الأربعاء ٧ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم ذكرى لعيبي

النقش في الذاكرة

قبل بدء مواسم الخوف من الطوفان ، ومواسم الحب الخريفي الصعب،قبل بدء البدء كان يلاحقني صدى صوته،تمزقني تلك الأعشاب الجامدة التي نمت فوق صدره منذ كان بلا اسم، زرعت بداخلي مبادىء الأبتكار واخترعت الجفون،جعلت الأنهار مالحة والبحار عذبة ،ابتكرت الكتابة فوق رئة الأوغاد،فتلاشى التاريخ مع الدم الفاسد،ابتكرت الأمطار فوق سفوح (حصاروست)،ابتكرت الانبهار في شلالات(بيخال)،لم يكن لأحد أن يصدق بأن النجمة يوماً ستدق بابي لتعرض عليّ صداقتها،ولكن سأرفض لأني أريد القمر!وذات يوم جاءني بلا موعد،ماءت قطتي الكبيرة،ايقنت أن النصف الآخر من الكرة الأرضية الآن بلا ضوء،طلبت من قطتي أن تبعث عينيها الفسفوريتين لتضيئا ذاك النصف.

رائحة الخجل تفوح من القمر..سحبته من تضاريسه الباهتة واقنعته بأن الخجل أحد علامات الجهل!رضخ القمر المسكين وبات في مملكتي سنوات.تعبت القطة بلا عينين.هاج البحر وبعث حوته إلى القمر وبدأ يأكله شيئاً فشيئاً،خاف الناس من الظلام، وقفوا في صفوف منتظمة..الرجال أصحاب الكروش في الأمام ومن ثم الرجال الجبناء..النساء العاقرات على اليمين،النساء الولودات على الشمال،الأطفال بلا أصابع في الهواء..آه ما هذا الهراء،الكل ينادي حين يكتمل اختفاء القمر (ياحوتة يا منحوتة خليه..هذا القمر مالك بيه).

لم أستوعب الشريط الأسود الذي يوشحون به جانباً من صورة الشخص الميت أنه انهيار لروحه ،لماذا لا يضعون شريطاً أبيض أو أزرق..أن الروح تبقى بحاجة لفضاء واسع.

كان يلاحقني أم كنت ألاحقه؟ لا أعرف فقد اختلطت المواسم في زمن التكاثر الخضري،كل فلسفات العصر لا تؤيد الاندماج العضوي،ولكننا انتهينا لشاطىء بحجم البساط الطائر،رماله حبات من اللؤلؤ،نوارسه بلون النجوم حيث يقبل العيد.غصنا بأعماقه وأنجبنا البلاد القادمة،ارتبطت به رغم إرادتي،ليس فيه شيء يدنو من مستواي،أنا والقمر عاشقان غرسنا بذور التنهدات في رحم الأرض،ثم بدأنا بسقيها من الفصول المندثرة حتى صارت تطاول برج العذراء ولا مغيث. جن الظلام في هذه البقعة من الكون وظل ثلاثة أيام،بدأت روحي بالتثاؤب،هل يحق لها أن تنام الآن في غفلة من الزمن الغاضب؟لاتؤجل عمل اليوم إلى الغد يقولها الأستاذ كبغبغاء ،على الرغم من أنه يؤجل وضع العلامات على دفاتر الإملاء إلى أن ينتهي العام!يذكرني بجدتي حين كانت تنصحني بأن أطرز أول حرف من اسمي على محرم يدي،لم أكن أتقبل النصيحة،كنت أقول لها : كيف أطرز اسمي على محرم من الورق الخفيف،كانت تقول: هذا لا تستعمليه واستعملي واحداً من قماش ناعم.كنت أؤجل عمل التطريز لعدم قدرتي..ولكني استوعبت ما تريده حين أصبحت جدة وبدأت أردد ما كانت تقوله على الرغم من أني أعرف أن هذا يتنافى مع قانون العصر وستحد المملكة يوماً ما من هذياني.

بدأت كلماتي تنفذ والحبر انتهى،داهمني النعاس،قمري ركل استدارته وصار محاقاً،قطتي ذات العيون المتوهجة راحت تبحث عن كلب لتأكله!وأنا رحت أبحث عن زمن يمحو ذاكرتي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى