السبت ١٦ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١٠
بقلم محبوبة بادرستاني

نشأة الرواية المعاصرة في ظل نجيب محفوظ

  • محبوبة بادرستاني
  • خريجة جامعة آزاد الإسلامية في کرج

الملخص

إنّ القصة فن أدبی حظيت بأهمية بالغة في ميدان الأدب القصصی المعاصر منذ التدخل الأجنبي وحضوره في الشرق، وحينما بدأت رحلات المثقفين والأدباء إلی أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر واجه هذا الفن تغييرات في مضامينه و أشکاله بسبب استلهام الکتّاب العرب من تلک المضامين الموجودة في الغرب مثل مضمون الحب و الحرب و المضامين الملئمة مع تذوّقات الشعوب الشرقية. وفي هذا التطور الروائی قطعت الرواية المصرية فی المرحلة الجديدة أشواطا من التطور من حيث الکتابة و المضمون و التجارب مقارنة بالفترات السابقة و من خلال هذه التطورات ظهر الکتّاب الکبار في مصر و منهم «نجيب محفوظ» الذي يعتبر رائد الرواية العربية و الحائز علی جائزة نوبيل العالمية.يدرس هذا المقال نشأة الرواية العربية وکيفية تطوره ودور الأدباء الذين اهتموا بها من مثل الروائي الکبير نجيب محفوظ.

الکلمات الدليلية: القصة، الرواية، الأدب القصصي.

المقدمة

الرواية [1]

قصة طويلة أو هي« تجربة أدبية تصور بالنثر حياة مجموعة من الشخصيات، تتفاعل مجتمعة لتؤلف إطار عالَم متخيل، غير أنّ هذا العالم المتخيل الذي شکله الکاتب ينبغي أن يکون قريباً مما يحدث فی الواقع الذي يعيش فيه؛ أي أنّ حياة الشخصيات في الرواية يجب أن تکون ممکنة الحدوث في واقع الکاتب» [2]
فإنّها نوع من الأنواع القصصية التی ظهرت في مصر منذ الحملة الفرنسية علی مصر عام (1798) م و إنّ تدخّل الأجنبی و حضوره في الشرق أدّی إلی إثارة روح العصبية في نفوس الشعب ثم ظهر الوعی القومی و لاح تأثير هذا الإستيقاظ في الحياة الفکرية و الأدبية. اذ تأثّر الأدب العربی بالأدب الغربی و ظهر بعض الروائيين الذين کان هدفهم تعليم العلوم الغربية ک« رفاعة طهطاوی» و« علی مبارک» ممّا دفع الروّاد الآخرين إلی إحياء الأدب العربی القديم و الإهتمام به، فامتدّت محاولة روّاد الحرکة الفکرية إلی بعث التراث الفکری و الأدبی العربی؛ فتطور الرواية العربية في مصر يعود إلی حد کبير إلی محاولات اکتشاف المصريين لشخصيتهم ومقومات حياتهم الفکرية و الأدبية وترددهم في هذه المحاولات بين التأثر بتراثهم العربی القديم و بين التأثر بالحضارة الغربية المتفوقة [3].

« فمع عصر النهضة ظهرت الحاجة إلی ضرورة بعث التراث و احيائه و محاولة استرجاع المقومات التی بنت عليها الأمة العربية الإسلامية مجدها و تاريخها و ذلک بهدف تأسيس کيان مستقل و اعادة بناء هوية ضائعة فبعثت المقامة وکانت مصدر استلهام و وحیٌ للرواية العربية الحديثة» [4] و يعتقد محمود امين العالم «أنّ الرواية هي امتداد متطور للأساطير و الملاحم و السير و الحکايات الشعبية و القصص و المقامات». [5] و من اهم الأعمال القصصية التی کانت تستلهم التراث آنذاک و لها لون اجتماعی الغاية، المقامی الأسلوب، الروائي البناء هي « حديث عيسی بن هشام» لمحمد المويلحی هو الذی استلهم في صدور هذا الأثر من المقامة لکنّه اتخذها کإطار و التفت إلی بعض أشکالها.

و الأخری من المتأثرات التی قد تأثرت الرواية بها کانت الذوق الشعبی اذ أنّ الرواد کانوا يلحظون إلی حدٍ بناء الأحداث و بناء الشخصيات في تنظيم الروايات متطابقاً مع ذوق الشعب فلذلک نری ان التراث العربی القديم و الشعبی کانت له تأثيرات بعيدة المدی في نشأة الرواية و منها کما أشير المؤثر الغربی و يمکن اعتبار دور الترجمة و التعريب في هذه الدائرة.

کما کان کتّاب الرواية في ذلک القرن متأثرين في نتاجهم بالتراث القصصی و الذوق الشعبی من حيث البناء، و حرکة الأحداث و رسم الشخصيات« فکان المعربون أيضاً يختارون من الروايات الغربية تلک التی توتفق نسق الأدب الشعبی ، و بخاصة حرکة الأحداث التی تمتلئ بالمغامرة و الحرکة ، بالإضافة إلی الموضوعات الرومانسية التی تتخللها حکاية حب لها مغزی اخلاقی ، و تجسد بصورة ما موضوع الصراع بين الخير و الشر و هو الموضوع الأثير لدی الجمهور». [6] و ايضاً وجود المهاجرين السوريين« الذين جعلوا من تقليد النماذج الغربية وسيلة إلی التجارة و ارضاء الذوق الشعبی» [7] و کان لهم دور مهم فإننا نجد أنّ معظم المهاجرين الأدباء جاءوا مصر بعد عصر محمد علی و هکذا اسهموا في تنشيط المناخ الثقافي في مصر و بخاصة في تنشيط التعريب و التأليف.
في هذا التطور الروائی انتقلت الرواية المصرية« من طور الترفيه و التسلية إلی التعبير عن تجربة مصرية...و محمد حسين هيکل أول من انتقل بالرواية المصرية إلی هذا الإتجاه و يجمع النقاد أنّ رواية «زينب» 1912م هي أول رواية فنية ظهرت في البيئة المصرية ». [8]
و بعد صدور زينب عام 1912 تعددت الروايات و قد اشتغل بکتابة الرواية الفنية طائفة من الکتّاب و من هؤلاء « عيسی عبيد الذی أصدر رواية ثريا عام 1922م، و محمود تيمور الذی أصدر رواية «رجب افندی»عام 1928م و قد اختارا ابطال روايتهما من البيئة الشعبية المصرية و فی عام 1929م ظهر کتاب «الأيام» لطه حسين و هو اقرب إلی السيرة الذاتية منه إلی الرواية. ثم ظهرت رواية «ابراهيم الکاتب» لابراهيم المازنی سنة 1931م. ومع ظهور «عودة الروح» لتوفيق الحکيم سنة 1931م تکون الرواية المصرية قد تخطت مرحلة السرد إلی الرواية الفنية و اتجه الحکيم في روايته إلی الواقعية في معالجة قضايا مجتمعه و هموم الإنسان المصري». [9]

بعد هذه السنوات دخلت الرواية في مرحلة جديدة من التطور و هی مرحلة تأصيل الفن الروائي و لعلّ هذه المرحلة هي أقوی المراحل من حيث التجارب بالنسبة إلی الفترات السابقة اذ «انفتحت الآفاق امام کتّاب هذه المرحلة و تيسّرت لهم الأسباب التی أعانت علی التجديد». [10] و هذه المرحلة هي مرحلة نجيب محفوظ التي حدث أثناءها تحول جديد في الجامعة المصرية «الأزهر» من حيث ظهور العلوم الجديدة کعلم النفس و هکذا دخلت الجامعة في التطور و التجديد و أتيحت لبعض الأفراد فرصة الإطلاع علی الدراسات في علم النفس التحليلی «و کان يتاح الإطلاع علی اللغات الأجنبية...و الدراسات الواسعة في ميادين الأدب و القصص و الفروع المختلفة للفکر الأوروبی بلغاته الأصلية» [11] و« لقد استطاع نجيب محفوظ و فريقه من کتّاب هذه المرحلة أن يقفوا في مرتفع شامخ أمام طه حسين و تيمور و العقاد و توفيق الحکيم و أحمد شوقي...واستطاعوا أن يضيفوا بعداً جديداً و امتداداً فسيحاً في مسيرة الجهود الروائية». [12]
بعد نموّ القصة القصيرة في تلک الفترة نمت کذلک الرواية الفنية حتی أصبحت من الأنواع الأدبية الفنية في الأدب المصری الحديث و إثرَ هذا النمو ظهرت انواع الروايات وهي:الرواية التحليلية ، رواية تجربة الذاتية ، رواية الطبقة الإجتماعية، الرواية الذهنية و الرواية التاريخية.
«و أخذت القصة التاريخية بعد ذلک تکتسب أبعادا جديدة و متطورة، متجاوزة عرض حرکة التاريخ الخارجية لتصل إلی طور التفسير من الداخل، و من خلال العواطف الخالدة فأصبح استلهام التاريخ ليس احساسا خياليا و سلبيا و لکنّه تجسيد للإحساس القومي، و مناقشة للواقع من خلاله،و لعلّ هذا الجانب المهم ابرز معطيات القصة التاريخية، لذلک لم يکن صدفة وجود ذلک التلاقي الرائع بين نشوء و انتشار القصة التاريخية و سيادة النشاط القومی.» [13]

و في أثناء تصنيف الروايات التاريخية في تلک الفترة لمع نجيب محفوظ بروايته التاريخية الأولی«عبث الأقدار»1939م، و بذلک أصبح من رواد الرواية بعد سابقيه الذين کان عددهم قليلاً.و« استمر نجيب محفوظ في محاولاته لتمهيد فن الرواية العربية و تأصيلها و توسيع نطاقها بحيث تسوعب اشکالاً فنية جديدة لم يعرفها هذا الأدب بصورة واضحة من قل». [14] وبفضله أصبحت الرواية من فنون الأدب العربی المهمة و أصبحت قابلة للقراءة علی المستوی العالمی.

الرواية عند نجيب محفوظ

إنّ نجيب محفوظ بدأ حياته الأدبية بکتابة المقال و کانت عنايته الأساسية بالمقالات الفلسفية .و من خلال اهتمامه بکتابة المقال« اقدم علی کتابة القصة القصيرة في فترات هامة من التاريخ المصری الحديث . فمجموعته الأولی «همس الجنون» کتبت في فترة أليمة شهدت نجاح مؤامرة البورجوازية المصرية الکبيرة بالتصالح مع الإستعمار الإنجليزی و اخماد ثورة 1919 وانتهت بتوقيع معاهدة 1936 التی اکسبت وجود الإستعمار الإنجليزی شرعية» [15]

کاننت تنشر مجلة «الرواية» کتابات نجيب محفوظ و عندما تفاقمت أزمة الورق عام 1939 و توقفت المجلة ، انصرف نجيب محفوظ إلی کتابة الرواية . الرواية عنده أفضل الفنون شکلاً اذ يعتقد أنّ فيها توجد اللحظة أو الموقف الواحد اللذين تمتاز بهما الأقصوصة و أيضاً في الرواية يوجد جميع المواصفات التی توجد في المسرحية و الشعر و السينما کالحوار و المواقف الدراماتيکية. و هو يقول حول الصلة بين الرواية و الفنون الأخری کالشعر و المسرح و السينما:«الرواية شکل فنی من اشکال الفنون، انما هي شکل له صفات المسرح و السينما بحيث انها تستطيع ان تجمع کافة الفنون في شکلها الخاص .فالرواية کفيلم تجد فيها الفکرة و العلاج و الحوار و الإخراج و التمثيل و الملابس و الديکور و الموسيقی و المونتاج» [16]

فبذلک أصبحت الرواية عنده مرکز الإهتمام و انصرف إلی کتابة الروايات و قام بها في الموضوعات المختلفة ، الروايات التی تعتبر صدی لواقع المجتمع المصری.
و لقد مرت الرواية عند نجيب محفوظ بمراحل هی: التاريخية ، الإجتماعية ثم الفلسفية.

النتيجة

انّ الروايات الحديثة التی نقوم بقراءتها اليوم قطعت اشواطا من التطور من حيث الکتابة و المضمون إذ انها في الفترات السابقة کان يلاحظ فيها استلهام کتّابها من الغربيين خاصة في مضامينها حيث أنهم کانوا يقيمون کثيرا بالتقليد فی هذا المجال اما من خلال هذا التطور فظهر الکتّاب الکبار في البلاد المتعددة منهم نجيب محفوظ فی مصر الذی کان يکتب عن البلاد العربية خاصة عن مصر و حقائقها و إنّ المضامين التی کان يستخدمها کانت منبعثة عن بلاده فلذلک باهتماماته الکثيرة بالنسبة للرواية إنها وصلت إلی حدٍ اصبحت قابلة للقراءة علی المستوی العالمی.

المصادر و المراجع

1-احمد القضاة ، محمد.2000م. التشکيل الروائی عند نجيب محفوظ. الطبعة الأولی. لابـ: المؤسسة العربية للدراسات و النشر.

2-سيد عبد التواب، محمد.2007م.بواکير الرواية، دراسة في تشکيل الرواية العربية.لابـ: الهيئة المصرية العامة للکتاب.

3-الشطي، سليمان.2004م. الرمز و الرمزية في أدب نجيب محفوظ. لابـ: الهيئة المصرية العامة للکتاب.

4-طه بدر، عبد المحسن.لا تا. تطور الرواية العربية الحديثة في مصر.لابـ : دارالمعارف.

5-محفوظ، نجيب.2006م.أتحدث إليکم. بيروت: دارالعودة.

6-محمد عطية، احمد.1977م. مع نجيب محفوظ. بيروت: دار الجيل.

7-وادی، طه.1992م. دراسات في نقد الرواية. قاهرة:دارالمعارف.

8-ياغی ، عبد الرحمن.1999م.في الجهود الروائية، من السليم البستانی إلی نجيب محفوظ.بيروت: دارالفارابی.


[1(Novel)

[2وادي­،1992: 17

[3احمد القضاة­، 2000م: 33

[4سيد عبد التواب،2007م: 84

[5احمد القضاة ،2000م:32

[6المصدر السابق: 185

[7طه بدر،لا تا :51

[8احمد القضاة، 2000م:34

[9المصدر نفسه

[10ياغی،1999م: 85

[11المصدر السابق:87

[12المصدر نفسه:91

[13الشطي،2004م:29

[14احمد القضاة ،2000م:35

[15محمد عطية،1977م:141

[16نجيب محفوظ،2006م:37


مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى