الخميس ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
بقلم رشا السرميطي

تنبؤات العام ٢٠١٢

فلسفة مستقبلية

يا معشر الأدباء: استعدُّوا، وهلُّموا يا محترفي استخراج كنوز الورق، أيُّها الأثرياء بعلمكم، عملكم، وأقلامكم، كونوا الأغنياء عن خسارة أيام مزيدة من عمركم القادم. قد تُقدَّر بثلاثمائة وستين يوماً، لم تسقط أوراقها بعد من شجرة الحياة فوق رؤوسكم، لتنبت في سماء الكلمة فروعاً غزيرةً، تحمل كمَّاً مقبلاً يتنامى داخل رحم أبجدية الحكايات والروايات التي سوف تُكتب بأقلامكم السَّاهرة على راحة قرَّاءكم.

أنتم المهرة في لجم صهوة القلم، وتطويع وقود حبره، ليعدو مسافاتٍ بعيدةٍ تسبق أمانينا فوق حدود الأرق، ويتألق مبدعاً في أفق اللُّغة، لأنَّكم فرسان السطور التي يذاع لها من أعالي فقرات نصوصكم الشاهقة، حتى أواخر الحديث، لا أحد قبلكم لامس منبع الإحساس فينا، كنتم أوَّل المكتشفين لدواخلنا، فقطعتم الشريط الأحمر، ثمَّ قفزتم متألقين نحو النَّجاح الذي توَّج نبضكم، ببلوغ صمتنا، الذي تحدثتم به عنا بأقلامكم الذَّكيَّة، صاحبة الحسِّ السابع، يوم كتبتم ما لم نستطع البوح به.

أيُّها الشامخون، كما تلكم الحروف الثَّمينة خاصتكم التي فازت في السِّباق على الزَّمن، وتوقفت بنا في محطة لقاء أسسَّ لها البقاء فينا قراءة لذكرياتٍ خالدةٍ، ستروي لنا أحاديث شفاهكم السِّريَّة، وتقرأ علينا أعينكم الورقية ما آثرت له أن يظلَّ كامناً في قيعان الصَّمت، الذي يخيفكم دوِّيَّ صُراخه، ويرعبكم أن نسمع أصداءه، كمولودٍ حديث العهد يبكي، وأم غشيمة بدلع طفلها الأول، ستداعبكم حركات حروفكم، وتضحك عليكم كلماتكم، وترقص الجمل معكم سعيدة على السطور المستقيمة، في حجر دفتيّ كتبكم التي لم تنشر بعد، رغم أنَّكم أطعمتموها لذَّة مشاعركم، وأسقيتموها طهر دماء نبضكم، ستكبر على مدى الأيَّام والليَّالي من هذه السَّنة، لن ترضى ممارساتكم اللَّيليَّة، بل سوف تتمرَّد على فصل الكتمان، وتصرخ معاندةً رغباتكم، لتكشف لنا العديد من أفكاركم وأحلامكم الخضراء، إنْ قُدِّر لها في علم الغيب أن تكون مكتوبة. وإن لم يشأ الله لها أن تُرى نوراً يبزغُ مع الصَّباح عندما نشتاق إليكم، حتماً؛ ستسقط تلك الأوراق ممزَّقةً من كتاب حياتكم، فلا تُدرك دقيقةً كاملةً، كي تُتِمَّ نصَّاً استنفذ الثَّواني الأخيرة من آجالكم.

ها أنتم تُوَّدعون عام ألفين وإحدى عشر، في محطة رحيلٍ موشومةٍ بالحزن، من شدَّة الأسى الذي أصاب البعض منكم، أؤلئك الذين أتعبهم الحداد، وكثرة السَّواد الذي اكتست به أزمنة أفعالهم على أوراق الألم الماضي. نصبتم مشنقة مضارعة لما رُفع من الأحلام، وأعدمتم النُّجوم آمالاً مجزومةً – نهيَ العالي الدَّاني - حذفتم ميلاد حروف العلل سهواً لا محلَّ له من الرُّجوع، يمنع إلتقاء العبد بربه أثناء الصلاة، عندما تلطَّخت أرواحكم بحروف شائكة، حيكت من شياطين وساوسكم، وكُتبتْ أسطراً يتيمةً تنتحبُ غياب الأمِّ ورحيل الأبِّ، تشكو الغربة عن الوطن، أؤلئك الذين نسوا الله فنسيهم، وغفلوا عن طرق أبواب الدُّعاء والرَّجاء، فحُجبوا عن إجابة دعواتهم فأضحوا في غيِّهم يعمهون.

والبعض الآخر منكم، سيودِّع العام في محطة فرحٍ أبيض، مما عمَّ عليهم من رحمات الأوقات السَّعيدة، سكرات امتلأت بزغاريد النَّجاح أعراساً متواليةً، أولئك الذين أنعم الله عليهم وخاطبهم في كتابه الجليل، بأولي النُهى، فكانوا لله عابدين، وعكفوا في المساجد متضرعين بدعاءهم لله أن يهبهم السكينةَ في قلوبهم، سعوا نهاراً، وقاموا ليلاً، صبروا أكثر منكم راجين رحمة الله على حزنهم، فاستجاب لهم الله صدق توكلهم عليه، فأمر بنحر أوجاعهم، ورضيَّ عنهم، كما وأنبت داخل نفوسهم أزهاراً من الرضى الحقيقيّ الذي رُويَّ بحب الله لهم، فانتشوا بغمرةٍ من السُّرور المتساقط عليهم بغزارة قولهم: الحمدلله، ممَّا غسل أرواحهم بطهر الباطن والظاهر منهم، فكان مآل حياتهم عطراً زكيَّاً رحيقه الفرح لمن حظي بتنشق نقاء اللَّحظة - أملاً وعملاً لازم الإيمان - فكان الجود والكرم من الحنَّان المنَّان لا يُحصى.

تُرى؛ هل سألتم أنْفُسكم ماذا فعلتم بسابق أيّام عامكم قبل أن يُنسى وتُدسُّ صفحات رزنامته في صندوق الذكريات خاصتكم، أو ربما سلة المهملات عند العديد ممن غفلوا منكم؟ ماذا كتبتم بأيديكم من الكلام ليُعينكم على لقاء الغَّد يوم تسألون؟ أتراكم تعلمتم من خطايا العام وأعددتم للعام الجديد استقبالاً يليق برحمة الله فيكم أنْ أمهلكم عاماً آخر؟
لا تقولوا للأمس وداعاً، بل قولوا معي، إلى اللِّقاء، وتبقى الذكرى ناقوسٌ يدقُ في عالمنا الخاص بلا نسيان. وقولوا معي أيضاً للغد أهلاً، نورٌ تجلى بقدرة الأذكياء على حل اللغز العظيم.
لماذا نحن على هذه الأرض؟ وما جدوى بقاؤنا بلا غيابٍ أو رحيلٍ؟

توقفوا جميعاً .. مهلاً وكفى؛ هيَّا بنا نطوي الصفحة الأخيرة من هذا العام. لنكن برضا مما أصابنا، فكل أمر المسلم محكماً عند الله، لا للجدل بما فاتنا، فالأمس محال أن تعيده الأيام، والغد قادم محال أن نستأخره أو نستعجلة إلا في دنيا الأحلام والأوهام، كونوا بنهج الله وشريعته مستنيرين، فالله يهدي بنوره الصالحين، ولنكن جميعاً ممن ذكروا الله فذكرهم، وجعلهم سعداء الدنيا والآخرة، ورزقنا وإيَّاكم الفردوس بعد انتهاء الأجل. إيَّاكم أن تضيِّعوا الثانية من ساعاتكم، فتنتهي بكم السنين وأنتم من النَّادمين. ولا تقولوا شيئاً عن المتديِّنين، فأين اللِّين من تعصِّب القائلين؟ أهكذا نحقق التفاهم! يا حسرة على الليالي كم أضاعت في السهاد من السَّاهرين، بؤس وكدر على الأحوال كانوا لائمين، فجهلوا مآل، إنَّا لله وإنا إليه راجعين.

عام التغيير.

فلسفة مستقبلية

صالة العرض


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى