الثلاثاء ٥ شباط (فبراير) ٢٠١٣
بقلم عادل عامر

المبادئ الحاكمة للتظاهرات

في الإنسان نزعتان. نزعة الذات ونزعة التجاوز للذات. الأولى تغذية شهوة البقاء وتدعوه إلى الأخذ، بينما النزعة الثانية ميراث عقله، وتحبّب إليه العطاء، فبالنزعة الأولى نحب الملك والخلود وبالنزعة الثانية نمجّد الإحسان والتضحية، وكلما زادت قوة النزعة الثانية عند أبناء المجتمع كانوا أكثر تطوراً واقرب إلى الحضارة والمدينة. والمصلحة العامة ـ سواء على صعيد مجتمع واحد، أو على صعيد الوطن والأمة والبشرية لا فرق ـ قد تستمدّ شرعيتها من هذه النزعة، حيث يلتقي عند هذه النقطة القانون بالأخلاق. فترى الفرد يتنازل بطيب نفسه عن بعض حقوقه للمجتمع، ويخضع للقانون الذي يأمره بالتضحية، وان ملاحم البطولة في الحروب الدفاعية لأقوى شاهدة على هذه الحقيقة.

ولكن هذه الشرعية لا تتحوّل إلى حالة قانونية، إلا بعد اعتراف الناس بها، لأن التجاوز (الإحسان حسب المصطلح الشرعي) لا يكون إلا بطيبة نفس الفرد. ومن هنا فان الدولة تقوم بدور توعية الناس بما عليهم إن يفعلوا للمصلحة العامة. ثم لا تعمل لا بقدر استجابتهم لأفكارهم أو لا أقل في حدود تفويضهم لها بالعمل. وهذا يؤكد دور الوجدان القانوني لدى المجتمع والذي لا يقوم بناء أي قانون إلا به. ويضرب (باتيفول) مثلاً لأثر التوعية، بقانون تحديد ساعات العمل، وكيف اعترف بفائدته حتى أولئك المخالفين له وذلك بفضل التوعية. وسيكون في المجتمع من يتجاوز ذاته. كما يكون فريق من الانتهازيين لا يهدفون إلا سرقة جهود الطيبين. ولذلك يقوم القانون بدور المنظم لحالة المجتمع لمنع الانتهازيين من استغلال طيب الآخرين. وكلما استطاع الحكام سبيلاً إلى إقناع الناس بفضيلة الإيثار وتجاوز الذات. كلما كان تطبيق القانون أيسر وكان المجتمع اقرب إلى الكمال. وهذا ما تسعى إليه الشرائع الإلهية، التي تبعث نزعة الخير في ضمير البشر، وتحفز دواعي العطاء والفداء فيه، وتزيد الإنسان وعياً بدوره في تطوير حياته، من خلال خدمة المجتمع وانه من زرع القمح يحصده. ومن زرع الريح لا يحصد إلا العاصفة و(إن الناس مجزيون بإعمالهم إن خيراً فخير و إن شراً فشر) «وإن أليس للإنسان إلا ما سعى وان سعيه سوف يرى» وانه (كما تدين تدان). وأفضل المجتمعات، هو الذي تتّحد إرادة الناس فيه مع إرادة القانون. ويربي الناس على تطبيع شهواتهم مع حقائق عقولهم. وحسب باتيفول: «إذا كانت الحرية تقوم لدى انعدام أي عقبة خارجية، على الاتحاد الكامل بين الذكاء الإرادة، فان التصرف المطابق للقانون المعقول، يعد حراً. إن الذي يتغلب على ما ينفر منه، ويتبع عقله، يعدّ أكثر حرية من الذي ينقاد مع نزواته. ثالثاً: وتعتمد قيمة المصلحة العليا على التوازن بين كافة المصالح وتحكيم أقصى حدّ ممكن من العدالة بينها، فإذا كانت مصلحة المجموع تقتضي التضحية بالمصالح الفردية (مثلاً البذل في أيام الدفاع عن الوطن) فان المفروض تخفيض نسبة التضحية إلى ادني حدّ. لكي نوازن بين مصلحة الدفاع عن الوطن وبين حقوق الإفراد. وهكذا ينبغي التوازن في الاهتمام بسائر المصالح وعلى القانون إن يحقق كل المصالح، لأنها ـ إذا اجتمعت ـ تنفع الجميع دعنا نفترض المجتمع كأعضاء جسد واحد فلا يجوز التفريط بعضو من اجل عضو آخر لأن كل الأعضاء ضرورية لهذا الجسد.. وهكذا شبّه الرسول الأكرم ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ المجتمع الإسلامي حين قال: (مثل المسلمين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر). وهذا التوازن يقربنا إلى نظرية رسكو باوند في «هندسة المصالح» بفارق إن باوند لم يضع لنا معياراً نعود إليه في تفضيل مصلحة على أخرى. رابعاً: وحين يستقرّ النظم والعدل، وتتكامل مصالح المجتمع، فان القانون قد أدى وظيفته كاملاً، وحينئذ يتحرك قطار المجتمع نحو هدفه الذي قدّره لنفسه، وتختلف المجتمعات في هذا الهدف، ولكن الهدف المشترك بينها ـ فيها يبدو ـ هو تنمية المجتمع مادياً وتسخير المزيد من مواهب الله في الطبيعة، وهذا الهدف هو الذي يسميه البعض بالتمدن (والتطوير أو التقدم الحضاري أو تسخير الطبيعة أو ما أشبه) وقد جعلوه في سياق أهداف القانون. والواقع انه هدفاً اسمي للمجتمع وليس لقانونه. أما القانون فانه يحقق الشرط الأساسي لتحقيقه وهو الاستقرار والقسط. إن الأصعب هو استبدال أنظمة قمعية بديمقراطيات تحترم حقوق الإنسان. إن التوتر القائم فيما بين حكم الأغلبية واحترام الحقوق ربما كان أكبر تحد تواجهه الحكومات الجديدة ربما كان قادة الشرق الأوسط بطبيعة الحال متلهفون لممارسة السلطة بموجب انتصاراتهم الانتخابية الجديدة، لكن عليهم أن يحكموا دون التضحية بالحريات الأساسية أو حقوق الأقليات والمرأة وغيرها من الجماعات المعرضة للخطر . إن الاختراق الذي حققته أحزاب إسلامية تهدد باستخدام الديانة لإلغاء حقوق المرأة والمنشقين والأقليات باعتبار هذه الحقوق مفروضة من الغرب و تتعارض مع الإسلام والثقافة العربية مصر التي تشهد موجة جديدة من إعمال العنف تزامنت مع الذكرى الثانية للثورة التي أطاحت نظام حسني مبارك، المثال الذي يجسد صعوبة فرض احترام حقوق الإنسان في منطقة تشهد تغييرات جذرية. ويتضمن الدستور المصري الجديد الذي أعدته لجنة هيمن عليها إسلاميون وشككت فيها المعارضة، بنودا مبهمة حول حرية التعبير والدين والأسرة لها تداعيات خطيرة على حقوق المرأة وممارسة الحريات الاجتماعية التي يحميها القانون الدولي . إن إقامة ديمقراطيات فعلية تحترم حقوق الإنسان يمر أيضا بتشكيل مؤسسات حكومية فعالة ومحاكم مستقلة وشرطة مؤهلة. إن صعوبة تحقيق ذلك لا يمكن إن تبرر التطلع للعودة إلى النظام السابق. وطالبت الدول الأخرى باستخدام نفوذها وعدم التغاضي عن إعمال القمع، ولو كان ذلك مناسبا على الصعيد السياسي. مصر: كانت مصر في عين العالم من بدء ثورة الشباب التي عرفت بالربيع المصري، وجاءت بعد ثورة الياسمين التونسية. غير أن ثورة الشباب المصرية كانت في حالة المخاض قبل ذلك، ولم تكن نتيجة للثورة التونسية.. ما صار بعد قيام الثورة أمرٌ عجيب حقا، وضاعت ماهيّة الثورة وشخصيتها، وهي أول ثورة شعبية حقيقية في مصر. فقد كان هناك ما يشبه الثورات قديما من أيام عرابي باشا، وسعد زغلول باشا، وكانت متماسكة من البداية حتى النهاية وإن كانت نجاحاتها ضيقة، إلا أنها اصطبغت بلون واحد. جاءت ثورة يوليو في عام 1952م ضد الملك فاروق، وإن كانت عسكرية قام بها شباب ضباط سموا أنفسهم الضباط الأحرار، بدت في البداية وكأن من يقودها ضابط أكبر من البقية هو محمد نجيب، ثم تبين أن الوجه الحقيقي للثورة هو جمال عبد الناصر .. إلا أنه لم يسل بها دماء، فقد قرر فاروق أن ينسحب بيخته ’’المحروسة’’ لليونان، حيث غيّبه التاريخ. ثم جاء السادات بتغيير انفتاحي ومنهجي مختلف عن حكم عبد الناصر الاشتراكي المبدأ والعروبي الثوري، وكانت هناك إرهاصات غضب خصوصا مع ظهور قوة الحركات الإسلامية، وانتهت بحادثة المنصّة الشهيرة. ثم حكم نائبه حسني مبارك وفتح مصر بالكامل للاقتصاد ولكن عن طريق مراكز قوى تجارية مربوطة مباشرة بالعائلة الحاكمة، التي لم تعد عائلة رئاسية فقط .. وهنا تبدأ قصة الثورة الحقيقية من شباب مصر وعن طريق لم يتوقعه كبارُ رجال الحكم ولا متنفذوه، جاءت نقية صافية مرتبة وسلمية من الشباب عن طريق تنظيم تحتي سبَق بمواقع التواصل الاجتماعي الافتراضية، ثم نُظمت ثورةٌ تعد من أجمل الثورات على الأرض، جعلت رئيس حكومة الظل البريطاني يقف أمام الناس ويقول: ’’لا، لم تعد هي المبادئ الغربية، بل مبادئ الثورة المصرية العظيمة’’. على أي حال نقص الشباب المكرُ والدهاءُ السياسي، فأُخِذَتْ منهم ثورتُهم وهم يطالعون بكمَد، وتلقفتها الأيدي المحترفة الكبيرة، ثم غُمِر الشبابُ وضاعت أسماء من حرّكوها وصاروا في أحسن الأحوال حزباً صغيراً لا يسمعه أحد. مصر تمر بإرهاصات تكوين لم تتضح، فما زال هناك صراعٌ واضح: فئة تدعو لدولة علمانية، وفئة تدعو لحكومة إسلامية وتطبيق شريعة الإسلام كاملة. وسيستمر هذا العام صراعا يتطور بالتحديات أكثر من التظاهرات بعد إقرار الدستور الجديد على مراحل استفتائية كان الذكاء في آليتها لافتا، ومن قوته لم يتنبه له الكثيرون، فضمن أهلُ الدستور بالذكاء والدهاء غلبة التصويت، وليس بالتزوير، فقد صار صعبا، ولكن فعلا بالمناورة العقلية ليثبت الإخوانُ المسلمون أنهم سادة في المهارة السياسية المحترفة،


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى