، وهو موجود في منطقة الواد في القدس القديمة ، ويعنى ببعض الدراسات حول القدس ، كما أن فيه فرعا للدفاع عن الحقوق المقدسية.
المتحف الاسلامي : وهو متحف في رواق المسجد الأقصى ، وفيه بعض الموجودات القديمة جداً ، كما أنه يحوي قسماً لترميم الآثار القديمة.

مكتبة الأقصى:

وهي مكتبة موجودة في مقرين أحدهما تحت المسجد الأقصى والثانية في رواقه وتحويان على مئات آلاف الكتب القديمة والحديثة.

مركز التراث والبحوث الاسلامية : وهو موجود في أبو ديس ، وقد صدرت عنه عشرات الدراسات القيمة حول المدينة المقدسة.

التراث القولي – الأدب الشعبي:

يجدر هنا التذكير بأن تراث المدينة الفلسطينية بشكل عام وتراث القدس المديني بشكل خاص لم يلقَ الاهتمام اللازم ، فلم يتم جمعه كما لم يتم تدوينه لأسباب كثيرة لسنا في مجال طرحها في هذه العجالة ، وإن كان التذكير بمثابة دعوة الى المؤسسات المقدسية الى ضرورة التعجيل في القيام بهذه المهمة ، لأن هذا التراث مهدد بالاندثار نتيجة تطور الحياة وأسباب أخرى .

في حين أن هذا التراث لقي بعض الاهتمام في بعض قرى القدس ، فعلى سبيل المثال قام جميل السلحوت – كاتب هذه السطور – مع الدكتور محمد شحادة بجمع الأغنية الشعبية في السواحرة – جبل المكبر – ونشراها عام 1982 في كتاب بعنوان – صور من الأدب الشعبي الفلسطيني – كما صدر كتاب لجميل السلحوت عن القضاء العشائري ، وكتاب عن الصراع الطبقي في الحكاية الفلسطينية ، وكتاب عن " بعض القضايا الاجتماعية في الحكاية الفلسطينية " وصدر كتاب لمحمد فهد الأعرج عن القضاء العشائري أيضاً كما صدرت كتب عن قرى أبو ديس ، بيت حنينا ، قطنة ، وبيت صفافا ، وهذه الجهود الفردية غير كافية أيضاً ، وهي بحاجة الى تطوير والى مؤسسات تدعمها .

الأعراس :

يلاحظ طغيان اقامة الأفراح وحفلات الأعراس في القاعات العامة ، وقاعات الفنادق ، واستعمال أغاني الراديو وبعض الأغاني الأجنبية للرقص على أنغامها بدل الأغاني والدبكات الشعبية ، وهذه القضية ليست مقتصرة على القدس فقط بل تتعداها الى كافة المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية .

الفرق الشعبية :

تلجأ بعض الأندية والجمعيات الى تشكيل فرق للغناء والدبكة والرقص الشعبية للمشاركة في بعض المناسبات والاحتفالات الجماهيرية ، ومن هذه الأندية نادي جبل الزيتون ، نادي سلوان ، نادي جبل المكبر ، نادي شعفاط .. الخ ، وتشكيل الفرق الشعبية أيضاً ليس حكراً على مؤسسات القدس بل هو موجود في بقية المناطق الفلسطينية ، ولعل جهود جمعية انعاش الأسرة في البيرة متعددة الجوانب تتقدم على كافة المؤسسات بشكل واضح.

اللغة العربية:

نظراً لعزل القدس عن محيطها الفلسطيني وامتدادها العربي ، وسياسة التهويد المسعورة التي تستهدفها ، فقد انعكس ذلك ثقافياً ولغوياً على مواطنيها ، خصوصاً جيل الشباب منهم ، فقد أصبح شائعاً أن تسمع في السيارات التي يقودها الشباب أغاني عبرية صاخبة ، كما أن استبدال بعض الكلمات العربية بعبرية شائع أيضاً مثل كلمة : محسوم بدل حاجز ، ومثل كوبات حوليم بدل صندوق المرضى ..الخ

الزيّ الشعبي:

يلاحظ في شوارع القدس ، وحتى في جامعة القدس بعض الشابات يرتدين الزيّ الشعبي الفلسطيني المطرز ويغطين رؤوسهن بالكوفية الفلسطينية ، كما أن بعض الشباب أيضاً يضعون الكوفية على رقابهم ، وهذا أمر طبيعي كرد فعل لإثبات الهوية الفلسطينية المهددة في القدس.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى