الثلاثاء ١ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٥
بقلم رضا محافظي

الرقابة على الكتاب، هل هي الحل؟

احتضنت الجزائر منذ أيام قليلة معرضا دوليا للكتاب هو العاشر من نوعه و كان فرصة لعدد معتبر من دور النشر لعرض إنتاجها المتنوع على القارئ الجزائري. و من بين المواضيع التي طرحت قبل افتتاح المعرض موضوع الرقابة على الكتاب الديني المتطرف و ضرورة تأمين القارئ من مخاطره أو على الأقل عدم السماح للمعرض أن يكون أداة لإدخال ذلك النوع من الكتب إلى الجزائر أو الترويج له.

يجد هذا النوع من الاحتراز منبعه من عشرية دامية مرت بها الجزائر خلال سنوات التسعينات من القرن الماضي خلفت عشرات الآلاف من القتلى و أعدادا كبيرة من الجرحى و المعطوبين و المفقودين. عشرية لا تزال في مخيلة و ذاكرة من عايشها شبحا مخيفا و كابوسا مرعبا مجرد التفكير فيه يحيي في النفوس الآلام الموجعة السابقة و يفتح الجراح المؤلمة. و كان من أسباب تلك المأساة فكر ديني انتشر بين عامة الناس يكفر السلطة و الشعب معا و يجعل من الانقلاب الدموي على كليهما الحل الأمثل للانتقال إلى المجتمع الذي تراه تلك الفئة مثاليا و هدفا في الحياة.

و ما من شك في أن عددا كبيرا من الكتب و المنشورات المتنوعة كان وراء الترويج لذلك النوع من التفكير – بصورة مباشرة أو بصورة غير مباشرة - في ظل انفتاح من غير قيود على ما يرد من الخارج من كتب و مجلات و إصدارات مختلفة تسممت أذهان من اقترب منها لما احتواه البعض منها و للتفسير السيء و الخاطيء لما احتواه البعض الآخر. يأتي ذلك بعد سنوات من التقييد الصارم للكتاب الديني خلال سنوات عديدة خلق عطشا و نهما لمطالعته لدى الكثيرين و أوجد أرضا خصبة لكل من يريد أن يزرع أي فكر يشاء.

انفتحت الساحة بعد ذلك على كل وارد من الخارج و رحبت المطابع الوطنية بكل كتاب و منشور من ورائه ربح وفير. و هكذا كان السيف ذا حدين : طبقات اجتماعية متلهفة لقراءة كل ما له علاقة بالدين، و ناشرون همهم الوحيد البيع و الربح فقط دون مراعاة لما سوى ذلك من الاعتبارات، و يتوسطهما هواة الدعوة للدين و فقهاء الجهل و الضلال. وكانت نتيجة هذا التزاوج الغريب ضخ جرعات مسمومة من فكر متطرف هوت بالمجتمع ككل في غيابات جب عميق من التقتيل و الذبح و التدمير.

لكن هل التقييد على دخول الكتاب الديني المتطرف إلى البلاد هو الحل، أو بصورة أوضح هول هو كل الحل؟

بطبيعة الحال، لا يمكن لأية دولة أن تتخلى عن واجبها المتمثل في حماية نفسها و شعبها من سموم قد تبث من طرف أعدائها. لكن الطريقة التي يتم بها ذلك الدفاع أهم بكثير من ضرورة القيام به بحد ذاته. نحن في زمن التغطية فيه على أي فكر مهما كان ضالا أو مفسدا شيئا قريبا إلى المستحيل بكثير. و الأمثل يكون بمقارعة نفس الفكر بفكر أصلب و أصلح. ليست الحكمة في منع الفكر من الولوج إلى داخل الحدود بقدر ما تكمن الحكمة في منعه من الوصول إلى قلوب الناس و يكسب أفئدتهم. الأهم في العملية تكريس خطاب سياسي راشد مصحوبا بخطاب ديني أرشد يعملان معا في توافق ( و ليس في نفاق و تلفيق ) على خدمة مصالح الوطن و الشعب العليا يتم في إطارها الوصول إلى درجة يكون الفرد فيها قادرا على قراءة أخطر الأفكار دون أن يتأثر بها بالصيغة التي يصير لها عبدا أو معولا. و ليس هذا بالأمر الغريب أو صعب التحقيق و يكفي هنا النظر إلى عدد من المجتمعات الحاضرة التي تتوفر على روح وطنية عالية و فكر إنساني خالص يتواجد بين أطنان من الآراء و الأفكار غير السوية المنشورة أو المصرح بها و لا تجدها تتأثر بما يضع الكيان ككل في خطر محدق. مجتمعات فتحت صدورها لكل الآراء و لكل الأفكار بعد أن كانت حضرت عقول و شعوبها لذلك و بعد أن أشربتها صنوف العلوم وفق مناهج عملية سليمة حصنتها من التأثر العاطفي المتهور لكل ما هو قادم.

و ان كانت العملية ليست بالمستحيلة فانها بالموازاة مع ذلك ليست بالعملية السهلة. انها سياسات متينة بعيدة المدى لا تقبل ملامسة أصابع الهواة لها و لا تقبل الدوران في في أدمغة تكل بعد ساعات قليلة من التفكير و العمل. هي مهمة مؤسسات كاملة و خبراء نزهاء تمتد على مدى سنين عديدة لكن ثمارها أكيدة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى