الأحد ١٦ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم زينب خليل عودة

وصية أمي وأبي للأجيال الفلسطينية

لا تفرطوا بذرة تراب من فلسطين التاريخية وسنعود مهما طال الزمن وكبر الظلم

أخذت أمي تحدثني وتقول: اثنان وستون عاماً عمر الكيان الإسرائيلي الصهيوني الاحتلالى ولكن عمري أنا وزوجي وأبى وأجدادى أكبر منها فقد كنت هنا في وطني فلسطين وولدت فيها، أنا كنت هنا منذ القدم، وليسأل العالم أين كان هذا الصهيوني وذاك، ومن أين أتى بيغن أو نتياهو أو رابين أو غيره ، اثنان وستون عاماً من التشريد والظلم والمعاناة والقهر، هنالك ما يزيد عن سبع ملايين اللاجئين الفلسطينيين مشردين في المخيمات وفى بقاع العالم، يعيشون على أمل العودة إلى مدنهم وقراهم التي سلبتها العصابات الصهيونية ثم استولت على فلسطين التاريخية شبرا شبرا (إنها سرقة وسطو وطن وتزوير التاريخ بأكمله) ...

أمي وهى الحاجة مريم - أم محمد محمود عودة اللاجئة البالغة (78) وهى التي شردت من بلدتها المجدل التي هُجِرت منها قسراً عام 1948م على يدي العصابات الصهيونية، أجلس بجانب أمي وبعينيها الحزن الشديد وأراها تحكى مندهشة وكأنها تصل لحد الهذيان غير مصدقة مرور كل هذه السنين وهى بعيدة عن بلدتها فتقول): والله لا أتخيل أن بلدتي بالقرب منى تبعد عن مسافة قريبة جدا، وتنظر نحو شمالها وتقول هنالك المجدل ممكن أصل لها خلال ربع ساعة وأقل، ولكن إنهم العصابات الصهيونية الذين يقيمون حاجز بيت حانون (ايرز) إنهم اليهود الذين اغتصبوا أرضى وطردوني ، وتربعوا هم على أرض فلسطين التاريخية).

يشار إلى أن مدينة المجدل (عسقلان) تقع على بعد حوالي 25كم إلى الشمال الشرقي من مدينة غزة وحوالي5كم من شاطئ البحر الأبيض المتوسط وكانت المجدل حتى عام 1948 بلدة فلسطينية عربية وسكانها وفق إحصائية الانتداب البريطاني لعام 1945 إلي عشرة آلاف نسمة ومساحتها 42.334 دونما، وحاليا المدينة بأكملها استولى عليها اليهود الذين حلو محل سكانها الأصليين وحتى الآن يطلق على من كان يعيش في المجدل كلمة (المجادلة).

وتعد المجدل بلدة في فلسطين التاريخية التي استولوا عليها في عام 1948 واسمها كنعاني الأصل وهي تعني القلعة أو مكان الحراسة، وسميت مجدل جاد، وجاد هو إله الحظ عند الكنعانيين.

أرضى وارض آبائي وأجدادي

أطلقتٌ لأمي العنان لتحكى وأسجل لها ما تقول: (والله هذا ظلم لا حدود له... إنها وطني وبلدي ودارى، لقد ولدت في بلدتي المجدل
وترعرعت مع والدي وتعلمت بها وتعرفت

على كرومها وشوارعها ولعبت على ترابها وعشبها الأخضر، وكبرت وأنا اعرف أنها ارض آبائي وأجدادي ... و تضيف (نفسي أروح على دارنا واجلس هنالك، وأروح على كروم دار سيدي ففي هذه الأيام نقطف الخوخ والبرقوق والمشمش).

وتبكى بحرقة وهى تصف المجدل قائلة، ’إنها جميلة إن فلسطين كلها جنة الله على الأرض، وتقول: كانت المجدل والقرى المجاورة لها غنية بكل الخيرات، ويعتمد سكانها بشكل كامل على العمل في الصناعة خاصة النسيج والزراعة، وكانت لها أراض وحقول ومراعي كبيرة تصل مساحتها آلاف الدونمات، يزرع جزء منها بالقمح والشعير والذرة والحمص والكرسنة وهنالك كروم أخرى تزرع بالزيتون والخيار والفقوس والبندورة والبامية.

وتتابع الحاجة أم محمد بمرارة: المجدل تعتبر مدينة ويحيطها الكثير من القرى، حمامة وبيت دراس والجورة ونعيله وبرير وبربرة، وكان عدد سكانها عند وقوع النكبة ما يزيد عن 14 ألف نسمة، وكان فيها مدرسة واحدة للبنات في حارة البوليس ومدرسة أخرى للأولاد ليست ببعيدة عنها تشتمل على عدة صفوف وأنهيت فيها دراستي حتى الصف الثالث ، وكان بالمجدل مقهى منها عائلة صمد وحج أحمد حمادة، وعدة دكاكين .

أتذكر بيتي كل لحظة

وتتابع (ماذا أحكى وماذا أقول كنا مبسوطين في دارنا) وتبكى ثم تصمت ثم تضرب كفا بكف قائلة (راح الزيتون والتوت وراح المشمش وراحت بلادنا...كان عمري الذي عشته اثني عشر عاما وكنا نلعب مع بنات الحارة وتتذكر أسماء كل من رءوفة حمش وفاطمة داود ومريم البطة وفيقة الشريف، كنا نقعد على باب الدار ونلعب الحجلة ...

تقول اللاجئة أم محمد : " نفسي أروح عليها دوما أتذكر كل ما بها، وكيف كنا عايشين، مثل هذه الأيام كانت تطرق جدتي سارة على الباب لأذهب معها أنا وعمى يوسف إلى كروم البحر ونرى التوت ونلقط حباته في سلال صغيرة نأخذه ونأكل منه ما نشاء، ثم تذهب جدتي وعمى يبيعوا الباقي في سوق كان بالقرب من جامع المجدل، وكانت تباع سلة التوت مابين شلن إلى ثلاث قروش فلسطينية.

وتتابع (اشتاق أعود لها والله متخيلة بيتي الآن كان به ثلاث غرف باطون وبرنادة على طول الثلاث ومترين ممر وكان بيتنا على الشارع وعلى الطريق وأنت ذاهب إلى حمامة... حمامة قريبة جدااا ، وكانت مساحة كل غرفة أربع متر في أربع تقريبا ومساحة البيت نحو نصف دونم ... مزروع في البيت موز وليمون وعنب ونعنع وريحان وورد .... أتذكر الجيران وأتذكر الكروم ... حسبنا الله عليهم

أما أبى الحاج أبو محمد عودة 80 عاماً يتذكر فيقول: (كان الرجال في المجدل يعملوا في النوال والنساء تساعدهم وفى كل بيت تجد به نول فقد كانوا يشغلون ثياب المجادلة كما كانوا يعملون ثياب القرى الأخرى، وأيضا الهنادى للرجال فقد كانت المجدل المركز الرئيسي للنسيج وكل القرى تأتى وكان العمل صيف شتاء ...

صدقوني وأنا أسمع لامى وأبى أشعر وكأنهما يريان التاريخ أمامهما، بصفحاته كلها وكلماته وحروفه فيقول الاثنان معاً (أجمل عيشه وأجمل أيام، كان الشعب الفلسطيني يسكن بأراضيهم ويعملون بها ويزرعون ويحصدون، وكان الناس في المجدل أعيادهم وفرحهم واحد، والبلد كلها كعائلة واحدة ....آه يا بلدي المجدل والله نفسي أشوفها ونفسي بيتي ارجع له هذا وطني).

وتكمل الحاجة أم محمد (لقد طُرِد الفلسطينيون من أراضيهم، خرجوا عليهم ملابسهم التي يرتدونها حتى هنالك أناس من شدة القتل والذبح والقصف الوحشي تركوا أطفالهم الصغار، العصابات الصهيونية ذبحت قرى بأكملها ودمرتها.

وتروى الحاجة أم محمد كيف هجرت من بلدتها " عندما طرودنا اليهود من المجدل، استولوا على كل ما بها من أرض وممتلكات فلم نأخذ شيئاً نهائيا، كنا نعتقد أننا سنرجع بعد يومين ثلاث على الأكثر شهر، حتى فرشة ولحاف لم نأخذ ، وهجرنا بالقتل والخوف والرعب ولقد مشيت على الأقدام من المجدل حتى غزة حتى تورمت قدماي، كنا نسير ونسمع ضرب الطيران الصهيوني لنا"

وتقول ’صحَونا من النوم وصراخ ونداءات داخل الشوارع، كنت اسمع صوت إطلاق النار وكأنه فوق رؤؤسنا خرجت بالثوب المجدلاوى المطرز وكنت مع أبى وحملت أختي ليلى الصغيرة 4 سنوات ومسكت يد أخي إبراهيم ومشينا على طريق الساحل ولا أعلم أين وجهتي"

وكنا ونحن نسير، أرى طوابير شيوخ وعجائز وأطفال وفتيات يهربون تاركين خلفهم كل ما يملكون، وكان الصراخ يعلو هنا وهناك من أجل أن يتذكر فقط أنهم ما نسوا أحدا من أطفالهم وصغارهم الرضع في الفراش، بعض النسوة عدن تحت القصف الصهيوني ليحملن أطفالهن بعد أن اعتقدن أنه مع أحد من أبناء العائلة" وتقول "استولت العصابات الصهيونية على فلسطين بتطهير عرقي وإبادة وقتل وهدم القرى والمدن والاستيلاء على الممتلكات وتزييف التاريخ بأكمله وإحلال يهود مكان شعب فلسطين" .

وأضافت قائلة: بقي أهالي المجدل والقرى المجاورة في البساتين والمزارع المجاورة، يحتمون تحت الأشجار، والخوف كان بادياً على الجميع، وأنا من بينهم، لم يكن هنالك سلاح في القرية، أمام قصف مدفعي وجوي، ليل نهار، ثم بدأت العصابات تقصف البيوت وتدمّرها، ونحن نرى أعمدة الدخان تتصاعد من القرية، فبدأت عملية النزوح نحو الجنوب.

ويقول الحاج أبو محمد:(اثنا وستون عاما والعصابات الصهيونية وإسرائيل وهى تشن الدمار لغة الحروب هي اللغة التي تفهمها إسرائيل ولا تعيش من غيرها، وللأسف كل العالم ظالم مثلهم، فقد تخلصوا من اليهود وقرفهم وجلبوهم لنا) (وفي المقابل اكتفى العالم المتحضر بالشجب والاستنكار والتنديد الدولي والعربي).
بريطانيا السبب

وتتفق الحاجة والحاج فيما يتعلق بالمسؤولية عن نكبة فلسطين فيقولان (بريطانيا قدمت وعد بلفور وهى التي كانت فلسطين تحت انتدابها هي السبب الأول في اغتصاب فلسطين وأرضها ثم للأسف العرب الذين هم نيام وأما الآن كل العالم متآمر ومسئول عما يحدث من ظلم وقتل ونهب لفلسطين أرضا وشعبا).

وتؤكد الحاجة أم محمد والحاج أبو محمد على أن كل أوراق ومستندات أملاك فلسطين وكل مايتعلق بأراضيها توجد مع تركيا وبريطانيا وحتى عملة فلسطين وخريطة فلسطين باكلمها عندهم.

ويقول الحاج أبو محمد (لا سلام مع من اغتصب أرضى وطردني، وما أخذ بالقوة لابد أن يسترد بالقوة، الصهاينة لاتعترف بى ولا تعترف باللاجئين وحقهم في العودة، هم جلبوا اليهود من كل مكان ويدعون أنها أرضهم.. من أين هي أرضهم؟ اليهودي اللي ساكن في ألمانيا وأمريكيا وروسيا وأثيوبيا أو العراق والمغرب واليمن وغيرها كيف صارت فلسطين أرضه ... نحن الشعب الفلسطيني الأصليين وسكان فلسطين نُطرد منها وهم يأتون ؟؟؟ يتسآل

احفظوا تاريخ فلسطين

ويوصيان الحاجة والحاج أبنائهما وأحفادهما ويمسكان بأيديهم ويقولان (لاتفرطوا بحقكم لاتفرطوا في ذرة تراب من فلسطين الحبيبة، لاتفرطوا في حيفا ويافا وعكا والمجدل وصفد والناصرة والقدس وجنين ونابلس وأريحا ورام الله وغزة ورفح بل وكل شبر من أرض فلسطين الطاهرة،عليكم لابد أن تتماسكوا وتتحدوا وتقاوموا ...

كما شددت على أن تحرص الأجيال الفلسطينية كلها على التعلم والمعرفة وحفظ التاريخ الفلسطيني وقالت (يجب على جميع أجيال اللاجئين أن تسأل آباءها وأجدادها عن قراهم ومدنهم وأن ويحفظوا التاريخ عن ظهر قلب ويعرفوا كيف تم نهب فلسطين التاريخي ، لابد من أن تتغير الدنيا ونرجع يوماً)

رغم صغر سنها الحاجة مريم وهى أم محمد عندما هُجِّرت من بلدتها المجدل حيث كانت بعمر 13 عاما إلا أنها توصف بلدتها وكأنها مازالت تعيش بها "وطني وأرضي وداري لا يغيبون عن بالى أبدااااااا "مع العلم أن بيتنا بالتأكيد هدمه اليهود"

ويُحيي أبناء شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات ذكرى نكبتهم وتهجيرهم الأول في العام 1948 في الخامس عشر من أيار من كل عام، كرى نكبتهم وتهجيرهم الأول في عام 1948، واقتلاعهم من أراضيهم وممتلكاتهم وتحديد فلسطين التاريخي وقيام ’دولة إسرائيل’ عليها (ذكرى النكبة) مطالبين بتنفيذ حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم .

ويشار إلى أن أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير حتى احتلال ما تبقى من أراضي فلسطين في عام 1967 تسببت في تشريد نحو 800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية المجاورة، فضلاً عن تهجير الآلاف من الفلسطينيين عن ديارهم رغم بقاءهم داخل نطاق الأراضي التي أخضعت لسيطرة إسرائيل، وذلك من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين التاريخية عام 1948 وذلك في 1300 قرية ومدينة فلسطينية، وتشير البيانات الموثقة أن الإسرائيليين قد سيطروا خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة، حيث قاموا بتدمير 531 قرية ومدينة فلسطينية، كما اقترفت القوات الإسرائيلية أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين وأدت إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة.

وما زالت الحاجة أم محمد والحاج أبو محمد ورغم تقدمهما في السن، والشيب مليء الشعر وتجاعيد الوجه التي تحمل المعاناة والألم والحسرة، تحلم بالعودة إلى بلدتها ووطنها ، تنقل لأبنائها وأحفادها الذين لم يعاصروا أحداث النكبة روايات عدة كي تمتزج أحلامهم وأفكارهم بين النكبة والعودة إلى أرض الوطن.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى