الأربعاء ١٥ شباط (فبراير) ٢٠١٢
بقلم مهند عدنان صلاحات

«توق» يواصل نجاحه بمشاهدات مليونية

لا يزال المسلسل التاريخي البدوي «توق» يحصد نجاحاته؛ فبعد العرض الأول على قناة روتانا خليجية في رمضان الماضي، وتحقيقه نسب مشاهدة عالية، استطاع تليفزيون قطر شراءه حصريًّا كعرض ثاني في أكتوبر الماضي، وآخيرًا وليس آخرًا يعرض الآن على قناة «إم بي سي ١» من أقوى وأوسع القنوات الفضائية انتشارًا في الوطن العربي وليس الخليج فقط مما يدل على أن «توق» حقق نجاحًا كبيرًا ومنقطع النظير خاصة أن «إم بي سي ١» لا تعرض أي مسلسل قبل الموسم الرمضاني إلا ويكون قد حقق نجاحًا متميزًا ومشهود له..

وإذا ذهبنا إلى تحليل هذا النجاح بالأرقام فنجد أن موقع المسلسل الأليكتروني وصفحته على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك وحلقاته على موقع اليوتيوب والمنتديات العربية شهدت إقبالا تخطى مئات الآلاف من الرواد ما بين المشاهدات والإعجابات والتعليقات وتحميل حلقاته، وبالطبع لا يوجد مسلسل يحقق هذه الأرقام على صفحات الانترنت إلا وإذا كان قد حقق بالفعل أرقامًا مضاعفة تصل للملايين في المشاهدة بشاشات التليفزيون، ولا يزال مستمرًا في مضاعفة هذه الأرقام بعرضه على «إم بي سي ١» صاحبة الانتشار الأكبر في الوطن العربي.
وهذا ليس بكثير على مسلسل تخطت ميزانيته 18 مليون دولار ومن إنتاج مشترك بين أكبر الشركات الإنتاجية في الوطن العربي وهي فرح ميديا للمنتج إسماعيل كتكت وكريزما الخليج اللبنانية للمنتج أيمن الزيود، ومن تأليف الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن صاحب الرواية «توق»، وسيناريو وحوار عدنان العودة، ومن إخراج التونسي المتألق شوقي الماجري، ومشاركة نخبة من نجوم الوطن العربي على رأسهم غسان مسعود وسلافة معمار من سوريا، وعبد المحسن النمر من السعودية، ومحمود قابيل من مصر، ومنذر الرياحنة من الأردن، وكريستين شويري من لبنان.

فبنظرة أولية نجد أن المسلسل توافرت وتحققت فيه كل أسباب ووسائل النجاح والدعم، ولكن ليس كل عمل فني تتوافر فيه هذه الأسباب والوسائل ينجح نجاحًا مثل هذا، ويملئ الدنيا ويشغل الناس، فوراء هذا النجاح إبداع آمن به كل من عمل واجتهد في هذه العمل الفني بداية من الرواية «توق» وصاحبها الأمير الشاعر بدر بن عبد المحسن، وتحوليها إلى عمل فني على يد كلٍّ من السيناريست والكاتب عدنان العودة، والمخرج شوقي الماجري مرورًا بنخبة من نجوم الوطن العربي..

هذا الإبداع يظهر في الجهد المبذول في كل أركان العمل من تصوير وإخراج وديكور وملابس وموسيقى وسيناريو وحوار وأداء تمثيلي رائع لكل من شارك في «توق»، ويظهر هذا من مدى تأثير كل هذه المكونات في المشاهد من خلال التعليقات التي وجدناها على صفحة المسلسل على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك واليوتيوب، المنتديات التي تحدثت عنه ونقلت حلقاته للمشتركين بها بالإضافة إلى تعليقات القراء على كل ما نشر عن «توق»، فنجد أحدهم يقول: «أخاف أضع موسيقى المسلسل نغمة للموبايل لتطلع لي توق!!»، وآخر: «أخاف أشاهد المسلسل قبل ما أنام ليظهر لي سراب!!» فهذا إن دل يدل على أن المشاهد عاش وتعايش مع العمل وهذا نجاح إبداعي غير النجاح الجماهيري الذي حصده العمل وتخطاه بمراحل.

كما نجد آخرين يعلقون على الملابس والديكور وكيف كانت موافقة ومعبرة عن الأزمنة التي طاف بها المسلسل وتنقل بالمشاهد بينها وهو جالس أمام الشاشة التليفزيونية، وآخرين يعلقون على حركة الكاميرا والتقنيات الفنية الرائعة التي تم توظيفها بإتقان من قِبل الماجري، وآخرين يعلقون على الأداء الراقي والمتميز لنخبة النجوم المشاركة في العمل، وما أكثر التعليقات التي حظيت به قصة العمل للشاعر بدر بن عبد المحسن وكيف شد انتباه وحس المشاهد من بداية أول حلقة وحتى نهايته، وكيف استطاع بالأشخاص والأحداث والألغاز والمفاجآت والمزج بين الواقع والخيال من ناحية وحكايات الجن والأساطير من ناحية أخرى أن يجعل عنصري التشويق والإثارة مكون أساسي في كل حلقة يشاهدها الجمهور، ولا ننسى الأشعار التي تخللت الحوار فهي من تأليفه أيضًا والتي جعلت لحوار المسلسل على لسان أشخاصه طابعًا مميزًا ومختلفًا عن أي عمل درامي آخر..

كما طرح الكاتب أيضًا قضية لم تثار كثيرًا في الدراما العربية وهي علاقة الشرق بالغرب، وكيف الغرب ينظر إلى شرقنا، وكيف يتعرف عليه، فكانت هيلين الباحثة التي أتت في رحلة استكشافية للشرق لأنها مولعة به، وكيف ظهر لها سراب، ودلَّها على صحراء الرماد، وكيف اختطفت، وعلاقتها به، كل هذا استطاع الكاتب أن يوظفه في إطار من الدراما الفنية، وحبكة مبنية على عمق ثقافي وقوة معالجة فاطنة وهاضمة للقضية الحقيقية، وهي أن الغرب مولع بالشرق، ولكن لا يعرفه جيدًا، ويحتاج إلى الكثير والكثير لاكتشافه والبحث عنه حتى تكون العلاقة متوازنة ومتبادلة بينهما، وقائمة على الاحترام والتوافق والتكامل الحضاري..

لقد استطاع المسلسل الدرامي «توق» أن يثبت للجميع أن هناك إبداع عربي قائم وقادم في الطريق، ولكنه بحاجة إلى تضافر الجهود، إن مسلسل «توق» لمفخرة للدراما العربية، فعمل درامي بمثل هذا الحجم وهذه القيمة لهو علامة فارقة في تاريخنا الدرامي، شئنا أم أبينا، اعترفنا أم اختلفنا، اليوم أم غدًا، ستأتي أعمال درامية ناجحة تبني على ما حققه هذا العمل التاريخي لأنه استطاع أن يحقق قدرًا من النجاح يذهب بالقادم ويتقدم به إلى الأفضل والأفضل وليس الأسوأ، وهذا بالطبع يحسب للعمل وكل المشاركين والقائمين عليه


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى