السبت ٢٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٥
بقلم شادي زماعرة

حاجز قلنديا والإذلال الذي فرض علينا

اعتدنا على أن نقف ساعات طويلة في سيارات الأجرة عند حاجز طيار قرب مستوطنة "معاليه أدوميم". واعتدنا على تفتيش حاجز "الكونتينر" على طريق بيت لحم أبوديس. وجهزنا أنفسنا لانتظار المساء على حاجز "صفر سبعة" أثناء العودة من رام الله إلى أبوديس. واعتدنا على الانتظار على حاجز قلنديا، وأن نفرغ جيوبنا ونخلع الأحزمة، ونفتح الحقائب.

لكنني لم أستطع أن اعتاد على الصيغة الجديدة لحاجز قلنديا، مع العلم أنني أمر به سيرا على الأقدام مرتين أسبوعيا.

لقد فرض الاحتلال الإسرائيلي علينا كافة وسائل الإذلال والقمع التي لم يشهدها العالم. وما أشعر بأنه في غاية الأهمية هو أنني لا أستطيع التأقلم مع الوضع الجديد؛ ربما لأنهم هذه المرة تمادوا في القمع والإذلال، حتى صنعوا لنا ممرات كنت أرى أفضل منها لقطعان البقر في هولندا.

وتبدأ الرحلة منذ النزول من السيارة التي تقلنا من أبوديس، على بعد 150 مترا من الحاجز؛ فالسائق لا يريد أن يقترب من قرف الحاجز وأوساخه، أو من تدافع السيارات على مفترق الرام – المطار – رام الله، والجدال معه عقيم؛ رغم أنه ابتلع ثمانية شواقل.

أبدأ رحلة الخطوات بمياه قذرة تتوسطها الأوساخ على طول الطريق. لا يمكن تفاديها يمينا أو يسارا لزحمة الشارع. أما الهواء فيمتزج مع الغبار ودخان السجائر التي لا تنطفئ، ودخان "كانون الكباب"!

أصل إلى بداية الحاجز؛ أرض ترابية مع المياه ممزوجة، وبسطات التجار المتجولين على الجانبين، أزمة عالم وناس، غير المتسولين والشحاذين الذين أراهم هنا منذ أكثر من ثلاث سنوات!!

وبين صراح هذا البائع ومناداة الآخر، ووقوف النساء لشراء الحاجيات الرخيصة، أسمع الدعوات تتوالى علي من عجوز تطلب من مال الله! وتدعو لي بالتوفيق والعودة سالما. وإذا لم أعرها أي اهتمام، تدعو علي.

ثم أصل البوابة الحديدية المستديرة، فإما أن أعلق أو أمر بسهولة، ثم أصل إلى الواقع الجديد؛ ممر ضيق، وأرض من تراب وحجارة بيضاء، تسير عليها بحذائك فيه إلى أن يهترئ، إلى أن تصل إلى سيارات رام الله.

هنا تصاب بالحيرة؛ عشرة أشخاص ينادون: رام الله؛ رام الله. ولا تعلم مع من منهم ستكمل رحلة عذابك. لكن الصدمة عندما تكون في سيارة مشطوبة، محطمة، ويحملك السائق "جميلة بركوبها".

بعد ذلك تقطع رحلة أخرى في الأزمة، وقد تعمل كحلقة وصل بين السائق والركاب.

نعود إلى الحاجز، ونصطف كالماعز، لندخل الى التفتيش المذل مرة أخرى.

حاجز قلنديا، ومن لا يعرف هذا المكان الذي يقع على المدخل الرئيس لمدينة رام الله، ويفصلها عن القدس، دخل مرحلة التطور؛ فأضيفت له أجهزة إلكترونية متطورة. وقد وصل الآن إلى قمة التطور، حيث تنوي إسرائيل تحويله إلى معبر دولي؛ فنسفت الجبل الضخم الذي يقع شرقي الحاجز، وأقامت معبرا يشبة جسر "اللنبي" على الحدود الفلسطينية الأردنية؛ قاعات وغرف تفتيش واستراحة للمسافرين! وشبابيك المراجعة وفحص الهويات، والباحات الخارجية التي تتسع لعشرات السيارات؛ فبشرى لكم يا فلسطينيون؛ إيرز آخر قد جاءكم!

لقد رضي الفلسطينيون بالوضع القديم، واعتادوا على الوضع المتجدد كلما تغير ضابط أو تغيرت سياسة الحكومة الإسرائيلية، فهل سيبقى الأمر على ما هو عليه؟ ومن يعاني ما نعانيه؟

يا محظوظين، يا من جعلتكم مواقعكم أهلا للمرور عبر حاجز "الدي سي أوه"، المخصص للشخصيات المرموقة، إن "الذي يأكل العصي ليس كمن يعدها"، فلا تنسونا وأنتم تمرون صباحا ونحن محتجزون على حاجز "معاليه أدوميم" الصباحي الطيار، واشعروا معنا ونحن نقبل الذل على مضض على حاجز قلنديا.


مشاركة منتدى

  • لقد اعادتني هذه المقاله الى الوراء ما لا يقل عن خمسة عشر عاما .. اتذكر فيها عندما كنا نتسلق الجبال ونقفز من على الاسوار العاليه في كومه من اللاشواك لنتخطى حاجز هنا وحاجز هناك او معابر كانت حديثه البناء .
    الذي عايش تلك الايام يشعر انه كان يعيش حقا في جنة مع الاحتلال عن يومنا هذا.
    حقا الاحتلال فرض علينا القبول بالذل والاهانه بطريقته الخاصه ... وها نحن نتعايش معها ونتقبلها بكل سرور.
    وكما تقبلنا الماضي .. ها نحن نتقبل الحاضر.. وسوف نتقبل المستقبل والعلم عن الله .............!!

  • المقال جدا ممتاز
    واله يوفقك
    شادي انا جدا معجبة بكلامك وحابب اتعرف عليك اذا ممكن تسيب ايميلك او تضيف ايميلي عندك لاني حابب اكلمك واسالك كام سؤال بس مش عارف كيف احصل على ايميلك
    انا اميرة من القدس

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى