الجمعة ١٠ شباط (فبراير) ٢٠٠٦
بقلم حسن الشيخ

استخدامات الكلمة الإبداعية

) التمييز بين الفنين الشعرى , والقصصى باعتبارهما يستخدمان اداة واحدة , وهى اللغة , يستدعى من الناقد فحص ذلك الاستخدام للكلمة فى هذين الفنين , على ان الكلمة فى سياقها اللغوى هى عند المبدع مجموعة من الجمل المحملة بمعانى شعورية ومعرفية تأتى فى اطار بناء كلى متكامل قصيدة أو قصة.

واشكالنا الوارد هو فى استخدام القاص كلمة وسياق الشعر لكتابة القصة , واستخدام الشاعر مفردات وسمات القصة لكتابة الشعر !.
هذه الازدواجية البغيضه نقديا ليست صحيحة على اطلاقها , فهناك من كتب الشعر الروائى ؛الملحمي« بمهارة ابداعية لا جدال فيها باعتبارها فنا مستقلا عن فنون الشعر الاخرى , ولكن قصدنا بالازدواجية استخدام الادوات من غير وعى المبدع , او من غير مقدرة منه لفرز ادواته الابداعية وتطويع استخدامها , لذلك اعتبر النقاد ان الاستاذ الكبير عباس محمود العقاد كتب شعره وروايته الوحيدة (سارة) بذهنية المؤرخ والكاتب الناقد , لا بذهنية الشاعر .. هذا الرأى لم يكن الا وليد ظاهرة ازدواجية الخلط فى استخدام الكلمة الاداة ليس إلا .

ولكن كيف يكون الاختلاف فى استخدام الكلمة كأداة فى الشعر والقصة?.

لعل ابرز اختلاف هذه الاستخدامات يأتى فى كون الكلمة الشعرية توظف بزخميها العاطفى والايقاعى .. فتأثيرها فى النفس يأتى من سياق موسيقيتها الشعرية لاعقلانيتها , وتصويرها التكثيفى للواقع المجرد , ذلك لان الشعر هو فى حد ذاته انفجار عاطفى جاء من تزايد ضغط الطاقات الشعورية فى ذهن وقلب الشاعر , بعد ان ظلت مخزونة كمشاعر لحين انفجارها على الورق كقصيدة شعرية.

وهذا لا يعنى ان الشاعر لا يصور الحدث او التجارب الذاتية .. بل ان هذه الاحداث والتجارب تحولت تلقائيا فى داخل الشاعر الى موقف عاطفى ابرزت القصيدة وغيبت الحدث المجرد خلف قوة الطاقة الابداعية المتفجرة.

اما الكلمة فى القصة فهى ايضا نتيجة لتفاعل حدث او تجربة ذاتية داخل المبدع .. الا انها تجربة مدروسة . وكما ان لها بعدها العاطفى لها ايضا بعدها العقلانى , ولها مسارها الذى يتدخل فيه المبدع بالحذف او التعديل .

فتجربة القصة - اذا جاز لنا التعبير - تجربة ثنائية الولادة . فالقاص يكتب ومن ثم يعاود صياغة ابداعه الاول بالتعديل والحذف والاضافة , اما التجربة الشعرية فنصيبها من التعديل والاضافة قليل جدا . من هنا تجئ الكلمة فى القصة بشحنة اقل باعتبارها كلمة مدروسة عقلانية , هدف منها القاص النقد الاجتماعى او الفكرى . لبيئة معاشة.

اما الجانب الآخر ذو العلاقة باختلاف استخدام الكلمة فى العمل الشعرى عن العمل القصصى يتمثل فى ان متطلبات العمل الشعرى تفرض على الشاعر ان يتصدر تجربته الشعرية , ويعبر عنها , ويدافع بحماس عن عاطفته تلك , أما القاص فان متطلبات العمل القصصى تجبره على ان يكون متخفيا وراء شخوص الابداع القصصى , فيترك لابطال قصصه حرية التحدث والحركة والتعبير بعيدا عن توجهاته بشكل مباشر .

وكذلك فان الاحداث تترابط وتتفكك بصورة تلقائية لا دخل للقاص فيها .

اما تعدد الشخوص فى القصة , فيقتضى منها التصارع والحوار والتآلف ايضا .. وهذا لا يأتى الا من خلال (الكلمة) والكلمة العقلانية فى معظم الاحوال .. والا اصبحت جميع شخوص القصة تعبر عن حالة عاطفية واحدة .. وهذا ليس من العمل القصصى فى شئ .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى