السبت ١٦ شباط (فبراير) ٢٠١٣
الرجال الذين يحادثونني..
بقلم هاني حجاج

قصص العشّاق والأوراق

هذه الأيام تصدر طبعة جديدة لرواية سلوى النعيمي، (برهان العسل)، تقفز بها حواجز كثيرة، وتحطم تابوهات أكثر، ويبدو أن شهر زاد ما عادت تروي لتنقذ حياتها كما في السابق بل لتشغل كل حيز من فراغ! كما تصدر الترجمة العربية لرواية أناندا ديفي، (الرجال الذين يحادثونني)، ترجمتها الدكتورة شربل داغر، وراجعتها د. ليلى عثمان فضل، ضمن سلسلة إبداعات عالمية، تتصدر الرواية مقولة ألبير كامو، في الإنسان المتمرد: لا يكفي أن نعيش، بل أن نتدبر مصيرا، من دون أن ننتظر الموت.

وكما اكتشفت سلوى النعيمي طريقها إلى مخطوطات الباه وكتب العشق والجنس العربية وأعدت بطلتها أطروحة كاملة بلغة شديدة الصراحة، تكتشف أناندا المكتبة العربية مع هذه الرواية، التي كانت رحلة في المحيط الهندي كما هي رحلة في المحيط الإنساني. تكتب بحد السكين، تعترف، تبوح، تقر، أما الرجال فيحادثونها، رجال الورق وأبطال القصص، إلى درجة أنها لا تميز بينهم تماما وبين رجال حقيقيين في حياتها. وقررت أن تعيش في كتابها، في كتب الآخرين، في كتب غيرها، أكثر مما تعيش في الحياة نفسها.

لكن الرواية هي قطعة مؤلمة من الحياة، وجدت فيها الخلاص كما تعلمت من شهر زاد التي اكتشفتها في العاشرة: "امتلكت حرية في القول لم تكن لأمي، حين أكتب، أشعر بأن أجيالا وأجيالا من النساء تقرأ ما أكتبه، إذ أكتبه، واقفة وراء كتفي" وفق قولها. وتضيف، في معرض الحديث، عن هذه الرواية: "هذا الكتاب صنعته من أجلهن." وكتبت قبله عدة أعمال: وزن الكائنات، شارع مخزن البارود، شارع دروبادي، نهاية الأحجار والأعمار، الشجرة-السوط، أنا الممنوعة، طرق الرغبة المديدة، باجلي، الرغبة المديدة، حياة جوزفن المجنون، تانجو هندي، الساري الأخضر.

وأخير تتحدث روايتها (الرجال الذين يحادثونني) عن زوجة تنفصل عن زوجها وابنيها الشابين لتقيم في فندق بنفس المدينة في حالة تذكر واستعادة ما قبل الانفصال وما بعده: "لطالما أعدت النظر في كياني..لماذا أنا امرأة صامتة في الحياة اليومية، بينما أنا، في الكتابة، أكتب من دون خشية من أي كان." وتقول في مقدمة الرواية:كل هؤلاء الرجال الذين يحادثونني. الولد، الزوج، الأب، الأصدقاء، الكتّاب الموتى والأحياء. لائحة طويلة من الكلمات، من الساعات الممحوة والمستعادة، من المباهج المنقضية، ومن عبارات الود الجريحة. أنا ممنوحة لكلام الرجال، لأنني امرأة. وترى في الكتابة عذرا ناعما ومؤلما في نفس الوقت! وتجعلنا على مسافة كبيرة من بعضنا البعض، نتزاور مثل حيوانات من خزف، بعيون من زجاج بنفس محموم، يداعب كل منا جراحه الخاصة مثل صديقين قديمين.

تختار مهجرها الخاص على (موكيت) الفندق وتجتر الماضي. في المرآة تراقب الصبية ذات الخمسة عشر ربيعا بعدائية امرأة عجوز وحسودة، تحقد عليها بغضب أحمر متوقّد. تستعيد ذكريات المراهقة على طريقة بروست، وبضربة واحدة تظهر غرابة كلمة (عائلة)، الطوق الحديدي المحيط بها، ورثت من عائلتها الأبوية خجل وراثي وأسطوري. في الاندحار، تخلط ما بين ما تحمله من ذكريات، وتحفر هذه الأرض الميتة بنفسها، وتنتزع منها جثثا، وتتأملها لكي تعرف من أين أتت. والدي، والدتي، لماذا جعلتماني كما أنا؟ بيد أن جسديهما محترقين ولا يجيبان.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى