السبت ١٠ آذار (مارس) ٢٠١٢
بقلم كامي بزيع

حكاية ثقة

تتأمل البحر في لحظة المغيب.. عشرات المرات قد شاهدت هروب الشمس الى النصف الآخر، لكن في كل مرة طعم جديد.. تسمر عينيها على الخطوط القرمزية وهالة حمراء تغرق في البحر.

اعتادت منذ زمن طويل ارتياد كورنيش البحر… الذي يقدم لها نزهة مجانية، حتى إنه بات يعرف وقع دعسات قدميها … أصبح الكورنيش يعرفها جيداً كفرد من افراد عائلته الواسعة، هل صحيح إن الأمكنة تصادقنا؟.. هذا ما كانت "سلمى" تقوله لنفسها وهي برفقة صديقين، في الوسط تسير بينهما كأميرة تعرف جيدا مواصفات مرافقيها، عندما مر بقربهم بنظرة فاحصة. إنه هو، أيضاً لا يزال يرتاد الكورنيش مثلها..

كان رفيقها أثناء دراستها في كلية الآداب .. اخضر العينين، شعره أشقر، قده ممشوق لكنه يدخن كثيراً … كانت سلمى ولا تزال تمقت التدخين، وكان دائماً يجعل من سيكارته قصيدة ينفث من خلالها ما يشاء من اشعار.

حدق قليلاً في عينيها .. ملتفتاً إلى الشابين على جانبيها، هي مثله أيضاً لا تزال ترتاد الكورنيش.
أحبها كثيراً. وكتب لها كثيراً من القصائد.. حيث كانا يجلسان على حديد هذا الكورنيش.. ويقرأ لها بدون بتوقف، حتى البحر ضج بالكلمات فلفظها امواجا.

فجأة تشعر بحرارة لاهبة على وجنتيها، اعادتها سنينا الى الوراء يوم هوت يده على وجهها صفعةً مفاجئة.. لأنها كانت برفقة زميل آخر في الكلية، يراجعان بعض المحاضرات في المكتبة.. يومها استفاقت من ذهولها على صورة وحش هائج، تنهشه الغيرة ويعميه الشك.

منذ تلك اللحظة.. انكسرت زهرة كانت تنمو بداخلها تجاه هذا الشاب.. وحل محلها شعور عميق بالأسف والحزن .

عشرات المرات حاول مصالحتها واسترضاءها .. لكنها قالت له بصراحة إن الإناء المكسور لا يمكن إصلاحه أبداً بعدما تبعثرت أجزاءه. وهي كانت اناء من بلور الاحاسيس والمشاعر.

ذات يوم تفاجأت به وأهله في دارهم.. وقد جاء والدها ليخبرها أن صديقها الجامعي جاء ليطلب يدها وان الكلمة الاخيرة تكون لها.. يومها وقفت أمام الجميع وصفعته ... لكنها لم تشعر ابدا انها ردت له الكيل، ورغم ذلك ارادها شريكة لحياته، ربما لينتقم منها بشكل مناسب!...

أنبه أهله على استذلاله هذا، وما كان منهم إلا أن انسحبوا مهددين بأنهم سيعرفون الثأر والدها طيب خاطرهم بانه لا داعي للعصبية "فالاولاد يعرفون كيف يسوون اوضاعهم" .. اما هو فعاد وعاد مرات عديدة امتنعت فيها عن مقابلته.

لم تنام سلمى تلك الليلة . فهي لم تكن تتصور نفسها تصفع أحداً لكن جرحها كان عميقاً وظلمها كان أكبر …

ذلك المساء غمرها والدها بحب وحنان.. واخبرها انها سيدة نفسها، ولها وحدها يعود حق تقرير مصيرها، واذا كان هذا الشاب يسبب لها تهديدا بمعنى ما، "فانت لست وحدك، واذا كنت تحب هذا الشاب فان التسامح امر فيه فضيلة، وفي المقابل الضغينة لا تقتل الا صاحبها". التفتت الى والدها وقالت له.. ليست المسألة مسالة حب، انما الثقة هي ماخسرته معه. ودون ارادة منها أجهشت بالبكاء لكن كلماتها ترددت صداها في المكان معلنة " الثقة مفتاح الحب والحرية" .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى