السبت ٢٤ نيسان (أبريل) ٢٠١٠
بقلم جوني منصور

حيفا ويافا تأبيان نسيان النكبة

افتخر دافيد بن غوريون في مطلع شهر نيسان من العام 1948 بما أنجزته عصابة الهاغاناه التي كان يقف على رأسها في احتلالها عشرات القرى الفلسطينية في عدة مواقع من فلسطين وطرد وإجلاء سكانها عنها والسيطرة على أراضيها وممتلكات سكانها. وكانت هذه الموجة الأولى فقط من مسلسل المشروع الكبير الذي وضعته القيادة الصهيونية لتنفيذ اكبر تطهير عرقي عرفته فلسطين في العصر الحديث والمعاصر. أما الموجة الثانية فكانت تنفيذ هجوم مخطط له مسبقًا على المدن الفلسطينية وعلى رأسها بل في مقدمتها يافا وحيفا.

يافا وحيفاـ أجمل عرائس فلسطين

المدينتان الفلسطينيتان |هما عبارة عن بوابة فلسطين نحو الخارج لكونهما ميناءين مهمين. أضف إلى أنهما تشكلا معًا مراكز حضارية مركزية ذات أثر بالغ في تشكيل المشهد الحضاري الفلسطيني المعاصر الآخذ بالتطور والتقدم والازدهار يوما بعد يوم، حتى أن حيفا ويافا نافستا كبريات مدن البلاد العربية كبيروت ودمشق وفي بعض الحالات بغداد والاسكندرية بما قدمته من حياة اجتماعية وثقافية وبما وفرته من حاضنة لنشاطات ثقافية وتراثية وموسيقية وصحافية ومدرسية ورياضية وغيرها. إن المدينتين وبحق شكلتا موردًا ثقافيًا اعتزت به فلسطين بواقعها في ذلك الوقت، ونعتز بهما بواقع حضورهما الإنساني والتاريخي والوجودي.

نظرة المؤسسة الصهيونية إلى المدينتين

اعتبرت القيادات الصهيونية السياسية والعسكرية أن بقاء مدينتي يافا وحيفا بيد العرب كارثة كبرى للمشروع الصهيوني، لذا فإن تصفية هاتين المدينتين هو في حد ذاته مساهمة كبيرة في نجاح هذا المشروع، وبالتالي يؤدي إلى إضعاف أي محاولة فلسطينية لإعادة بناء المدينة الفلسطينية من جديد. بمعنى آخر فإن تصفية حيفا ويافا هو في حد ذاته تصفية للحياة المدينية الفلسطينية، وتحويل الفلسطينيين في هاتين المدينتين والقرى المحيطة بهما إلى لاجئين ومشردين بعيدين عن مراكز القرار وصنعه وتأثيره.

اعتبرت المؤسسة الصهيونية أن مدينتي يافا وحيفا جزر يحيط بها محيط يهودي. وهذه الجزر تشكل عائق أمام تطور مشروع المدينة اليهودية تل ابيب وحيفا اليهودية. مع العلم أن يافا وحيفا شكلتا حراكًا مستمرًا في كل ما له صلة بتطور المدينة العربية الفلسطينية في فترة الانتداب البريطاني. وتمكنت كل واحدة بصورة مستقلة أن تساهم مساهمة جليلة في تطوير كيانها وتطوير قدرات أداء مهامها ووظائفها كمدينة تحتضن شرائح مختلفة من المجتمعات العربية والأجنبية وتتيح لها المجال أن تتفاعل معًا وبصورة منفصلة دون أن تعمل على تمزيقها، كما كان يفعل المشروع الصهيوني وكما تفعل المؤسسة الاسرائيلية إلى يومنا هذا بالمجتمع العربي الفلسطيني الباقي على أرضه والمتمسك بثوابته الوطنية وعلى رأسها حقه في الحياة على أرضه وفي وطنه الأصلي الذي لا وطن آخر له سواه. فمن هنا كانت خطة بن غوريون وعدد من قيادييه تدمير المدينة الفلسطينية وترحيل سكانها، حيث تم ترحيل ما يقارب 200 ألف فلسطيني من حيفا ويافا، إضافة إلى ما يقارب 70 ألفًا من الرملة واللد مع نهاية شهر تموز 1948.

وسؤالنا هنا: هل فشل مشروع بن غوريون في تصفية المدينة الفلسطينية نهائيًا في هذه المدن؟ من بقي من الفلسطينيين في هذه المدن يعيش اليوم في جزر داخل المدن نفسها محاطين ببحر من اليهود، يعملون على ابتلاعهم يومًا بعد يوم، وعلى تهميشهم وتحويلهم نكرة.

المجتمع الاسرائيلي ما زال ينكر النكبة

بالرغم من تواصل واستمرار عمليات الكشف عن وثائق ومستندات وشهادات حية حول تورط المؤسسة الصهيونية والاسرائيلية في وضع وتنفيذ مخطط التطهير العرقي للشعب الفلسطيني، وخاصة صدور عدد من الدراسات والبحوث التي تؤكد وتبين كبر الجريمة التي ارتكبتها المؤسسة الصهيونية إلا أن المجتمع الاسرائيلي يتنكر بصورة مستمرة لما نفذته آلة حكوماته بالشعب الفلسطيني من تدمير حياته وتحويله إلى لاجئ في أرضه وخارج وطنه، وسلبه أملاكه ومنعه من العودة إلى وطنه. إن عملية الإنكار أو التنكر تندرج ضمن المخطط الرهيب الذي وضعته المؤسسة الصهيونية لتدمير فلسطين واختفائها بالكلية من خلال اقتلاع شعبها وتدمير ثقافته واستبدالها بثقافة أخرى وإحلال شعب آخر مكان الشعب الأصلي في هذه لبلاد، والادعاء أن الاسرائيلي الحديث هو اليهودي الأصلي الذي طرده الرومان من أرضه قبل ألفي عام، وها هو يعود إليها بدعوة ربانية!!! إن هذه الادعاءات كاذبة وتحريف وتزوير للحقيقة التاريخية التي تؤكد أن الشعب العربي الفلسطيني هو الأصل ووجوده لم ينقطع عن هذه الأرض مهما حدث ووقع عليها عبر العصور والحقب التاريخية.

في 10 آذار 1948 تحدد مصير حيفا

تتكشف أمامنا حقائق مذهلة في كل عام بما يتعلق ومأساة سقوط حيفا بيد عصابة الهاغاناه. وهذه الحقائق تسحق كل محاولات المؤسسة الاسرائيلية في تصوير أن ما حدث في حيفا هو من مسئولية سكانها الفلسطينيين، ويتنكر اليهود والمؤسسة الاسرائيلية من كل مسئولياتها. بينما الحقائق تبين عكس ذلك. فمن هنا نود أن نوضح ما جرى خطوة بخطوة، سائرين في طريق شائك وصعب إلا أننا سنصل إلى نهايته حتمًا.

كانت مجموعة من قياديي الصهيونية من سياسيين وعسكريين قد قررت تنفيذ تطهير عرقي لحيفا لتكون حيفا نقية من العرب وتُضَم إلى الدولة اليهودية حال إقامتها. فوضعت القيادة الصهيونية الخطة "د"(داليت). وقامت بتجربة تنفيذ الخطة في عدة مواقع من أبرزها قيسارية التي تبعد 35 كم إلى الجنوب من حيفا وحققت نجاحًا. وكانت القيادة الصهيونية واثقة من أن الفلسطينيين لن ينالوا أي مساعدة رسمية من الدول العربية التي أرادت دخول فلسطين فقط بعد خروج الانجليز اتقاء لأي اصطدام مع الجيش الانجليزي. لذا اعتمد الفلسطينيون في حيفا وسواها من المدن والقرى على أنفسهم في الدفاع عن بيوتهم وأراضيهم بما توفر لديهم من سلاح قليل، وقامت مجموعات أو أفراد من العرب المتطوعين بتكوين جيش الإنقاذ بهدف إنقاذ فلسطين، وكان هذا الجيش غير منظم وعدده لا يتوازى مع عدد المجندين اليهود الذي بلغ قرابة مائة ألف عنصر.

دور بلدية حيفا المتواطئ وغياب قيادة عربية محلية

لم يكن رئيس بلدية حيفا شبتاي ليفي على اتصال مباشر مع بن غوريون في الخطوات العسكرية، وهذا لا يعني انه لم يكن عارفًا بوجود خطة صهيونية شاملة لجعل حيفا يهودية وتصفية الوجود العربي فيها. ولكن موقفه كان ضعيفًا بل جانبي في محاولته ثني بن غوريون عن خطوته هذه. وأن الادعاء أنه توجه إلى مواطني حيفا بعدم ترك المدينة هو غير دقيق، إذ أن توجهه هذا تم(إن تم) بعد أن تم ترحيل أكثر من ثلثي سكان حيفا العرب. وأضف إلى أن ليفي لم يتمكن من تجنيد المجتمع اليهودي في حيفا لحماية العرب، بل بالعكس تبين أن المجتمع اليهودي في حيفا كان مجندًا بالكامل لترحيل العرب. وبالمناسبة لم نسمع أو نقرأ عن أي شخص يهودي أو مؤسسة يهودية قامت بتوفير حماية لعربي فرد أو لعائلة عربية من هجمات العصابات اليهودية على الأحياء العربية في حيفا. عمل كافة أعضاء المجتمع اليهودي في حيفا ضد جيرانهم العرب وساهموا في طردهم واقتلاعهم ونهب وسلب ممتلكاتهم وبيوتهم بالكامل.

أما القيادة العربية في حيفا فكانت غائبة تقريبًا ولا تملك أي قدرة على حماية المدينة. واعتقدت القيادة الباقية أن من واجب الانجليز توفير حماية للفلسطينيين في حيفا. وتبين أن الانجليز قد قرروا ترك مواقعهم بمعظمها مع الاحتفاظ بعدد قليل منها خاصة عند الميناء، وترك المدينة التي سيطرت عليها قوات عصابة الهاغاناه بدعم مباشر من القيادة الانجليزية التي وقف على رأسها في حيفا والشمال الجنرال هيو ستوكويل.

الانجليز يخلون حيفا متخلين عن حماية سكانها

قررت القيادة الانجليزية إخلاء قواعدها المنتشرة في حيفا والتمركز في الكرمل الفرنسي والميناء ريثما يغادر آخر جندي بريطاني لفلسطين. فمباشرة جرى تنسيق سري بين هذه القيادة وبين قيادة الهاغاناه مما أتاح الفرصة للهاغاناه بالاستيلاء على قواعد ومواقع مركزية كان الجيش البريطاني قد قام بإخلائها. وشرعت مدفعية الهاغاناه بقصف الأحياء العربية بالقذائف ودحرجة براميل المتفجرات، وانتشر القناصة اليهود في كل أطراف المدينة وقنصوا عددًا كبيرًا من الفلسطينيين وأردوهم قتلى، ودُمرت منازل بكاملها، فبدأ الفلسطينيون بالتوجه إلى الميناء لطلب الحماية. وما أن تركوا بيوتهم حتى باشر عناصر الهاغاناه بسلبها والاستيلاء عليها والحيلولة دون عودة أصحابها. ولما تبين لقيادة الهاغاناه أن عددًا كبيرًا من الفلسطينيين قد تجمع في الحسبة القديمة بالقرب من الميناء حتى صدرت أوامر بقصف هذه الحسبة بالمدفعية من مواقع الهاغاناه بالقرب من مستشفى روتشيلد الحالي. هذا القصف زاد الهلع والذعر وتحرك الفلسطينيون نحو الميناء وبدأت عملية الزحف من المدينة باتجاه الميناء. وكانت فرق من الجنود الانجليز قد أحكمت عملية إغلاق طرفي المدينة الشرقي والغربي للحيلولة دون وصول فرق مساعدة ونجدة من جهة الطيرة أو من جهات شفاعمرو. وهكذا لم يبق أمام فلسطيني حيفا سوى البحر. ومعنى البحر الرحيل ومنع العودة.

هدم المدينة العربية

شرعت بلدية حيفا برئاسة شبتاي ليفي ونائبه ابا حوشي(وهو من قياديي الهاغاناه وصاحب علاقة مع العرب في المدينة وخارجها) بهدم مئات البيوت والمباني العربية في معظم الأحياء العربية التي استولت عليها عصابة الهاغاناه وذلك من منطلق منع عودة الحيفاويين إلى مدينتهم، وأيضًا تمّ هدم الحسبة بكاملها وهي المنطقة التي كانت عبارة عن الملجأ الأمين لأهالي حيفا العرب. وهذه الحسبة قد تم بناءها زمن الأتراك، وكانت الحسبة قريبة من بوابة الميناء، لذا فمع القصف زحفت الجموع الغفيرة من الحسبة باتجاه الميناء. واعتبر اليهود طرد الفلسطينيين فرصة ذهبية لتحويل حيفا من مدينة عربية إلى مدينة يهودية شكلاً ومضمونًا. وأصدر بن غوريون أوامره بعدم هدم الأماكن المقدسة لإظهار احترام اليهود لها!!!

3000 بقوا فيها وعوملوا كأسرى حرب

بقي في المدينة قرابة ثلاثة آلاف فلسطيني، وتم تجميعهم في حي واحد هو وادي النسناس، واعتبرتهم قيادة الهاغاناه أسرى حرب. هؤلاء الثلاثة آلاف هم من أهالي حيفا وسكانها الأصليين كانوا حتى الأمس يشاركون اليهود المدينة وحاراتها ومحلاتها وغير ذلك. ولم يخرج صوت يهودي في حينه ينادي بمعاملة هؤلاء معاملة مواطنين. تحول الثلاثة آلاف إلى لاجئين في مدينتهم. رأوا بأم عينهم عمليات السلب والنهب والاغتصاب والقتل والتدمير على يد عصابات الهاغاناه والايتسيل وليحي.
"إنسوا وتعالوا لنعيش معا"

هذا هو الشعار الذي تروج له الآلة السياسية الصهيونية منذ النكبة. تدعو الفلسطينيين الباقين إلى نسيان ما حدث وفتح صفحة جديدة. أضف إلى ذلك، بل قبل ذلك أشار بن غوريون إلى أن الفلسطينيين سينسون ما حدث لأن الزمن سيفعل فعله. ولكن هذه الرؤية مغلوطة وخاطئة وأثبتت فشلها، إذ أن الأجيال التي تلت جيل النكبة تتذكر وتذكر وتحيي ذكرى النكبة في كل عام ومتمسكة بحق العودة كاملاً. لا تتعامل الرواية الصهيونية مع مصير أهالي حيفا المشردين واللاجئين بالمرّة، تتنكر لما فعلته العصابات الصهيونية وتُحمّل الفلسطينيين مسئولية ما حدث.

بن غوريون:«مدينة ميتة، مدينة جثث...»

بهذه الكلمات يصف بن غوريون حيفا بعد طرد وترحيل أهلها عنها بالقوة على يد عصابات الهاغاناه وشركاها. ويضيف قائلا في يومياته المنشورة:"... بيوت ومحلات بدون أحياء سوى قطط تائهة". ويتساءل بسخرية كيف أن آلافا قد تركوا المدينة وسط هلع وذعر؟؟ ويتساءل أيضًا ما الذي دفع أهالي حيفا إلى فعل ذلك؟ ويقول:"من المستحيل التفكير أن أغنياء جدًّا في حيفا قد تركوا البلاد وتركوا أملاكهم، إنه الخوف والرعب..." يعترف بالخوف والرعب ولكنه لا يُحمّل نفسه مسئولية وتبعة ما فعلت يده من جريمة إنسانية بشعة.

وثيقة استقلال اسرائيل: استهتار بالآخر

أطلق بن غوريون عشية الإعلان عن إقامة اسرائيل وثيقة استقلال هذه الدولة، حيث ورد فيها دعوته كل العرب في البلاد، مواطني اسرائيل للحفاظ على السلام والعمل على بناء الدولة على أساس المساواة التامة..." وكأن شيئًا لم يحدث للشعب العربي الفلسطيني الذي نفذت فيه الآلة الصهيونية تطهيرًا عرقيًا. وها تأتي وثيقة استقلال اسرائيل تدعو الشعب الفلسطيني إلى التعاون معها. إنها استهتار بأصحاب الحق وسخرية بملايين البشر في العالم الذين يعتبرون أن المشروع الصهيوني في إقامة اسرائيل هو ثمرة ربانية يستحقها العالم المتحضر!!!

حيفا ويافا العربية، موئل الحضارة الفلسطينية

ساهمت يافا وحيفا كمدينتين فلسطينيتين منفتحتين في تطوير قدرات مواطنيها وتكوين شرائح ونخب مثقفة ومتعلمة لعبت دورًا في قيادة مشاريع سياسية واقتصادية واجتماعية داخل المدينتين وخارجها. حيفا مدينة كوسموبوليتية (عالمية) بيدها مفاتيح الحفاظ على موروثها الثقافي ومنفتحة أمام أفكار معاصرة ومتقدمة وافدة عليها من الغرب. ويافا مدينة فلسطينية فتحت أبوابها واسعة على الثقافات العربية والغربية الوافدة عليها، وواجهت بتحد وصمود زحف مدينة تل أبيب نحوها لتنهشها الأخيرة تدريجيًا ثم نهائيًا في العام 1948، وتقضي عليها بصورة شبه كاملة. عملت يافا جهدها الكامل لحماية ذاتها إلا أن القدر لم يسعفها، ولكن مع كل هذا تبقى ليافا رائحة عطر الليمون ومكانة في قلوب كل الفلسطينيين.

شهدت المدينتان نشاطًا ثقافيًا خلال فترة الانتداب ما لم تشهده أي مدينة عربية أخرى على المستويين الفلسطيني والعربي. مسارح وصالات عرض السينما وجمعيات أهلية ومدارس راقية ومتقدمة، وفرق كشفية ورياضية وصحف على مستوى راق من الأداء الإعلامي والصحافي، ونشاطات سياسية متمثلة في أحزاب مختلفة أكدت حرية التعبير عن الرأي. عرفت يافا وحيفا كيف تعيش فترتين متناقضتين ومختلفتين وأن تنقل الواحدة مع الأخرى من مرحلة الاتراك إلى مرحلة الانجليز، سائرتين في طريق التحولات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. إن غياب المدينة الفلسطينية المتمثل بيافا وحيفا ليس بالأمر الهين أو البسيط، إنه غياب ثقافة وحضارة مركزية شكلت ركنًا اساسيًا من وجود الشعب الفلسطيني وتطلعاته نحو المستقبل، هذه التطلعات التي عرف المشروع الصهيوني كيف يقضي عليها.
1948، ليست النهاية

عام النكبة ليس نهاية المشروع الصهيوني، كما أنه ليس بدايته. إنه مرحلة في مسلسل طويل لتصفية الشعب الفلسطيني وتحويله إلى مشرد في أوطان أخرى غير وطنه الأصلي وذلك من أجل بناء مشروع صهيوني استعماري شريك في مشروع استعماري أوسع قادته بريطانيا وتقوده الآن الولايات المتحدة. والحلقات المستمرة للمشروع متمثلة في تنفيذ فقرات من التطهير العرقي الفعلي بواسطة مصادرات الأراضي الفلسطينية، وبناء الجدار الفاصل، وتهميش اللغة العربية وتحويلها إلى لغة مُعيبة لدى أهلها وأصحابها، وهي لغة مقدسة يتوجب علينا الحفاظ عليها. وتدهور جهاز التربية والتعليم في حيفا ويافا وبقية المدن التي تسمى مختلطة، وكذلك في عدد كبير من القرى العربية، وطمس المعالم العربية في المدن، وتغيير أسماء الشوارع والمناطق من العربية إلى العبرية، وقانون منع الفلسطينيين من إحياء ذكرى نكبتهم، وقرارات تعسفية لطرد عشرات آلاف الفلسطينيين من ديارهم، وأوامر هدم عشرات آلاف المنازل بذريعة عدم الترخيص، والملاحقات والمحاكمات السياسية، ونفي قسري لقيادات سياسية، وسياسات تمييزية مفضوحة وغيرها من القوانين الجائرة والقمعية التي تعتبر بالعُرف الإنساني والدولي جزءًا من منهجية التطهير العرقي.

وبالرغم من...

وبالرغم من نجاح المشروع الصهيوني في حيفا ويافا وغيرها من المدن والقرى الفلسطينية إلا أن البقية الباقية من الشعب الفلسطيني تحاول الحفاظ على موروثها التاريخي والتراثي والحضاري من خلال هيئات وطنية تسعى إلى بناء مجتمع متماسك ومتعاضد ومحافظ على ذاته، ومن خلال تعميق المعرفة بتاريخ شعبنا وقضيته والتعرف على حضارته ومساهماته التاريخية في بناء الإنسانية، لأنه بدون هذه سيضيع كل شيء يخصنا كشعب.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى