الأحد ٣٠ أيار (مايو) ٢٠١٠
بقلم جميل السلحوت

مهرج فوق أسوار القدس والنهايات المقحمة

"مهرج فوق أسوار القدس" مجموعة قصصية للأديبة نزهة قاسم أبو -غوش صدرت قبل اسابيع عن دار الهدى للطباعة والنشرفي كفر قرع.

تقع المجموعة التي يحمل غلافها لوحة (أجيال)للفنان صلاح الأطرش، وتتكون من تسعة عشر نصا في 153 صفحة من الحجم المتوسط.

بداية أود التنويه أن لا داعي لـ (كلمة الؤلفة) التي تقدمت النصوص، لأنها جاءت تفسيرا لمحتويات المجموعة، أو هي رأي الكاتبة لما تريده وتتوخاه من نصوصها، وهي بالتالي ضيعت الفرصة على القارئ من ان يشغل تفكيره في استنتاج الموضوع وحده، وقد غاب عن ذكر الكاتبة انه ليس مطلوبا من الكاتب ان يفسر نصوصه حتى وان لم يفهمها القارئ، فما بالها اذا كنا امام نصوص مغرقة في المباشرة.

وقبل البداية تجدر الاشارة الى أن الناشر أعفى نفسه من تصنيف هذه النصوص تحت نوع من الأنواع الأدبية المعروفة، فلم يُشر الى انها مجموعة قصصية كما فعلت الكاتبة في كلمتها، وأعتقد أن ذلك كان مقصودا منه، خصوصا وأن له باعا طويلا في النشر، فالمجموعة تراوحت في نصوصها بين القصة القصيرة والحكاية، وبين الخاطرة الطويلة، وبين المقالة الصحفية وحتى التقرير الصحفي، وهذا بالطبع لا ينتقص من أهمية هذه النصوص التي تدور مضامينها حول عذابات مدينة القدس العربية المحتلة، وما تتعرض له من استلاب وتهويد، ومحاولة فرض حقائق على الأرض لسرقة الجغرافيا، مثلما سُرق التاريخ.

ففي نص(مهرج فوق اسوار القدس) -وهو أقرب نصوص المجموعة الى الفن القصصي- رأينا المهرج وهو السارد في القصة، بعد أن اعتلى سور المدينة التاريخي (رأى كل شيء:الاشتباكات والصراعات، والنظرات الغريبة، رأى كل الأفواه المزمومة، والمتشدقة نحو السماء، رأى جنودا يحرسون المدينة)ص92

وهذا محور القصة، فالمدينة المقدسة تعيش صراعا متواصلا بين مواطنيها الأصليين الفلسطينيين العرب، وبين المحتلين الغزاة، وكلا طرفي الصراع يرى انه صاحب حق إلهي في هذه المدينة، لذا فإن كلا من طرفي الصراع يرفع يديه الى السماء، ويلهح بالدعاء كي يُثَبِّت الخالق حقه في المدينة، لكن أبواب المدينة وأسواقها وشوارعها ملأى بالجنود، وطبعا جنود الاحتلال، فهل نقرأ فيما بين السطور من أنّ ما لم يقله(المهرج) هو أن حق العرب في المدينة حق إلهي، وان وجود المحتلين هو وجود مؤقت يحرسه جنودهم المدججون بالسلاح؟ خصوصا وأن المهرج لا يلبث أن يستشهد بمقولة جبران:"الحق لا يتغيير ولا يزول، فلماذا تحاولون تشويه وجه الحق؟) ص96 كما أن المهرج يستعيد التاريخ بأن المقدسيين (مرابطون مجاهدون الى يوم القيامة) فيقول: (من القيود الى القيود تسير ركابنا، فلا قيود تفنى، ولا نحن ننقرض، فإلى متى نحيا)ص96 والدارس لتاريخ القدس سيجد انها دائما عرضة للغزاة والمحتلين، وأن أهلها يتعرضون للمذابح دوما، فالفرنجة عندما غزوا القدس في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي قتلوا سبعين ألفا هم جميع سكان القدس القديمة، قتلوهم وهم يحتمون في المسجد الأقصى، ومع ذلك لم ينقرض الوجود العربي في القدس، وبقيت القدس هي القدس كما هي دوما، والغزاة والمحتلون هم الزائلون تطاردهم لعنات التاريخ.

ويصاب المهرج بالهلع من سياسة التهويد التي تستهدف المكان في القدس تحديدا، وفي العالم العربي بشكل عام، لكنه لا يخاف على الثقافة العربية فيقول ساخرا (إن أشياء كثيرة لنا في هذا العالم خذوا مثلا: القهوة العربية لنا، الزعتر، الزيت والزيتون لنا، الفستق الحلبي والسوداني لنا، عنب اليمن وبلح الشام لنا....)ص96 ويخاف المهرج على القدس فيقرنها بالأندلس (اسمعوا، ان الأندلس كانت لنا) واذا أضاع العرب القدس كما اضاعوا الاندلس فماذا بقي لهم ؟؟فيجيب ساخرا (لقد نسيت ان أقول لكم أن أفلام (روتانا )وأغانيها لنا )ص97

ويحذر المهرج من خطورة القطار(الذي سوف يلف ويدور قريبا، من القدس الغربية الى القدس الشرقية)ص97 فهذا القطار جزء من سياسة المحتلين في تهويد القدس وتوحيدها تحت سيادتهم من خلال فرض سياسة الأمر الواقع.

وفي تقديري أن الكاتبة لم يحالفها الحظ في تفسيرها الذي ورد في هامش الصفحة 97 عن القدس الشرقية والقدس الغربية، فالقدس الغربية هي الجزء الغربي من القدس الذي احتله اليهود في نكبة العام 1948 والقدس الشرقية هي المدينة المحتلة في حرب حزيران العام 1967.

ويبدو أن الكاتبة قد أقحمت نفسها بشكل واضح، وحاولت فرض رأيها في الفقرة الثانية في الصفحة 97 وحتى نهاية القصة، ولو استغنت عنها وأبقت النهاية مفتوحة لأبدعت في ذلك.

وفي قصة (ما بعد الرحيل 9ص23 موقف انساني عن العم فوزي صاحب القلب القاسي، والذي كان عاقرا، وجلفا في في كل تصرفاته، وكيف بدا ضعيفا رقيقا حزينا عندما ماتت زوجته، وبكاها بحرقة ولوعة، لأنها آخر من تبقى له في هذه الحياة، لكن الكاتبة لم توفق ايضا في نهاية القصة، ولو استغنت عن السطور العشرة الأخيرة، لكان ذلك لصالح القصة.

وفي نص (شرطي، ومواطن، وهوية ) هذا النص أقرب الى السكتش المسرحي، يدور حول الخلاف في تحديد هوية الفلسطينيين الذين يعيشون في وطنهم داخل اسرائيل من النكبة عام 1948

ملاحظة:ِ يبدوا ان نهاية النصوص كانت ترهق الكاتبة، فتقف حائرة في كيفية ترك النص والخلاص منه، ولذلك أقحمت نفسها في نهاية غالبية النصوص، وفرضت رأيها، ولو تركت النصوص مفتوحة لكان اكثر ابداعا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى