الأربعاء ١٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم حسام فتحي أبو جبارة

أفلام السير الذاتية..

تثير أفلام السير الذاتية سجالاً واسعاً عند عرضها، فالبعض يراها مرآة تعكس حياة الشخصية الأصلية دون المساس بها، والبعض الآخر يعتبرها وسيلة فنية لتسليط الأضواء على شخصية حقيقية مع شيء من الخيال، هذا عدا عن المغالطات التاريخية التي تقع بها بعض هذه الأفلام جراء اعتمادها على مصادر غير موثوقة أو على الأقل مثيرة للجدل. ومع ذلك، فلا يمر عام واحد دون طرح فيلم جديد من هذا النوع من الأعمال السينمائية التي غالباً ما تنال بعضاً من الجوائز المهمة وخاصة الأوسكار والغولدن غلوب.

لكن هناك جدلاً آخر يناقش في كواليس السينما باستمرار حول أسباب نجاح هذا الفيلم الذي يتناول شخصية معينة وفشل آخر الذي ربما يكون حول شخصية أكثر أهمية. تتعدد أسباب هذا النجاح أو ذلك الفشل بين المخرج والممثل والشخصية الأصلية والسيناريو والأحداث، ولكن الكل يجمع على أن النسبة الأكبر من المسؤولية تقع على الممثل والشخصية الأصلية، وهم يؤكدون على ذلك بالكثير من الأمثلة. وهنا نستعرض خمسة من أشهر أفلام السير الذاتية التي حققت نجاحات متفاوتة، لنجيب على السؤال: أيهما أهم لنجاح الفيلم: جماهيرية الشخصية الأصلية أم نجومية وأداء الممثل؟!

* أسد الصحراء (أنتوني كوين)

لعلنا لا نخالف رأي الكثيرين، حين نقول إن فيلم "أسد الصحراء" للمخرج السوري مصطفى العقاد، هو أهم أفلام السير الذاتية التي أنجزت على يد مخرج عربي. فالفيلم الذي عُرض لأول مرة عام 1981، وقام فيه الممثل الأمريكي أنتوني كوين بتجسيد شخصية المجاهد الليبي عمر المختار الذي تصدى للاحتلال الإيطالي لليبيا على مدار 20 عاماً، ظل واحداً من الأعمال السينمائية الفريدة بكل تفاصيلها، ففيه تقاسم المخرج والممثل والشخصية الأصلية دور النجومية بشكل متماثل، بحيث يستحيل - برأي معظم النقاد - إرجاع سبب النجاح الطاغي لهذا الفيلم لواحد من هؤلاء النجوم الثلاث بمعزل عن الاثنين الآخرين، ولذلك هذا العمل هو مثال بارز على تميز المخرج وإبداع الممثل وعظمة الشخصية وهذه الأمور الثلاثة هي التي تضع فيلماً ما في القمة وتجعله عصياً على المنافسة. وقد نشرت وسائل الإعلام مطلع عام 2008 أخباراً عن عزم المخرج السوري نجدت أنزور إنتاج فيلم آخر عن حياة عمر المختار في عمل يحمل عنوان "الظلم - سنين العذاب" ويعالج ذات المرحلة الاستعمارية التي تعرض لها العقاد في "أسد الصحراء"، لكن أنزور فوجئ بعدم رغبة أي من الممثلين الكبار - وأولهم عمر الشريف - في تجسيد شخصية عمر المختار؛ لخشيتهم من عدم القدرة على تجاوز المجد الذي وصل إليه فيلم مصطفى العقاد.

* لورانس العرب (عمر الشريف)

يعتبر فيلم "لورانس العرب" للمخرج البريطاني دافيد لي" والذي عرض عام 1962، من أشهر أفلام السير الذاتية التي سلطت الأضواء على شخصية حقيقية الوجود ولكنها مجهولة التفاصيل بحكم عملها الاستخباري والعسكري الدقيق (الضابط البريطاني توماس إدوارد لورانس) وأيضاً لكون هذا العمل قد أطلق نجمين مغمورين وقدمهما إلى السينما العالمية في نفس الوقت وهما الممثل الايرلندي بيتر أوتول الذي قام بدور "لورانس"، والممثل المصري عمر الشريف الذي لعب دور مساعد لورانس (الشريف علي). ومن أكثر النقاط التي أثيرت قبيل تصوير الفيلم، السؤال عن احتمالات نجاح عمل كلف 14 مليون دولار أمريكي، وهو مبلغ خيالي بمقاييس ذلك الزمن، وأيضاً لأن جميع أدوار البطولة فيه تقاسمها ممثلين مغمورين خاضوا تجربة التمثيل للمرة الأولى. ولكن "لورانس العرب" نجح بشكل مدهش، خاصة في بريطانيا والولايات المتحدة التي ما زالت مجلاتها السينمائية تصفه - حتى اليوم - بأنه أفضل فيلم كلاسيكي في القرن العشرين. وهو مثال على الأعمال السينمائية التي أشهرت الشخصية الأصلية والممثلين على حد سواء.

* الإسكندر الأكبر (كولين فاريل)

على عكس "لورانس العرب"، جاء فيلم "الإسكندر" للمخرج الأمريكي أوليفر ستون مكتظاً بالنجوم مثل كولين فاريل، وأنجلينا جولي، وفال كيلمر، وأنتوني هوبكنز، وروزاريو دوسون، ومع ذلك فلم يرتقِ العمل إلى مستوى كثير من أفلام السير الذاتية لشخصيات أقل شأناً من الإسكندر، خاصة أن تكلفة الفيلم قدرت بـ150 مليون دولار أمريكي. توقع الكثيرون أن يكون "الإسكندر" فيلماً لا ينسى، فالشخصية التي تدور حولها الأحداث معروفة ومشهورة جداً، والممثل الذي يؤدي دور البطولة (كولين فاريل) يتمتع بجاذبية كبيرة، أما المخرج فله خبرة طويلة في مجال أفلام السير الذاتية حيث أخرج في الماضي أعمالاً سينمائية عن جون كيندي وريتشارد نيكسون وفيديل كاسترو وغيرهم، ولكن الرياح جاءت على غير ما تشتهي السفن، إذ دمر الفيلم سمعة وشهرة الإسكندر، وحوله من قائد تاريخي شجاع لا يلين إلى نصير للمثلية الجنسية يخشى الموت، الأمر الذي أثار النقمة على المخرج في المقام الأول، وعلى الممثل فاريل تالياً، وضاع الحضور الطاغي لشخصية الإسكندر في المراجع التاريخية، على شاشات السينما.

* غاندي (بن كنجسلي)

تحظى شخصية المهاتما غاندي باحترام وتقدير كبيرين داخل الهند وخارجها، ولذلك فإن أي عمل سينمائي يروي سيرة حياته ونضاله السلمي من أجل الحرية والاستقلال لا بد أن يُدرس بعناية فائقة ويقدم على الشاشة بذات الفرادة التي ميزته في كل مراحل حياته، وهذا ما قام به المخرج الإنجليزي ريتشارد أتينبوروغ في فيلمه "غاندي" الذي عُرض أول مرة عام 1982، وقام بأداء الدور الرئيسي فيه الممثل الإنجليزي بين كنغسلي. في هذا الفيلم لاحظنا مقدار الإعجاب الشديد بغاندي من قِبل المخرج الذي أحاطه بهالة من العظمة وزاد من شعبيته ونجوميته، كما أن الممثل كنغسلي أدى الدور ببراعة فائقة، ما جعله يحصل على ثلاث جوائز كبرى عن فئة أفضل ممثل وهي جائزة الأوسكار وجائزة الأكاديمية البريطانية لفنون الفيلم والتلفزيون عام 1982 وجائزة الغولدن غلوب عام 1983، كما حصل الفيلم على سبع جوائز أوسكار. وهنا كان للسيناريو الجيد دور مهم في تميز بين كنغسلي الذي سرق الأضواء وأصبح نجماً عالمياً يشار إليه بالبنان، صحيح أن شخصية غاندي كانت جذابة ومحببة للجماهير، ولكن أداء كنغسلي كان هو الآخر كذلك، خاصة أنه ظهر في الفيلم شديد الشبه - من ناحية الشكل - بغاندي.

* الطيار (ليوناردو دي كابريو)

خارج الولايات المتحدة، لم يكن اسم هوارد هيوز، معروفاً، ولكن الكثيرين في شتى أنحاء العالم يعرفون النجم الأمريكي ليوناردو دي كابريو، ولا بد أنهم شاهدوا شيئاً من أفلامه المشهورة ومنها "تايتانك" و"روميو وجولييت". وقد اختار المخرج الأمريكي - الإيطالي الأصل - مارتن سكورسيزي أن يستغل نجومية وقوة أداء دي كابريو في تعريف الناس بشخصية هوارد هيوز، الملياردير وصانع الطائرات الأمريكي ذو الشخصية المثيرة للجدل، وذلك في فيلم حمل عنوان "الطيار"، وظهر على الشاشة الكبيرة عام 2004. وفي هذا الفيلم تفوق مظهر الممثل وقوة أدائه على الشخصية الأصلية التي تمحور حولها العمل، فلو كان دور البطولة منوطاً بممثل مغمور لفشل الفيلم فشلاً ذريعاً كما قال معظم النقاد، الذين أرجعوا النجاح إلى دي كابريو بشكل خاص، وهذا ما أهلّه للفوز بجائزة الغولدن غلوب وترشحه للأوسكار في عام 2004، على أن ذلك لا يلغي تميز المخرج سكورسيزي الذي أختار الممثل الصحيح لأداء هذا الدور، ووفق أيضاً في اختيار كاتب السيناريو جون لوغان، وهو من أهم كُتّاب النصوص السينمائية في هوليوود.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى