السبت ٢٨ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٢
الجزء الثاني
بقلم هيثم نافل والي

تأملات في شخصية الإنسان العراقي

إذا أردتَ أن تغير من نفسك، وتجعلها صادقة... فأبدأ من ذاكرتك. كاتب المقال.

لقد وعدت القارئ، بأنني سأكتب مجدداً في هذا الموضوع الحيوي والمهم، إن سمحَ لي الوقت؛ وها أنا أوفي بوعدي، فأقول: إذا أردتَ أن تتحرر من العمل... فأعمل.

كتبَ لي أحدهم، عندما كتبتُ الجزء الأول من تأملاتي في شخصية الفرد العراقي؛ غاضباً، ثائراً، وكأنني قاتل أبيه! ينتقص مما كتبته بشأن شخصية الإنسان العراقي... عجباً، فهو لم يلاحظ انفعاله ألا عقلاني، والغير مبرر، وهو يدافع عن تلك الشخصية بشكل فطري وكأنَ علوم النفس والاجتماع جاءت للتسلية أو للسخرية... وقد يكون فهمها على إنها ضرورية لجلسات هزّ الصدور والبطون ورن الأقداح والخمر فيها يدور!

هناك دراسات قامَ بها باحثون، لم يكن لهم من همّ سوى بحوثهم العلمية تلك... خرجوا بنظريات قد تكون صائبة بعض الشيء وقد لا تكون، لكنها دراسات جاءت تحاكي الشخصية العراقية وبكل ما تحمل من تناقضات كبيرة، غريبة وعجيبة... بل يجزمون هؤلاء بأنَ الفرد العراقي هو أكثر الناس غرابه وتناقض من باقي الطوائف والملل العربية الأخرى.

من الطبيعي أن يكون هناك أسباب جوهرية؛ جعلت الباحثين يخرجون للناس بهذه الأحكام التي تبدو من الوهلة الأولى تهكمية، لكن، عندَ النظر والتفكير في أحكامها نراها صائبة وفيها من الصدق والواقعية الشيء الكثير؛ ولا يختلف العراقيين في تلك الصفات كثيراً، فهم وأنا منهم ممن نعاني بشكل صارخ وبشكل يومي من التناقضات التي نقوم بها بعلم أو دونَ وعي، سامحنا الله.

فاللبس العربي البدوي الريفي وما يناقضه من لبس في المدينة هي أحد هذه التناقضات التي يعيشها الإنسان العراقي؛ كذلك النظام العشائري القبلي، ونظام الحكومة المركزية؛ هما نظامان متناقضان جداً، بل هما لا يتفقان أبداً.

اللهجة العراقية، بل لنقل اللهجات العراقية التي يدور الرأس فيها عندَ سماعها؛ ففي غرب العراق هناك لهجة تختلف عن لهجة جنوبه، ولهجة ولغة شماله تختلف عن لهجة جنوبه وشرقه... وهكذا نجد الفرد العراقي خليط في وسائل الاتصال الحياتية اليومية؛ أليست هذه تناقضات صارخة يعيشها العراقي دونَ أن يفكرُ فيها ويتمعن في خطورتها؟!

ألم تعي البلدان المتقدمة لتكَ الأخطار منذُ زمن بعيد؟ ألم تجعل تلك البلدان المتقدمة الفواصل والاختلافات في مثل تلك الجزئيات المهمة من حياة أبناءها قليلة جداً، إن لم تكن اليوم معدومة.

ثمَ نرى وفي عصرنا الحالي الذي ندور في أفلاكه بلا رحمة أو اجتهاد... البعض من أمثال صاحبنا الذي يتهمنا بالجهل والتحريض والانتقاص دونَ وجه حق؛ بعدَ أن تناسى بأنه من تصرفه هذا... سيكون مثلاً واقعياً لما نحن في صدده...؛ فطبيعة وشخصية العراقي، عرفت بالتكبر والاستعلاء بوجود مبرر أو من عدمه، تلكَ النظرة المتعالية جعلت الكثير من الشخصيات المثقفة، المطلعة وحتى الشركات الدولية لا ترغب في التعامل معَ الفرد العراقي لغروره الغير منطقي.

شهدتُ يوماً طلب أحد رجال الأعمال وهو يقول لمعاونه: أجلب لي عمال أضافيين... بشرط أن لا يكونوا عراقيين! تدخلت بشكل عفوي وقلت له مستفسراً عن السبب؛ فقال مقتضباً بحزم لا تنقصه الجرأة:

العراقيين معروفين بتبديد الوقت وهدره، وبتعاليهم المفرط فيه، وبذكرهم لتأريخهم الحضاري القديم العريق، بشكل يدعو للاستغراب!

ترى ما صحة ما قاله هذا الرجل ألالماني الغريب الذي ضننت من الوهلة الأولى بأنه عنصري، ولا يحب العرب! لكن وبعدَ أن قرأت ما أفصحَ به، وتمعنت التفكير فيما قال... وجدته إنسان مطلع، مثقف، وصادق ولم يكن كما ضننت بأنه هتلري!

فالعراقي يحب التاريخ البابلي كثيراً، بل يعشق كل ما هو سومري إلى حد المرض، شفانا الله منه؛ والعيش في زمان لم يكن هو صانعه، وكما يقال من يعيش للمستقبل، كالذي يعيش في الماضي... كلاهما مريض، والعياذ بالله.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى