السبت ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٣
بقلم حسام فتحي أبو جبارة

الإمارات تترجم إبداعات العالم إلى العربية

كثيرة هي المبادرات التي تتخذها دولة الإمارات لدعم الثقافة والمثقفين، فما معارض الكتب السنوية في أبو ظبي والشارقة، وجائزة الشيخ زايد للكتاب، ومهرجان دبي الدولي للشعر، وجائزتي أمير الشعراء وشاعر المليون، ومعرضي آرت دبي وآرت باريس - أبو ظبي، ومهرجان طيران الإمارات للآداب، ومشروع مدينة الثقافة في دبي.. إلا محطات قليلة في مسيرة التميز والإبداع، التي انضم مجال "الترجمة" إليها مؤخراً، من خلال مشروعين كبيرين تنفذهما "مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم" التي أطلقت برنامج "ترجم"، و"هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث" من خلال مبادرة "كلمة"، ويهدف كلا المشروعين إلى إحياء حركة الترجمة في الوطن العربي عبر إثراء المكتبة العربية بمئات الكتب المترجمة في شتى مجالات المعرفة.

* "ترجم".. مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم

انطلقت "مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم" بمبادرة شخصية من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي خصص لها وقفاً قدره 37 مليار درهم إماراتي، وجاء الإعلان عن تأسيسها في كلمة سموّه أمام المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت بالأردن في مايو/ أيار 2007، وحدد لها أهدافاً تتلخص في تطوير القدرات المعرفية والبشرية في المنطقة العربية، والاستفادة من تلك القدرات في إيجاد جيل جديد من القيادات القادرة على دعم جهود التنمية الشاملة في شتى أنحاء العالم العربي.

ولتحقيق هذه الأهداف، وضعت المؤسسة أمامها أربع إستراتيجيات رئيسية هي: بناء جيل من قادة المستقبل القادرين على السير بمجتمعاتهم قدماً على طريق التنمية المستدامة، والارتقاء بالبحث والتطوير ورفع مستوى البنية التحتية للتعليم في المنطقة بما يضاهي المستويات العالمية، وخلق المزيد من فرص العمل عبر إشاعة أجواء الابتكار والريادة في الأعمال بين الشباب، والمحافظة على الثقافة والتراث وإقامة جسور التواصل والتفاهم مع مختلف الثقافات في العالم. وحددت المؤسسة ثلاثة قطاعات ستعمل من خلالها على تحقيق تلك الإستراتيجيات وهي قطاع الثقافة، وقطاع المعرفة والتعليم، وقطاع ريادة الأعمال وفرص العمل.

وقد وضعت المؤسسة ضمن قطاع الثقافة عدة برامج من أهمها: برنامج "اكتب" الذي يهدف إلى توفير الدعم المعنوي والمادي للشباب المبدع والطموح لدخول عالم الكتابة والتأليف في شتى المجالات. وبرنامج "ترجم" الذي يسعى إلى إثراء المكتبة العربية بأفضل ما قدّمه الفكر العالمي من أعمال، عبر ترجمتها إلى العربية، إضافة إلى إبراز الوجه الحضاري للأمة عبر ترجمة أبرز الإبداعات العربية إلى لغات العالم. وبرنامج "ترجمان" الذي يهدف إلى الارتقاء بمستويات الترجمة في الوطن العربي عبر إعداد المترجمين وتأهيلهم لتحسين أدائهم وإنتاجهم. إضافة إلى مشاريع أخرى مثل "موسوعة السرد العربي" التي تعنى بدراسة الظاهرة السردية في الثقافة العربية منذ العصر الجاهلي إلى مطلع القرن الحادي والعشرين، و"مهرجان دبي الدولي للشعر" الذي يستضيف على مدى خمس سنوات ألفاً من شعراء العالم، ليشاركوا في فعاليات تتضمن أمسيات شعرية، وندوات، وورش عمل، وملتقيات وفعاليات أخرى عديدة.

وقد أُطلق برنامج "ترجم" في شهر فبراير/ شباط 2008 بهدف رئيسي كبير هو دعم وتنشيط حركة الترجمة في العالم العربي، من خلال إثراء المكتبة العربية بأفضل ما قدّمه الفكر العالمي من أعمال في مجالات شتّى. ونظراً لتركيز المؤسسة على دعم التنمية المستدامة في الوطن العربي، وحاجة المنطقة إلى نقل المعارف الحديثة في مجال الإدارة التي تمثل عصب الحراك التنموي في شتى المجالات، فقد ركز البرنامج في عامه الأول على ترجمة كتب الإدارة، دون إغفال الأعمال الفكرية والإبداعية الأخرى.

ومن أهم الكتب التي ترجمت حتى الآن: "إدارة العلامات التجارية العالمية" لبيتر تشيفيرتون، و"إدارة كبار العملاء" لمالكوم ماكدونالد وديانا وودييرن، و"الإدارة الإليكترونية للموارد البشرية" لبرايان هوبكنز وجيمس ماركهام، و"التخطيط الإستراتيجي في التعليم" لشارلي دي ماكين، و"الإدارة بالأرقام والنسب المئوية" لفيليب رامسدين، و"الحقيقة المؤلمة" لآل غور، و"العادات السبع المسببة للفشل" لريتشارد ماكدونالد، و"الشركات العائلية من منظور نفسي" لمانفريد كيتس دي فرايس وراندل كارلوك وإليزابيت فلورينت - تريسي، و"العلاج بالتلامس" للدكتور لاكشمي بولا هوران، و"قصة غوغل" لديفيد فايس، و"مأزق الطاقة والحلول البديلة" لديفيد هويل وكارول نخلة، ورواية "مذكرات من نجا" لدوريس ليسينج، الحائزة على جائزة نوبل للآداب لعام 2007.

وتتبع المؤسسة منهجاً علمياً مقنناً يقوم على أسس واضحة في اختيار العناوين التي يتم انتقاؤها للترجمة وذلك بالتعاون مع هيئة استشارية تضم كتاباً ومفكرين ومتخصصين بقطاعات التنمية الفكرية والاقتصادية والاجتماعية، والتي تقوم بعملية المفاضلة بين العناوين المرشحة من قبل دور النشر المتعاونة مع المؤسسة، وذلك في ضوء مجموعة من المعايير المحددة التي وضعتها إدارة برنامج الترجمة في المؤسسة لإيجاد إطار واضح لعملية الاختيار.

وتجدر الإشارة إلى برنامج "ترجم" لا يتفق مع المترجمين الأفراد مباشرة، وإنما يتعامل مع دور النشر التي سبق لها ترجمة ونشر 10 كتب على الأقل، كما أن المؤسسة لا تمنح أي دار ترجمة أو نشر حقوق إصدار أكثر من 20 كتاباً، وتلتزم المؤسسة كذلك بشراء 1500 نسخة من كل كتاب تتم ترجمته.

وقد وقعت "مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم" اتفاقية مع المنظمة العربية للترجمة - ومقرها بيروت - تقوم بموجبها الأخيرة بترجمة 50 كتاباً في مختلف مجالات المعرفة والعلوم الإنسانية، ثم ستقوم المؤسسة بإهدائها للجامعات والمكتبات العامة بالدول العربية. ومن بين هذه الكتب: "علم المنطق الكبير" للأديب العالمي هيجل، و"حول الخاص والعام في النظرية النسبية" لأينشتاين، و"المنطق الجديد" لفرانسيس بيكون، وغيرها من المراجع الغربية المهمة التي يترجم بعضها إلى اللغة العربية للمرة الأولى.

* "كلمة".. هيئة أبوظبي للثقافة والتراث

إنّ مشروع "كلمة" جاء بعدما استشعر الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال زيارته لمعرض أبوظبي الدولي للكتاب في دورته السادسة عشرة التي أقيمت عام 2006، مدى القصور الذي تعاني منه الثقافة العربية بخصوص ترجمتها للمؤلفات الأجنبية، كما لمس سموه غياب المؤلفات العالمية عن دور النشر العربية،".. بهذه الكلمات قدّم محمد خلف المزروعي مدير عام هيئة أبوظبي للثقافة والتراث مشروع "كلمة" للترجمة الذي تأسس تحت إشراف الهيئة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 بهدف إحياء حركة الترجمة في الوطن العربي؛ لاستعادة المكانة الحضارية للثقافة العربية في انفتاحها على الثقافات الأخرى، وحوارها مع الآخر ضمن إطار التبادل المعرفي الخلاّق.

وفي كلّ عام، تختار "كلمة" 100 كتاب من أهم المؤلفات العالمية الكلاسيكية والحديثة والمعاصرة من مختلف دول العالم وتقوم بترجمتها إلى اللغة العربية، وتأمل أن يرتفع هذا العدد كلما ازداد التمويل المتاح مع مراعاة الجودة والدقة في نشر الكتب. وتتلخص الأنشطة التي تركز عليها مبادرة "كلمة" في اختيار أبرز الكتب العالمية من شتى مجالات المعرفة، ,تمويل دور النشر المتميزة في العالم العربي لتقوم بترجمة الكتب المختارة وطباعتها وتوزيعها، ومساندة المبادرات الخاصة بتسويق وتوزيع الكتب من خلال دعم قنوات جديدة وفعّالة للتوزيع وتحديث القنوات الحالية، والاستعانة بمترجمين جدد والمساعدة في توفير عدد أكبر من المترجمين الأكثر كفاءة في المستقبل.

وتعزو "كلمة" في موقعها عبر شبكة الإنترنت السبب الرئيسي لإطلاقها بندرة أعمال الترجمة، حيث تقول: "تمّ إطلاق مبادرة "كلمة" من أجل التصدي لمشكلة مزمنة عمرها 1000 سنة ... إنها النقص الذي تعاني منه حركة الترجمة في العالم العربي والذي يتمثل في ندرة الكتب المتميزة المترجمة من اللغات الأجنبية إلى اللغة العربية. وقد أدّى هذا النقص إلى حرمان القرّاء العرب من الاستمتاع بأعمال أعظم المؤلفين والمفكرين على مرّ التاريخ، وحرمانهم من التعلّم من هذه الأعمال أيضاً. ولا يتوفر حالياً في معظم الدول العربية كثيرٌ من الأعمال الأدبية والعلمية العالمية البارزة إلا بلغاتها الأصلية، بحيث تقتصر الاستفادة منها على فئة محدودة من فئات المجتمع. ويوجد 250 مليون مواطن عربي في العالم، ولكن لا يتوفر لهذا العدد الضخم سوى عدد قليل جداً من الكتب الأجنبية المترجمة للقراءة. وتُضاف إلى هذه المشكلة الجودة المتفاوتة للإنتاج وسوء التوزيع والقرصنة، فلا عجب أنّ الاهتمام بالكتب قد تضاءل إلى حدّ كبير في العالم العربي".

وقد اختارت "كلمة" وشركاؤها الناشرون أول 100 كتاب مرشحة للترجمة والنشر خلال العام الأول، ومن أهم هذه الكتب: "التاريخ الأكثر إيجازاً للزمن" لعالم الفيزياء ستيفن هوكينغ، و"الجذور العربية للرأسمالية الأوروبية" لجين هيك، و"كافكا على الشاطئ" للروائي الياباني هاروكي موراكامي، و"مستقبل الطبيعة الإنسانية" ليورغين هابرماس، و"تأثير الهالة" لفيل روزنزفيغ، و"عصر الاضطراب" لآلان جرينسبان، و"الصدام داخل الحضارات" لدييتر سنغاس، و"أساسيات اللغة" لرومان جاكوبسن وموريس هالة، و"معنى النسبية" لأينشتاين، و"الآداب المتعلقة بالتجارة" لبيتر دراكر، و"أفلام حياتي" للمخرج الفرنسي فرانسوا تافو، و"الفردوس المفقود" للكاتب الإنجليزي جون ملتون، و"المبادىء الرياضية للفلسفة الطبيعية" لاسحاق نيوتين، و"ولادة أوروبا" لجاك لو غوف، و"الحياة الجديدة" لدانتي أليغيري، و"داخل الموسيقى" لكارل هاس، و"جوانب الثورة" لكرين برينتون.

ومن المهم الإشارة هنا إلى أن القائمة الأولى من الكتب توزعت على 16 لغة، نصفها تقريباً مترجم عن اللغة الإنجليزية، والبقية عن لغات أخرى مثل الفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والروسية، واليونانية، واللاتينية، والصينية، واليابانية.

أما عن كيفية اختيار العناوين، فقد وضعت "كلمة" إجراءات صارمة لعملية اختيار الكتب المرشحة للترجمة وذلك حرصاً منها على اختيار العناوين ذات الجودة العالية، والأعمال المتميزة والتي حازت على تقدير وإعجاب مؤلفين بارزين. وتشتمل عملية الاختيار كل مرة على مزيج من النصوص الأدبية، والأكاديمية، والعلمية، ومجالات أخرى مثل إدارة الأعمال. وهناك عدة خطوات تتبع في عملية الاختيار هي: وضع قائمة طويلة من الكتب المرشحة التي يتم اختيارها من أربعة مصادر: المؤلفات الكبرى، والكتب الفائزة بجوائز مرموقة (مثل جائزة "بوليتزر" Pulitzer)، والسلاسل الصادرة عن دور نشر (مثل دار "فينتيج بوكس" Vintage Books)، وأكثر الكتب مبيعاً (مثل تصنيف "نيويورك تايمز" New York Times لأكثر الكتب مبيعاً). بعد ذلك يتم مقارنة القائمة مع الترجمات الموجودة حالياً في الأسواق، ثم يتم اختيار قائمة أقصر من الكتب غير المترجمة، وتخضع القائمة القصيرة للمزيد من التنقيح للحصول على قائمة متوازنة تضم كتباً كلاسيكية وحديثة ومعاصرة ومن شتى ميادين المعرفة. بعد ذلك يتم تطبيق أدوات الانتقاء حسب التسلسل الزمني للكتاب والفئة واللغة والموضوع، وأخيراً يتم الشروع في ترجمة العناوين المائة في كل عام.


مشاركة منتدى

  • يوجد عدد كبير جدا من البرديات المكتوبة باللغة المصرية القديمة "الديموطيقية" في مصر وفي كثير من متاحف العالم وهي غير مترجمة .. حبذا لو وجدت حظها في هذا المشروع العظيم الذي نحيي القائمين عليه لما له من فائدة عظيمة وقيمة عالية . شكرا

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى