الجمعة ٢٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٢
بقلم رشا السرميطي

ورقة في الرَّحيل 2012

ابحث عني عندما يرحل النَّهار مودعاً ضياءه، وقل للغروب تمَّهل قبل أن تأخذها معك في لحظة غياب غير متكرِّرة، عند محطة انتظارنا الملعونة، التي شهدت إجهاضات ليلنا ودموع الحداد، وتذَّكر عبير القلم المزهر فوق سطور كتاب أسرَّ تلك الوردة الجافة، وكبَّل وريقاتها، فلم تتفتح، واستوطنت أوراق الكتب عنوة بأقسى الذِّكريات. لا شيء سوى بريق أحداقي المشتعلة عندما توشك شمعة الألم أن تغفو منطفئة، بعدما فقدت مآقيَّ الفرح، واستبدلته بالحسرات من شدّة عواصف العمر الهائج، وتيارات المواقف الغير مستقرة بينا. وها هي أجسادنا تنجرف بين مدِّ من الفرح، يحتضن جزرين من البكاء الطويل، بشغف البعد، شوقاً للقاء تائه، ضيَّعته المواعيد العقيمة، حتى أعلنت الرُّوح همسة استسلام، تسلَّلت كما اللُّصوص، في لحظات الصَّمت الموقوت، إيذاناً بغزو قد يطال سكون النَّفس، بعد الاستماع لصفارة الرَّحيل، ويعلن للفوضى ضجيجاً لا يهدأ.

إنها ساعة الحسم، وذئاب الفراق اجتمعت، تفترس ما تبقى من ذكرياتنا الجميلة، وشدو القلم مع الدَّفتر شاهد زهو البوح مع كل نص جديد يروي أمساً مضى وانتهى، وداعاً أقولها: إلى الساعات المزيَّفة، وجميع الدقائق الخادعة، وكل ثواني النَّدم على الوفاء. أعِدُ الأيام بأن تذكرني كلما تغضب السَّماء من دعائي، فتتشح بالغيم الرَّمادي، لتُعكِّر صفوة الأزرق، في صيف أعلن العودة للشِّتاء، حنيناً لمشاعر متَّقدة، جرت بكلينا نحو موقد الاشتياق، وتلك اللحظات الحميمة التي غنَّاها القلم، بحبر من وريد ناي الوتر، لمعزوفة الحبِّ، بأنامل دافئة، اعتادت السَّهر معي في ليالي الانتظار، والوحدة التي اجتثت نصف أفكاري، عندما يلبِّي البارئ رجاء مظلومة، تضرَّعت عدلاً في الحياة.

وعندما تبكي السَّماء مطراً، إياك أن تدوسه بقدميك، فتنتهك حُرمة الشَّتاء، في فصل مقدَّس لدى العشَّاق، والتراب ظمئ لقطرات من الفرح كما أرواق دفتر عمري الآتي، توَّاقة لعذوبة البوح الشهي الذي حرمني إياه البلاء وأنت، وتذكَّر أيُّها القارئ لكلماتي: أن قطاف الورد حرام، والشوك عقاباً لمن يفعل ذلك. ثمة عشاق أحبوه، لكن، ما من أحد أحبَّك مثلي، يا توليب الصُّبح الأحمر، وأنت، أيها الياسمين، كفاك غروراً، مع كل فجر يبزغ جلياً، ومؤذِّن واقعنا القاسي يلقي على مسامعنا، الله أكبر، فما دون الله صدقني أصغر، وأنت كذلك. لطالما تراءيت لي ملاكاً، رغم أنَّني كنت أعلم أنَّ جميع البشر ليست ملائكة، فسكان الأرض من التراب، ولن يكونوا نوراً مهما تداعوا بالطُّهر والنَّقاء.

ذاك مستشفى الوطني يوصيني بصحتي المتدهورة، إثر حوادث مؤسفة فتكت في جسدي، قبل عام وعامين دون استحياء غزت نفسي لتهز معظم قناعاتي، وهذا شارع الكرمل، شاخص البصر مذهولاً منِّي! يظنُّني أمازح التاريخ بهروب تمنيته بعيداً عن كل ما يجري، شرفتي والنَّافذة وجميع أشجار منزلنا حتى حديقة الورد تبكي، تسألني البقاء، لكن الوقت حان وما عاد في الهواء أوكسجيناً يكفي للتريث أكثر، ومقبض باب الذِّكريات هناك ينادي.

من نابلس إلى القدس، ثمّة حكاية عظيمة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى