الثلاثاء ٢٩ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم أنوار الأنوار

لا حرمة لمدينة محتلة

من شعارات المظاهرات

ترجمة عن العبرية

ألموج بيهار… [1]

أ-

جئنا بالطبول في صعود طريق نابلس. وأنا كل الطريق
كنت أخشى أن يزعج الضجيج راحةَ الجيران
إذ تذكرت أني لا يسعدني أن يمرّوا بالطبول في حيّي
وكنت أخشى أنّ الإيقاع أكثرُ ابتهاجاً من التعبير عن وجع
من أُلقوا إلى الشارع. غضبِ من جاءوا من الشارع.

ب-

يهوديٌّ بلحيةٍ أنا.. بكاسات شاي.. بمسيحٍ
لن يأتي بعدُ. بوصايا عدةٍ منذ أجيالٍ أمنّي
القلبَ بصونها فلا أفلح بذاكرة قداسة كلمات عربية
بحرفٍ عبريّ. وللحظة، من جانبَي الجدار المحبوك
الذي ترعرع عند عتبة بيت عائلة غاوي الملقاة إلى الشارع
التقينا أبناءَ ديانتين مختلفتين إنما أختين.
له أيضاً لحيةٌ وذكرياتٌ ووجهه يتجزأ عبر الجدار إلى عشرات
الأجزاء، وهو يرميني بتهمٍ قاسيةٍ كأخ،
أن غدوتُ مهجريّاً [2]، أنّني حانق، يأكلني الكره لذاتي، أحبّ
العرب, خائنٌ، أشي بأبناء شعبي في أشعاري، أكثر خطورةً
من اللاساميين، “كابو” [3]، وهو يذكّرني بفظاعةٍ
بمحارق أوشفيتز ويده الممتدّة إلى إله يعِد
بإعادة أرضه إلى شعبه أو شعبه إلى أرضه.
لوهلةٍ فكّرتُ بإمكانيّة أن نعود ابنَي ديانةٍ واحدة
يهوديّين أنهكتهما الاتهامات. تناولتُ يدَه
واقترحتُ عليه أن نذهب كلانا إلى قبر شمعون
الصدّيق، ونغدقَ الدّموع على الصدّيق وعلى الندوب التي أندبنا
في قلبه العجوز، لعلّ الصدّيق يبكي علينا وعلى عمق الصّدع
الذي يهدّد بتصداعنا وأرضِ إسرائيل، بين ألمانيا وفلسطين

ج-

ما أن وصلتُ إلى الشيخ جراح حتى رحتُ أبحث عن يهود.
كما في وصولي لبلد بعيد إذ أبحث عن رفقةٍ ليكتمل نصابُ الصلاة
أو ركنٍ بطعامٍ حلال وولائمِ السبت والعيد . وأنا على بُعد
عشرين دقيقة سيراً من بيتي، من كنيسي. وقتُ دخول
السبت يلحّ، وأنا أهمس لإلهي أن يتقبّل صرخة
الشعارات كما لو كنتُ استقبلتُ السبتَ أمامه
بأكمل وجه، وكما لو صليتُ له صلاة مساء
السبت بأكمل النوايا.

د-

وأردتُ عبورَ حاجز الشرطة
والهبوطَ للصلاة في قبر الصدّيق مع المصلين
القادمين جميعُهم مستحمّين متزيّنين. ننشد أمام الصدّيق
بجذلٍ كبير ونستقبل السبت
وأستسمحه أن أصلي مع الخطّائين
وأرجوه أن يلتمس العذر للمتظاهرين
الذين يفسدون السبت كي يقدّسوا وجهَ الله في أورشليم.

هـ -

وكان أن حلمتُ في إحدى الليالي: نأتي للشيخ جراح متظاهرين
جماعاتٍ جماعاتٍ من المطرودين ، وبيننا يسير اليمنيون الذين طُردوا
من مستوطنة كنيرت، ولاجئو الخليل اليهود منذ 1929
وعربُ البقعة، الطالبية، القطمون، مئا شعريم، لفتا
وعين كارم الذين طُردوا في النكبة، ولاجئو الرّبع اليهودي
الذين في 48 طردهم الأردنيون، وفي 67 أممت بيوتهم بيد
حكومة إسرائيل لتباع غالياً ويبقوا لاجئين،
والفلسطينيون الذين طُردوا من القرى المحيطة باللطرون في 67
والشرقيون الذين طُردوا من حيّ يمين موشيه ، بعد سنين
في مرمى القنّاصة ، كي يفسحوا مكاناً للفنانين والرسامين،
وسكانُ القرى غير المعترف بها في النقب، ومتضررو القروض البنكيّة
المقذوفون من بيوتهم بأوامر دائرة الإجراء ، وسكانُ يافا والمصرارة
المدفوعون لإخلاء بيوتهم لصالح غنيٍّ منهم ، وأهالي سلوان
الذين تهددُ أوامرُ الهدم بيوتَهم.

و-

وكان أن حلم عمدة أورشليم في إحدى الليالي : الشيخ جراح
تغدو إسفلتاً، ساحةً كبيرةً لوقوف السيارات، ومن رأى فيها تينة
ومن رأى فيها زيتونة، من رأى فيها كرماً، سيرى سياراتٍ في موقفٍ عملاق،
حتى آخر الأفق، كما مركز تجاريّ في مدينة أمريكيّة هادئة.
في الشيخ جراح سيحلّون مشاكل ساحات السيارات في أورشليم، ربما
في إسرائيل يحلّون كلّ مشاكل الساحات في العالم،
فلسطين كلُّها ستُكسى إسفلتاً ، لأن الحلّ يكمن في الإسفلت الذي سيهدّئ أخيراً
الصراعَ على قداسة الأرض، التي ستختفي..

ز -

ووقفنا مئات المتظاهرين أمام حاجز الشرطة في مدخل الحي.
نتقدّم ثمّ نتراجع، نتهرب من الشرطة ثم نعود
إلى ذراعيها، نتحرك في دوائر، نكاد نصل إلى الشرطيين
ثم نلتفّ هاربين، فيما هم يضربوننا كما آباءٌ غاضبون
يتلهفون لتربية أبنائهم،
كما طلابُ مدارس يصرّون على إعادة ما تلقّوا من ضربات
ونحن لا ندري هل نرجوهم أن يرأفوا بالشيوخ،
بالنساءِ الحوامل والأطفال، هل نقف ونتلقّى الضربات بحبٍّ
أم نلتفّ هاربين مجدَّداً ، حتى نعود من جديد.

ز-

ووقفنا مئاتٍ من المتظاهرين أمام حاجز الشرطة في مدخل الحيّ.
ونظراتُ رجال الشرطة، الذين وصلوا للتوّ من دورتهم التعليمية،
متعَبين من المناوبة الإضافية الني فرضناها عليهم،
من الأجرة القليلة، من صيحات الضبّاط والمتظاهرين،
قلقةٌ أن تمتدّ المظاهرة حتى دخول السبت هذا الأسبوعَ أيضاً
وقائدهم يأمرهم بصدّنا من الشارع، إذا لم يصدّوا
سيلغي لهم إجازة السبت، ونحن مع كلّ ضربةٍ نكرههم
وننسى قائدَهم، عمدةَ المدينة، والمحكمة.
وتمنيت في أعماقي لو أعبر لجهة رجال الشرطة ، أتناول البوق
من قائدهم، وأطلب بألمٍ من المتظاهرين أن يتفرّقوا، أنادي:
هذا الأسبوع نحن لا ندّعي بأنّ المظاهرة غير قانونية، لا،
إننا نرجوكم فقط أن تنتبهوا لذاك الأجر الذي يتقاضى كلٌّ
منا كذا وكذا شواقل عن كلّ ساعةٍ من المظاهرة،
مقابل وُعودنا لنسائنا بأن نأتي لوليمة السبت،
من فضلكم، اذهبوا هذا الأسبوع وتظاهروا في بيت عمدة المدينة،
رئيسِ الحكومة، أو المليونير الذي يشتري لهما البيوت،
في صالونات أهاليكم وجيرانكم ، أريحونا فقط هذا الأسبوعَ، رجاءً.

ح-

في الطريق للمظاهرة أذّن المؤذن من مئذنة المسجد بمقام الصَّبا
وكنتُ أنشد بهدوءٍ لإلهي في ذات اللحن:
“وتشهد أعيننا عودتَك لصهيون بالرحمات، بالرحمات” [4]

ط-

شمعون الصدّيق من بقايا الكنيس الأكبر كان
تلميذَ عزرا الكاتب، سيّدَ أنطيجنوس رجل سوخو
وكان يقول: على ثلاثةٍ يقف الكون:
على التوراة وعلى العبادة وعلى العمل الصالح
ونحن لسنا تلاميذَه ولا تلاميذَ تلاميذِه
ولا تقع علينا الفروض السماويّة بعدُ كما على تلاميذه،
ولسنا مطالبين بالعمل الصالح
إلا مع أنفسنا، والكونُ لم يعد قائماً
نسينا أن كنّا غرباء في أرض مصر، نسينا
أن التوراة واحدة ، وحكمها واحد لنا وللغريب
المقيم معنا، نسينا أن أبناء عائلة حانون ليسوا غرباء
في هذي البلاد, أن أبناء عائلة الكرد ليسوا غرباء
في هذي البلاد, أن أبناء عائلة غاوي ليسوا غرباء
في هذي البلاد, وما زلنا ننسى.

ي-

عند ساحة عائلتي الكُرد وحانون المطرودتين، جنديّ من حرس الحدود
يناديني: ماذا تفعل هنا؟ يسألني ما كنتُ أبغي سؤاله عنه.
منذ عامٍ فقط قرأنا معاً آريسطو، موشيه بن ميمون، الغزالي وجوانغ ديزيه،
وها هو الآن يعمل على إبعاد العقول
من بيوت المطرودين. “إنه معلمي”، يقول مرتبكاً
لجنديّ آخر ينضمّ إلى الحديث متذمّراً: كلهم يكرهوننا،
غاضبون منا أكثر من طيار يُلقي بالقذائف،
يشتموننا، وعلينا في النهاية أن نفصل هنا
بين الأولاد المتقاتلين كما لو كنّا حاضنات، ماذا تقول في هذا؟
وأنا لم أقل شيئاً، كنت لا أزال أحاول في ذهني أن أربط
بين موشيه بن ميمون والغزالي وبين الطرد من الشيخ جراح.
من شعارات المظاهرات

[1شاعر، قاص وناقد شاب بصوتٍ بارز في الساحة الأدبية العبرية حديثاً ، ولد عام 1978 في نتانيا لعائلة بجذور عراقية، تركية، نشأ في رعنانا ويحيا اليوم في القدس . حملت مجموعته القصصية الأولى عنواناً عربياً (أنا من اليهود) ، حيث تحكي القصة التي تحمل عنوان المجموعة حكاية شاب يهودي يجوب شوارع القدس ويحكي بلهجة جده العراقي وتعرض ما يواجهه من الشارع اليهودي. تُرجمت القصة وقصة اخرى مخصصة لمحمود درويش على يد محمد عبود ونُشرت في مصر .

حائز على اللقب الأول في الفلسفة والماجستير في الأدب العبري، يدرّس في ثانوية بالقدس ، ويعدّ أطروحة دكتوراة تناقش بين أدب اليهود الشرقيين الحديث في إسرائيل وبين أصول الشعر والمقامة في أدب الأوساط اليهودية في العالم العربي والإسلامي.

نال جائزة القصة القصيرة في مسابقة صحيفة “هآرتس” عام 2005 وجوائز أدبية في الأدب العبري . له إنتاج قصصي وشعري نُشر كثير منه في المجلات الأدبية والأنطولوجيات الحديثة.. كما تُرجم قسمٌ من أشعاره وقصصه للعربية وللغات أخرى.

[2مهجريّ: مصطلح استخدم في الثقافة اليهودية إشارة لليهودي الذي تقبّل المهجر بسلبيّةٍ وضعف بعكس اليهودي الفاعل الساعي إلى الهجرة لإسرائيل.

[3كابو: لقبٌ أُطلق في المعتقلات النازية على الأسير اليهودي العميل الذي يعيَّن عيناً على زملائه من الأسرى لضبطهم وإهانتهم.

[4مقتبَس من صلاةٍ يهودية (صلاة الوقوف أو الفصول الثمانية عشرة).


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى