الثلاثاء ١٨ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم حازم خيري

ذكرى 11/9 والحشو بالديناميت

"بصراحة، يعجبني هذا الشاب ـ الأمريكي جارد كوهين(1) ـ مع كرهي له. هو يبذر ويسقي

وينمي الشجرة حتى تثمر، ثم نقوم بقطف الثمرة في الوقت الذي فيه أبي حنيفة يمد رجليه.." شبكة أنا المسلم للحوار الإسلامي

لهجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 تداعيات خطيرة على مستقبل العالمين العربي والإسلامي، فقد ساهمت على نحو درامي في دفع الولايات المتحدة الأمريكية ـ مدعومة بقوى السوق الكونية الخفية ـ نحو حسم خياراتها، والعمل في اتجاه تمكين شعوبنا، خاصة جيل الانترنت(2)، من تقويض دولة العسكر[1945-2001]، بعد عقود طويلة ومريرة من حكم الإرهاب والفاشية..

أيضا، لهجمات 11 سبتمبر فضل عظيم في إقناع ـ أو بتعبير أدق ـ إجبار الإمبراطورية الأمريكية على عدم الممانعة، بل والقبول بصعود الإسلام السياسي ـ وما قد يستتبع ذلك من رجوع إلى الخلافة ـ، كبديل لدولة العسكر.

من هنا، تبرز أهمية السبتمبريين وهجماتهم غير المسبوقة في عرين الإمبراطورية الأمريكية، كونهما أحرزا نجاحا ـ مُلطخا للأسف الشديد بدماء الأبرياء ـ، في فك شفرة دولة العسكر، التي سُمح بقيامها في فضائنا العربي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وزوال الاستعمار الأوروبي، على أمل إيقاف المد الثوري "الشعبي" والحيلولة دون مُضى شعوبنا قُدما في طريق المعرفة والفضيلة.

أمريكا، وضيقو الأفق في مجتمعاتنا، لا يريدون لفهم كهذا أن يشيع عندنا!

أمريكا ترى شعوبنا محض قطعان لا يُحركها سوى خوف أو مصلحة! أمريكا تستغل بلا رحمة أن ما بداخلنا نحن العرب لا يُريد الحقائق غير المريحة!

في كتابه الخطير المعنون[العقل العربي]، وهو أحد الكتب الواجب قراءتها في البنتاجون عشية قيام إدارة جورج دبليو بوش بالتحضير لغزو العراق، يشير رفائيل باتاي إلى قناعة الرجل الأبيض، وهي صحيحة نسبيا، بقوله: "وطالما كانت من الميزات التقليدية لنفسية العربي أن ينفس غضبه بمن يحمل له الأخبار السيئة".

أمريكا تستشعر حاجتها الماسة لمحو ذكرى هجمات سبتمبر من الذهنية العربية، أو على الأقل التشويش عليها وربطها بكل ما يُخجل ويُشين! يتجلى هذا بوضوح في حرصها الشديد على مطاردة وتصفية أسامة بن لادن ورفاقه، بل وذهابها إلى حد إلقاء جثمان بن لادن في المحيط، حتى لا يُستدل له على قبر..!!

يتجلى هذا أيضا بوضوح في حرص أمريكا على تمجيد بوعزيزي، ذلك الشاب التونسي الذي فجر بحرقه لنفسه ـ يأسا ـ ثورات اللاعنف العربي في تونس أولا، ثم في غيرها من بلدان الربيع العربي! وكذلك حرص أمريكا على ألا تمر ذكرى صرخة 11/9 دون وقوع ما يصرف النظر عنها وعن التفكر في مدى عدالة غاياتها ودموية وسائلها، وكذا يصرف النظر عن حصادها غير التقليدي.

في هذا السياق يمكننا قراءة ما يحدث هذه الأيام من استفزازات مصطنعة للعالمين العربي والإسلامي، من خلال إطلاق فيلم مُسيء للنبي محمد(ص)، بعنوان "براءة المسلمين"، ومن قبله كتاب لجندي أمريكي يحكي عن مشاركته في قتل بن لادن وهو أعزل(3)! كل هذا في نفس توقيت ذكرى 11/9! أمريكا بأفعالها هذه تُمارس هوايتها في "البروباجندا السوداء"، ضاربة أكثر من عصفور بحجر!

أولا: تشتيت الانتباه والتشويش على فرص التفكر النزيه والمنظم في هجمات سبتمبر ودوافعها وما أسفرت عنه من لي ذراع أمريكا وإجبارها على القبول بتغيير قواعد اللعبة في منطقتنا، وهو ما تجسد في إعادة صياغة الإستراتيجية الأمريكية تجاه العالمين العربي والإسلامي، وتمكين الشباب والمجتمع المدني والنخب البديلة...الخ، من إحياء موات مجتمعاتهم، وإسقاط دولة العسكر.

ثانيا: تأجيج واستفزاز المشاعر الشعبية الإسلامية، ومن ثم الدفع في اتجاه إعادة اصطفاف شعوب العالمين العربي والإسلامي، بل والعالم أجمع، على أساس ثقافي، جوهره الدين! وهو ما يصب في غير صالح الأنظمة اللااسلامية المُتبقية.

ثالثا: تعميق الفجوة بين شعوب المنطقة والمُضي قُدما في شيطنة اليهود، من خلال تسريب ما يوحي بمسئوليتهم عن اقتراف مثل هذه الاستفزازات! وهو ما سيؤدي حتما إلى المزيد من التنافر بين الشعبين العربي واليهودي، ومن ثم انفراد النخب الحاكمة في المنطقة بالقرار دون الشعوب، وبقاء الآلام على ما هي عليه.

رابعا: زيادة شعبية الإسلام السياسي في العالمين العربي والإسلامي، عبر إتاحة المجال للتلاسن مع رموزه وربما أيضا تربيحهم انتصارات وهمية ـ في ظل عدم تكافؤ مخيف في القوة ـ، على حساب بقية التيارات الفكرية في الحضارة الإسلامية والتي هي أصلا والعدم سواء! وهو ما سيضر حتما ـ من وجهة النظر الأمريكية ـ بتجربة الإسلام السياسي، ويساعد على تقليم أظافرها!!

خامسا: اختبار شعبية أنظمة الحكم الإسلامية الناشئة في دول الربيع العربي ومدى قدرتها على احتواء وإدارة غضب الشارع، وفي الوقت نفسه إنعاش المد الثوري "الشعبي". فهو إما أرهقته صرخات دماء الأبرياء كما في سوريا، أو أن الخمود يراوده كما في دول أخرى كالسودان والجزائر، لم يصلها الربيع بعد.

سادسا: الدفع في اتجاه إعادة ترتيب الأوراق داخل الحياة السياسية والدينية في الولايات المتحدة، على صعيد السياسات أو الأشخاص أو كليهما! خاصة وأن انتخابات رئاسية جديدة توشك أن تجري، يواجه فيها المُرشح باراك حسين أوباما اتهامات، ربما تكون مميتة من جهة التوقيت، بموالاة أصوله والناخبين المسلمين!

أنا لا ألوم أمريكا على هذا التحريك المهين للشارعين العربي والإسلامي، فهذا أمر منطقي ومتوقع، كون مجتمعاتنا سفينة حمقى في بحر الحياة(4). خاصة من ناحية عجز أبنائها عن الخروج من دوامة المصلحة والخوف، وهو ما يُدركه الأمريكيون وغيرهم، ويراهنون عليه بثقة مستفزة في نجاح دبلوماسيتهم العامة.

ما بداخلنا لا يُريد الحقيقة،
وهذا هو مقتل ثقافتنا العاجزة عن النمو،
إن بناء الحياة ـ وكما يقول ماياكوفسكي ـ هو الأصعب!

(1) لجارد كوهين كتاب بعنوان: أبناء الجهاد Children of Jihad، لم يجد حتى الآن من يتصدى لترجمته إلى العربية، ونشره على نطاق واسع، رغم أهميته الشديدة، ناهيك عن ارتباطه غير العادي بواقعنا المأزوم.

(2) تحضرني في هذا السياق عبارة ذكية للمهندس أحمد ماهر أحد أبناء جيل الانترنت(أو جيل الألفية)، ومؤسس حركة شباب 6 أبريل في مصر، هذا نصها: "الشعوب تتواصل..والتجارب تتكامل". العبارة توجد في مقدمة كتبها أحمد ماهر خصيصا للنسخة العربية من هذا الكتاب: جيورج فوربريج & بافول ديميش(المحرران)، ترجمة يمنى صابر & خالد البلتاجي، عودة الديمقراطية: المجتمع المدني والتغيير الانتخابي في وسط وشرق أوروبا، (القاهرة: صندوق جيرمان مارشال بالولايات المتحدة & مؤسسة إيرست بفيينا بالنمسا & ومؤسسة سلوفاك إيد، 2011)، ص7ـ10.

(3) كتاب يوم ليس سهلا No Easy Day، كتبه الجندي الأمريكي مات بيوسنيه، عضو فرقة الكوماندوز الأمريكية التي قتلت الراحل أسامة بن لادن، زعيم تنظيم القاعدة، في باكستان 2011، يحكي فيه أن بن لادن قُتل عند مدخل باب غرفته، وليس في سرير نومه، أو بالقرب منه، وأنه لم يكن يحمل سلاحا عندما قُتل، وأن جنديا أمريكيا جلس على جثته داخل الطائرة التي عادت إلى حاملة الطائرات.

(4) ظهر موضوع "سفينة الحمقى" في الحقل المخيالي لعصر النهضة الأوروبية، واحتل موقعا متميزا داخله. وسفينة الحمقى هي سفينة غريبة جانحة تنساب في الأنهار الهادئة تنقل حمولتها الجنونية من مدينة إلى أخرى. لقد كان الحمقى يعيشون حياة التيه. كانت المدن تطردهم من جنباتها، ليلحقوا بالبراري حيث يتيهون على وجوههم. هذا في الحالة التي لا يُشحنون فيها مع بضائع تجار أو قافلة حجاج. وهذه ممارسة كانت سائدة خاصة في ألمانيا. للمزيد راجع: ميشيل فوكو، ترجمة سعيد بنكراد، تاريخ الجنون في العصر الكلاسيكي، (الدار البيضاء ـ المغرب: المركز الثقافي العربي، 2006)، ص23ـ65.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى