السبت ١٦ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم عادل عامر

العقيدة الكفرية والتقليد الاعمى

إن هناك مخططا لمهاجمة الأزهر الشريف، بخاصة بعد الرسائل التهديد التى تلقاها عمداء كليات الشريعة بالأزهر، من طلاب الدعوة السلفية بالجامعة، على سبيل "الاستتابة"، تطالبهم بالتبرؤ من العقيدة الأشعرية، التى وصفوها بعقيدة "الزيغ والفساد".إن مثل هذه التيارات تتجه دائما للتشدد ولا ترغب في إحداث أي من أشكال الاستقرار، متسائلا "ماذا يريدون من الأزهر الشريف الذي تصدى للعديد من محالاوت هدم مصر عبر التاريخ؟". أن هذا المخطط "هو لون من ألوان الاستخفاف بقدر مؤسسة الأزهر، ويراد من خلالها أن تنكسر هيبة الأزهر"، مضيفا إنه لولا دور وميراث مؤسسة الأزهر عبر التاريخ لشهدت مصر حروبا أهلية، وأكد على أنه إذا سقطت مؤسسة الأزهر سقطت مصر "لأنها أحد أعمدة هذا المجتمع"، مطالبا بضرورة الاتحاد صفا واحدا من أجل بناء المجتمع. أن مثل هذه الرسائل "صورة من صور سوء الخلق"، أو ما يسمى "البلطجة"، التى لا تمت لا للدين أو الإنسانية بصلة. رسائل تهديد، تلقاها عمداء كليات الشريعة بالأزهر، من طلاب الدعوة السلفية بالجامعة، على سبيل الاستتابة، وطالبت الرسائل أساتذة الجامعة والعمداء بالإقلاع عما سمته بـ"العقيدة الكفرية"، والتقليد الأعمى وإفساد طلاب العلم، كما حذرت الأزهريين ممن يهاجمون الدعوة السلفية باتخاذ موقف حاسم ضدهم، فى مرحلة التمكين.

النوازع البشرية المختلفة من قبيل حب الرئاسة و التسلط و حب الذات و لو على حساب حقوق الآخرين مما يدفع الى الظلم و الجور، و الاقبال على الدنيا بما يتجاوز الحدود الطبيعية، و هذه الأمور هي الأساس الذي يتولد عنه النزاع و الضغائن و الاحقاد، و ربما جرت إلى التعدي و الطغيان و سفك الدماء و سحق الحريات، و ما إلى ذلك من التجاوزات التي تفتت المجتمع و تشتت الأمة، كما أن الجهل يشكل عاملا مهما في بث الفرقة. و هذا النوع من العوامل لايخلو منه مجتمع بشري منذ بداية الخليفة و حتى الآن، و لعل من أهم أهداف الدين الاسلامي بل كافة الأديان السماوية معالجة هذه النزعات البشرية و القضاء عليها و ذلك من خلال البرامج التربوية و القوانين الشرعية. و نظام العبادات في الاسلام يهدف إلى هذه النقطة عندما يربي الانسان على العبودية لله و الطاعة المطلقة و يحرره من قيود الشهوات الحيوانية و النوازع النفسانية. كما أن الدراسات الأخلاقية تتكفل بمعالجة هذا الجانب، و وظيفة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر في حقيقتها تشكل حالة من التكافل الاجتماعي للوقاية من تلك الأمراض، و نظام الحدود و التعزيرات أيضا شرع لذلك الغرض. أن الخلافات الفكرية و المذهبية على مستوى المعتقد و على مستوى المنهج الفقهي و الأصولي تشكل عاملا أساسيا من عوامل التشتت و الافتراق، و سدا منيعا أمام كل مساعي الوحدة و التقارب بين المذاهب الاسلامية و لأجل هذا كرس أصحاب هذه الرؤية كل جهودهم فى مجال معالجة هذه الخلافات فراحوا يبحثون تارة عن نقاط الالتقاء و أخرى عن الطرق التي ربما توصل إلى تقريب وجهات النظر في مسائل الخلاف. و لعل البعض قد حقق نجاحا ملموسا في هذا المضمار إلا أنه بقي محصورا في حدود دائرة ضيقة، و لم تحل المشكل جذريا. و الحقيقة أن الاختلافات الفكرية لا تشكل عاملا من عوامل الافتراق بقدر ما هي أداة تستخدم في اثارة النزاعات، و قد استخدمت بالفعل و جعلت أساس لذلك. إن الخلافات الفكرية بمنزلة إختلاف اللغة و اختلاف القومية و أمثال ذلك، ليست في واقعها من عوامل الافتراق و النزاع، و لكنها تستغل من قبل دعاة التفرقة و التجزئة و تشكل أرضية خصبة لنشاطهم. الخلافات الفكرية قد تكون في نفسها دليل حياة و دليل قوة شرط أن تكون وليدة حالة طبيعية و أن تبقى في حدود الدائرة الفكرية، فتعدد الآراء و النظريات من شأنه أن يثري الحركة الفكرية و يدفعها نحو التكامل و الرشد. نعم هناك حالات من الخلاف الفكري تنشأ من التقليد الأعمى و التعصب البغيض، فتولد حالة القصور الفكري و الجمود، و هذه بلا شك من الأمراض التي تتطلب العلاج. و لقد استطاع المستعمرون أن يصنعوا من الوطن الإسلامي الكبير كيانات صغيرة متعددة فاقدة لمقومات القوة و الحياة و الاستمرار، و حرصوا أشد الحرص على إضعافها و خلق المعضلات السياسية و الاقتصادية لها لكي تبقى أسيرة الحاجة و فريسة الصراعات، ليتسنى لهم التحكم بمصائر شعوبها و السيطرة على ثرواتها و مقدراتها. العالم الإسلامي اليوم و بفعل أولئك المستعمرين بات يشكل بؤرة الفقر و الفاقة و ميدان الصراعات المعقدة، بينما تدار عجلة الصناعة في الغرب بوقوده و زيته، و تقوم الماكنة الاقتصادية على خيراته و كنوزه المودعة فيه. لم يعد أولئك المستعمرين اليوم بحاجة لارسال قواتهم و المخاطرة بجيوشهم لقمع حركات التحرر، و تأديب من يفكر بالتمرد، أو يهدد مصالحهم الخاصة، فهم يمسكون بقياد الجيوش في أكثر البلاد الإسلامية، و يتحكمون بالدفة السياسية فيها، فعملاؤهم يكفونهم المؤونة و يؤدون المطلوب على أفضل وجه.

انحرفت بالمسلمين عن الجادة الصحيحة التي رسمها لهم الله - عز وجل - في كتابه المبين، وبينها رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم - في سنته المطهرة، ولنا أسوة حسنة في أولئك الدعاة المصلحين الذين أسسوا دعوتهم على عقيدة الإسلام، وبدءوا بتطهيرها من شوائب الشرك والخرافات. الأمر الذي تحقق بسببه رفع راية التوحيد خفاقة في ربوع الجزيرة العربية، بعد أن ران عليها الجهل، وخيم عليها الظلام عدة قرون، وعاد كثير من الناس إلى الشرك والخرافات، فانقشع ذلك الجهل، وتحول ذلك الظلام إلى نور، على يد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله، الذي بدأ بتعليم الناس العقيدة الصحيحة، وقامت بفضل هذه العقيدة دولة التوحيد، منذ أن قام الإمام محمد بن سعود - رحمه الله - مؤسس هذه الدولة المباركة بتبني هذه الدعوة الطيبة، فكتب الله لها بذلك النصر والبقاء، وزالت مظاهر الشرك والوثنية في برهة وجيزة، وهي لم تكن لتزول، لو لم تنطلق هذه الدعوة من روح العقيدة. ولست مبالغا حينما أذكر هذه الحقيقة، فإنها حقيقة يسلم بها الأعداء فضلا عن الأصدقاء، والحق ما شهدت به الأعداء. وخلاصة القول: إنه لا صلاح لنا ولا فلاح، ولا نجاح لدعوتنا، إلا إذا بدأنا بالأهم قبل المهم، وذلك بأن ننطلق في دعوتنا من عقيدة التوحيد، نبني عليها سياستنا، وأحكامنا، وأخلاقنا، وآدابنا، ننطلق في كل ذلك من هدي الكتاب، والسنة، بلا إفراط، ولا تفريط، ذلكم هو الصراط المستقيم، والمنهج القويم، الذي أمرنا الله تعالى، بسلوكه، فقال: وقال تعالى:، وقال رسول الهدى - صلى الله عليه وسلم -: تركت فيكم أمرين، لن تضلوا بعدي ما تمسكتم بهما، كتاب الله وسنتي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى