الأربعاء ٦ شباط (فبراير) ٢٠١٣
تعريب العلوم والتقنيات
بقلم نايف عبوش

والمعارف..التحديات والضرورة

تعتبر اللغة العربية من اهم مرموزات الهوية العربية، ومن ابرز مقومات الوجود العربي.ولعل من نافلة القول في هذا المجال، الاشارة الى ان الاسلام قد رسخ خصوصية اللغة العربية، باعتبارها وعاء التنزيل، ولغة الوحي على قاعدة(انا انزلناه قرانا عربيا لعلهم يعقلون)، فامتلكت بهذا التشريف الالهي، نوعا من الرمزية العالية، التي حصنتها من المسخ، وحمتها من التشويه، باعتبارها لغة القران الكريم الذي تكفل الله تعالى بحفظه (انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون).

وبانتشار الاسلام في مختلف الامصار، ومع الازدهار الحضاري الذي عاشته البشرية في ظل الحضارة العربية الاسلامية، انتشرت اللغة العربية في الاستخدام العام، وأصبحت لغة التدريس والعلوم، وانتقلت الكثير من المصطلحات العلمية بصياغاتها العربية الأصلية الى اوربا عبر مدارس الاندلس، حيث لا تزال تتداول هناك في العلوم المعاصرة بألفاظها العربية القح كما هي الى اليوم، مثل مصطلح شراب واكسير المتداول في الادوية واسم مادة الجبر والكيميا وكثير غيرها مما يعرفه المختصون في تاريخ العلوم عند العرب.

وما ان تدهورت الحضارة العربية الاسلامية، وغابت الامة بعطائهاعن ساحة التأثير المباشر، بعد سقوط مراكزها الحضارية في بغداد، والأندلس، حتى بدأ التهميش، والاقصاء يدب بشكل مقصود الى كل تجليات تلك الحضارة، بما فيها العلوم الصرفة، والمعارف، ومصطلحاتها، واللغة العربية التي كانت لغة تدريس تلك العلوم، والمعارف.

وما ان نهض الغرب، وبدأت الظاهرة الاستعمارية بالظهور، وبدا احتلال اقطار العالم الاسلامي والوطن العربي، طمعا في الاستحواذ على ثرواته المعدنية، وتدمير تجليات موروثه الحضاري لمنع النهوض، والانبعاث المعاصر، بتوفر الظرف والقيادة التاريخية الواعية، حتى شاع استخدام اللغات الاجنبية للمستعمر، وعلى رأسها اللغة الانكليزية، واللغة الفرنسية في الاقطار المستعمرة، كأحد وسائل الهيمنة الاستعمارية، وفرض الثقافة الغربية على ثقافة تلك الاقطار لتلك الاسباب المشار اليها، وأخرى غيرها.ومن هنا بدأ مسخ اللغة العربية يأخذ شكلا ممنهجا، بهدف مسخ الهوية العربية للأمة كهدف مركزي.وقد تركز المسخ بهيمنة اللغة الاجنبية، وفرضها في كل مراحل الدراسة في البلدان العربية.واذا كان التغريب، ونهج الفرنجة متفشيا بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي بشكل بائن، واستخدام اللغة الانكليزية في التعامل، والمراسلات التجارية، ونقل العلوم، وتوريد التكنوجيا ابان المرحلة الاستعمارية، وما تلاها، فان مما عزز هذا النهج قلة كادر التدريس، وعدم وجود مصادر من الكتب المرجعية وشحة المترجمين، وتمركز التحصيل العلمي العالي بالجامعات الغربية، باعتبارها مركز انتاج المعرفة، وتصديرها الى بلدان العالم الثالث، ومنها بالطبع اقطار الوطن العربي، والعالم الاسلامي.

ومع ان من المقلق حقا ان المسخ تعددت وسائله في العصر الراهن في ضوء ثورة الاتصال والمعلوماتية، حيث شاع استخدام الفضائيات، والشبكة العنكبوتية بفضائها المفتوح في كل الاتجاهات، مما يزيد من مخاطر المسخ، ويضاعفها بشكل اكثر من ذي قبل، بظهور مصطلحات جديدة شاع تصديرها الى بيئتنا العربية، وتوسع استخدامهابشكل لافت للنظر في الاوساط المدرسية، والجامعية، بل وتعداها الى صلب البيئة الاجتماعية العامة، وفي اوساط الشباب بشكل خاص، الا ان نهج مسخ اللغة العربية بالآلية المذكورة، يرافقه الان بالإضافة الى ما تقدم من تحديات، الدعوة المحمومة لإشاعة استخدام العامية، الذي يصب في ذات استراتيجية عولمة الفرنجة، التي بدأت تعبث بالعربية في كل مجالات ألاستخدام، من خلال استراتيجية عولمة استخدام اللغات الاجنبية العالمية، والانكليزية منها بالذات، كونها لغة تدريس العلوم في المعاهد، والجامعات، اضافة الى عولمة استخدامها في برامجيات، وشبكة الانترنت، والمواقع العنكبوتية، والقنوات الفضائيات وغيرها، من وسائل الاتصال الجماهيري، والفضاء المعلوماتي. وواضح ما تشكله هذه الادوات التقنية المعاصرة، بتأثيرها المفتوح في كل ألاتجاهات من مخاطر جدية على اللغة العربية، ومسخ ملامحها.

وإذا كان الامر في ضوء تلك التحديات، يتطلب الانتباه الى مخاطر تداعيات استخدام اللهجة العامية، والحذر من التأثيرات السلبية لوسائل العولمة المفتوحة على لغتنا العربية، التي تتجسد في فرنجة مقرفة، ورطانة لاحنة، تؤثر على سلامة اللغة، بل وتهددها بالانقراض مع الزمن، فلا بد اذن من التحرك على عجل، ضمن خطة عربية مركزية مدروسة، تستهدف التوسع في دراسات علوم اللغة العربية، ونشر كليات اللغة العربية، ومعاهد تعليمها، وتشجيع الدارسين فيها وتمييزهم ماديا ومعنويا، والعمل على وضع استراتيجية عربية مكملة لها في نفس الوقت، لتعريب الدراسة والتعليم في الجامعات العربية، حيث تبدو امكانات التعريب افضل من ذي قبل بكثير، بسبب توفر الكفاءات العلمية العربية التدريسية والمترجمة، وتراكم الخبرة في الجامعات العربية في هذا المجال.ولعل التوسع في انشاء المواقع الحاسوبية الخادمة للغة العربية، وتخصيص يوم وطني للاحتفال بلغة الضاد، وغيرها من وسائل بعث الحياة في مشروع النهوض باللغة العربية الفصحى، ستكون وسائل مؤازرة في تعريب العلوم، والتدريس الجامعي، حفاظا للغة العربية من المسخ، وحماية لها من الانقراض.

على انه من الضروري الانتباه الى مخاطر الانخراط في الدعوات التي تصدر من المهووسين من المستغربين الدارسين في الخارج، ممن يروجون الى استخدام اللغات الأجنبية وبالذات اللغة الانكليزية في التعليم والبحوث، باعتبارها لغة انتاج العلوم الأم، ولغة العصر، تحت تأثير الانبهار الزائف بوسائل المعرفة في البيئات الاجنبية، ومحاكاتها بشكل آلي، من دون ادراك لمخاطرها على اللغة العربية، باعتبارها من اهم مرموزات الوجود العربي اولا وقبل كل شيء، وبغض النظر عن قدرتها على استيعاب علوم العصر بسبب ديناميكيتها العالية، وقدرتها الواسعة على النحت، والاشتقاق، لمواكبة مقتضيات التطور، كما يعرف ذلك جيدا المهتمون باللغات،والعلوم الانثربولوجية، والاجتماعية، اذ لا جرم ان التمادي في هذا النهج المقيت، سيؤدي بالمحصلة الى الحاق ضرر فادح باللغة العربية، وما يترتب على ذلك من مس بالهوية العربية، التي هي اهم مقومات وجود الامة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى