السبت ٨ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٥
بقلم أحمد الخميسي

الرواية اليوم

مالكوم برادبري روائي وأستاذ لغة وأدب بعدة جامعات بريطانية وأمريكية، من كتبه " مقالات عن الحالة الروائية " عام 1972، وروايات مثل " الاتجاه غربا " و" الرجل التاريخي "، أما كتاب " الرواية اليوم " الصادر عام 1969 فإنه عدة مقالات لكتاب مختلفين قام برادبري بجمعها لتعطي معا صورة محددة لمشكلات الرواية. قام بترجمته أحمد عمر شاهين. ومع أن ثلاثين عاما تفصلنا عن الرواية ذلك " اليوم " إلا أن الأسئلة المطروحة هي تقريبا هي أسئلة يومنا هذا.

أصبحت الرواية أكثر تقلبا وقلقا وتساؤلا حول ذاتها. هناك أسئلة كثيرة مطروحة حول طبيعة السرد، ودور الحبكة، والشخصية، والعلاقة بين الواقعية والخيال، وإلي حد كبير فقد النص الثابت ثباته، وظهرت التساؤلات حول القواعد الأساسية للرواية مصحوبة بنظرة اختلف فيها مفهوم الزمن، وتعمق الشعور بأننا نحيا في كون هو ذاته عارض وطارئ وبالتالي مجهول ووحشي يقوم على المصادفة إلي حد كبير، وبدا أن العالم لم يعد مبنيا على السببية بل على التجريبية، وزادت الشكوك في صلابة العقائد والمبادئ، وأحيانا في جدوى تلك العقائد، وأخذت الرواية وهي تفقد الكثير من ارتباطها السابق بالقضايا الواقعية والديمقراطية الذي ميزها سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية، تميل إلي التخلي عن أساليب الكتابة القديمة! التي تأسست على نظرة مختلفة، وراحت توسع لنفسها المجال في إدراك الإمكانيات الشعرية والرمزية، والمنابع الأسطورية، والتجريب، وإزالة الحدود بين الحقيقي والمتخيل، والوعي واللاوعي، وتشابك الأساليب وطرق القص، والتأكيد على إمكانية أن يصبح النص حدثا مكتفيا بذاته محكوما بإيقاع الإنشاء. ويقول جون هوكس في هذا السياق: " بدأت أكتب الرواية مفترضا أن أعداءها الحقيقيين: الحبكة، الشخصية، المكان والزمان، والموضوع. فإذا ابتعدت عن هذه الطرق المألوفة في السرد الروائي، لن يتبقى لي سوى الروية الكلية، والتركيب الروائي، أي بالدرجة الأولى: الترابط اللغوي والنفسي للعمل ". لكن الروائي الحديث فقد كما لاحظ هنري جيمس شيئا من إيمان القرن 19 بالواقعية، وميل الرواية إلي التوثيق الاجتماعي وعلاقتها بالأحداث والحركات التاريخية. وخلال ذلك تتجه جهود الروائيين أكثر فأكثر للتركيز على الشكل. وخلال التركيز على الشكل تبرز عمليتان مختلفتان، الأولى كما يشير الكاتب الأمريكي فيليب روث: " يلتفت فيها الروائي إلي ذاته، وتتكشف له قدرته وموهبته بوجودها وتصرخ فيه: أن! ا موجودة، ثم تلقي إليه بنظرة طويلة لطيفة قائلة: وأنا جميلة، فلماذا يلتفت إلي العالم إذن ؟ "، ومن ثم يبني الروائي عوالم خيالية تماما ويقيم احتفالية لذاته التي تصبح موضوعه المفضل تحت ضغط المأزق العام ومشاعر الكآبة والعجز التي تثبط همة الروائي وتدفعه للانسحاب الطوعي من الاهتمام بالظواهر الاجتماعية والسياسية الكبرى، إلي أن يكف الواقع الاجتماعي عن كونه موضوعا مناسبا للمعالجة الروائية. وكما تقول الروائية إيريس ميردوك فإن: " إحساسنا بالشكل باعتباره أحد أركان رغبتنا للتسلية والمواساة، يمكن أن يكون خطرا على إحساسنا بالواقع كخلفية خصبة منحسرة ". أما العملية الثانية التي تبرز مع محاولات تجديد الشكل فهي التي ترى أن ذلك التجديد كما يقول ميشيل بوتور هو: " أمر لا يناقض الواقعية على الإطلاق، بل إنه شرط ضروري للوصول لواقعية أكبر ". يضم كتاب " الرواية اليوم " اثنتي عشرة مقالة مختلفة تتناول جوانب عديدة من قضية الرواية، وإنجازات بورخيس، ونورمان ميلر، وجيمس جويس، غيرهم، والقضايا التي يثيرها الكتاب من! خلال مقالات مجموعة من كبار النقاد والروائيين تشبك بقوة مع مشكلات ووضع الروائي والرواية عندنا في يومنا هذا، ومن هنا تأتي الأهمية البالغة لذلك الكتاب الذي ترجمه الأستاذ أحمد عمر شاهين باقتدار وسلاسة ونشرته سلسلة مكتبة الأسرة. وفي اعتقادي أنه أحد الكتب التي لا غني عنها لكل مؤلف وروائي يشق طريقه إلي ذلك العالم الممتع والصعب، الذي تغدو فيه الرواية أحد أفضل الأجناس الأدبية لدراسة كيفية تحول الواقع إلي خيال.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى