السبت ٢٣ آذار (مارس) ٢٠١٣
بقلم عثمان آيت مهدي

بكالوريا لمن يريد ومن لا يريد

عندما يقترب الفصل الأول من النهاية، من كلّ سنة دراسية، تبدأ الإشاعات تنخر جسد التلاميذ، ويبدأ التململ والحراك لشن إضراب مفتوح عن الدراسة. الأسباب كثيرة ومتعددة: كثافة البرنامج، تسرع الأساتذة في إنهاء البرنامج، عدم مراعاة تجانس القسم من حيث الاستيعاب والفهم، اكتظاظ الأقسام..

يحتشد التلاميذ بالآلاف أمام مبنى الوزارة، يحملون شعارات: نطالب بالعتبة، لا لكثافة البرامج، أثقلت الدروس الخصوصية كاهل أوليائنا، نريد مقابلة الوزير.. ويستمر الحال، كذلك، لأسبوع أو أكثر. تطلب الشرطة من المسئولين تحمل مسئولياتهم وليس لهم أن يتحملوا تبعات تقصيرهم وتهاونهم..

يطلّ الوزير من على شرفة تلفزيون اليتيمة مجيبا أحد الصحفيين: نطمئن أبناءنا المتمدرسين، ونعلمهم أنّ محاور الفصل الثالث قد ألغيت، وهذا إيمانا منّا بأنّ مصلحتهم فوق كلّ اعتبار، وسنوفر لهم كلّ التسهيلات والتخفيفات لاجتياز هذا الامتحان دون عقبات..

بعد ذلك ينقطع التلاميذ عن الدراسة، وينشغلون بأمور لا يعرفها سواهم. تفرغ المؤسسات التربوية من الأقسام النهائية ويستريح الأساتذة من عناء الدروس والفوضى والإهمال..

بعد الامتحان، تعلن النتائج: لقد ارتفعت نسبة النجاح هذه السنة إلى ستين في المئة. يبتهج الأولياء، تقام الولائم وتوزع الهدايا والمشروبات..

الانتقال إلى القسم الأعلى

يفتتح المدير الجلسة، يشيد بعمل الأساتذة ومثابرتهم طوال السنة، ثمّ يعطي الكلمة للناظر ومنه إلى المستشار التربوي ومستشار التوجيه، فيدلو كلّ واحد بدلوه. في الأخير، يتكلم أساتذة المواد الرئيسية، وبعدها أساتذة المواد الثانوية.

يتفق الجميع أن القسم ضعيف، متهاون، فوضوي.. معدل القسم في جميع المواد أقل من المتوسط، نسبة النجاح والانتقال إلى الصف الأعلى لا تتجاوز 50 من المئة. ترفع الجلسة على أمل تحسين النتائج في السنوات المقبلة.

مع بداية السنة، تصل تعليمة وزارية، تطالب المديرين بدحرجة الراسبين إلى القسم الأعلى، لأن المقبلين من الصف الأدنى عددهم كبير قد لا تستوعبهم المؤسسات التربوية الحالية.

الحلقة المفرغة

انتفض الأستاذ غضبا، واتجه صوب التلميذ المشاغب، وثار في وجهه: لا أريدك في هذا القسم أيها التلميذ العنيد، لا أريد استهتارك وتكاسلك، أحشفا وسوء كيلة؟ اخرج من القسم، سأتدعي والدك..

خرج التلميذ، اتجه نحو البيت، يروي القصة الكاملة لوالديه: إنّه أستاذ مجنون، يغضب لأتفه الأسباب، يعاملني بقسوة، أنا بريء مما يتهمني؟ يُطمئن الوالد ابنه، ويتجه صوب المؤسسة لرؤية المدير: أيها المدير، بمؤسستك أستاذ يفتقد للطرق التربوية في معاملته مع التلاميذ، إنه يغضب ويزمجر في وجوه هؤلاء الأبرياء كأنه غول مخيف. ردّ عليه المدير في تؤدة وتأن: صدقت، إنها حالات عياء وعصبية يعيشها الأستاذ من حين لآخر، لكن، لا بأس سأسمح لابنك بالدخول.

يدخل التلميذ إلى القسم، فتترصده نظرة الأستاذ الغاضبة، يبتسم التلميذ في وجهه ابتسامة عريضة توحي بمعان كثيرة، ويسلم عليه ويأخذ مكانه.

استقبال أولياء التلاميذ

غدا سيكون استقبال أولياء التلاميذ، يجب أن أحضر نفسي للقائهم، وأحضر العبارات الواجب استخدامها: تلميذ رائع، هادئ، مجدّ، مثابر، كثير المشاركة، متخلق، بشوش، مواظب..
تضيف زوجته: مشاكس، عنيد، فوضوي، متكاسل، مهمل.. يردّ عليها زوجها الأستاذ، بسرعة: في يوم الاستقبال هذا لا يحضر للقاء الأساتذة سوى أولياء النجباء، أما البقية فينتظرون خبر إعادة السنة، أو الطرد، فيملؤون ساحة المؤسسة صياحا وبكاء من أجل مساعدة فلذات أكبادهم الذين يحرصون على نجاحهم.

لقاء مثمر

طالب الأستاذ صالح رؤية والد التلميذ منير، بعد أن حاول مرارا نصحه، وإعادته إلى جادة الصواب، إنّه مستهتر، فوضوي، متكاسل، عنيف.. لقد أتعب الأستاذ وزملاءه والإدارة أيضا..
جاء والد منير، طلب رؤية الأستاذ صالح، فكان اللقاء بمكتب المدير: أصدقك القول يا أستاذ، أنّ ابني، نتاج تربيتي الجادة والصارمة، حرمت عليه أصدقاء السوء، وفرضت عليه مراجعة الدروس يوميا لمدة ساعتين. لن يقوم أو يبادر بشيء دون إذن منّي. باختصار يا أستاذ، منير نِعْمَ الابن، ولا أشك في هدوئه ومثابرته. إنّه تلميذ وديع ونجيب.

بعد أسبوع من اللقاء، استدعي والد منير لحضور مجلس تأديبي لابنه منير الذي لكمَ أحد زملائه بلكمة قوية، ثمّ أضاف أخرى لأستاذه الذي حاول فك النزاع القائم بين التلميذين.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى