السبت ٢٠ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم بيسان أبو خالد

تقاطعات الدروب

ذهبوا إلى التاريخ
خَلُّوني بأسمال الهزيمة أستقي من
آخر الأزل انتحاراً نيِّراً لأقول لا
هل كان في وسع الحقيقة
أن تبادلني الكذب
لأطيل غايات العبث
أو كان للمرآة ظل لأعرف كي يبوح
بأني يوماً كبرت فيا وداعاً آسراً لمراكب
الغيب الذي سرقته ساحات المرايا
إنني سراً تعمَّدت المُضي إلى دمي
إني سيؤلمني الصقيع إذا بنفسجة ندت........
ولسوف يختمر النبيذ بنخب غيري.
 
إن رحلت ستعرف الدنيا
خرائط من سياج الحرب
إذ يؤججها الغزاة
الوقت يلهث خلف غانية
ستخلع في مقابرها الشواهد
مومسٌ ستودع الحانات
تصطاد الإله من المعابد
كي تضاجع في القيامة كل أشرعة العدالة
فاتَّقوا غضبي
وكونوا كل ما شاعت مآثرنا
خلوداً ساطعاً في ظلمة التاريخ.
 
- أعرف أنني أحببت وجهك
في مغامرة الحضيض
وأنك الحب الذي جاءت ملامحه تُحَررني بعيداً عن مدارات العبيد
ها إنني غادرت قامتك
الأخيرة في الظلال..
وسرقت في رحمي إلى الأسرة
أو إلى العشق الذي خذلته
آخرة الخيانة
ها إنني صمت يزامن صرخة جرحت حناجر جرحاً
والوقت يُشهر في معابدنا الوثن....
 
لن يذكر التاريخ غيرك
هل يُذَكِرني التراب ببعض هذا العشب والطاغوت
أنت تعيش حين أموت
أو هل تعرف الحزن الذي عرف الطريق لملح امرأة من الدمع المعتق في العيون
وأنت آخر ما يداخل أرضنا
ويصيح من مدن الجنون
وأنت أنت مذابح الكلمات في الحبر الغريق
وأنت أنت مآتم الأطفال إذ جنحت إلى الأعياد
بعد إقالة الجسد المسجى
والحريق على رماد مدينة فتحت
هي ذي خواتمنا التي ذبلت
قبيل زواج من قتلت
مكاحل في سواد القلب.
 
- وأنت مجالس الحكماء في طاغور
أغنية على وتر ومجزرة...
منازل أشعلت قلب البنفسج في حدائقها
انتهت في شارع قتلته ناصية بخطوتنا
لن يُكثر الدهر المزاول بعدنا
أفلت شموس في غروبك
يا مدى.... وأنا كبرت
سأحدِّث الجذر الذي امتدت جذوره
سأحدِّث الجذع الذي امتدت جذوره
سأحدِّث القلب.........
عن البراعم في الخريف
هذا أنا.. أحببت جوهرة انزوائك
واحتفلت مع الجراح مع النزيف
خثَّرت وجهك في ضلوعي
والتأمتُ وقيل إني قد أحب
سواء إن شاء التوقع
واستدان الغيب زنديقاً
لأشرُع بالتعبد...
 
خنت جيدك في صدور الآخرين
هي ذي شموعي في موائد مُعدمين
وكنت زانية مع التاريخ كي
تنسى هزائمنا انتصارك
غير أني قد رجعت إليك
تمثالاً من الإغريق أدنو
من غموضك ريثما يرث الوضوح
جنوح أسئلة إلى قحط الجواب
أريد أن أجتث منك نبوءتي
زمناً تغاضى عن خلودي
كي يؤرِّخ وجهك المغرور
هل أنت آخر من قُتل؟
 
لا الليل يرجع نجمك الهادي
إلى جهة الفضاء
ولا التباطؤ قد يسرِّع وجهة النسيان
لا عنوان يرجع ما يضيُّعه
البريد من الرسائل والقبائل
كلما نزفت بصحراء القوافل
أم أنت آخر من يقول وما يقال؟
 
كيف انتصرت علي
رغم أني قد قصصت ملاحمي الأخرى؟
وتتالت الأيام والسنوات
كنت أريد أن أهوي على كفيك مقصلة أقطِّع في وريد الناس أغنية الهزائم
ولم أكن أنوي قبيل الموت
أن أعتاش من قصصي..
فداحة أننا سنقول ما يُملي
على هذي الحياة حكاية
كتبت نهايتنا
فخذ من نخلتي تمراً
لزاد العمر أو خبزاً لجوع الدهر
كنت بيادق الشطرنج
حين وعيت كم كف تفرقنا
ولا ملك يعيد إليك لعبتنا
فكن من شئت
سور الصين سوف يميد بين دمي وأمتعتك
وكن ما شئت سوطاً يسلب من الخيول
صوتها الغجري
أمتعة تلملم في خزائننا الملابس
في اتساقِ آمر
وقبيلة سبيت برغم عبيد من حاربت
آنية من الفخار ليل نهار
تكسِّر في مخيمنا صدى الأزهار
فلا غدنا يتيح لحاضر الأشجار
أن تمتد ملء حقول من عبروا
جياداً روَّضت سهواً...
جمالاً شرَّدتها النار
وفي غرناطة الأحداث مأثرة
شماليون قد نصروا جنوباً
يافعاً في الريف
بعد الناس بعض الغار فوق الزيف...
 
ألف قطار
ومعرفة تُجِيزُ الجهل
مقدرة تبيح العجز
زكاة الحل..
حين يكون مقصلة لهذا العري
وألف جريدة ُطبعت
بأقبية مُرِخَّصةً ونحن الحبر..
خارطة مبسطة تضاريساً
بحجم البحر...
وجائزة لمن سبقوا...
ونحن هنا وقوفاً في سراب الركض
جائزة لمن خسروا خصائلهم
ومن تركوا بعيد النخب أمنية
تَسرَّب من أصابعهم
وجائزة لمن في عتمة التابوت
وجائزة لمن يرضى بذل العيش
عند وجوب هذا الموت
لمن أكلوا رغيفاً من عشاء الناس
ومن سرقوا أريج الآس
جائزة لمن تركوا بنادقهم
على المتراس...
 
أنت ربحت
حين خسرت
جائزة لعاشقة تريد زواج
متعتها بمن شاءت أسرَّتها...
جائزة لزانية مع الأعداء
فوق مقابر الشهداء
جائزة لمنم قد ضيَّع البارود في الفيزياء
جائزة إذا ما غافل المعنى
محابر محفل الشعراء
جائزة لغيم سوف يخون أي شتاء...
جائزة لأي جنون.
 
أنت ربحت
كيف خسرت حين غفلت عن زمن يغيِّرنا
وجائزة تصنِّفنا
تُشتت من يشاء الله
جائزة للغوِ الغيب
جائزة لغيم الصيف
جائزة لأول كذبة في الزيف
جائزة لأوراق تدنس في دفاترنا بياض البوح
ترى في العمر ما يكفي لرجع نحو أنفسنا
وهل في العمر ما يكفي لنصبح في صدى الآجر
وهل في العمر ما يكفي لكي ندري
لماذا يشرب المنبوذ حسرته
والمتروك في الطرقات
عكازاً لوحدته لكي تجتاز
أزمنة مؤلَّفة من الأشلاء
تهاوى كل هذا الحلم والبارود...
والمتراس كيف يعود؟
 
عار كلها الأحياء
عار ليتهم شهداء
فلا أحد يعيد الآن هيبته
غداً رجعت حبيبته
برحم من بقايا الفتح
أطفالاً بحجم الجرح
أسرته تناسل من نتاج الحرب
أين أبوه كي يحكي عن الثالوث؟
أين أخوه كي يرفو شقوق السقف؟
أين الناس العربات؟
أين مجاهل الطرقات؟
كيف يعود منتصراً وفي عينيه عهر بنيه؟
 
زير الصمت قد خبأت أغنية
وقد أقسمت حين ذبحت
أن الموت لا يعني سوى
أن تترك الدنيا....
بما حملت وما حفظت
وأن النعل لا يترجل الطرقات
أن الحب لا يحتاج أي فتات
كي يسلو نهايته.
قلت أكون إبريقاً يصب الشاي في الكاسات
قلت أصيرك امرأة إذا
ما شاء هذا القات
قلت أحبك
اغتنمت مساء النأي حافلتي
مباعدة حنين الروح للاءات
قتل أجوع
إن وَكَّلت هذا الخبز مائدة لسيدنا...
 
وأطرق كل باب اليأس
إن آخيت آمالي سواسية
وأسلخ في خيام العشق كل جلود ذاك الوجد
أملأ في توابيتي غصون الورد..
أو أعتاش من أيقونة الأجداد
لوْ قد آل هذا الصبح ثانيةً لقبر الأمس
أُلقي كل أمتعتي على أكتاف هذا الرمز
أهرب من رقابتهم
ولا أحتال ثانية على المرآة كي تختار شاهدتي
أُقيل الوهم
أبني معقلاً للهم
وأجني كل ما في الصمت من كلمات
فهل غادرت
أم أني أريد الهجر كي أعتاد هذا الذل؟
وهل في الصيف بعض الشمس
كي يغتال هذا البرد؟
كيف تكوُّم الصدمات
عند نفاية الثروات
ما يكفي لكي يمحو ذنوب اللص..؟
كيف الحج قد يكفي جموع الناس
أن يمضوا إلى الفردوس...؟
 
ظل الجوع ظل الموت
ظل الشوق في عبرات غانية مشردة
بآخر عاشق تركته كي تعتاش
ظل الخبز مائدة تجيز الصلب
- إن أحببت -
ظل الماء ملك البحر
بعد النهر..
ظل الملح قاع البحر
ظل الصدق مأوى البوح
ظل الجنس عبد الرحم..
ظل العدل عبد الظلم
وظل الموت أسئلة
بلا أحد سيخبرنا عن الجدوى
فجائزة لما ينسى
وجائزة لمن جعلوا من التابو شرائعنا
وجائزة لكل قصيدة
هربت من الإيقاع والمعنى..
وجائزة لآخر طفلة
جَرؤت على إنكار والدها
ولا للقيل أو للقال أنساب تعرِّفها.
 
عديني يا جباه الكون أن تصلي إلى الفقراء
أن تتجعد الأزمان
كي يتساءل الآتون
هل من كان سوف يكون
أم عدمية الأشياء
سوف تسود في مرثية الإنسان؟
هل كلية الأجزاء
تكفينا لأن ننسى تشردنا إلى المنفى؟
وهل نعتاش من أوهامنا الأولى
بأن تتحلل الأجساد
ثم تصير أي سماء؟
ولا عتب على الأشجار
حيث تمد جذر الغرب
نحو الشرق سوف يصير بعد
مسيرة أخرى
حضارات مؤلَّفة من
الجدل الذي كناه بين الكفر والإلحاد
بين الماء والنيران
بين العيد والأحزان
بين الحب والأحزان
وهي الحرب فاتحة لأي سلام
خلاسي رمادي
وبعد الأبيض الوضَّاء أي سواد
فهل نسبية الأنباء
كافية لأن نعتاد موتانا بدون رفات
ونشرُع في تحدي الحزن؟
 
هل في الكون بعض الجبن
كي ننسى خرائطنا ويبرأ في بلاد الأرض
جرح الوقت في الهجرات؟
هل في الشارع الغربي
منعطف إلى الإسلام ثانية
وهل نحتاج أن نبني ممالكنا كأفلاطون؟
فجائزة لمن هدم
وجائزة لمن يبني
وفلسفة تعيد الحل من إشكال حرق النخل في بغداد.
 
وقل آتيك
دون هوية القتلى
أنا أقسمت أن بنيك قد قطنوا
بماء الرحم عند تواقت العشاق في قبلة..
وقلت أصيرك امرأة تسوط العمر كي يمضي
وتنشب في أظافرنا ملاءات
ملطخة بتاريخ من العذرية
اغتصبت وظل الرجم مأثرة
لمن آلت إليه وسائد التابوت.
هل حاربت كي تُبقي على الغابات؟
هل جادلت عند تسكع الظلمات
في اللاءات..؟
ما أخفيت شاه الوجه
حين تريدك امرأة
وما أخصبت هذا الصمت
حين تتالت الأصوات
سدى ياقات هذا
الوعي قد أقسمت
أن جنونك المفتون بالكبوات
سوف يكون آخرتي
ومن أيقونة النزوات
ولا تنسى إذا ما شئت
أن الريح مقصلة لأوراق ميبسة على الأغصان
فماذا الآن... ماذا الآن؟
 
أتعطيني مشافهةً صرير قصيدة كُتبت على الجدران؟
كيف تعيد بين الموت والتابوت
جرح ثمود..؟
زحفنا باتجاه البحر
ما عرفوا برغم الموت قاتلنا
أخذنا من صخور الأرض جبهتنا وقيل بأننا غجر مجوس
وقيل بأننا خطر على التاريخ حين
يؤول من لغم إلى لغم
ونحن نزين الأحلام بالبارود
ثم نموت نأخذ في سياق
القبر أعداءً إلى المجهول.
 
كيف نقول..
رحلتنا إلى المعقول
لا تبدو بمثل سهولة الأحزان
والأغصان أن تتبرعم الأحقاد قنبلة
إذا ما أنجز الأعداء مجزرة؟
وكيف نقول
موجودون نحن الآن
رغم تزاحم الصلبان؟
فهل ذهبوا إلى التاريخ؟
في كل فصل تحصد الريح القشور
وليس يبقى غير كوكبنا يدور
فلا تجادل إن أردت بأن تعيش
تَقَبَّلْ الأشياء مثل بلادة الطير المسافر
في الخريف
لا تقل أفٍّ لحلم لم يُبادلك التحقق
لا تنم في الليل
وأشرق في النهار شعاع غويا [1]
اقتصد بالنبض عند الحب
احزن باتزان النشوة
التي اختصرت ملذات الخليقة
ثم غادر كالبروق
لا تُكاشف وجهك الآخر
من كتبت عليه مهالك العمر الفريد بأن أقنعة ستمحو في القريب
مشاهد الهرم الغريب
أو لا تكن هذا السراط إذا تلوَّت
في الدروب نعال من داسوك
في الأمس الصفيق...
 
إذا أردت بأن تعيش
وإذا أردت الموت
قايض كل عمرك بالخلود
عليك أن تشتق نفسك من ذويك
عليك أن تعتاد أن تغتال وسادة منحتك
من ترف السبات حقيبة
جعلتك تكتشف الخرائط
في اتساع مزمن
لا أرض أبعد من يديك
فلا تحاول أن تفر وأن تكر
وخذ لنفسك مَعقلاً في اللا مكان
وقل لأهلك راحل في غيهب التكوين
إني ما انتميت إلى مضاربكم
وإني كائن متعدد الأنساب
بعضي في الطرائد والقصائد والغياب
ولست أدري كيف أنمو
أو أوازن نشأتي ومآل ما يعصى على التفسير
إني مذعن لعناصر التكوين
يعرفني دمي وإله ذاكرتي
سينسى أنني
أختار موتي...
إن أردت بأن تعيش
تقبَّل الغيم الذي يسهو عن
المطر الذي خذل
تعوَّد النخب الذي أكلته
أسنان السراب
وقل لموتك لا تجئ
فالعمر أجمل من حروب
أمعنت في قتل أجملنا
وقل للحب أن يأتي ونم
أو لا تنم فالليل أطول من
نهارك والأحبة في النجوم
ولا تقل أشياء تُغضِب
من يريدك أن تحارب.
 
إن أردت توسُّد الأرض التي على دمها ولدت
عليك أن تبكي إذا نار الحقيقة أحرقتك
ولا تنادي من يغادر جلده
في أول السلخ الجماعي الرتيب
ولا تُسائل من يؤرقه دمه
هل كان جرحي نازفاً
أم أنت تقترف الحقيقة إن عمدت إلى الكذبْ
كن كائناً من حشد من صَلَبَ المسيح
ولا تشي
وتوقع الصلب الوشيك ولا تخف
أو إن أردت بأن تعيش
على حياد مفزع
قاتل لكيلا ترتعب
فالناس منقسمون لا أحد معك..
أو إن أردت بأن تعيش
فلا تقل للناس أن يتفكَّر الأطفال بالمأساة
أو يقضوا على الأشجار
كن كالنهر منحدراً إلى الوديان
لا يشتاق غير البحر والشطآن
أو إن أردت بأن تموت
فصارع التابوت لا ترضى بأي جنازة
ستعيش مرتداً ولن يصلوك
أنت الآن قد تختار.. قد تحتار
بين العيش والموت
وبين الماء والنيران
بين الذل أو في الغار.

[1غويا رسام إسباني، وعرفت عنه لوحاته السوداء... وكوابيسه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى