الثلاثاء ١٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم رشا السرميطي

حيفا مدينة الأزهار

عندما تقرأ عن فلسطين، تشعر بأنَّك تعرف هذا المكان بأدق زقاقاته المجهولة، والتي يواريها مجرى التَّاريخ والحروب، رغم عدم زيارتها، ولو لمرة واحدة على الأقل في عمر التَّفكير. وكلَّما كتبت عن هذه الأرض المقدَّسة، تشعر بأنَّك كاتب ضليع، يعرف كيف يزرع الحرف في تربة الورق، لينمو فوق أسطر الحريَّة مثمراً، بأشهى الكلمات، التي تغري القرَّاء لتذَّوقها، والتلَّذذ بأطعمتها المتنوِّعة، لكن، ماذا سيحدث لك لو شاهدت إحدى مدن فلسطين المحتَّلة؟

حيفا؛ ميناءٌ لسفن تأنس بها الرُّوح، ومحطة سكينة للمسافرين، الذين أتعبهم التِّجوال والتِّرحال، على مقربة من الشَّاطئ، اتكأتُ وأفكاري الظمأى، كي أرتوي من رائحة البحر، وأسماك السُّرور من داخلي تقفز في الماء، وتصعد روحي معها، ثمَّ تعود لتنغمس مرة أخرى، داخل شهقات السَّعادة التي بالكاد تلتقطها أنفاسي. كانت الشَّمس حينها كما الأمُّ ساطعة، دافئة، تنشر عبر أشعتها الحنان. ملأت الشرايين والأوردة بفرح طارئ، لم أتخيَّل قبلاً، بأنَّ لهذا المكان ذاك التأثير العميق على داخلي. لقد ألقيت حقائب الألم، وتخلصت من الحزن، هناك فقط، نظَّمت رفوف أفكاري، ليصبح العقل مكتبة لا تحوي إلا النَّفائس، من حكم الأيام وتجارب الحياة. لقد تمنيَّت العثور على صدفة قدريَّة، ولقاء لم يُرتَّب له سابقاً، وذاك الرَّجل، في مدينة الأزهار. كان مرور عابراً، كالتي تركب ذاكرتها هاربة من الماضي، وفجأة، تتعطَّل عجلات النّسيان، وتحاصرها الذِّكريات. وقفت مطلَّة على منظر الشَّاطئ، كالعاشق المتدلي من شرفة الإنتظار، يتوخى ميقات الحظ؛ ليلتقي بحبيبته المستلقية والرِّمال، تنتظره هي بدورها، وأحلام غائبة منذ سنوات طويلة. لقد بهرني المشهد، وسقط الصَّمت على أركان جسدي. شعرت بالموت والشّلل، ثمَّ دبَّت الحياة أركان ناظري، فأخذت فراشات مشاعري تتنقل من روض للآخر، وتعبق أخيلة الكلمات بالألوان الزَّاهيّة.

حديقة البهائيّيِن.. أيا حيفا ما أجمل الورود التي تزدان بها أرضك. عروس للسَّاحل أغويتني كي أبقى، وربيع الأماني في حضنك زفَّ لي موعد الرَّحيل. وكم يؤلمني أن تكون بقبضة غير الفلسطينيين، لكنَّها مواقيت الزَّهر، وموسم تفتُّح الحريَّة بات قريباً، فكوني على الوعد، وانتظري، نحن عائدون!

فلسطين.. يا روعة البلاد، إنَّا لك مشتاقون، مدن، وقرى، أم مخيَّمات، إلى الوطن مهاجرون، وفيك باقون، ما دامت جذور الزَّيتون شواهد تمنحنا الأمل، وتقوي عزيمتنا، كي نسعى بالعمل، إنَّا لك قادمون. نحن كما الشَّجر على أرضي لا نقبل بالخضوع، ولمن يحاول اقتلاعنا، لا رجوع بلا انتقام، ولن نرضى في الحرب مفاتيح السَّلام. لنا عهد محفوظ من ذكريات الأجداد، ووعد أبرمناه لأطفال الانتفاضة والحمام- سنرفرف بحريَّة - بلا خوف من قنبلة صوتية، ولا طائرة عسكريَّة، وستزهر الأرض بعد الحرب، مغمورة بشلالات الدِّماء، وينجلي الخراب ليُكتب التَّاريخ بعطر دماء الشُّرفاء، لأنَّ أقدس قضية هي: الحياة بكرامة الإيمان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى