الأربعاء ١ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم سليمان نزال

الأمواج و المواعيد

نظرَ في ساعته, كانت تشير إلى موعده معه, مع فارق عشر دقائق, سيمضيها في ارتداء ملابس اللقاء و تعجيل الخطوات في مشيةٍ سريعةٍ نحو المياه, وصولاً إلى الصخرة المحفورة على شكل خريطة تشبه أيام أبيه و حصانه, قبل سقوط البرتقالة الأولى في حفرةِ الذكريات.

أدركَ الشاطىء, أبصرَ الرمالَ تتكوَّم على هيئةِ لقالق..و أجنحة تزدان بألوان و نمنمات لم يسبق له أن شاهدَ ما يماثلها في حياته الممتدة, بين ساحلين و قافلة انتظارات و صور.

على الطريق الموصل بين قلبين, انطلقت كلماتها..وجدَ الشجرة و لم يجد التلة الصغيرة.. عثرَ مكانها على آثار صرخات و بضعة أصوات شاردة. احتكمَ إلى موجة قادمة, لم تجب على أسئلة النشيد الذي بدأ يجمع حروف زفراته و يحدق في البحر..

رمى الموجة بقصيدة شعر: نظرت إليه باستغراب و قالت: جئتك مندوبة عن شريحة الموجات التي انتسب لها..كي أقولَ لك: مضى زمن الشعر! و كل تلال العشاق و حدائقهم أُزيلت بمرسوم صادر عن دائرة المراجعات السندسية..فتراجع!

التقطَ مواقيته و حروفه المبعثرة في الهواء.. و قال: لكنه بحري! و كانت ستأتي كعادتها..

قالت الموجة بشيء من الغرور: هو بحرنا أيضا.. و قد وضعنا عليه حراسا, فلا تقترب منه بعاطفة مُحرمة..

خلعَ ساعته من جرحه.. و أخذَ يفتش عن رائحتها بين الصخور و الحشائش.

جلسَ في زاوية بعيدة عن الصدمة..و تذكَّرَ أنه في المرة الأخيرة, لم يذهب كي ينتظرها على المقعد الحجري, فوق التلة الجميلة. و لم يحفل للأسى الخارج من عينيها, في مواقيت هادرة.

يتذكر وقوفهما أمام الشاطىء, في مواجهة حميمة مع المشهد الأزرق..كان البحرُ هائجاً, يلاطمُ العثرات.

قالت له : -الأمواج عالية قد تصل إلى حيث نسير في الشوارع و الحارات.. و قد تزودك بأقمشة لا تريدها زائدة..

وقتذاك , أجابها:- ما أكثر الصخور و الموانع..نبنيها في ساعات ..

 و إن لم تفعل, تتركني أضيع.. فبين السهو و الزعم تكمن أظافر النسيان!

أجابها: فليطمئن كل هذا الكستناء الذي في نظرات الغزلان يرمقني بسحره.. سنفعل, أعدكِ بأن الحواجز التي سنقيمها ستحقق المنعة و القوة.. و لن نضع صخرة متهتكة أمام بحر لا يرحم الضعفاء!

هزَّت رأسها الصغيرة, ثم قالت له -: لدي شكوك..آمل أن تكون صادقاً.. و لا أريد أن أفقدك لمساء بعيد..

يتذكر..و هو يبصر زورقاً , يمخر عبابَ البحر و الزمن..يبصرُ فتية على متنه..يلوحون له..يلوَح لهم..يلتصقُ بأمانيهم, و يشيرُ لهم إلى تلة ٍ غير بعيدة ٍ, من مكانِ انفاسه.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى