الجمعة ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٦
بقلم عبد الحكيم أبو جاموس

زناد الخصر - القسم الأول

الإهــداء ..

إلى صغيرتيَّ الجميلتين،

بيسان ورشا:

شَمْعَتانِ مِنْ أَمَلْ
وَدَمْعَتانِ مِنْ فَرَحْ
فَراشَتانِ في حَديْقَةٍ جَميْلَةْ
عُصْفورَتانِ تَرقُبانِ طَلَّةَ القَمرْ
تُغرّدانِ في سَعادَةٍ
وَتَرْكَبانِ مَوْجَةَ المَرحْ

مـُقَــدّمـَـة

جسُّ نبضِ القصائدِ في ديوان "زناد الخصر"

د. فايز صلاح أبو شمالة

يبقى المضمونُ للقصيدة، بمثابةِ العامودِ الفقريِ الذي تتفرّعُ عنه الأطراف، وكلُّ شعرٍ فَقَدَ مَضمونَه، فَقَدَ بَصَرَه، ومجسّاتِ وَعْيِه، وانطَفَأت فيه عينُ البصيرة، لأنَّ المضمونَ موقدةُ الشَّجَن، التي يُلقي فيها الشّاعرُ حَطبَ المعاني، فتشتعلُ معه الأحاسيسُ بما أدركت، وتتحرّكُ فيه المشاعرُ بما استثارت، ورغم أنّ المضمونَ مرشدٌ للعواطفِ الإنسانيةِ في تأجّجها، إلاّ أنَّ انفعالَ العاطفةِ يُضفي على المضمونِ دلالاتٍ جديدةً، ويومئُ بإيحاءاتٍ مُفتَقَدةٍ بالتجريد، فدونَ لمساتِ العاطفةِ، يَفقدُ الشّعرُ بَريقَه، ويتوهُ ظنُّ القارئ، ويزوغُ وجدانُه في فراغِ المتراكمات، وهو يلاحقُ ألاعيبَ حشدِ ألفاظٍ، ومَزجِ أخيلةٍ أقربُ إلى حركاتِ بهلوانٍ يتقافزُ على حبلِ الكلماتِ دونَ أن يتركَ ظِلالاً.

مضمونُ القصيدةِ هو الّذي يُرخي للخيالِ الرَّسَنَ دونَ الانفلاتِ الطائشِ، والتوليفِ الخَرف، الذي أخرجَ الشّعرَ من المقروءِ والمسموعِ والمهموسِ المدركِ المثيرِ للحواس، إلى مجردِ ألفاظٍ لا تهزّ ذاكرةً، ولا تُرقّصُ قلباً، ولا تخلعُ أنفاساً بشهيقِ التّماسكِ الفنّي للقصيدة، الذي هَدْهَدته الموسيقى، فأخْرَجَته من عفويةِ الكلامِ النثري وتخبّطه، وانفجاره الصوتي إلى الانسيابِ الشّعريِ المنغّمِ العذب، أليست الموسيقى في الشّعر كعطرِ اقترانِ الشرط؟.

ما سبقَ من توصيفٍ للقصائدِ مَثّلَ محورَ ارتكازِ ديوانِ شعرِ (زناد الخصر) للشاعر عبد الحكيم أبو جاموس، الذي استمسكَ بالمضمونِ في قصائدَ عَبَّرَت عن وحدةِ حالٍ سَلِس، فلم تكن الكلماتُ مُتسكّعةً في شوارعِ الكتابة، أو هواجسَ ضَلّت طريقَ الإبداع، القصائدُ مَثَّلَت فِكرةً تَزَيَّنت بما شفَّ من الحرير، وصورةً تآلفت بما توافقَ من التعبير؛ يقول في قصيدة بعنوان الشهيد:

يداهُ تُشعلانِ غابةَ السَّماء

وتُرعبانِ قَبضةَ الرَّدى

سناءُ وجهِهِ كَطَلعةِ الضّياء

وَبَينَ راحَتَيه يرقدُ المخيمُ

وَيَسجدُ النَّدى

على ظِلالِ قَبْرِه

لا يقفُ جمالُ الشّعرِ في الفقرةِ السابقةِ على جمالِ القافيةِ المتجاوبةِ بين الألفاظ: الرّدى، والنّدى، وعلى، أو بين ألفاظ: السّماء والضياء وسناء، بل تعدّى ذلك إلى توظيف حروف المدّ في: (يداه، ترعبان، غابة، راحتيه، ظلال) بما يتواءم والحالة النفسية، التي يعبّرُ فيها عن موقفٍ تآخى فيه الحزنُ مع البطولة، وأبحرت التضحية بأشرعة الدمع، لقد أَذِنَ الشاعرُ للمتلقّي أن يشاركَه الحالةَ الوجدانية، موظِّفاً لذلكَ أدوات الإبداع الفنّي التي أعانته على توصيل الفكرة، فعندما تدافعت لحظاتُ الحزنِ المسجونِ، ووجدت لها متنفساً في قصيدة، جاءت ألفاظُها متوائمةً مع الحالةِ التي يشكو منها السجين، وتتحشرجُ في أنفاسه، ومن أجلها أقام صاحب السجن سجنه، يصف الشاعر ذلك، يقول:

أراك.. تُصلّي بقلبٍ تَفَطَّرَ

في المُهجَةِ الدامِعَةْ

إذْ غابَ عَنه حَبيبٌ وَمَنزلْ

وَأُثْقِلَ بالنّارِ،

مِثلَ ذُبالَةِ شَمعِ المساءِ المُمِلّْ

تَهَدَّلَ ضوءُ سِراجِكَ

في اتّجاهَينِ،

يُشبهُ رُعْبَ مِشْنَقَةٍ

تدلت

دلالة الألفاظ السابقة لها انعكاسان متشابهان، يفصل بينهما شبك الزيارة، الأول انعكاسها على السجين نفسه، ومن خبر تجربة السجن، والثاني انعكاسها على أهل السجين ومن تقاسم معه تجربة الهمّ والقروح، ذلك ما دلّتني عليه الألفاظ التالية، التي ساقتها دلالتها إلى اتجاهين متقابلين لشبك الزيارة، وهي: (غاب، حبيب، منزل، أثقل، ممل، المساء، رعب، مشنقة، تهدّل) كل ما سبق من ألفاظ تم حشده في الأسطر الشعرية السابقة التي أوحت للألفاظ بدلالة السور والسقف والقضبان، والجدران، والأشواك، ومن ثم مشقة الوصول إلى من ابتلعته في جوفها، وكل ذلك يؤدي دوراً وظيفياً خادماً للنص، ومعززاً للمعنى الذي يحاول الشاعر أن يَعبرَ بالمُتَلَقّي من خِلاله إلى قِمَّةِ التّوحّدِ مع حالَتِه، بل راحَ الشّاعرُ يوهِمُ بِصَبرِ المتلقّي في محاولةٍ إضافيّةٍ يؤثّر فيها على بقيّة الحواس، ذلك من خلال تَشظِيَة كلمة (تدلّت) كتابياً على هيئة حَبلِ مِشنقةٍ يَتَأرجَحُ بالحروف!!

في ديوان (زناد الخصر) يُبرمُ الشاعرُ حِلفاً فَنّياً بين دلالةِ الرّمزِ التاريخي والواقعِ المُعاش، ويحدّد المشابَهَةَ في التَّمزّقِ والبهتانِ بين أزمنةٍ غابرةٍ جاهليةٍ، وزمنِ التّهربِ من المسؤولية، والالتفافِ على المقاومةِ بشعاراتِ الخذلانِ والضّعفِ، يقول:

ألا أيّها المُحبطونَ،

كَفاكُم من الذُّلِ ما قدْ شَربتمْ

تَداعتْ عَليكُم ذُنوبٌ

وَضاقتْ عَليكُمْ بُيوتٌ

سَيَحشدُ أبرهةُ العصرِ أفيالَه

من حَديدٍ مُجَنزرْ

أحقّاً سَتنجونَ مِن بَينِ أضْغانِهِ؟

الجواب هو: بالتأكيد لا، لن ينجو أحدٌ!! لذا يكون الحضُّ على المواجهةِ إجابةً على الاستفهامِ المتشكّكِ الذي استعانَ به الشاعر، وبالتالي، يصبحُ اقتحامُ النصرِ ضَرورةً تتقافزُ كإرادةٍ شابّة، وتتواثبُ بينَ أسطُرِ الديوانِ من حَرفِه الأول، لترتقي أحياناً إلى مستوى المقولةِ التي تَغدو مَثلاً، أو قَولاً خَفيفَ الحَركة، يَسهلُ تَرديده وتداوله؛ كقوله: (فلا رُدَّ سَيفٌ لِغِمدْ):

لنا النّصرُ

يا أُمّةَ الرّافِدَين

فَلا رُدَّ سَيفٌ لِغِمدْ

إنّها دعوةٌ صريحةٌ ومفتوحةٌ على كافّة الاحتمالات، تستندُ على أنّ حتميّةَ الانتصارِ مرجعيّةٌ مُقدّسةٌ، وهذا ما هيّأ للشّاعِرِ اختزالَ عُنفِ المقاومةِ بِرَقيقِ القولِ ومٌخْتَصَرِه، رغمَ ما يُعانيه من مَرارةِ الواقعِ، وظلمِ الحالِ، وخُشونَةِ المواجَهةِ اليوميةِ على أرضِ فلسطين، لقد تمكّنَ من شحنِ رقيقِ القولِ بمُتفجّرِ المعاني، وعبّر عن بعيدِ الأمنية، وهو يقول لنا: لا تُصدّقوا (الميكافلية) في السياسة، إنّ الأهدافَ النّبيلةَ لا تُحقّقها غاياتٌ خبيثة، وتَصلُّبُ المواقفِ لا يَقِفٌ على حُدودِ الكلماتِ الثوريّةِ فقط، إنّما بالعمل الذي قد تضمّنته كلماتٌ رقيقةٌ صادقةٌ معبّأةٌ بالإصرار والوطن، يقول:

وَجنتانِ مِن عَبيرْ

ورمشُ عينٍ من حََريرْ

أُؤْمِنُ أنّ قاتِلي سَينتهي

لِلَعنةِ المصيرْ!!

حملت المقابلة في دلالة المعاني، بين العبير والحرير من جهة، ولعنة المصير من جهة أخرى، جماليّة التركيب، ولكنّ السبب في الإضفاء الجمالي على مجمل النصّ، يرجع إلى توظيف لفظتيّ العبير والحرير، الناعمتين الرقيقتين في المقاومة، وتوظيف لفظة المصير بالمردود السلبي والعكسي على المغتصب، الذي أنكر مصير الآخرين!!.

إنّ تغميسَ رقيقِ اللفظِ في الهمِّ الوطني، لا يعني أنّ الديوانَ ظلّ ينحو ذلك دون التنبّه إلى مضامين الحياة، وتعدّد استحقاقاتها، فما دامت حياة المجتمع الفلسطيني تمازج بين المقاومة والفداء، وبين الإصرار على البقاء، فإنّ التعبير الصادق عن ذلك سيأخذ الحالتين، لذا ضمّ الديوان نوافذَ شوقٍ تُهفهفُ مع ريح الشمال، وانفتح الشعر على الشقّ الآخر من الحياة المدنيّة الإنسانية، فصارت اللفظة المتأجّجة مع العدوّ، برداً وسلاماً على الحبيب، يقول:

يا أنتِ،

يا رحيقَ سنبلةٍ يقطرُ عِشقاً وعِطراً

هل لقلبي المنهك؟

أن يركبَ أمواجَكِ السّاحِرَة؟

أو يرتقي سلَّمَ أهدابِ رمشيكِ؟

أيّتُها الحاكِمَةُ المُطلَقَة

الآمِرَةُ النّاهِيةْ

تَماثلَ الشاعرُ في ديوانِه مع النصّ الذي توالَدَ من موقف، وانسابَ مع تدفّق نبع الكتابة، فجاء التعبير الشعري دقيقاً صارماً صارخاً شفّافاً، يومئُ لرابطٍ قوي خفي يشرق للإنسان الراغب في إدراك وجدان المعاني، بل ويعين المتلقّي على الاستدلال عليها، لذا تلبّس الشاعر صوت الفاقد وهو ينادي، ويقول:

يا صغيري،

قَدْ وَسّدوكَ اللحد..

بِوَردَتينِ بِلونِ دَمِكَ القاني

يا أُمَّه..!!

يا دَمْعَها...!

يا دَمَه..!

لقد قصد الشاعر أن يوسّطَ جملةَ النّداء (يا دَمعها) بين جملة (يا أمّه، ويا دمه)! أنه أراد أن يقولَ لكلِّ مُنكِرٍ على المرأة الفلسطينية حُرقَةَ قلبها، وغزارة دمعها، أراد أن يقول: إنّ دمعَ أمِّ الشهيدِ بحرارةِ ولزوجةِ وتدفّقِ دمِ ابنها؟ بل يتواصلُ انهمار دمعِ الأمِّ كلَّ أيام العمر التي حُرم منها الشهيد!!!

أخيراً؛ فاتني التنويه إلى أن للشاعر عبد الحكيم أبو جاموس ديوانَ شعرٍ سابقاً حمل اسم (فراشة في سماء راعفة) فهل أوقفت سماء فلسطين رعافها، لتوقف الفراشة بحثها عن الأمن والسلام، وتتعب من تجوالها؟؟

خان يونس1/5/2005

الشّهيد

 
يداهُ تُشعلانِ غابةَ السّماءِ
وَتُرْعِبانِ قَبْضَةَ الرَّدى
سَناءُ وجهِهِ كَطَلْعَةِ الضّياءِ
وَبَيْنَ راحَتَيْهِ يَرْقُدُ الْمُخَيَّمُ
وَيَسْجُدُ النَّدى
عَلى ظِلالِ قَبْرِهِ.
***
يُعانِقُ الرَّحيقَ في دِمائِهِ
يُكَفْكِفُ الجِراحَ والنَّحيبْ
 
حِكايَةٌ تُطَرّزُ الدموعَ
في رَتَابَةٍ
وَتُشْعِلُ الشّموعَ
في مَهابَةٍ
لِيَحْتَفي بِنَصْرِهِ المُقاوِمُ
وَتَنْطَوي رِوايَةُ العِدا
بِضَغْطَةٍ
على زِنادِ خَصْرِهِ.
***
تَفَتّتَ الحَديدُ
مِن ضَراوَةِ النَّشيدِ،
مِن صَلابَةِ المُواجَهَةْ
تَعَلَّقَ الوَليدُ بِالوَليدِ
ثُمَّ ضَاقَت المُجابَهَةْ
فَكَيْفَ يَصْمدُ الجُنودُ ؟!
في أتونِ لَحْمِنا
 
وفي بَهاءِ عُشْبِنا
وُجوهُهمْ تَفَحَّمَت
كَجَمْرَةِ الصَّديدِ
في دَمارِ بَيْتِنا
لأَنَّهُمْ
مُلاحَقونَ في الأَزِقَّةِ المُفَخَّخَةْ
يُطارِدونَ في الدُّجى خَيالَهُمْ
وَيَتْبَعونَ رُعْبَهُمْ
وَدونَهُمْ عَزيْمَةٌ
يَقودُها مُقاتِلٌ عَنيدُ
يَروغُ مَكْرَهُمْ بِصَبْرِهِ
***
 

آيات [1]

 
غَطَّتْ عَلى الصَّمْتِ
(آياتٌ) وَصَفْوتُها
 
لَمّا اعْتَرى القَوْمَ
إِحْساسٌ مِنَ التَّلَفِ
فَأبْرَقَتْ شُحْنَةً
مِنْ َكهْرَباء دَمٍ
تَقاطَرَتْ لُؤلؤاً
مِنْ خَالِصِ الصَّدَفِ
فَقُلْتُ: وَيْلي،
رَعَتْ بِالْجودِ خُطْوَتَها
وَمَطْلَبُ السَّعْدِ
يُعْلي هامَةَ الشَّرَفِ
رَأَتْ حِماهَا
يُداري جُرْحَهُ أَلَماً
والْغافِليْنَ عَن الآلامِ
في تَرَفِ
فَأَسْرَجَتْ خَيْلَها
ثَأْرَاً وَتَضْحِيَةً
 
لِتَمْتَطي صَهْوَةً
تَسْمو إلى الْغُرَفِ
***
 

قامَات

 
يا قَمَراً
يَطْلُعُ مِنْ فَجْرِ جِنينْ
يُطِلُّ على سَهْلٍ،
مُنْتَصِبِِ القامَةِ والأحْلامْ
يا أهْداباً..
بَلَّلَها دَمْعُ الفَرَحِ،
المُتَحَجّرُ في الحَدَقاتْ
يُنْهي عَصْراًً مُرِّغَ بالْعارِ..
وبالنَّكباتْ
يا حَقْلاً..
 
مِن غاباتِ البارودِ..
وَحِكاياتٍ من بَحْرِ الألغامْ
تَتَناقَلُ أُسطورَةَ جَيْشٍ مَهْزومٍ..
يَتَخَبَّطُ مِن فِعْلِ التَكْتيكِ
وَقاماتِ الأحْزِمَةِ
وَطَلقاتِ النارْ
يَحْمِلُ أذْيالَ الخَيْبَةِ
يَتْرُكُ أرْتالَ الدَّباباتِ
يُوَلّي الأدْبارْ
فَرَحُ الإصْرارِ يُصَلّي الْفَجْرَ
بِقافِلَةِ الثّوارْ
***
 

بلدةٌ قديمة

 
شِغافٌ تَعَلَّقَ في رِمْشِ عَيْنَيْكِ
أيّتُها البَلدَةُ المُثْخَنَةْ
 
صَداكِ تَرَدَّدَ
ذاتَ اليَميْنِ وذاتَ الشّمالِ
إلى سِدْرَةِ المَهْدِ
غُصْناً رَطيْبا
وَروْحاً تُصَلّي
لِكَيْما يُوَدِّعُ نَيْسانُ ظِلاًّ كَئيْبا
لَعَلَّ غَمامَتَه أن تَزولَ
وَهَوْلَ فَظاعَتِه أن يَغيبا
سَقَتْكِ المَنايا كُؤوسَ الخَرابِ
سَلامٌ على أهْلِكِ الصّيْدِ
على السّاكِنينَ بِقَبْرِ الجَماعَةِ
والقابِضينَ شُعاعَاً عَجيبا
***
 

نبوءة

 
غِيابٌ
لِماءِ الوُجوهِ
وَذُلٌّ
يُخَيِّمُ في مَرْتَعِ القَوْمْ
 
وَثَمَّةَ سِرٌّ يُغَلِّفُ صَمْتَ القُبورِ
بِمَشْهَدِنا اليَعْرُبيّ
يُحاصِرُ أبْرَهَةُ العَصْرِ هامِشَنا الضَّيِّقا
يَشنُّ عَليْنا الْحُروبَ تِباعاً
وَيَحْشُرُنا
ثُمَّ يَحْرِقُنا
يَسْتَلِذُّ بِرائِحَةِ اللَحْمِ
ألا يَسْتَفِزُّ كَرامَتَكُمْ
نَهْرُ هذيْ الدِّماءِ المُراقَةْ؟!
وَلِلْبَيْتِ رَبٌّ
يُهَيِّئُ أسْبابَه كَيْ نَصُدَّ الغُزاةَ
كَتَبْنا بِماءِ الْحَياةِ
عَلى جَدْوَلِ الْفَخْرِ أسْماءَنا
 
حَفِظْنا دُروسَ الدِّفاعِ عَن القبلَةِ المُسْتَباحَةْ
وَعَنْ مِذْوَدٍ لِلْكَنيسَةِ،
دَمْعَةِ مَرْيَمَ
ضوْءِ النَّهارِ المُجافي
لَنا لَحْظَةُ الْبَرْقِ بَيْنَ رُكامِ الأماني
لَنا الْحُلْمُ يَنْبتُ مِن بَيْنِ أنيابِ (دِيْ ناينَ)
لِلتَوِّ أنْهَتْ رِقابَ الحُقولِ
وَدَمْعَ الشَّجَرْ
لَنا ما يُغيْظُ وما يَسْتَثيرُ
سَقَتْنا الغَمامَةُ عِطْرَ البَنَفْسَجِ
قَبْلَ الهَزيْعِ
فَعادَتْ لنا الشّمْسُ
تَبْزغُ في مَوْعِدٍ لِلْهَجيْعِ
لِكَيْ تَسْتَفيقَ النّبوءَةُ:
أنّا نَموتُ وَنَحْيا
نُؤَذِّنُ في النّارِ
 
رَغْمِ الرَّمادِ
هُوَ اليَأْسُ مَقْبَرَةٌ
خَنْدَقٌ
مِنْ ظَلامٍ وعَجْزٍ ويَأْسِ
وَشَفْراتُ مِقْصَلَةٍ مِن ذُهولِ
ألا أيُّها المُحبَطونَ
كَفاكُمْ مِنَ الذُّلِّ ما قَدْ شَرِبْتُمْ
تَداعَتْ عَلَيْكُمْ ذُنوبٌ
وَضاقَتْ عَلَيْكُمْ بُيوتٌ
سَيَحْشدُ أَبْرَهَةُ الْعَصْرِ أفْيالَهُ
مِن حَديْدٍ مُجَنْزَرْ
أَحَقّاً سَتَنْجونَ مِنْ بَيْنِ أضْغانِهِ؟!
وَلَيْسَ لَكُمْ قُوّةٌ أوْ رِباطٌ
وَلَيْسَ لَكُمْ مُنْقِذٌ مِن أبابيل
يَسْتُرُ عَوْراتِكُمْ
سَيَسْحَقُ أطْلالَكُمْ أيُّها المارِقونَ،
 
سَيُلْقي بِهَيْبَتِكُمْ
في حَضيضٍ مِن العارِ والانْتِكاسِ
سَيَحْتارُ آدَمُكُمْ
مِن أيْنَ يَخْصِفُ أشْياءَهُ
سَيَبْقَى يَحنُّ إلى الجَنَّةِ البِكْرِ،
يُلْقي بِأَحْلامِ حَوّاءَ في الفِكْرَةِ الراكِدَةْ
وَنَحْنُ ...
تَقولُ النُّبوءَةُ:
إنّا نَموْتُ وَنَحْيا
وإنّا نُعاوِدُ سيْرَتَنا مِن رَمادِ تُرابِ الحُقولِ
فَتَنْمو سَنابِلُ قَمْحِ دِمانا
عَلى وَقْعِ حَمْحَمَةٍ مِن صَهيلِ.
 

صعبٌ وعصيّ

 
إلى الرابض في عرين المقاطعة:
 
شامخٌ مثل الجبالِ
ثابتٌ مثل الأسودِ
يا زَعيماً لا يُبالي
بِحُشوداتِ الجُنودِ
****
يَخْفِقُ القَلبُ لِلُقياكَ، وَتَبْكي
أَعْيُنُ الرّوحِ إذا مَسَّكَ سّوءُ
****
رابِطُ الجَأْشِ أَبِيُّ
فارِسٌ ليْسَ يُبارى
وَهْوَ صَعْبٌ وَعَصِيُّ
زادَه الضّيقُ انْتِصارَا
 
كَيْفَ نَرْتاحُ وَنَغْدو في هَناءٍ
وَأَبو الثَّوْرَةِ، أَعْباءً يَنوءُ ؟!
 
****
رَجُلٌ ظَلَّ هَواهُ
لِرِحابِ القُدْسِ يَهْفو
كُلَّما ضَاقَتْ تَراهُ
رَافِعَ الْهَامَةِ يَسْمو
 
****
قِصَّةُ التّاريخِ لِلأَجيالِ تُرْوى
مِنْ مَقَرٍّ، لَمْ يَزَلْ بِالْفَخرِ يُذْكَرْ
 
****
مِنْ ثَنايا المَوْتِ يَحْيا
وَلَه باعٌ طَويلُ
فَاسْأَلوا صوْرَاً وَصَيْدا
فيْهِما احْتارَتْ عُقولُ
 
فَلْيَمُتْ في لُجَّةِ الغَيْظِ عَدُوٌّ
غَرَّه الظَنُّ، بأنّ الحُرَّ يُقْهَرْ
****
أيُّها الْخِتيارُ صَبْراً
فَزَمانُ الْبَغيِ ساعَةْ
تُصْبِحُ الْعَتْمَةُ فَجْرَاً
وَنُصَلّيْهِ جَماعَةْ

رام الله – 5/4/2004

* نُظمت هذه القصيدة في أوج الحصار الذي فُرض على مقر الرئيس عرفات في رام الله.


[1هي الشهيدة آيات الأخرس (18) عاماً، من مخيم الدهيشة القريب من بيت لحم، قضت في 29/3/2002 م في عملية تفجيرية بالقدس. والبلدة القديمة إشارة إلى مدينة نابلس.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى